Skip to main content
تبرعوا الآن

شدّت ولاء على كفّ أختها التي كانت تئنّ ألما في مستشفى قادرلي جنوبي تركيا. كانت تقول لها: "قولي بسم الله، منى، قولي بسم الله"، آملة أن يسعفها ذكر الله ببعض الراحة.

كانت الممرضة تفرك المرهم بلطف على فخذ منى وتسحب ببطء الجلد المحروق ذا اللون البني المحمّر. ارتفعت صرخات الطفلة ذات الـ 13 ربيعا كلما شدّت الممرضة. ذكر أقارب منى أنها أصيبت بجروح جراء ما يعتقدون أنها غارة جوية روسية في 3 أكتوبر/تشرين الأول على قريتهم.

قالت لي ولاء (35 عاما): "أصاب صاروخ المنزل ودمر الطابقين العِلويين، حيث كانت منى وبنات عمومتها نائمات". أخبرتني منى أن عمتها وابنة عمتها ماتتا على الفور. تمكّن رجال الانقاذ من سحب منى من تحت الأنقاض، وهي مغطاة بالدماء والتراب. كُسرت ساقها وتحطّمت جمجمتها بقطعة إسمنت. كما لحقت بعينها اليسرى أضرار دائمة واحترقت ساقاها.

أضافت ولاء: "لا تتذكر منى أي شيء. ليس لديها فكرة عما حدث لها".

أتخيل منى وشقيقتها لا تزالان تجلسان في جناح المستشفى ذاك في جنوب تركيا تتعافيان من الإرهاب الذي تعرضتا لها في الوقت الذي وقعت فيه الهجمات البشعة بباريس خلال عطلة نهاية الأسبوع. الرعب والإرهاب الذي اختبره الباريسيون ليوم واحد في فرنسا هو الرعب والإرهاب ذاته الذي عاشته منى وشقيقتها بالإضافة إلى مئات الآلاف من المدنيين لما يقارب 5 سنوات من الحرب داخل سوريا. وهو ذات الرعب والإرهاب الذي يفرّ منه ملايين السوريين ولايزالون إلى أماكن مثل تركيا ولبنان، والآن بشكل أكبر إلى أوروبا. يحاول اللاعبون الإقليميون والدوليون الرئيسيون تحقيق السلام ولكنهم فشلوا في وضع حماية المدنيين في سوريا على رأس أولوياتهم.

اجتمع القادة الدوليون في فيينا في نهاية الأسبوع الماضي لمناقشة الوضع في سوريا، وركزوا على إمكانية طويلة الأجل للانتخابات هناك. ولكن الحاجة الملحة إلى حماية المدنيين لم تكن على جدول أعمالهم.

قضيتُ مؤخرا 10 أيام في تركيا وقابلت السوريين الذين فروا من الهجوم السوري-الروسي الجديد في محافظة إدلب. قال لي الأطباء في جنوب تركيا إن وحدات العناية المركزة امتلأت بالسوريين الذين نُقلوا عبر الحدود بعد تعرضهم للإصابة نتيجة الغارات الجوية. كان بعضهم لا يزال فاقدا للوعي بسبب خطورة الإصابات. أما البعض الآخر فلم يكن مصابا، ولكن حجم الضربات وشدتها كانا القشة التي قصمت ظهر البعير، فقرروا مغادرة سوريا. يقول المكتب الأممي لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إن 120 ألف شخص فرّوا من مناطق حلب وإدلب وحماة بسبب الهجمات في سوريا بين 5 و22 أكتوبر/تشرين الأول، بعد بدء العملية السورية-الروسية المشتركة في 3 أكتوبر/تشرين الأول.

كانت الحاجة الملحة إلى حماية هؤلاء المدنيين غائبة عن اللاعبين الإقليميين والدوليين الرئيسيين في سوريا، أثناء اجتماعهم بفيينا في 23 أكتوبر/تشرين الأول. لم يذكر بيان اتفاقهم المكون من 9 نقاط الهجمات العشوائية أو توفير ممر آمن للمدنيين. لم تقل روسيا كلمة واحدة عن أي تدابير تتخذها لحماية المدنيين في المناطق التي تقصفها أو عن الضغط على الرئيس بشار الأسد لوقف الهجمات على المدنيين. قالت روسيا إنها تضرب أهدافا عسكرية، بينما توافد المدنيين الجرحى إلى تركيا يقول العكس.

قال الذين فرّوا من سوريا مؤخرا إنهم كانوا يعيشون في خوف من الهجمات الجوية. ارتجف أطفالهم وبكوا كل مرة سمعوا فيها مروحية أو طائرة. قليل من المساعدات وصل مناطق داخل سوريا. قال لي بعض اللاجئين إن المساعدات لم تكن تكفي إلا بعد مغادرة عديد من القرويين. كان الناس يبقون على قيد الحياة بدون ماء أو كهرباء لعدة أسابيع. أولئك الذين يحاولون الفرار يتسللون تحت جنح الليل، ويمشون بين أشجار الزيتون، أو يخاطرون بحياتهم على الطرق المستهدفة من قبل القناصة أو الضربات الجوية.

قال المفاوضون في فيينا إنهم سيضمنون وصول وكالات الإغاثة إلى جميع أنحاء سوريا، ولكنهم فشلوا في اتخاذ تدابير ملموسة أو وضع خطة لتمكينهم من إيصال المساعدات إلى المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها.

نقص الأدوية وسوء المعدّات وعمل الأطباء فوق طاقتهم ونقص الكوادر أغرق المستشفيات في مشاهد من الفوضى والاضطراب، وخاصة بعد الهجمات. قال لي الأطباء إن نقص الإمدادات والخبرة اللازمة للرعاية الأكثر تعقيدا يعني، في كثير من الأحيان، أنه كان عليهم بتر الأطراف المصابة لإنقاذ الأرواح. وكثيرا ما كانت المستشفيات بحد ذاتها هدفا للهجمات.

جلس أحمد (13عاما) على كرسي في مستشفى بغازي عنتاب، وهو يحتضن ذراعه المضمّدة.

قال أحمد: " كنت أركب دراجة نارية مع والدي في السوق عندما سمعنا الطائرات فوقنا وأزيز صواريخ. أتذكر فقط أني طرت  في الهواء". شقّت شظية بطنه وقطعت ذراعه اليمنى من الكوع. قُتل والده على الفور. وأضاف: "حملت ذراعي معي إلى المستشفى الميداني". خيطت ذراعه على عجل عند الكوع، وأرسِل الى تركيا لتلقي علاج أفضل.

على قادة العالم الضغط على جميع الأطراف لتقديم تحذيرات واضحة وفعالة تسبق جميع الضربات، في الوقت المناسب للسماح المدنيين بالمغادرة، وتوفير ممر آمن بعد ذلك. على البلدان المجاورة إبقاء حدودها مفتوحة. ويجب أن يكون هناك التزام مطلق في فيينا من جميع الاطراف بالتوقف عن مهاجمة المستشفيات. يمكن للأطراف أن تقوم بهذه الخطوات على الفور، بينما تحاول التقدم بصعوبة في عملية أكثر تعقيدا لإيجاد طريقها إلى السلام.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة