ترتدي نادية (22 عاما) بنطالا وسترة مقاتل مع فرو مزيف، وتحمل وشاحا أسود فضفاضا على رأسها. تحدثت برتابة مملة عن رحلتها من العيش في ظل "الدولة الإسلامية" ("داعش") إلى العيش في سجن كردي. قالت إنها لم ترَ ابنتها البالغة 3 سنوات منذ هروبها من زوجها المسيء، وهو من عناصر داعش الهاربين، في مارس/آذار.
نادية، سنّيّة عربية من محافظة صلاح الدين في وسط العراق – حجبنا اسمها الحقيقي لحمايتها – زُوِّجت إلى مزارع محلي في 2012. رغم أن الزواج كان مدبرا، إلا أنهما انسجما في البداية، كما قالت لي في قاعة الزيارات في أحد سجون أربيل. ولكن الأمور تغيّرت عندما استولى داعش على القرية خلال شهرين في 2014.
ما حصل بعد ذلك يؤكّد التحديات الخطيرة التي واجهتها حكومة إقليم كردستان في محاولتها تحديد التهديدات الأمنية بين مئات آلاف العراقيين المتدفقين من مناطق سيطرة داعش، ومحاكمة عناصر التنظيم المتطرف. هناك احتمال أن تكون حكومة إقليم كردستان صنّفت بعض النساء والأطفال، الذين عاشوا تحت سلطة داعش، كمذنبين أثناء هذه العملية – بما في ذلك الذين لم يرحّبوا بالتنظيم أو تعرضوا لانتهاكات أثناء حكمه القاسي.
هرب الكثير من سكان قرية نادية عندما سيطر عليها داعش، ولكن زوجها أصر على البقاء لرعاية ماشيته. وبعد أن هزمت القوات العرايقة داعش، بعد شهور قليلة، عاد شيوخ القرية، وأبعدوهم وغيرهم ممن فضّلوا البقاء، واتهموهم بالتعاطف مع داعش.
انتقل الزوجان وابنتهما الرضيعة إلى الموصل، وبسبب عدم توافر العمل التحق الرجل بداعش للعمل في نقطة تفتيش. رغم أنه التحق لتأمين معيشة عائلته، إلا أنه تعرّض لعملية "غسل دماغ" شيئا فشيئا، وأصبح "عدوانيًّا"، وصار يضربها دائما. قالت نادية: "لم يضربني قبل التحاقه بداعش؛ لقد غيروه وأفسدوا فكره". عندما قالت له إنها ستتركه، هددها بالقتل أو الحرمان من ابنتها.
ولكن عندما بدأ داعش بالضغط على زوجها للقتال في الخطوط الأمامية، رفض، فتعرّض للضرِب والسجِن لمدة شهرين. فرّ يوم الإفراج عنه في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 إلى تركيا المجاورة. عندما اكتشف داعش فراره حاول أحد عناصره إجبار نادية على كشف مكانه. قالت إنها رفضت فضربها العنصر على رأسها بالبندقية وهددها بالقتل. خافت عائلة زوجها عليها فأقنعوها بالهروب مع ابنتها إلى تركيا لملاقاته.
وصلت وابنتها إلى تركيا بعد رحلة استمرت أسابيع، بمساعدة مجموعتين من المهرّبين. عبرت أولا إلى سوريا في قفص في مؤخرة شاحنة تحت أكياس الرمل والتربة. قالت: "كان الحراس يغرزون العصي في الأكياس ليتأكدوا من عدم اختباء أحد تحتها". اضطرّت إلى تخدير ابنتها بدواء الزكام خوفا من أن تبكي. لكنها نجت من هذه الرحلة فقط لتتعرّض للضرب على يد زوجها. قالت لي: "كان يضربني مرارا وتكرارا". عندما اكتشف محاولتها العودة إلى العراق مع ابنتهما، "رماني خارج المنزل وأقفل الباب بوجهي" رافضا السماح لها باصطحاب ابنتهما.
قالت إنها كانت وحيدة وخائفة لما عبرت الحدود الجنوبية التركية إلى كردستان العراق التي كانت تعتقد أنها ملاذا آمنا، والتي تشارك قواتها بشكل أساسي في التحالف الدولي لمحاربة داعش. ولكن أثناء تفتيش الحافلة التي كانت تقلها أوقفها "الأسايش"، الذراع الأمني لحكومة إقليم كردستان، بعد أن وجدوا صورا في هاتفها اعتبروها أدلة إدانة ضدّها. تظهر في إحداها مرتدية قبعة عليها شعار داعش.
قالت نادية عن الصورة: "كانت دعابة، دعابة سيئة"، وأكدت أنها لا تنتمي إلى داعش ولا تتعاطف معه. تظهر في الصورة وهي تحمل الماكياج وشعرها منسدل. قالت لي: "كانت الصورة بمثابة الإهانة لداعش، لأنه يفرض على النساء تغطية وجوههن ويُمنَع عليهن الماكياج. لو رأى [عناصر داعش] هذه الصورة لذبحوني". يظهر في صورة أخرى زوجها بلحية طويلة مع بندقية قتالية. قالت إنها أخبرت الأسايش على الفور أن هذا زوجها وهو عنصر في داعش وإنها هربت منه. قالت إنها سألت العناصر: "لماذا أحتفظ بهذه الصورة لزوجي لو أردت حمايته؟" لكنهم لم يصدقوها.
بعد مضي 12 شهرا على احتجازها في إصلاحية النساء والأطفال في أربيل، تواجه نادية تهمة الانتماء إلى مجموعة إرهابية التي يصل حكمها إلى 15 عاما. قالت إن في الأيام الـ 17 الأولى من احتجازها، وضعها الحراس في الحبس الإفرادي في زنزانة عفنة في محاولة فاشلة لإجبارها على الاعتراف بالانتماء إلى داعش. يُعَد الحبس الانفرادي لأكثر من 15 يوما معاملة لاإنسانية، وفي بعض الحالات تعذيبا بموجب معايير الأمم المتحدة. لم يكن هناك تدفئة في زنزانتها، وكان الحمام معطّلا، والنافذتان الصغيرتان مرتفعتين. قالت: "كانوا يضغطون عليّ [للاعتراف]، أردت أن أقتل نفسي، كنت أبكي وأتوسّل "أرجوكم أخرجوني من هنا". وأضافت أنها لم تتمكن من إجراء أي اتصال هاتفي أو الحصول على زيارات من عائلتها على مدى 4 شهور. عندما قابلناها في ديسمبر/كانون الأول، لم تكن حكومة إقليم كردستان قد أمنت لها محام بعد، وقالت إنها مثلت أمام قاض مرة واحدة فقط.
في الإصلاحية
كانت نادية واحدة من 10 نساء محتجزات بتُهم متعلّقة بالإرهاب قابلتُهنّ في إصلاحية النساء والأطفال. 2 منهنّ أُدينتا بمحاولة تنفيذ تفجيرين انتحاريين – أحدهما في 2008 – بعد أن اعترفتا بذلك. ولكن النساء الثماني الأخريات زعمن أن جريمتهن الوحيدة هي صلة قرابة، بالزواج أو الولادة، مع عناصر من داعش أو سلفه، تنظيم "القاعدة في العراق".
قالت أغلب النساء الثماني إنهن لم يتصلن بمحامين كما ينص على ذلك القانون العراقي، وقد أمضين بين شهر و9 أشهر في السجن بدون تهم أو محاكمة. ينصّ القانون الدولي على توجيه تهم للمحتجزين "فورا"، خلال فترة لا تتعدى بضعة أيام أو بضعة أسابيع على الأكثر. 6 من أطفال هؤلاء النساء، والذين تتراوح أعمارهم بين 10 أشهر و8 سنوات، يعيشون مع أمهاتهم في السجن.
أنكر ديندار زيباري، مسؤول الاتصال بالمنظمات غير الحكومية في حكومة إقليم كردستان، أي سوء معاملة بحق المحتجزات، وقال إن الحكومة تفعل ما بوسعها لاحترام حقوق المتهمات. وأضاف أن الاجراءات القانونية في القضايا المتعلقة بالإرهاب أكثر تعقيدا من غيرها، وتستغرق وقتا أطول. أصر زيباري على أن الصور على هاتف نادية كانت بالفعل "دليلا على دعمها لداعش". وقال إن المحكمة قد توكّل لها ولغيرها من المتهمات محامين في حال لم يستطعن توكيل محام بأنفسهن.
في خطوة إيجابية للعدالة، أسقطت إحدى محاكم أربيل في 22 فبراير/شباط دعوى ضد باسمة درويش، أم إيزيدية لثلاثة أطفال، تعرّضت للسبي والاغتصاب من قبل أمير من داعش. كانت سلطات إقليم كردستان قد اتهمت باسمة بمساعدة مقاتلين من داعش في قتل 3 عناصر "بشمركة" في أكتوبر/تشرين الأول 2014. قالت درويش للمحكمة إن محققا من الأسايش ضربها وهددها بالاغتصاب إن لم تعترف بالمشاركة في قتل العناصر. مع ذلك لم تتحقق العدالة إلا بعد وقت طويل، فقد انتظرت درويش 28 شهرا في السجن قبل محاكمتها. وقضيتها لم تنته بعد: فهي ستبقى 30 يوما إضافيا في السجن في حال قررت حكومة إقليم كردستان استئناف الحكم، وستبقى على الأرجح في الحجز بانتظار انتهاء محاكمتها إذا ما استأنفت الحكومة.
كان يُسمَح للنساء والأطفال الذين قابلتهم في إصلاحية أربيل بالخروج إلى باحة كبيرة، ولكن في أغلب الوقت كانت الأمهات يتجمعن مع أطفالهن في زنزانة رديئة التهوئة مع سجينات أخريات. قال موظفو السجن إن الزنزانة التي تأوي 24 شخصا مصممة لنصف هذا العدد.
كانت إحدى السجينات، ياسمين، أرملة في الـ 16 عندما أوقفتها قوات حكومة إقليم كردستان وهي تحاول دخول أربيل مرتدية سترة متفجرة عام 2008. قالت ياسمين - التي رفضت نشر اسمها الحقيقي - إن القاعدة في العراق استقطبتها عبر رسائل واتصالات تزعم أن القوات الأمريكية قتلت زوجها وأن عليها الانتقام له. أكملت ياسمين 7 أعوام في السجن منذ 20 شهرا، ولكنها لاتزال محتجزة. قالت، وأكد أحد الأقارب ذلك، إن السلطات اتهمتها بربط صلات بداعش خلال سنوات الاحتجاز، ولن تدعها تغادر السجن مع أن أحد القضاة أمر بإطلاق سراحها لغياب الدليل.
قالت واحدة من النساء اللاتي ينتظرن المحاكمة إنها اعتُقلت بسبب التحاق ابنها بالقاعدة قبل 10 سنوات، رغم أنها قطعت علاقتها به بسبب التحاقه بالجماعة المتطرفة. قال أخرى إنها اعتُقلت بسبب قرابتها من عنصر بارز في داعش، ولكنها لم تكلّمه طيلة حياتها، ولم تَرَه إلا مرة واحدة في مناسبة عائلية في 2002. قالت ثالثة إنها احتُجِزَت وزوجها، شرطي عراقي سابق، بتهمة الانتماء إلى داعش بحجة أن منزلهما كان الوحيد الذي لم يدمره داعش في القرية؛ قالت إن السبب هو أن داعش استولى على المنزل وطردهما منه.
قالت امرأتان إن داعش قتل شخصا أو أكثر من أقاربهما. وقالت 3 نساء، من ضمنهن نادية، إنهن تركن أزواجهن بسبب انتمائهم لداعش وإنهم هددوهن وضربوهن أو أخذوا أطفالهن انتقاما منهن.
من المفترض أن تمثل نادية أمام المحكمة في 18 أبريل/نيسان، ولكن التهمة وُجهت إليها بموجب قانون 2006 لمكافحة الإرهاب في إقليم كردستان لسنة، الذي توقف العمل به في يوليو/تموز الأخير، ما تركها في مأزق قانوني، مثل الكثير من الـ 1500 عراقي الذين تقول حكومة إقليم كردستان إنها تحتجزهم للاشتباه بانتمائهم لداعش.
بينما تحاول سلطات حكومة إقليم كردستان معرفة الحقيقة في القضايا المماثلة لقضية نادية، يجب عليها أن تبني نتائجها على دلائل معقولة وألا تستسهل افتراض الذنب بسبب صلات القرابة. يوجد تحد كبير يتمثل في الحفاظ على أمن المنطقة في ظلّ وجود جماعات مثل داعش، ولكن ذلك لا يعفي السلطات من مسؤولية ضمان سلامة الإجراءات للمتهمين، كما يكفلها القانون المحلي والدولي.
بداية على حكومة إقليم كردستان جعل فتح تحقيقات محايدة في الأسس الموضوعية للاتهامات ضد هؤلاء النساء على قائمة أولوياتها، وضمان تمكينهن من محاكمة عادلة، بما في ذلك الدفاع المناسب. عليها عدم التسامح بتاتا مع الاعترافات المنتزعة قسرا وأشكال الانتهاكات الأخرى. على الجهات الأخرى المشاركة في التحالف الدولي لمحاربة داعش الضغط على حكومة إقليم كردستان للقيام بذلك؛ وإلا قد يكونون متواطئين. القبول بأي شيء أقل من ذلك قد يجعل النساء اللاتي عانين في ظل داعش ضحايا مرة أخرى، كما يغذي رواية داعش بأن حكومة إقليم كردستان وحلفاءها هم أعداء العراقيين العرب وليسوا أصدقاءهم.
ليتا تايلر (@lettatayler) باحثة أولى في برنامج الإرهاب ومكافحة الإرهاب في "هيومن رايتس ووتش".