مع اقتراب موعد عملية الموصل، تشعر قوات الأمن العراقية بالقلق ليس فقط من مقاتلي "الدولة الإسلامية" وإنما أيضا مِمَّن يحاولون الفرار من قبضة الجماعة المتطرفة. أبلغت قيادة عمليات نينوى، الهيئة العسكرية التي تقود العملية، عمال الإغاثة أن الخطة تقضي بإجراء فحص أمني للفارّين من المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة الجهادية لتحديد ما إذا كان بينهم "متسللون" إسلاميون لتقبض عليهم. قبل المعركة، تساءل عمال الإغاثة عن معايير هذا الفحص، ولكن الجيش لم يكن قد وصل بعد إلى هناك. الآن وقد انطلقت العملية، أصبحت الأمور تثير قلقا أكبر.
في الأسبوع الماضي، قابلت 13 من الرجال والنساء الفارّين من المناطق التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية، وجميعهم قالوا إنهم خضعوا للتفتيش في حواجز أمنية يسيطر عليها الجيش العراقي وقوات البشمركة التابعة لحكومة إقليم كردستان، حيث تم أخذ بطاقات هويتهم وفحصها عبر الكمبيوتر. المقابلات والمحادثات اللاحقة تقدم أدلة على أن بعض المواطنين الذين تعرضوا للفحص الأمني اعتُقلوا تعسفا، وتعرضوا لسوء المعاملة، وواجهوا أعمالا أكثر خطورة.
كانت القوات العراقية قد احتجزت آلاف الرجال والشبان إلى أجل غير مسمى بموجب مزاعم غامضة بالانتماء إلى الدولة الإسلامية. التقيت مع بعض أُسَر الرجال المحتجزين، ولا أحد منهم يعرف أي شيء عن أقاربه، وفي معظم الحالات، لا يعرفون حتى مكان احتجازهم.
يبدو أن بعض الذين اعتُقلوا في نقاط التفتيش هذه لقوا حتفهم في الحجز. اتصلت بي صحفيّة قبل يومين من خط الجبهة ونقلت لي حديثا كانت قد أجرته مع جندي عند نقطة تفتيش للجيش العراقي. قال لها إنه قام بضرب كل مَن يمرّ بنقطة التفتيش ويشتبه بانتمائه للدولة الإسلامية لإجباره على الاعتراف.
قال لها بفخر إنه قام بتصفية رجلين في الأيام القليلة الماضية على عين المكان بعدما استنتج أنهما من مقاتلي الدولة الإسلامية. هذه جريمة حرب واضحة.
تحدثت قبل بضعة أيام إلى أشخاص تمكنوا من عبور نقاط تفتيش البشمركة. قالوا إن بعد فحص أمني أولي تم فصل كل الرجال والفتيان فوق 15 عاما عن عائلاتهم ليخضعوا لجولة ثانية من التحقيقات في مركز فحص تديره قوات الأمن الكردية. قالت لنا إحدى الأمهات إنها لا تعرف شيئا عن مكان ابنها الذي اختفى بعد 18 يوما من الاحتجاز في مركز الفحص.
قال عمال إغاثة ممن زاروا مراكز الفحص إن الجيش وقوات الأمن لديهم ما بين 5 و7 قوائم بأسماء مشتبه بهم، قدمتها جماعات عرقية ودينية مختلفة، بما في ذلك الإيزيديين، وإن قوات الأمن تفحص الأشخاص بالاعتماد على هذه القوائم.
يتطابق هذا مع ما قاله لي قادة إيزيديون، إحدى الأقليات التي تعرضت لهجوم وحشي من قِبَل الدولة الإسلامية. في لقاء عُقِد الشهر الماضي على جبل سنجار، موطن الطائفة الإيزيدية في شمال غرب العراق، قال لي أحدهم إنهم أعدّوا قائمة تضم كل العرب "الذين خانونا بالانضمام إلى داعش". قالوا لي أيضا إن العديد منهم كانوا يعيشون معهم في قرى مختلطة على مدى عقود، ولكنهم أرشدوا مقاتلي الدولة الإسلامية عند وصولهم إلى العائلات الإيزيدية. يبدو أن جماعات أخرى أعدّت قوائم مماثلة أيضا.
رغم أنني أتفهم تماما الرغبة في تقديم مقاتلي الدولة الإسلامية إلى العدالة، إلا أن هذا النظام يتسم بخطورة عالية على ما يبدو، فقد يسمح بتفاقم نمط من الثأر لا يستند إلى أدلة فعلية على ارتكاب جرائم. ليس من المستبعد أن يستخدم الذين لا يتفقون مع جيرانهم، أو الذين يطمعون بأراضي بعضهم البعض، هذه القوائم لتصفية حسابات قديمة. في حين تكفي بعض الإشاعات لتحريك التحقيقات في حق شخص ما، فإن الأمور تأخذ منحى أكثر خطورة في الوضع الحالي، فوجود اسم أحد الأشخاص على قائمة يمكن أن يتسبب في اختفائه أو إعدامه على الفور، قبل اجراء أي تحقيقات.
إضافة إلى ذلك، من المهم التذكير بأن الدولة الإسلامية استفادت منذ سنوات من الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري للسكان العرب السنة من قبل القوات الموالية للحكومة لتجنيد المقاتلين. السماح لهذه السياسات بالتوسع قد يغذي نفس المجموعات المتطرفة التي تحاول القوات العراقية قتالها الآن.
على السلطات العراقية أن تجعل احترام سيادة القانون أولوية في حربها ضد الدولة الإسلامية. ولكن سجلّها اليوم يزخر بالأسباب التي تبعث على القلق، فقد أدت محاكمة عناصر يُزعم انتماؤهم للدولة الإسلامية ومتهمين بالمشاركة في مذبحة طالت المئات من مجندي الجيش بالقرب من تكريت عام 2014 إلى إعدام 36 شخصا بعد محاكمات تشوبها عيوب كبيرة.
في إطار عملية استعادة السيطرة على الفلوجة في مايو/أيار، قام أعضاء من "الحشد الشعبي"، تحالف لقوات شبه عسكرية موالية للحكومة العراقية، بضرب المحتجزين، وتعذيبهم وإعدامهم دون محاكمة، وأخفوا أكثر من 600 مدنيّ قسرا، ونكلوا بالجثث. في حالة واحدة على الأقل شارك عناصر من الشرطة الفيدرالية العراقية في هذه الجرائم. كما تم فصل مئات الرجال عن أسرهم بحجة الفحص الامني - لمجرد انتمائهم لقبيلة معينة على ما يبدو – قبل أن يُنقلوا إلى مكان آخر. ليس هناك أية معلومات عن مصيرهم.
من يرومون القضاء على الدولة الإسلامية عليهم أن يضعوا حدا للانتهاكات التي تغذي جهود المتطرفين على التجنيد. عليهم أيضا دعوة حكومة إقليم كردستان والسلطات العراقية إلى الإعلان فورا عن عدد الأشخاص المحتجزين في نقاط التفتيش أو مراكز الفحص، والأسس القانونية لاعتقالهم، وعدد الذين وُجهت لهم تُهم أو إدانات.
حتى بعد تحرير الموصل من الدولة الإسلامية، سيواجه العراق مهمة بناء نظام سياسي جديد يمنع إعادة انبعاث جماعات متطرفة من تحت الرماد. ينبغي أن تبدأ هذه العملية الآن - من خلال ضمان عدم سوء معاملة وتعذيب المشتبه بتورطهم في الإرهاب، أو إعدامهم بدون محاكمات، وضمان مثولهم بسرعة أمام قاض لتقييم الأسس القانونية والفعلية لاعتقالهم. هذه الخطوة الصغيرة ستساعد كثيرا في ضمان ألا تصبح عملية الموصل مثالا آخر على انتهاكات واسعة النطاق يمكن أن يستغلها أنصار الدولة الإسلامية لحشد الدعم.