إعلان السعودية في منتصف يونيو/حزيران بأنها ستعيد هيكلة "هيئة التحقيق والادعاء العام" (الهيئة)، ذات السمعة المخيفة، ككيان مستقل، قدّم بريق أمل لدى الأوساط الحقوقية السعودية.
روّعت الهيئة، التي كانت تحت سلطة وزارة الداخلية، المعارضين السعوديين المُسالمين منذ 1988 بوسائل مختلفة، منها المضايقة والاستدعاءات التي لا نهاية لها للاستجواب، والاعتقال التعسفي والمقاضاة في محاكمات غير عادلة بتهم زائفة تُثير السخرية.
استهدفت الهيئة على مر السنين عددا من السعوديين الذين تجرّأوا على الدفاع عن حقوق الإنسان، منهم الناشط المستقل ومهندس الكمبيوتر عصام كوشك الذي يقبع في السجن العام بمكة لأكثر من 6 أشهر دون توجيه تهم إليه.
يبدو أن الهيئة استهدفت كوشك لنشاطه على الإنترنت حيث يعمل على تسليط الضوء على قمع النساء وسجن المعارضين المسالمين. كوشك ليس إلا واحدا من ضحايا الهيئة الكثيرين، لكن تعامل السلطات مع قضيته ستُبين ما إذا كانت إعادة هيكلة الهيئة ككيان مستقل مجرّد حبر على ورق.
سيعدَّل اسم الهيئة ليصبح ببساطة "النيابة العامة"، ومن الناحية التقنية، ستكون كيانا مستقلا تابعا للملك مباشرة. جاء في الأمر الملكي لـ17 يونيو/حزيران أن التغيير يتماشى "مع القواعد والمبادئ النظامية المتبعة في العديد من دول العالم" وينطلق من "ضرورة الفصل بين السلطة التنفيذية في الدولة والهيئة وأعمالها باعتبارها جزءا من السلطة القضائية".
رأى مراقبون سعوديون فورا في الأمر الملكي - خاصة الإشارة إلى السلطة التنفيذية - استحواذا داخليا على السلطة من يد وزير الداخلية آنذاك محمد بن نايف، الذي جرّده الملك سلمان من منصبه كوزير للداخلية وولي للعهد بعد 5 أيام. عين نجله محمد بن سلمان وليا للعهد في نفس اليوم، وتفيد تقارير بأن القيادة الجديدة وضعت محمد بن نايف رهن الإقامة الجبرية.
عندما كانت هيئة التحقيق والادعاء العام تحت إمرة محمد بن نايف، أرهبت وضايقت بشكل متكرر السعوديين الذين يعبّرون عن آراء مستقلة حول السياسة والدين والمجتمع، والذين يعارضون الخطاب الذي تفرضه السلطات. كما كان لديها ميل سيئ للعمل خارج إطار القانون بدون محاسبة، فكانت رسالة إلى السعوديين مفادُها أن الهيئة لا يمكن مساءلتها.
وإذا أصبح أحدهم هدفا للهيئة، يصعب عليه الإفلات منها. عندما توجّه الهيئة تُهما للناشطين والمعارضين، فهي تستخدم عبارات فضفاضة من قبيل "نقض البيعة لولي الأمر" أو "إهانة السلطة القضائية" أو "المشاركة في مظاهرات"، وهي لا تعتبر جرائم في القانون.
تُظهر قضية كوشك أيضا عدم اكتراث الهيئة لسلطة القانون في السعودية. فبقي محتجزا دون تهم، واستجوبه المحققون مرة واحدة فقط. لم تشرح السلطات قطّ لكوشك أو أسرته أسباب اعتقاله كما تنص على ذلك المادة 116 من "نظام الإجراءات الجزائية" السعودي.
وبموجب المادة 114 من نفس القانون، تقول الهيئة إن 6 أشهر هي المدة القصوى للاعتقال بدون تهمة، لكن كوشك ما زال رهن الاعتقال بعد هذه المدة بـ 20 يوما.
تقول المادة 114 أيضا إن تمديد الاعتقال لا يجب أن يتجاوز 30 يوما، لكن الهيئة أمرت بتمديد اعتقال كوشك منذ فبراير/شباط الماضي لمدة 90 يوما. يُمكن للسلطات تمديد الاعتقال لأكثر من 90 يوما ولمدة إجمالية تفوق 6 أشهر بموجب القانون التعسفي الخاص بمحاربة الإرهاب، لكن احتجاز مشتبه به لأكثر من 6 أشهر يتطلب موافقة المحكمة المتخصصة في قضايا الإرهاب. كما أن احتمال توجيه تهم الإرهاب إلى كوشك لكونه نشر تغريدات عن حقوق المرأة مثير للسخرية.
تُظهر قضية كوشك بوضوح لماذا يحتاج الادعاء في السعودية إلى إعادة النظر، لكنه سيظهر أيضا ما إذا كان التغيير شكليا فقط، للتستّر على نيتها تركيز السلطة أكثر في يد ولي العهد الجديد.
الناشطين والمعارضين البارزين الآخرين الذين حكمت عليهم محاكم سعودية بالسجن مددا طويلة غير عادلة منذ 2011، وعددهم حوالي 20، فإن كوشك لم يمثل أمام محكمة بعد – قضيته مازالت بين يدي النيابة العامة.
بإمكان الادعاء في السعودية إثبات استقلاله واحترامه لسلطة القانون بوضع حد للممارسات التعسفية للهيئة السابقة، ومعاملة الجميع بعدل واحترام.
سيكون إخلاء سبيل عصام كوشك خطوة أولى جيدة في هذا الاتجاه، خاصة أنه عانى من إهانة السجن بدون مبرر وبدون أن يعرف متى سينتهي هذا الكابوس.