Skip to main content

يتناول هذا التقرير بالتحليل مشروع قانون مكافحة الإرهاب التونسي، ويُقيّم مدى تناسبه مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

وكانت نسخة أولية من مشروع القانون قد عُرضت على المجلس الوطني التأسيسي، وهو البرلمان التونسي، من قبل مجلس الوزراء في يناير/كانون الثاني 2014،.   وقد علق المجلس الوطني التأسيسي التصويت على مشروع القانون وسط خلاف على احكامه واستباقاً للانتخابات التشريعية في أكتوبر/تشرين الأول 2014. وقدمت الحكومة الجديدة مسودة ثانية في 26 مارس/آذار إلى البرلمان المنتخب في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2014.

وتأتي المسودة الجديدة في خضم موجة من الهجمات العنيفة التي شنتها جماعات متطرفة واستهدفت التونسيين والزوار الأجانب على السواء، بما فيها اعتداء 18 مارس/آذار على السائحين بمتحف باردو في تونس، الذي أسفر عن قتل 21 من الأجانب وتونسياً واحداً.

ويقصد بالمسودة أن تحل محل قانون مكافحة الإرهاب المعمول به حالياً والذي تم تبنيه في 2003 (القانون المتعلق بدعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال)، وكان محل انتقادات لتعريفه الفضفاض للإرهاب وكذلك لأحكامه التي تقوض الحق في المحاكمة العادلة، ولكيفية تمكن حكومة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي من استغلاله لملاحقة المعارضة على أنشطة سلمية.

أما المسودة الجديدة، من منظور حقوق الإنسان، فهي أسوأ من مسودة 2014 من جانبين. والأول هو أنها تسمح للشرطة باحتجاز المشتبه بهم بمعزل عن العالم الخارجي لمدة تصل إلى 15 يوماً بإذن من النيابة. ولا تلتزم الشرطة خلال تلك المدة بعرض المشتبه به على قاض أو السماح له بالتواصل مع محام أو أحد أفراد عائلته. ومن شأن هذا أن يعرض المشتبه به للتعذيب وإساءة المعاملة لأن العزلة تقلل من فرص اكتشاف طرف ثالث لتلك الانتهاكات. والقانون المعمول به في تونس حالياً يتيح للسلطات احتجاز المشتبه بهم ـ بمن فيهم المتهمين بجرائم متعلقة بالإرهاب ـ علي ذمة التحقيق لمدة لا تزيد عن 6 أيام.

والجانب الثاني هو أن المسودة تفرض عقوبة الإعدام في الأعمال الإرهابية التي تؤدي إلى وفيات او في حالة اغتصاب. ولم يكن قانون 2003 ولا المسودة السابقة ينصان على عقوبة الإعدام.

كما تحتفظ المسودة الجديدة ببعض أوجه القصور المأخوذة على مسودة 2014:

  • أنها تحتوي على تعريف فضفاض للعمل الإرهابي.

  • أنها تشتمل على "جرائم إرهابية" من قبيل "الإضرار بالممتلكات الخاصة والعامة" أو "بوسائل النقل أو الاتصالات أو بالمنظومات المعلوماتية أو المرافق العمومية" مما قد يؤدي إلى تجريم المعارضة السياسية أو أعمال العنف الصغرى أثناء الاحتجاجات الاجتماعية.

  • أن غموض عبارات المسودة بشأن الدفاع عن الإرهاب يعني إمكانية ملاحقة أشخاص لاستخدام عبارة أو رمز يجري اعتبارها مؤيدة للإرهاب، بغض النظر عن احتمالات تأديتها إلى أي فعل ملموس.

ومع ذلك فإن المسودة الأخيرة تحتفظ أيضاً ببعض أوجه التحسن المقدمة في مسودة 2014، ومنها:

  • أحكام جبر الضرر لضحايا الإرهاب، بما في ذلك الرعاية الصحية المجانية في المستشفيات العامة والمساعدة القانونية.

  • حظر ترحيل المشتبه بهم أو تسليمهم إلى بلدان قد يواجهون فيها التعذيب أو غيره من أشكال المعاملة اللاإنسانية.

  • تشكيل لجنة يرأسها قاض لوضع استراتيجية شاملة للتصدي للإرهاب، وكذلك اشتراط التوسع في الإشراف القضائي على المراقبة وغيرها من الأعمال التي تقوم بها أجهزة الأمن والمخابرات في تونس، بما فيها اعتراض المراسلات واختراق الجماعات التي تعتبرها الحكومة إرهابية.

لكن بعض أوجه القصور تظل باقية في مشروع قانون مكافحة الإرهاب فيما يتعلق بالإشراف القضائي على أجهزة الأمن والمخابرات، حيث أن المشروع، بدلاً من وضع قرارات المراقبة تحت الإشراف الحصري لقضاة مستقلين، يوسع صلاحية الأمر بتلك الإجراءات بحيث تشمل أفراد النيابة، المرتبطين بموجب القانون التونسي بالسلطة التنفيذية. علاوة على هذا فإن مشروع القانون يمنح القضاة سلطة تقديرية مفرطة الاتساع في إغلاق الجلسات والاستماع إلى شهود محجوبي الهوية. كما يقوض الحق في دفاع فعال من خلال إرغام محامي المشتبه في ممارستهم للإرهاب على الكشف عن معلومات عن موكليهم. ويضاف إلى هذا أن المشروع لا يوفر إشرافاً قضائياً كافياً على صلاحيات الشرطة الاستثنائية للتدخل في الخصوصية في عمليات مكافحة الإرهاب.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة