(نيويورك) – قالت أكثر من 85 منظمة لحقوق الإنسان اليوم إنه ينبغي على "الجمعية العامة للأمم المتحدة" أن تتحرك على وجه السرعة لإنشاء آلية تحقيق لجمع وحفظ الأدلة على الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان ولقوانين الحرب في اليمن. ولن يكون التقاعس عن التحرك مجرّد صوت داعم للإفلات من العقاب في اليمن، إنما سيوازي إعطاء الضوء الأخضر لارتكاب مزيد من الانتهاكات وجرائم الحرب.
وثمة حاجة ملحة لهذه الخطوة، في ظلّ إخفاق "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة" في أكتوبر/تشرين الأول في تجديد التفويض الممنوح لفريق الخبراء البارزين الذي أجرى على مدى أكثر من أربع سنوات تحقيقات في انتهاكات الحقوق وغيرها من انتهاكات القانون الدولي من جانب كافة أطراف النزاع في اليمن، ورفع تقارير حولها.
وقالت المنظمات في بيان مشترك موجه إلى الدول الأعضاء الـ 193 في الجمعية العامة إن "المعاناة التي تعرض لها المدنيون في اليمن تقتضي اتخاذ هذه الخطوة للتصدي للإفلات من العقاب في النزاع الدائر ولتوجيه تحذير واضح لمرتكبي الانتهاكات المنتمين إلى جميع الأطراف بأنهم سيخضعون للمساءلة على جرائم الحرب وغيرها من الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان".
وينبغي على الدول الأعضاء استحداث آلية تحقيق دائمة جديدة للإثبات للشعب اليمني أن الأمم المتحدة لن تغض الطرف عن معاناتهم وأنها تدعم المساءلة الدولية على الجرائم والانتهاكات المرتكبة بحقهم. جاء تصويت مجلس حقوق الإنسان نتيجة حملة مناصرة قوية ضد تقرير الخبراء من جانب المملكة العربية السعودية بدعم من الإمارات العربية المتحدة - قائدا التحالف العسكري في نزاع اليمن - وغيرهما من الحلفاء. وتابعت المنظمات بأن "المجتمع الدولي لا يستطيع أن يقف مكتوف اليدين ويسمح بأن يكون ذلك التصويت الكلمة الفصل بشأن جهود المساءلة على الانتهاكات وجرائم الحرب في اليمن".
وحثت المنظمات الجمعية العامة للأمم المتحدة على إنشاء آلية مستقلة وحيادية للتحقيق في أخطر الانتهاكات والإساءات للقانون الدولي المرتكبة في اليمن وإعداد تقرير علني حولها. وفي الوقت نفسه، تجمع الأدلة وتحافظ عليها وتُعدّ الملفات لمقاضاة جنائية محتملة في المستقبل.
وأردفت المنظمات بأن "مثل هذا التفويض القوي مطلوب لضمان فضح الانتهاكات الخطيرة المرتكبة في اليمن - أمام العالم. ليس هذا فحسب، بل أيضاً يمكن استغلال المجالات المحتملة للمساءلة على الجرائم المنصوص عليها بموجب القانون الدولي استغلالاً فعالاً في المستقبل للتصدي للإفلات من العقاب وتقديم سبيل انتصاف فعال للضحايا".
لقد ارتكبت كافة أطراف النزاع في اليمن انتهاكات واسعة النطاق وممنهجة، من ضمنها إيقاع عشرات الآلاف من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين على حد قول المنظمات؛ فمنذ عام 2015، شن التحالف بقيادة السعودية والإمارات عشرات الضربات الجوية غير المشروعة التي أسفرت عن مقتل وجرح المدنيين وتدمير المنازل، والمستشفيات، والمدارس، والأسواق، وغيرها من البنى التحتية المدنية أو إلحاق أضرار بها، وسلّح التحالف وساند جماعات وميليشيات ارتكبت انتهاكات خطيرة.
وقد أطلقت قوات الحوثيين قذائف الهاون والقذائف الصاروخية وغيرها من الصواريخ عشوائياً على مناطق ذات كثافة سكانية، من بينها مدن في اليمن، وأطلقت صواريخ باليستية عشوائياً على مناطق آهلة بالسكان في السعودية. وعمدت الأطراف المتحاربة إلى منع المساعدات الإنسانية التي تُنقذ الأرواح من الوصول إلى الذين يحتاجونها. وقالت المنظمات إن السلوك الإجرامي لجميع أطراف النزاع أودى بحياة آلاف المدنيين وتسبّب في اليمن بأسوأ أزمة إنسانية في العالم.
ولن تكون هذه المرة الأولى التي تتخذ فيها الجمعية العامة إجراء شجاعاً ضد الانتهاكات واسعة النطاق والمتواصلة لحقوق الإنسان؛ ففي 2016 أنشأت آلية دولية محايدة ومستقلة لجمع وحفظ وتحليل الأدلة على الجرائم الأشد خطورة وفق تصنيف القانون الدولي المرتكبة في سوريا. وفي 2018، استحدث مجلس حقوق الإنسان آلية مشابهة لميانمار في أعقاب الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية المحتملة التي ارتُكبت ضد المسلمين الروهينغيا عام 2017.
وإدراكاً من عشرات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة للحاجة الملحة للمساءلة في اليمن، سبق أن قالت إنّ المجتمع الدولي يجب أن يرمي إلى "استكشاف فعّال للآليات البديلة" للمساءلة في اليمن.
وأضافت المنظمات أنّ "الشعب اليمني بحاجة للعدالة. وتبدأ العدالة بالتحقيقات والمساءلة. لقد حان الوقت للتحرك".
ويمكن الاطلاع على البيان المشترك الكامل هنا. وسيظل مفتوحاً للتواقيع.
تعليقات من منظمات رائدة لحقوق الإنسان مؤيدة للبيان المشترك
أنياس كالامار، الأمينة العامة لـ"منظمة العفو الدولية": "لا نحتاج إلى معجزة لإنشاء آلية مماثلة، بل إلى الإرادة السياسية. ونطلب من الجمعية العامة أن تعزّز جهودها وتتخذ إجراءً الآن. إذا واصلت الدول غض الطرف، فلن نرى في الأفق نهاية لهذا النزاع الرهيب الذي تسبب بمعاناة لا توصف للرجال والنساء والأطفال في اليمن. وما برح اليمنيون يطرقون جميع الأبواب للمطالبة بالمساءلة والعدالة. والدول الأعضاء مدينة لهم بأن تسرع في اتخاذ هذه الخطوة – إذ أنّ رفاه الملايين بين أيديها".
كينيث روث، المدير التنفيذي لـ "هيومن رايتس ووتش": "لا يجوز أن يكون نجاح الحكومة السعودية في ليّ ذراع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لإنهاء تدقيقه في سلوك السعوديين والحوثيين وسواهم في اليمن هو الكلمة الفصل؛ فطوال سنوات، أبدى جميع الأطراف المتنازعين في اليمن استهتاراً بلا شفقة بحقوق الإنسان وحياة البشر. ومن شأن الإفلات من العقاب أن يزيد الأمور سوءاً. ومن الملّح أن تصحح الجمعية العامة للأمم المتحدة هذه الخطوة الخطيرة إلى الوراء. وعليها تكوين فريق تحقيق لجمع الحقائق والإبلاغ عنها وجمع وحفظ الأدلة للمقاضاة في المستقبل".
رضية المتوكل، رئيسة "منظمة مواطنة لحقوق الإنسان": "ينبغي على الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تتحرك الآن وتنشئ آلية لليمن. فإذا كان المجتمع الدولي جاداً في مساندة اليمن، يجب أن يكون إنهاء الإفلات من العقاب ودعم المساءلة أولى أولوياته. وينبغي مساءلة جميع الأطراف المتحاربة، ومن ضمنهم التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، والحوثيون على المعاناة التي عاشها المدنيون".
بهاء الدين حسن، مدير "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان": "إن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أمام خيارَيْن: إما أن ترضخ للضغط السعودي وتسمح لجميع أطراف النزاع – بمن فيهم الجماعات المسلحة الحوثية – بمواصلة ارتكاب الفظائع تلو الأخرى مع إفلات تام من العقاب، وإما أن تتخذ إجراءً لحماية الشعب اليمني وضمان المساءلة".
سافيتا بوندي، المديرة التنفيذية لـ"المركز العالمي للمسؤولية عن الحماية": "ما زال يتفشى منذ أكثر من ست سنوات وباء الإفلات من العقاب على عدد لا يُحصى من الفظائع المرتكبة في اليمن. وقد فاقم إنهاء مهمة فريق الخبراء البارزين فجوة المساءلة هذه. وتتحمل الجمعية العامة للأمم المتحدة مسؤولية عن حماية الشعب اليمني، وعن التحرك الآن باتخاذ إجراء عاجل لإنشاء آلية مساءلة دائمة جديدة. ولن يصبح السلام ممكناً في اليمن إلا إذا سادت العدالة والمساءلة".
منظمات المجتمع المدني تطالب بتحرك عاجل من الأمم المتحدة ضد الإفلات من العقاب في اليمن
منذ نحو سبعة أعوام، يعيش الشعب اليمني ضحيةً لعدد لا يحصى من جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان.
يشهد توثيق فريق الخبراء البارزين المفوّض من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حتى الشهر المنصرم للجرائم التي ارتكبها جميع أطراف النزاع وإطلاع العالم عليها على وجود التزام بالتصدي للإفلات المستشري من العقاب على هذه الجرائم. وقد أظهر ذلك للمدنيين في اليمن بأن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لا تغض طرفها عن معاناتهم.
لكنّ الوضع تغيّر؛ فالمملكة العربية السعودية، بدعم من الإمارات العربية المتحدة – وهما قائدا التحالف العسكري في نزاع اليمن – كسبت تأييد أعضاء مجلس حقوق الإنسان لوضع حد للمراقبة والإبلاغ الحياديَيْن من جانب فريق الخبراء البارزين. ونتيجة لذلك رفض أعضاء المجلس بأغلبية ضئيلة قراراً كان يمكن في حال تبنيه أن يجدد تفويض فريق الخبراء البارزين، ما وجّه صفعة خطيرة لجهود المساءلة.
وعلى حدّ قول السفير الهولندي لدى الأمم المتحدة في جنيف: إن المجلس "خذل الشعب اليمني" بإنهائه عمل فريق الخبراء البارزين.
ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يقف مكتوف الأيدي ويسمح لذلك التصويت بأن يكون الكلمة الفصل بشأن جهود المساءلة على الانتهاكات وجرائم الحرب في اليمن.
تناشد المنظمات الموقعة أدناه الجمعية العامة للأمم المتحدة بالتحرك على وجه السرعة وإنشاء آلية مساءلة دولية جديدة خاصة باليمن. وتقتضي المعاناة التي تعرّض لها المدنيون في البلاد اتخاذ هذه الخطوة لمواجهة الإفلات من العقاب في النزاع الدائر وتوجيه تحذير واضح إلى مرتكبي الانتهاكات من كافة الأطراف بأنهم سيخضعون للمساءلة على جرائم الحرب وغيرها من الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
لقد ارتكب جميع أطراف النزاع في اليمن انتهاكات واسعة النطاق وممنهجة، من بينها إيقاع عشرات الآلاف من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين؛ فمنذ عام 2015، شن التحالف بقيادة السعودية والإمارات عشرات الضربات الجوية غير المشروعة التي أوقعت قتلى وجرحى مدنيين ودمرت المنازل، والمستشفيات، والمدارس، والأسواق، وغيرها من البنى التحتية المدنية أو ألحقت أضراراً بها، وسلّح وساند، كما زُعم، الجماعات المسلحة والميليشيات المحلية. وأطلقت القوات الحوثية قنابل الهاون والقذائف الصاروخية والصواريخ الأخرى عشوائياً على المناطق ذات الكثافة السكانية، ومن ضمنها المدن في اليمن، وكذلك أطلقت صواريخ باليستية عشوائياً على مناطق آهلة بالسكان في السعودية. وقد منع الأطراف المتحاربون وصول المساعدات الإنسانية التي تُنقذ الأرواح إلى الذين يحتاجونها. وحصد السلوك الإجرامي لجميع أطراف النزاع آلافاً من أرواح المدنيين وتسبّب في اليمن بأسوأ أزمة إنسانية في العالم.
وتدعو المنظمات الموقعة أدناه الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى إنشاء هيئة مستقلة ومحايدة يمكن أن تحقق في أشدّ الانتهاكات والإساءات خطورة المنصوص عليها في القانون الدولي، المرتكبة في اليمن، وأن ترفع تقارير علنية حولها، وفي الوقت نفسه، أن تعمل أيضاً على جمع وحفظ الأدلة وإعداد الملفات للمقاضاة الجنائية الممكنة في المستقبل. وثمة حاجة لمثل هذا التفويض القوي لضمان فضح الجرائم الخطيرة المنصوص عليها في القانون الدولي والمرتكبة في اليمن - أمام العالم، ليس هذا فحسب، بل أيضاً ثمة إمكانية لاستغلال السبل المحتملة للمساءلة الجنائية استغلالاً فعالاً في المستقبل للتصدي للإفلات من العقاب وتقديم سبيل انتصاف فعال للضحايا.
إنّه هدف طموح، لكن الجمعية العامة سبق أن ارتقت إلى مستوى التحدي، عندما تطلبت الانتهاكات الجسيمة واسعة النطاق والمستمرة ذلك؛ ففي 2016، استحدثت الجمعية العامة آلية دولية حيادية ومستقلة لجمع وحفظ وتحليل الأدلة على أكثر الجرائم خطورة بموجب القانون الدولي التي ارتُكبت في سوريا. وفي 2018، أنشأ مجلس حقوق الإنسان آلية مشابهة خاصة بميانمار في أعقاب الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية المحتملة التي ارتُكبت ضد المسلمين الروهينغيا في 2017. وإدراكاً من عشرات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة للحاجة الملحة للمساءلة في اليمن، حضّت المجتمع الدولي على "الاستكشاف الفعال لآليات بديلة" لمراقبة وضع حقوق الإنسان.
بإمكان الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بل يجب عليها، تشكيل آلية المساءلة في اليمن وضمان تزويدها بالموارد الكافية لأداء مهمتها. إنه أقل ما يمكن فعله لأولئك الذين تحملوا معاناة لا حدّ لها على مدار سبع سنوات.
إن شعب اليمن بحاجة للعدالة، وتبدأ العدالة بالتحقيقات والمساءلة. لقد حان الوقت للتحرّك.