(كييف) - قالت "هيومن رايتس ووتش" في تقرير صدر اليوم إن القوات الروسية والموالية لروسيا تنقل المدنيين الأوكرانيين، بمن فيهم الفارّون من القتال، قسرا إلى الاتحاد الروسي أو المناطق الأوكرانية التي تحتلها روسيا.
يوثّق التقرير الصادر في 71 صفحة، "لم يكن لدينا خيار آخر": "الفرز" وجريمة نقل المدنيين الأوكرانيين قسرا إلى روسيا"، عمليات نقل المدنيين الأوكرانيين التي تشكل انتهاكا خطيرا لقوانين الحرب فترتقي إلى جرائم حرب وجرائم محتملة ضد الإنسانية. كما أخضعت السلطات الروسية وحليفاتها آلاف المواطنين الأوكرانيين لشكل من أشكال الفحص الأمني الإجباري والعقابي الذي ينطوي على انتهاكات، والذي يسمّى "الفرز".
قالت بلقيس والي، باحثة أولى في قسم الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش وإحدى مؤلفي التقرير: "ينبغي ألا يكون الخيار الوحيد أمام المدنيين الأوكرانيين هو الذهاب إلى روسيا، كما ينبغي ألا يُجبَر أي شخص على الخضوع لفحص منتهِك للوصول إلى بر الأمان".
قابلت هيومن رايتس ووتش 54 شخصا ذهبوا إلى روسيا، أو خضعوا للفرز، أو نُقل أحد أفراد عائلاتهم أو أصدقائهم إلى روسيا، أو ساعدوا الأوكرانيين الذين حاولوا مغادرة روسيا. فرّ معظمهم من منطقة ماريوبول، ونُقل العديد منهم من منطقة خاركيف. كما قابلت عشرات المدنيين من منطقة ماريوبول ممن تمكنوا من الفرار من منطقة الحرب إلى الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا دون الخضوع للفرز.
كتبت هيومن رايتس ووتش إلى الحكومة الروسية في 5 يوليو/تموز 2022 مع ملخص لنتائجها وأسئلتها لكنها لم تتلق أي رد.
أمّن مسؤولون روس وموالون لروسيا وسائل نقل للفارين من مدينة ماريوبول الساحلية الجنوبية الشرقية المحاصرة. وأخبروا بعض المدنيين أنه ليس لديهم خيار سوى البقاء في المناطق التي تحتلها روسيا أو الذهاب إلى روسيا، وبالتالي عليهم "نسيان" الذهاب إلى الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا. قالت امرأة نُقلت من ماريوبول: "بالطبع، كنا سنغتنم الفرصة للذهاب إلى أوكرانيا لو تمكنّا من ذلك، لكننا لم نمتلك خيار أو إمكانية الذهاب".
وقال آخرون إن العسكريين أو غيرهم من الأفراد عند نقاط التفتيش أمروا الأوكرانيين الفارين بالذهاب إلى روسيا أو "جمهورية دونيتسك الشعبية"، وهي منطقة في دونيتسك تسيطر عليها الجماعات المسلحة التابعة لروسيا وتحتلها روسيا. أعطاهم العسكريون الذين اعتقلوا المدنيين في الأراضي المحتلة الأمر التعليمات نفسها. وقد تمكن المقتدرون ماديا من تأمين انتقالهم إلى الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا.
كما نُقل سكان بعض القرى وإحدى مدن منطقة خاركيف الشرقية المتاخمة لروسيا بالقوة إلى روسيا. روى رجل عمره 70 عاما من قرية روسكا لوزوفا إن القوات الروسية قالت له: "أنت تعيش تحت حُكمنا ولذا إذا جاء الجيش الأوكراني، سيعاقبونك وستُعدم". وبينما لم يستسلم بدوره، غادرت مئات العائلات من القرية إلى روسيا.
وقال بعض الأشخاص إنهم ذهبوا إلى روسيا طواعية، كطريق عبور للوصول إلى "الاتحاد الأوروبي"، لأسباب منها تجنب قيود السفر.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه وعلى الرغم من عدم اتضاح إجمالي عدد المدنيين الأوكرانيين الذين نُقلوا إلى روسيا، إلا أن العديد منهم نزحوا ونُقلوا بطرقٍ وفي سياقات قسرية غير قانونية. في منتصف أغسطس/آب، أفادت وسائل الإعلام الروسية بأن أكثر من 3.4 مليون أوكراني دخلوا الاتحاد الروسي من أوكرانيا، من ضمنهم 555 ألف طفل.
تواصل أولئك الذين تمكنوا من استخدام الهواتف وشبكات التواصل الاجتماعي مع النشطاء الذين ساعدوهم في مغادرة روسيا إلى إستونيا أو لاتفيا أو جورجيا. على الرغم من ذلك، واجه بعضهم صعوبات على الحدود بسبب تركهم أوراقهم الثبوتية خلفهم عند الفرار من أوكرانيا.
تحظر قوانين الحرب على القوات الروسية وحلفائها إجبار المدنيين الأوكرانيين، فرديا أو جماعيا، على المغادرة إلى روسيا. يشكّل النقل القسري جريمة حرب وجريمة محتملة ضد الإنسانية، ويتحقق ذلك في أوضاع تشمل موافقة الأشخاص على الانتقال فقط لأنهم يخشون عواقب مثل العنف أو الإكراه أو الاحتجاز إذا ما بقوا واستغلال سلطة الاحتلال وجود بيئة قسرية لنقلهم. ولا يكون نقل المدنيين أو تهجيرهم مبررا أو مشروعا لأسباب إنسانية إذا كانت الأزمة الإنسانية التي أدت إلى التهجير ناتجة عن نشاط غير مشروع تقوم به السلطة المُحتلّة.
خلال عملية "الفرز"، التي خضع لها الآلاف من سكان منطقة ماريوبول قسرا أثناء محاولتهم الفرار، جمع المسؤولون الروس والموالون لروسيا في المنطقة التي تحتلها روسيا البيانات البيومترية للمدنيين، بما في ذلك بصمات الأصابع وصور الوجه الأمامية والجانبية؛ وأجرت عمليات تفتيش جسدية، وفتشت متعلقاتهم وهواتفهم الشخصية، وسألتهم عن آرائهم السياسية.
قال رجل من ماريوبول إنه وعشرات من سكان ماريوبول مكثوا أسبوعين في مدرسة بالقرية في ظروف قذرة قبل نقلهم للخضوع للفرز، وإن الكثيرين منهم أصيبوا بالأمراض ويخشون ما ينتظرهم. أضاف: "شعرنا وكأننا رهائن".
في حين أن روسيا قد يكون لديها أسبابها المشروعة لإجراء فحص أمني للأشخاص الذين يسعون طواعية لدخول الأراضي الروسية، فإن عملية الفرز – في نطاقها والطريقة المنهجية التي أُجبر بها المدنيون الأوكرانيون على الخضوع لها – عقابية ومنتهِكة وليس لها أسس قانونية، إنها تنتهك الحق في الخصوصية، بحسب هيومن رايتس ووتش.
اعتُقل الأشخاص الذين "رسبوا" نتيجة التدقيق، على ما يبدو بسبب صلاتهم المشتبه بها بالجيش الأوكراني أو الجماعات القومية، في المناطق التي تسيطر عليها روسيا، بما في ذلك مركز الاحتجاز في أولينيفكا، حيث قُتل 50 معتقلا أوكرانيا على الأقل خلال انفجار في 29 يوليو/تموز.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على القوات الروسية والموالية لروسيا في المناطق التي تحتلها أن تضمن أن يتمكن المدنيون من المغادرة الآمنة إلى الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا إذا ما أرادوا ذلك. عليهم ضمان أن الأشخاص على دراية كاملة بالمكان الذي تتجه إليه الحافلات التي يستقلّونها ولديهم حرية الاختيار إذا كانوا لا يريدون السفر إلى روسيا. عليهم الكف عن الضغط على المواطنين الأوكرانيين للذهاب إلى روسيا وتسهيل عودة الراغبين إلى أوكرانيا.
كما ينبغي للسلطات الروسية أن توقف جميع العمليات الجارية لجمع البيانات البيومترية للأشخاص الموجودين في أوكرانيا أو القادمين منها أو الاحتفاظ بهذه البيانات. عليها جمع البيانات البيومترية فقط عندما تكون العملية قانونية، ومتناسبة، وضرورية، وإبلاغ الأشخاص عن سبب جمع بياناتهم، وكيفية استخدامها، ومدة الاحتفاظ بها.
قالت والي: "يجب أن يتوقف فورا اقتياد الناس إلى المناطق التي تحتلها روسيا ثم إلى روسيا دون موافقتهم. على السلطات الروسية والمنظمات الدولية أن تفعل كل ما في وسعها لمساعدة أولئك الذين يُنقلون إلى روسيا ضد إرادتهم والذين يريدون العودة إلى ديارهم ليكونوا قادرين على القيام بذلك بأمان".