Skip to main content
تبرعوا الآن



(تونس) ـ استخدمت الشرطة التونسية القوّة غير المشروعة لتفريق احتجاجات كانت سلميّة في ثلاث مدن على الاقل منذ 1 سبتمبر/أيلول 2015. نُظمت الاحتجاجات ضدّ مشروع قانون يمنح رجال أعمال ومسؤولين فاسدين من حقبة بن علي حصانة من الملاحقة القضائية في حال أرجعوا الأموال التي نهبوها.

متظاهرون يحتشدون في ساحة محمد علي، قرب مقر الاتحاد العام التونسي للشغل في وسط تونس العاصمة، للاحتجاج على قانون المصالحة الاقتصادية، في 1 سبتمبر/أيلول 2015. © 2015 عصام هاني.


وكان الرئيس الباجي قائد السبسي قد أعلن حالة الطوارئ لمدة شهر واحد في 4 يوليو/تموز، بعد أسبوع من إقدام شخص متطرف مسلح على قتل 38 شخصًا، كلهم سياح أجانب، في منتجع على شاطئ مدينة سوسة. وفي 31 يوليو/تموز، مدّد السبسي في حالة الطوارئ لمدة شهرين، وهو ما يسمح للحكومة بتعليق الحقوق الأساسية وحظر التظاهر بعلّة الحفاظ على النظام العام.

لا شكّ أن تونس تواجه مشاكل أمنية كبيرة، ولكن ردّ السلطات العنيف على الاحتجاجات السلمية لن يساعد على حلّها. يتعيّن على السلطات التونسية أن تبعث برسالة واضحة إلى قوات الأمن مفادها أنها لن تتسامح مع ضرب المتظاهرين السلميين أو سوء معاملتهم.


قال وليد لوقيني، الناطق باسم وزارة الداخلية، في مقابلة تلفزيونية أجرتها معه قناة نسمة الخاصة في 7 سبتمبر/أيلول، إن الوزارة قررت منع جميع المظاهرات العامة في كافة أنحاء البلاد، معللا ذلك بقانون الطوارئ. ولكن الحكومة مازالت لم تعلن عن هذا الحظر بشكل رسمي. قالت هيومن رايتس ووتش إن هذا الحظر سيكون الأول من نوعه منذ ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي، وسيكون انتكاسة خطيرة لحقوق الإنسان في تونس.

في 8 سبتمبر/أيلول، أعلنت وزارة الداخلية أنها ستمنع مسيرة احتجاجية دعت لها أحزاب سياسية ومنظمات معارضة لمشروع القانون مقررة ليوم 12 سبتمبر/أيلول. و
أعلن وزير الداخلية ناجم الغرسلي إن "أي احتجاجات سلمية ستكون متعارضة مع قانون الطوارئ"، وهو ما يؤكد على ما يبدو الحظر العام الذي فرضته السلطات على المظاهرات.

صادقت الحكومة على مشروع القانون المتعلق بالمصالحة في المجالين الاقتصادي والمالي في 14 يوليو/تموز، ثم أحالته على البرلمان. يرمي القانون المقترح إلى إنهاء الملاحقات القضائية الجارية وإلغاء الأحكام الصادرة في حق رجال الأعمال إذا وافقوا على إرجاع الأموال التي نهبوها. وكردّ على مشروع القانون، أطلق عدد من النشطاء حملة "مانيش مسامح" (لن أسامح)، ودعوا إلى التظاهر السلمي احتجاجًا على القانون.

في 1 سبتمبر/أيلول، حاصرت الشرطة مئات المتظاهرين ضدّ مشروع القانون أثناء تجمع احتجاجي في ساحة محمد علي أمام المقرّ الرئيسي لل
اتحاد العام التونسي للشغل حوالي الساعة الخامسة والنصف ظهرًا، بحسب ما صرّحت به لـ هيومن رايتس ووتش إيمان بن غزي، العضوة في حملة مانيش مسامح التي كانت مشاركة في المظاهرة. وبعد ساعة تقريبًا، حاول المتظاهرون التنقل إلى شارع الحبيب بورقيبة، الشارع الرئيسي في تونس العاصمة. كما قالت إيمان بن غزي إن أعوان شرطة في زيّ قوات مكافحة الشغب وآخرين في ملابس مدنية قاموا، دون أي سابق انذار، بدفع أشخاص حاولوا الالتحاق بالمظاهرة إلى شوارع جانبية، وأجبروا المتواجدين أمام المسرح على التراجع، واعتدوا على بعضهم بالركل، ورهّبوا آخرين بدراجاتهم النارية. وأظهرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي متظاهرين متجمعين على رصيف شارع بورقيبة وهم يرفعون شعارات مناوئة للحكومة وعدد من الشرطة وهم يقتحمون التجمع على متن دراجات نارية.

قامت الشرطة باعتقال بعض المتظاهرين، منهم لسعد اليعقوبي، الكاتب العام لنقابة التعليم الثانوي، ونجيب السلامي، عضو الاتحاد العام التونسي للشغل، اللذان قالا لـ هيومن رايتس ووتش إن أعوان شرطة قاموا باحتجازهما في مركز للشرطة لمدة ساعة واحدة، ثم أطلق سراحهما دون أن توجه إليهما تهم.

قال وائل نوار، الأمين العام للاتحاد العام لطلبة تونس، لـ هيومن رايتس ووتش إن ثلاثة أعوان شرطة في ملابس مدنية اعتدوا عليه وعلى عضو آخر من اتحاد الطلبة بينما كانا يحاولان التفاوض مع قيادات في الشرطة. كما قال إن أعوان الشرطة في ملابس مدنية قدموا مسرعين نحوه، وركلوه على مستوى البطن حتى سقط أرضًا، ثم قام عون آخر بضربه على رجليه وعضوه التناسلي. وقال أيضًا إنه ذهب إلى مستشفى شارل نيكول لتلقي علاج لجروحه، ثم قام برفع دعوى ضدّ عون الشرطة الذي قام بضربه، وأرفقها بصورة لهذا الشرطي كان قد التقطها له متظاهر آخر.

وفي 2 سبتمبر/أيلول، قامت الشرطة باعتقال ثلاثة نشطاء في حركة مانيش مسامح بعد أن أطلقوا دعوة على مواقع التواصل الاجتماعي للتظاهر ضدّ مشروع القانون على الساعة الخامسة والنصف مساءً أمام المقرّ الرئيسي للشرطة في مدينة الكاف، شمال غرب تونس. وقالت عفراء بن عزّة، واحدة من النشطاء الثلاثة، إنها لما قدمت إلى المكان مع صديق آخر، وجدا الشرطة مصطفة أمام الباب. كما قالت:  "قال لنا الأعوان: "كنا في انتظاركم"، واقتادونا إلى الداخل، وشرعوا في استجوابنا. أطلعونا على صور للدعوة التي أطلقناها على فيسبوك، وقالوا لنا إننا متهمون بالتحريض على الاضطرابات وخرق قانون الطوارئ".

كما قالت بن عزّة إن الشرطة أطلقت سراح النشطاء الثلاثة بعد تسعين دقيقة، ولكنها استدعتهم للمثول أمام النائب العام صباح اليوم التالي، فقرر هذا الأخير التماس مزيد من المعلومات من الشرطة قبل فتح تحقيق رسمي، وحذرهم بضرورة "الصمت" وإلا فسيواجهون "محاكمة أخطر".

حصل أعنف تدخل من قبل الشرطة في 6 سبتمبر/أيلول لما حاول نشطاء الاعتصام احتجاجًا على مشروع القانون أمام البنك المركزي في صفاقس. قالت مريم بريبري لـ هيومن رايتس ووتش إنها جاءت إلى المكان مع نشطاء آخرين حوالي الساعة العاشرة صباحًا، فوجدوا عددًا كبيرا من الشرطة هناك. ذهبت مريم مع منظمين آخرين للشرطة وأخبروهم أنهم أعلنوا عن الاحتجاج بشكل قانوني، ولكن بمجرّد أن رفع المحتشدون الرايات وبدؤوا في رفع شعارات، قامت الشرطة بإطلاق الغاز المسيل للدموع دون سابق إنذار.

كما قالت مريم بريبري إنها استخدمت هاتفها لتصوير ما يحصل بينما كانت فارة من الغاز المسيل للدموع، ولكن الشرطة قامت بملاحقتها، وصرخ أحدهم "أوقفوها، إنها تصوّرنا". ولما شاهدت مريم أعوان الشرطة يعتدون على أحد أصدقائها، غازي الطياري، ويضربونه بالهراوات وهو ملقى على الأرض، صاحت فيهم وطالبتهم بالكف عن ذلك. فقام أعوان الشرطة الثلاثة بملاحقتها، وضربوها على مستوى الرأس وعلى جنبيها وكتفها بهراوة إلى أن تدخل عون آخر وأجبرهم على التوقف.

قال مازن بن مبروك، متظاهر آخر، إن خمسة شرطيين في ملابس مدنية قاموا بملاحقته بينما كان فارًا من الغاز المسيل للدموع، وضربوه بهراوة على جنبه ورجليه، وصفعوه على وجهه.

قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات التونسية التحقيق في أعمال الشرطة ضدّ المتظاهرين لضمان محاسبة كل شرطي متورط في استخدام القوة المفرطة.


حق التجمع السلمي مكفول في المادة 21 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وتونس طرف فيه. تنص المادة 21 على أنه "لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم". وبالتالي، فالقانون الدولي ينص على أن تكون القيود التي تفرض على الحق في التجمع السلمي معرّفة بشكل دقيق ومتناسبة وضرورية.

قال إريك غولدستين: "يُعتبر الاحتجاج السلمي حقا أساسيًا ومركزيًا في مجتمع ديمقراطي. وعلى السلطات ضمان حماية الأشخاص الذين يعبرون عن آرائهم سلميًا، وليس الاعتداء عليهم بالضرب وسوء المعاملة".  
    

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.