منهجنا في إجراء الأبحاث

المقدمة

تجري هيومن رايتس ووتش تحقيقات منتظمة ومنهجية في انتهاكات حقوق الإنسان في كافة أرجاء العالم. ونحن نعمل في أية لحظة معينة في الأبحاث وكتابة التقارير والدفاع عن الحقوق في أكثر من 70 دولة. ونختار الدول التي نُركز عليها والقضايا التي نتناولها حسب إدراكنا للأماكن التي نرى أن مجهودنا مطلوب فيها، وحيث يمكننا إحداث فرق. ونستجيب لأحداث الطوارئ، لكننا أيضاً نتحدى مشكلات حقوق الإنسان المتعمقة القديمة والآخذة في التدهور بتثبات.

ويقوم بهذا العمل أكثر من 80 باحثاً أساسياً. ويستعين الباحثون بمنهج ثابت ومستوثق ومتسق بناء على المعلومات التي يتم جمعها من طيف واسع من مصادر المعلومات، على أن الأساس والمحور هو الأبحاث الميدانية. وبعض باحثينا يتمركزون بصفة دائمة في مواقع عملهم الميدانية، في الأماكن التي نُركز عليها أو بالقرب منها، في أماكن متنوعة كثيرة تشمل - مثالاً على التنوع - بوجومبورا والقاهرة وبانكوك وطشقند. ويعمل آخرون من مكاتبنا الرئيسية في نيويورك وبرلين وبروكسل ولندن وجوهانسبرغ وموسكو وواشنطن. وجميعهم في مهام دائمة لإجراء تحقيقات ميدانية وعقد مقابلات مع الضحايا والشهود من أجل وضع القصة الإنسانية في صدارة ومحور تقاريرنا ومطالبتنا بالتغيير. ويتعاون الباحثون مع نشطاء المجتمع المدني المحليين والمحامين والصحفيين، ويسعون للاتصال بالمسؤولين الحكوميين ومسؤولي الدولة. ومن قواعدهم الدائمة بالخارج يتبع باحثونا دائماً التطورات الخاصة بعملهم عبر وسائل الإعلام وما يصدر عن المنظمات الزميلة والمجتمع البحثي، مع الاتصالات الهاتفية وعبر البريد الإلكتروني بمن نثق بهم من نشطاء المجتمع المحلي.

ويتزامن البحث في المشكلات مع السعي لإعداد منهج للدفاع عن الحقوق؛ إذ لا تتوقف أبحاثنا عند الضحايا والجناة، بل تبحث أيضاً في تحديد من يمكن ويجب أن يتحمل مسؤولية إيقاف انتهاك الحقوق وتوفير الانتصاف، مع وضع خطوات تفصيلية محددة لما يجب على من يتولون المسؤولية فعله، ومن غيرهم يمكن أن يؤثر ويجب أن يفرض ضغطاً.

ويبدأ جميع الباحثين العمل في هيومن رايتس ووتش مع الالتزام بحقوق الإنسان وخبرة قائمة في دولهم أو القضايا التي يركزون عليها، ولهم جميعاً خلفيات متنوعة، سواء من الانشغال بالقانون أو الصحافة أو النشاط على مستوى المجتمع المدني المحلي أو الدولي، بالإضافة إلى العمل البحثي الأكاديمي. والكثير منهم خبراء متمرسون تم اختيارهم من منظمات زميلة. ويتم تنظيم العاملين بالأبحاث في هيومن رايتس ووتش بناء على التقسيم الجغرافي والموضوعي: إذ توجد خمسة أقسام جغرافية، هي أفريقيا والأميركتين وآسيا، وأوروبا وآسيا الوسطى، ثم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالإضافة إلى برنامج منفصل عن الولايات المتحدة؛ مما أدى لانتشارنا على مستوى العالم. أما الأقسام والبرامج الموضوعية فهي تضيف إلى عمق عملنا وتركيزنا على قضايا محددة داخل الدول والمناطق، وهي: الأسلحة؛ الأعمال والشركات وحقوق الإنسان؛ حقوق الطفل؛ الإرهاب ومكافحة الإرهاب؛ الصحة وحقوق الإنسان؛ العدل الدولي؛ حقوق المثليات والمثليين وذوي التفضيل الجنسي المزدوج والمتحولين جنسياً؛ اللاجئون؛ حقوق المرأة. ويعمل الباحثون تحت إشراف مدراء الأقسام أو البرامج، وكذلك الأقسام المحورية مثل قسم  الشؤون القانونية والسياسات، وقسم البرامج؛ التي تضمن الالتزام بأعلى المعايير الخاصة بالدقة والاتزان والقدرة على الإقناع، مع دوام الالتزام بهذه المعايير.

الأبحاث الأولية

تقوم هيومن رايتس ووتش بإعداد مناهج البحث الخاصة بها وتختار موضوعات الأبحاث بناء على المبادئ الحاكمة للمنظمة.

ويمكن أن تختلف مراحل الأبحاث الأولية كثيراً لدى البحث في وضع طارئ أو حالة انتهاك للحقوق تطورت سريعاً، عن الحال بالنسبة للانتهاكات طويلة الأمد أو قضايا حقوق الإنسان ذات الطبيعة طويلة المدى. وأثناء الأوضاع الطارئة يحاول باحثونا توثيق الانتهاكات أو الإساءات التي تقع بأسرع وأعمق ما يمكن، ويتطلب هذا أن يتحرك الباحثون إلى موقع الأحداث فوراً، وربما نقوم بنشر متخصصين تابعين لـ هيومن رايتس ووتش في الدولة المعنية، أو يذهب باحثو الطوارئ المتخصصون لدينا. وبالنسبة للموضوعات ذات الطبيعة طويلة المدى، يستعين باحثونا بخبراتهم الخاصة في الدولة أو لصالح الموضوع محل النظر لإجراء أبحاث متعمقة مستفيضة في خلفية الموضوع، ولكي يألفوا السياق الخاص بالموضوع وما يحيط به من أمور قبل إجراء المقابلات مع الضحايا والشهود.

والأهداف الخاصة بالمراحل الأولية من الأبحاث هي الوصول إلى فهم مستفيض متكامل للواقعة أو حادث انتهاك الحقوق ولإضفاء حس متعمق بالسياسة الداخلية والسياق الاجتماعي والثقافي للانتهاك محل البحث. ويجب على الباحثين أيضاً أن يضعوا الانتهاكات في إطارها المناسب ضمن القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. فوضع الانتهاك أو الموقف في إطار سياق ملائم يساعد الباحث أثناء مراحل البحث الأولية الأخرى، أي وهي التعرف على الضحايا والشهود المحتملين لأخذ أقوالهم، والسعي للتعاون مع مختلف الفاعلين الأطراف في الانتهاك، والبدء في التعرف على نقاط الدفاع عن الحقوق في الانتهاك المعني. والتواصل مع شبكة من المعارف على المستوى المحلي وغير ذلك من الفاعلين المعنيين هي من الطرق الأساسية التي يستعين بها الباحث من أجل الإلمام بالأوضاع المحلية ولبلوغ حالة من الفهم المستفيض للوضع.

ويعتمد باحثو هيومن رايتس ووتش كثيراً على التواصل مع شبكة من المعارف منذ بدء العمل، وطيلة كل فترات البحث. وكثيراً ما يكون النشطاء بحقوق الإنسان على المستوى المحلي وأعضاء المجتمع المدني هم أقوى حلفاء هيومن رايتس ووتش وشركاء في العمل. وهؤلاء الأشخاص يحملون أهمية خاصة ضمن جهود الباحث في التعرف على الضحايا والشهود والاتصال بهم لطلب الشهادة. كما نلجأ لأشخاص آخرين مثل المحامين والصحفيين والأطباء وجماعات الطلبة والمسؤولين الحكوميين والدبلوماسيين وممثلي منظمات المجتمع المدني الدولية والخبراء الدوليين، وتبادل المعلومات والتثبت منها وللمساعدة في التعرف على الشهود والضحايا والتوصيات ونقاط التركيز ضمن الدفاع عن الحقوق المُنتهكة.

وبالإضافة إلى الاتصال المبدئي بالأشخاص، فإن الباحثين يجرون أبحاثاً موسعة حول خلفية الموضوع قبل البدء في مقابلة الشهود أو الضحايا. ويفحصون القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقوانين المحلية والبيانات المتوفرة من الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية والدراسات الأكاديمية وأوراق العمل، وتقارير المنظمات غير الحكومية وما يتصل بالموضوع من أخبار وموضوعات صحفية من أجل فهم الموضوع والإلمام بسياقه.

المقابلات البحثية: المواقع

هدف هيومن رايتس ووتش من أية مهمة بحثية هو التوصل إلى المعلومات الكافية عن الواقعة، أو عن انتهاكات حقوق الإنسان المتكررة، بما يكفي لتكوين صورة دقيقة عمّا حدث.

ولا يحتاج هذا فقط إلى مقابلة الضحايا، بل أيضاً محاولة الإلمام بجوانب متعددة من الموضوع. ولتحقيق هذا يحاول باحثونا دوماً معرفة المواقع المحددة التي وقعت أو تقع بها الانتهاكات. وتؤثر الأوضاع الأمنية والحدود الزمنية كثيراً على قدرة الباحثين على إجراء الأبحاث. وقبل كل مهمة بحثية نقوم بتقدير حجم المخاطر الأمنية ونقوم بإعداد سبل الاتصال والبروتوكولات الأمنية. وفي حالة النزاعات المسلحة الكبرى، يحاول الباحثون البقاء في الموقع بقدر ما تسمح الظروف الأمنية.

ولدى التحقيق في انتهاكات منهجية أو متكررة لحقوق الإنسان وليس وقائع بعينها، نجري أولاً أبحاثاً عن خلفية الموضوع لتحديد أفضل المواقع لمقابلة الأشخاص المتأثرين بالانتهاكات. وتتم مراجعة ما كُتب عن الموضوع، وقراءة التقارير الصحفية وإجراء مقابلات عن خلفية الموضوع مع الخبراء؛ من أجل توجيه مسار الأبحاث. وكثيراً ما يساعد الشركاء المحليون في منظمات حقوق الإنسان والجهات الأكاديمية والمجتمع المدني في تعريف هيومن رايتس ووتش بالمناطق داخل الدول، والأحياء داخل المدن، أو بمواقع محددة يمكن للباحثين فيها مقابلة الضحايا والشهود على انتهاكات الحقوق. ويمكن أن يساعد النشطاء المحليون على ترتيب مقابلة الأشخاص ما إن يتم تحديد الموقع. وكثيراً ما يمكن العثور على عدد من الضحايا أو الشهود على انتهاكات حقوقية في مجموعات في مواقع بعينها، مثل مخيمات اللاجئين أو المستشفيات. ونلجأ كثيراً إلى دراسات قائمة أو غيرها من مصادر المعلومات من أجل تحديد مواقع إجراء الأبحاث. ومن أمثلة استخدام المعلومات في توجيه دفة اختيار مواقع الأبحاث:

  • استخدام بيانات معدلات انتشار فيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) من أجل تحديد المناطق واجبة الزيارة داخل روسيا من أجل التحقيق في مدى قدرة المرضى ممن يتعاطون المخدرات بالحقن على تلقي العلاج.
  • استخدام البيانات الخاصة بمعدلات تأديب الطلاب في المدارس بالإضافة إلى إحصاءات السكان من أجل اختيار مناطق بعينها في تكساس لزيارتها للبحث في العقاب الجسدي في المدارس الثانوية.

وفي بعض الحالات تحاول هيومن رايتس ووتش إجراء جملة من المقابلات، وفي هذه الحالة تستخدم البيانات الخاصة بالسكان من أجل اختيار مجموعة متباينة من المواقع الجغرافية لإجراء المقابلات.

المقابلات البحثية: من نقابل؟

يجري باحثو هيومنة رايتس ووتش المقابلات أثناء التحقيق في انتهاكات تم الإبلاغ عن وجودها، وهذا من أجل فهم ما حدث بدقة. وتسعى هيومن رايتس ووتش لمقابلة من كانوا طرفاً مباشراً في الانتهاكات: سواء الضحايا أو الشهود. وبالإضافة إلى فهم حقيقة ما حدث تحديداً، تقابل هيومن رايتس ووتش الضحايا والشهود من أجل منحهم الفرصة لإبلاغ أصواتهم ومشكلاتهم لطيف أوسع من الجمهور. كما أن مقابلة الضحايا والشهود تساعد هيومن رايتس ووتش على إعداد التوصيات التي توجهها للسلطات من أجل وقف انتهاكات حقوق الإنسان وإنصاف ضحاياها.

ويبدأ باحثو هيومن رايتس ووتش في أغلب الأحوال أبحاثهم بمقابلة من يعرفون بصفة مباشرة بالانتهاكات التي وقعت، أو بالموضوعات المتصلة بالانتهاكات. ويشمل هؤلاء أشخاص من منظمات حقوق الإنسان المحلية والنشطاء وأعضاء المجتمع المدني المحلي. وتساعد هذه المناقشات الأولية باحثو هيومن رايتس ووتش على التعرف على الضحايا والشهود وتحديد مواقعهم لمقابلتهم. وإلى جانب المناقشات الأولية الخاصة بخلفية الموضوع، يقابل باحثونا أيضاً مجموعة من الأفراد يشملون ممثلين عن المنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية، وممثلين عن الأمم المتحدة، وصحفيين، وأطباء وخبراء طبيين، ومحامين وخبراء قانونيين، وقادة المجتمع، ومسؤولي إنفاذ القانون، والدبلوماسيين وقادة المجتمع المدني؛ من أجل تأييد المعلومات التي يتم جمعها من الضحايا والشهود، ومن أجل فهم أفضل للسياق السياسي والمجتمعي والثقافي للموقف أو الموضوع الذي تكتب عنه هيومن رايتس ووتش.

وبالإضافة إلى الضحايا والشهود، تحاول هيومن رايتس ووتش دائماً الاتصال بالمسؤولين الحكوميين والقادة العسكريين وجماعات المتمردين والميليشيات، وبأي من الجناة المتهمين بارتكاب الانتهاكات؛ من أجل الوصول إلى معلومات وتفسيرات وروايات للوقائع، ولإبلاغ مختلف الجهات ببواعث قلقنا. إلا أن في حالات كثيرة تم رفض طلبات المقابلات أو لم تتم الإجابة عليها.

وفي حالات أخرى لم يتم إجراء المقابلات مع الجناة المتهمين بارتكاب الإساءات جراء خطورة الأوضاع الأمنية على باحثينا.

المقابلات البحثية: كيف نجري المقابلات مع الضحايا/الشهود

كل انتهاك لحقوق الإنسان أو واقعة حققت فيها هيومن رايتس ووتش فريدة من نوعها، وكذلك كل ضحية أو شاهد تمت مقابلته. ومن ثم لا يوجد منهج ثابت للمقابلات تستخدمه المنظمة دائماً. لكن المبادئ التي يجري على أساسها باحثو هيومن رايتس ووتش المقابلات مع الضحايا والشهود هي مبادئ ثابتة: رغم احتمال تباين تقنيات إجراء المقابلة أو تكييفها مع كل موقف على حدة، فإن المبادئ الحاكمة - مثل الحاجة للتأكد من الحقائق وتأييد الأقوال والتحقق من صحتها وحماية أمن وكرامة الشهود والتزام الحياد - هي مبادئ ثابتة في كل أقسام المنظمة. وبعض أكثر التقنيات استخداماً في مقابلة الشهود والضحايا هي إجراء المقابلات في ظروف تسمح بالخصوصية، ويقابل الباحث شخصاً واحداً في كل مقابلة، ويركز فيها على تفاصيل ما حدث.

وتحافظ خصوصية المقابلة على ثقة الشاهد وخصوصيته وتساعد على تفادي الإدلاء بأقوال مغلوطة أو المبالغة والتخمين، مع ضمان أن من تمت المقابلة معهم أدلوا بأقوال مستقلة تماماً. ودائماً ما يحاول الباحثون طرح أسئلة على الشهود والضحايا المختلفين عن الوقائع نفسها، في محاولة للتثبت من صحة التفاصيل المستقاة من المقابلات والتأكد من روايات الشهود واستبعاد المبالغات والأقوال التي لم يتسن التأكد من صحتها.

وأحد تقنيات إجراء المقابلات الأكثر استخداماً من أجل التأكد من صحة الأقوال، هو أن تُركز أسئلة المقابلة على التفاصيل. فمع التركيز على تفاصيل مثل العمر والأسماء والمواقع والزمن وغيرها من الأمور الوصفية، يمكن للباحث أن يكتشف الأقوال الزائفة أو المُضللة ويعرف ما إذا كانت الأقوال عن وقائع شهد عليها الشخص بنفسه أم سمعها من غيره. ومن التقنيات الأخرى المستخدمة في فضح الأقوال المزيفة أن يُطلب إلى من تمت المقابلة معهم تكرار المعلومات التي سبق وذكروها أثناء المقابلة أو توضيحها. وكثيراً ما يسأل الباحثون الشهود والضحايا عن الوقائع نفسها لتأكيد صدق الأقوال. ومن الصعب وغير المرجح أن يذكر عدة أشخاص تمت مقابلتهم نفس التفاصيل عن واقعة ما إذا كانت هذه التفاصيل مغلوطة.

ويتفادى باحثونا بكل حرص إعادة الإحساس بالألم إلى الأشخاص الذين عانوا من انتهاكات جسيمة. إذ يتوخون التحدث إلى الأشخاص في الوقت المناسب والظروف المناسبة، وهم مُدربون على التحدث والتواصل مع مراعاة مشاعر الأشخاص. ويجب أن تجري المقابلة في أوضاع آمنة وفي خصوصية. ويتم إخطار من تجري المقابلات معهم بالغرض من المقابلة وما ستشمله، ويجب أن يمنح الأشخاص موافقتهم أولاً ويُكفل للأشخاص أن يبقوا مجهولين مع الحفاظ على سرية شخصياتهم. وتتم طمأنة من تتم مقابلتهم أولاً لأن بإمكانهم إنهاء المقابلة وعدم الإجابة على أي من الأسئلة. وإذا أحس الباحث بأن الشاهد أو الضحية غير مستعد نفسياً لإجراء المقابلة، يتم إلغاء المقابلة أو تحديد موعد لاحق لها.

ودائماً ما يتم إجراء المقابلات بلغة يجيدها الشخص الذي تتم مقابلته (عادة لغته الأولى أو اللغة الأم). وفي أغلب الحالات فإن باحثي هيومن رايتس ووتش يجيدون اللغة التي تتم بها المقابلة. وفي حالة عدم إتقان الباحث للغة أو اللهجة المحلية، تستعين هيومن رايتس ووتش باستشاريين ومترجمين فوريين، وأغلب المترجمين من نشطاء حقوق الإنسان المحليين الذين يعاونون الباحث، ومن ثم فهم محايدون ويفهمون طبيعة المقابلة وطبيعة عمل هيومن رايتس ووتش. وتدرب هيومن رايتس ووتش المترجمين الفوريين والاستشاريين على ترجمة الأسئلة والردود كلمة بكلمة من أجل طرح أسئلة للمتابعة في حالة الحاجة إلى الاستيضاح.

ودائماً ما تتم المقابلات وجهاً لوجه كلما تسنى هذا. وفي حالة استحالة إجراء المقابلة وجهاً لوجه، يجري باحثو هيومن رايتس ووتش المقابلات مع الشهود أو الضحايا عبر الهاتف وغيرها من سبل الاتصال. ودائماً ما يًُذكر بوضوح أسلوب وطبيعة المقابلة في تقارير هيومن رايتس ووتش المنشورة.

الأبحاث غير المتعلقة بالمقابلات

ليست المقابلات هي الأدلة الوحيدة التي تعتمدها هيومن رايتس ووتش أثناء الأبحاث وكتابة التقارير. فنحن نراجع التقارير الإعلامية باستفاضة وكذلك التشريعات المحلية والقانون الدولي وأوراق العمل والتقارير الأكاديمية وتقارير المجتمع المدني أثناء المراحل الأولية وطيلة فترة البحث. وفي كل الأحوال تقريباً يتم استخدام وثائق المحاكمة والتقارير الحكومية ووثائق الإدانة والأحكام، أثناء كتابة التقارير في هيومن رايتس ووتش. كما يتم عادة تحليل البيانات المستقاة من مصادر مثل الأمم المتحدة والكيانات الإقليمية الحكومية والهيئات الحكومية المحلية، من أجل إثبات تواجد انتهاكات لحقوق الإنسان ولتوضيح مجال هذه الانتهاكات. ومن الأمثلة على هذا استخدام بيانات الأحكام الجنائية الأميركية من أجل إثبات التفاوت في الأحكام بناء على العرق في الحُكم على الأحداث بالسجن المؤبد دون إفراج مشروط؛ أو استخدام سجلات دفع المرضى للرسوم في بوروندي لإثبات غياب المساواة والمعاملة الأخلاقية للمرضى. كما أن في بعض الحالات جمعت هيومن رايتس ووتش وحللت بيانات أولية، كما في حالة تقرير يُعدد جرائم الحرب في كوسوفو، وقد اشتمل هذا التقرير على تحليلنا الخاص للبيانات.

وميدانياً، أحياناً ما يجمع الباحثون المعلومات والبيانات التي لا تستند إلى المقابلات، لكن بناء على فحص أماكن وقوع الحوادث. وقد استخدم باحثو هيومن رايتس ووتش أدوات بحث جنائي من أجل توثيق انتهاكات حقوق الإنسان. وقام الباحثون بتصوير الإصابات والكدمات ووثقوا أماكن وقوع الدمار ووثقوا مظروفات الطلقات الرصاصية الفارغة، وقاموا بقياس وتحليل الحفر المتخلفة عن الانفجارات. كما استخدمت هيومن رايتس ووتش نظام الـ جي بي إس لتحديد المواقع وصور الأقمار الصناعية لفحص مواقع انتهاكات حقوق الإنسان. ولدى توثيق الأدلة على انتهاكات لحقوق الإنسان، يتم تدريب الباحثين على استخدام أي من الأساليب التي يجيدونها وألا يعتمدوا على المقابلات فقط.

تحديات منهجية تفصيلية محددة

     الأبحاث في المجتمعات المغلقة

تجري هيومن رايتس ووتش الأبحاث في بلدان ومناطق عديدة يمكن اعتبارها "مجتمعات مغلقة". وبعض هذه البلدان، مثل إيران وكوريا الشمالية، تغلق حدودها بالكامل في وجه باحثينا. وبعض "المناطق المغلقة" الأخرى قد تكون في بلدان "مفتوحة" من حيث المبدأ، لكن فيها مناطق مغلقة على الباحثين جراء انعدام الأمان أو لوجود قيود تفرضها السلطات. وإجراء الأبحاث في هذه المناطق تصحبه عدة تحديات تشمل التعرف على الانتهاكات، ثم فهم السياق المحلي بشكل مستفيض، ثم التعرف على الضحايا والشهود، وأخيراً الوصول إلى التوصيات المناسبة وتحديد الفرص المطروحة للدفاع عن الحقوق. وأكبر باعث على القلق لدى هيومن رايتس ووتش هو الأمن، ليس فقط أمن الباحثين، بل أيضاً من يتحدث إليهم الباحثون. ففي هذه المناطق المغلقة عادة ما يكون هنالك تهديد أمني قائم يتعرض له من نتحدث إليهم ومن نحن على اتصال بهم، والحفاظ على أمنهم - حتى بعد أن يغادر الباحثون بفترة طويلة - هو أهم أولوياتنا.

وهناك أساليب عديدة ينتهجها باحثو هيومن رايتس ووتش من أجل جمع المعلومات في المناطق المغلقة. حتى دون دخول المنطقة يمكن للباحثين إجراء المقابلات مع الضحايا والشهود. وعادة ما تتم المقابلات عبر الهاتف، وفي بعض الأحيان عن طريق الإنترنت. وهذه المقابلات عادة ما تُستخدم لجمع المعلومات الخاصة بخلفيات الوقائع وفي التعرف على الانتهاكات، لكن في بعض الأحيان تذكر هيومن رايتس ووتش في تقاريرها شهادات للشهود أو الضحايا تم جمعها عن طريق آخرين. ويحرص الباحثون أشد الحرص على التثبت من هويات الضحايا والشهود وتأكيد شهاداتهم عبر مراجعة الأقوال ومقارنة المعلومات التي يذكرونها بمصادر معلومات أخرى.

أما المقابلات الحدودية، التي تتم عبر حدود دولة أو حدود إقليمية مع شهود وصلوا تواً من منطقة مغلقة، فهي وسيلة أخرى لمقابلة الضحايا والشهود على الانتهاكات. وهذه التقنية ثبت أنها إحدى أنجح وسائل جمع المعلومات عن المجتمعات المغلقة، وكانت في بعض الأحيان هي الوسيلة الوحيدة لمعرفة المعلومات عمّا حدث في الدولة أو المنطقة المعنية. ومن بين الأماكن التي نجري فيها مقابلات حدودية، مخيمات اللاجئين أو الأشخاص النازحين، ومراكز استطلاع الجيش أو جماعات المتمردين.

ومؤخراً بدأت هيومن رايتس ووتش في استخدام تكنولوجيا الأقمار الصناعية من أجل الكشف عن الانتهاكات الحقوقية في المناطق المغلقة. وصور القمر الصناعي فعالة للغاية في إظهار ما قبل وما بعد وقوع نزاعات كبرى، مثل تدمير قرى أو تحركات جماعية للأفراد، مثل حالات تهجير ونزوح اللاجئين. وقد استخدمت هيومن رايتس ووتش صور القمر الصناعي عندما تلقت تقارير بأن مواقع بعينها تعرضت لهجمات لكن لم تسنح لها فرصة دخول المنطقة لتأكيد هذه التقارير. وباستخدام إحداثيات المواقع عبر نظام الـ جي بي إس، عن القرى المذكور تعرضها للهجمات في التقارير، تمكن الباحثون من شراء صور قمر صناعي لهذه القرى تم التقاطها على فترات. ومثل هذه السلسلة من الصور للموقع الواحد عبر فترة زمنية ما، تمثل دليلاً واضحاً على الحالة قبل وبعد الهجوم وما كان للهجوم من آثار.