Skip to main content

"سيدتي، عسى أن تقلعي الآن عن الدفاع عن حقوق الإرهابيين". إن هذا التعليق، على صفحتي بموقع فيسبوك، يعكس بالفعل تفكير بعض التوانسة في أعقاب الاعتداء القاتل بمتحف باردو، كما أن وسائل الإعلام تردد نفس الرأي بدون توقف كالمطرقة.

لقد انهمر شلال من التصريحات من كبار المسؤولين ومن مثقفين وأعضاء في نقابة الشرطة، بنفس الرسالة. فأعلن ناجي جلول وزير التربية على قناة تلفزيونية مستقلة أن "الإرهابيين لا يحترمون حقوق الإنسان فلا ينبغي أن نحترم حقوقهم". واندفع محرر افتتاحية صحيفة "لو طان" اليومية يقرّع "المدافعين الأخلاقيين عن حقوق الإنسان، بمظهرهم المهندم، مسترخين في أبراجهم العاجية الشاهقة".

وهكذا صار نشطاء حقوق الإنسان هدفاً لتيار من الرأي العام يحملهم مسؤولية إهمال الحكومة في المعركة ضد الإرهاب. إلا أن وظيفة المنظمات الحقوقية هي أن تدعو السلطات، في خطتها الأمنية، إلى احترام بعض القواعد الأساسية التي تحمي حياة المواطنين وحرياتهم وكرامتهم. والأصوات المنددة بالحقوق تقودنا إلى مسرحية وحشية قادرة على تصعيد العنف والفظائع. فهي تبرر تعذيب "الإرهابيين" ضمنياً، وتطلب منا إغماض أعيننا عن الانتهاكات لأن تلك الكائنات ليست من جنس البشر.

وحينما نقبل هذا الخطاب فإننا نتنازل عن قدر من قيمنا الخاصة، وربما ينتهي بنا الأمر إلى الحرمان من تلك الحقوق كما حرم منها أولئك الموصوفين بأنهم إرهابيون. وحين نضفي الشرعية على انتهاك الشرطة للقانون، وتقييد الحقوق، وتنحية الضمانات الأساسية جانبا، فإننا جميعا ـ الثمار السليمة والفاسدة، المذنبون والأبرياء على السواء ـ نصبح أكثر انكشافاً أمام استهتار الحكومة بالقانون. والممارسات الشرطية المسيئة التي نؤيدها اليوم قد تطبق علينا على نطاق أوسع في المستقبل.

والتعبير عن هذا لا يعني تأييد التساهل أو التهاون مع وحشية المتطرفين. فالإصرار على احترام سيادة القانون ضروري لأية معركة فعالة ضد الإرهاب. أما الانتهاكات وأعمال العنف المجانية فهي توفر تربة خصبة يرعى فيها الإرهاب، الذي يتغذى على تلك الانتهاكات والمظالم، إضافة إلى إخفاق المسؤولين في رؤية أسبابه الاجتماعية والسياسية الأعمق. وهي تعمل بالفعل على استفحال الضغائن التي يشعر بها بعض الشباب تجاه قوات الأمن التي ينظرون إليها كجيش قمعي، ومفاقمة شعورهم اليومي بالاغتراب، دافعة إياهم إلى أحضان الجماعات المتطرفة.

إن الخطاب المعادي لحقوق الإنسان خطير، كما أنه يأتي بتأثير عكسي، إذ أنه لا يخرج بحلول عقلانية لمشكلة الإرهاب. ولن يعمل في تونس إلا على إضعاف المؤسسات الوليدة لسيادة القانون. 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة