Skip to main content

تونس ـ توجيه تهم إلى صحفي ومدوّن

قانون مكافحة الإرهاب يُستخدم لتقييد حرية التعبير

(تونس) ـ السلطات التونسية وجهت تهمًا إلى صحفي ومدوّن بموجب قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2003.

في 8 يوليو/تموز 2015، وجهت السلطات القضائية إلى نورالدين المباركي، رئيس تحرير موقع آخر خبر أون لاين، تهمة التواطؤ مع الإرهاب لأنه نشر صورة فوتوغرافية تُظهر سيف الدين الرزقي، الذي قتل 38 مواطنا أجنبيًا في هجوم 26 يونيو/حزيران في سوسة، وهو ينزل من سيارة قبل أن يتوجه الي الشاطئ و يشرع في إطلاق النار. في قضية أخرى، اعتقلت السلطات في 22 يوليو/تموز عبد الفتاح سعيّد، وهو مدرّس، بالتهمة نفسها لأنه نشر مقطع فيديو على صفحته في فيسبوك اتهم من خلاله قوات الأمن بالتخطيط لهجوم سوسة وتجنيد الرزقي لتنفيذه. كما يواجه سعيّد تهمة "التشهير بموظف عمومي" لأنه نشر صورة كاريكاتورية لرئيس الوزراء حبيب الصيد على صفحته في فيسبوك.


مخاوف تونس المفهومة حول الأمن يجب ألا تؤدي إلى وصم الصحفيين والمدونين بتهمة الإرهاب بسبب انتقاد الحكومة أو التشكيك في رواياتها الرسمية
إريك غولدستين

نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
قال إريك غولدستين، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "مخاوف تونس المفهومة حول الأمن يجب ألا تؤدي إلى وصم الصحفيين والمدونين بتهمة الإرهاب بسبب انتقاد الحكومة أو التشكيك في رواياتها الرسمية".

قالت هيومن رايتس ووتش إن الحكومة تستطيع فرض قيود محددة على نشر مواد لها صلة بتحقيقات جنائية جارية، ولكن محاكمة المباركي بتهمة التواطؤ مع الإرهاب تبدو بطبيعتها غير متناسبة مع الفعل، وسيكون لها تأثير مخيف على حق الصحفيين والجمهور في نشر المعلومات. كما أن محاكمة عبد الفتاح سعيّد بتهمة التشهير بمؤسسات الدولة مخالفة لالتزامات تونس بموجب المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (العهد الدولي).

وجّه قاضي التحقيق في المحكمة الابتدائية تهمًا إلى نورالدين المباركي بعد 3 أيام من نشر صحيفته الإلكترونية صورة الرزقي. في مقال مرافق للصورة، قال المباركي إنها تثبت وصول المسلّح إلى الشاطئ بمساعدة أشخاص آخرين مازالوا فارّين إلى الآن. وبعد هجوم سوسة، أعلنت السلطات أنها اعتقلت 127 شخصًا على صلة بالهجوم، دون أن تفصح عن علاقتهم بالمسلّح أو بتنظيم الدولة الإسلامية المتطرف، المعروف بـ داعش، الذي أعلن مسؤوليته عن المجزرة.

قال نورالدين المباركي لـ هيومن رايتس ووتش إن الشرطة اتصلت بمدير الموقع بعد 45 دقيقة من نشر الصورة، وطلبت منه إزالتها بسبب التحقيقات الجارية. بعد ذلك قرر المدير ازالة الصورة على الفور.

كما قال المباركي إن مدير فرقة الحرس الوطني المسؤولة عن التحقيق في الجرائم المتعلقة بالإرهاب اتصل بالمدير عبر الهاتف مساء ذلك اليوم واستدعي المباركي للتحقيق معه في المقر الرئيسي للحرس الوطني بالعوينة اليوم التالي. أكد أن الضباط استجوبوه لمدة 4 ساعات، ومارسوا عليه ضغوطًا حتى يُفصح عن مصدر الصورة، وانهم أفرجوا عنه بشكل مؤقت بعد ذلك وطُلبوا منه المثول أمام قاضي التحقيق في المحكمة الابتدائية في تونس العاصمة في 8 يوليو/تموز.

قال قاضي التحقيق لنورالدين المباركي إنه وجه إليه تهمة "تسهيل فرار إرهابيين"، عملا بالفصل 18 من قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2003، لأن الصورة التي نشرها قد تتسبب في تعطيل التحقيق الجاري لأنها ربما توجه إنذارًا إلى شركاء الرزقي. كما قال المباركي لـ هيومن رايتس ووتش إن قاضي التحقيق طلب منه الحضور مجددًا في 23 أغسطس/آب لمزيد من التحريات ولكن قام بعد ذلك بتاجيل الجلسة الي تاريخ غير محدد.

تنص مجلة الصحافة التونسية على معاقبة كل شخص ينشر وثائق تتعلق بتحقيقات جارية، قبل عرضها على قاض في جلسة علنية، بغرامة مالية تتراوح بين ألف وألفي دينار (بين 507 و1015 دولار أمريكي). ولكن التهمة التي وجهت إلى المباركي استندت إلى قانون مكافحة الإرهاب، الذي يُمكن أن تنتج عنه عقوبة مطولة بالسجن.

يتضمن قانون مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال لسنة 2015، الذي لم يدخل حيز التنفيذ بعد، فصلا يحمي الصحفيين من الكشف عن مصادر معلوماتهم.

في 16 يوليو/تموز، اعتقل أعوان مكافحة الإرهاب عبد الفتاح سعيّد. بعد أن أمضى 6 أيام رهن الاحتجاز لدى الشرطة، أذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية في تونس العاصمة بايداعه السجن، وأحالت القضية إلى أحد قضاة التحقيق في المحكمة نفسها. نُقل سعيّد إلى سجن المرناقية، وهو إلى الآن هناك.

ينصّ الفصل 18 من قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2003، الذي اعتُمد في توجيه التهم إلى سعيّد، على عقوبة بالسجن لمدة تتراوح بين 5 و12 سنة في حق "كل من أعدّ محلا لاجتماع أعضاء تنظيم أو وفاق أو أشخاص لهم علاقة بالجرائم الإرهابية أو ساعد على إيوائهم أو إخفائهم أو عمل على ضمان فرارهم أو عدم التوصل للكشف عنهم أو عدم عقابهم أو على الاستفادة بمحصول أفعالهم".

أما التهمة الثانية التي يواجهها عبد الفتاح سعيّد، عملا بالفصل
128 من المجلة الجزائية، المتعلقة بمن "ينسب لموظف عمومي... أمورا غير قانونية متعلقة بوظيفته دون أن يدلي بما يثبت صحة ذلك"، فعقوبتها السجن لمدة تصل إلى سنتين. قال محضر التحقيق الصادر عن فرقة مكافحة الإرهاب في القرجاني، الذي راجعته هيومن رايتس ووتش، إن سعيّد اعتُقل لأنه نشر فيديو يتهم فيه الامن بالوقوف وراء هجوم سوسة و بانه نشر رسمًا كاريكاتوريًا لحبيب الصيد وهو يُمسك رفشًا، مرفقًا بالتعليق التالي: "لقد كان في انتظار هجوم سوسة، كأنه هدية من السماء لغلق كل منابع الإسلام المعتدل".

قالت هيومن رايتس ووتش إن ملاحقة شخص بتهمة التواطؤ مع الإرهاب، اعتمادًا على معلومات ينشرها أو رأي يعبّر عنه، ودون أي أدلة ملموسة عن علاقته بالجريمة، تُعتبر انتهاكًا خطيرًا لحرية التعبير.

حرية التعبير مكفولة في الفصل 31 من الدستور التونسي، وكذلك في المادة 19 من العهد الدولي، وتونس طرف فيه، وتشمل "الحرية في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها
ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها." في 2011، أصدرت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة توجيهات إلى الدول الأعضاء تتعلق بالتزاماتهم بموجب المادة 19، وأكدت على القيمة الكبرى التي يوليها العهد الدولي للتعبير غير المقيد "في ظروف النقاش العام المتعلق بشخصيات عامة في المجال السياسي والمؤسسات العامة". قالت اللجنة إنه "لا يجب حظر انتقاد المؤسسات، مثل الجيش أو الإدارة"، على أن يتم التعامل مع التشهير من حيث المبدأ كمسألة مدنية وليست جنائية، وألا يستوجب عقوبة السجن.

أشارت اللجنة في تعليقها العام رقم 34 المفسر للمادة 19 إلى أن على الحكومات توخي "الحذر الشديد"، لضمان عدم التذرع بقوانين الأمن القومي "بغرض القمع أو لحجب معلومات عن الجمهور تكون ذات مصلحة عامة مشروعة ولا تضر بالأمن القومي" أو لملاحقة صحفيين أو باحثين أو نشطاء أو غيرهم ممن ينشرون تلك المعلومات.

قال إيريك غولدستين: "على السلطات التونسية الكف عن محاكمة الصحفيين وغيرهم بقانون مكافحة الإرهاب بسبب نشر معلومات أو أفكار حول هجمات خطيرة هزّت البلاد".

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة