أصحاب السعادة،
يأتي الاستعراض الدوري الشامل لمصر، والمزمع اجراؤه في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، في توقيت حرج لحقوق الإنسان والحريات، وللمجتمع المدني المستقل في مصر، بما فيه المدافعون عن الحقوق ونشطاء الديمقراطية. ونحن بصفتنا مجموعة من المنظمات التي وثقت انتهاكات حقوق الإنسان في مصر وجهرت بانتقادها، ندعو حكومتكم إلى استخدام الاستعراض كفرصة لتحدي الحملة القمعية التي تشنها السلطات.
لقد أعادت حكومة مصر مؤخرا تأكيد الموعد النهائي المحدد بـ10 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، بعد استعراض مصر بخمسة أيام فقط، لكي تقوم كافة منظمات المجتمع المدني بالتسجيل لدى الحكومة بموجب قانون الجمعيات الذي يستند الى اطار قمعي (القانون 84 لسنة 2002)؛ أو مواجهة تهم جنائية محتملة. ويعمل هذا القانون على منح السلطات صلاحيات كاسحة للتدخل في منظمات المجتمع المدني المسجلة، وهو السبب الذي دفع العديد من المنظمات الحقوقية المصرية إلى اختيار التسجيل كمكاتب محاماة أو شركات لا تهدف إلى الربح بدلاً منه. كما اقترحت السلطات تشريعات أشد قمعية لتحل محل قانون الجمعيات الحالي، ومن شأنها منح السلطات صلاحيات إضافية للتدخل في تسجيل المنظمات غير الحكومية وتمويلها وأنشطتها، وفرض عقوبات قاسية عليها يمكن أن تصل إلى السجن لمدة 5 سنوات.
وفي سبتمبر/أيلول فرضت السلطات عقوبات جديدة تضاف إلى القيود القائمة على قبول تمويل أو مواد يمكنها تهديد "المصالح القومية" لمصر، أو تهديد وحدة أراضيها أو الإخلال بالسلم العام. ويقع المخالفون تحت طائلة عقوبات بالسجن لمدد تصل إلى 25 عاماً، وغرامات تصل إلى آلاف الجنيهات المصرية. وبينما يتمثل الهدف المعلن في وقف التدفق المالي أو العيني إلى الجماعات المسلحة، فإن المنظمات المصرية غير الحكومية تخشى احتمال استغلال السلطات لصلاحياتها الجديدة في استهداف المنظمات الحقوقية.
علاوة على هذا فقد مضت السلطات قدماً في حملة من الاعتقال التعسفي واسع النطاق لمنتقدي الحكومة، وبينهم صحفيون ومدافعون عن حقوق الإنسان، إضافة إلى آلاف الآخرين المحتجزين لمجرد انتمائهم أو تأييدهم المزعوم لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة. وقد تعرض الكثيرون من المحتجزين للتعذيب أو غيره من أشكال إساءة المعاملة على أيدي قوات الأمن، وفرضت السلطات قانون التظاهر (القانون 107 لسنة 2013) الذي تم تبنيه في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 ويخول قوات الأمن سلطة استخدام القوة المميتة المفرطة ضد المظاهرات السلمية غير المصرح بها، واحتجاز المتظاهرين السلميين.
كما أخفقت السلطات المصرية مراراً في ضمان المحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان السابقة والمستمرة من جانب قوات الأمن، بما فيها التعذيب وغيره من أشكال إساءة المعاملة، والاعتقال والاحتجاز التعسفيين، والقتل دون وجه حق نتيجة استخدام القوة المميتة المفرطة لتفريق مظاهرات سلمية.
وتشعر منظماتنا بالقلق من إخفاق مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، حتى الآن، في إرسال رسالة جماعية تفيد بضرورة توقف تلك وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي شابت مصر في السنوات الأخيرة. إن تردد العديد من الوفود داخل المجلس في التصدي للجوانب الأشد إلحاحاً وخطورة في الوضع الحقوقي المصري إنما يثير أشد القلق؛ ونرغب في إعادة التشديد على حاجة الدول الأعضاء والمراقبة في مجلس حقوق الإنسان إلى استغلال الاستعراض الدوري الشامل المقبل لمصر لتسليط الضوء على القمع المستمر، والتقدم بتوصيات سليمة وملموسة للحكومة المصرية في هذا الصدد. إننا ندعو حكومتكم إلى عدم إهدار هذه الفرصة الحاسمة للتصدي للوضع الحقوقي المتدهور في مصر، والتحرك دفاعاً عن حقوق الإنسان والحريات والمجتمع المدني.
وقد سبق لبعض منظماتنا إطلاع مكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان، وكذلك بعض وفودكم، على موادها المخصصة للإحاطة قبل الاستعراض الدوري الشامل لمصر. ونحن ندعو وفدكم إلى ضمان تطرق النقاش الجاري أثناء استعراض مصر، وتطرق التوصيات المقدمة، كحد أدنى، إلى القضايا المحورية التالية:
1. يتعين على الحكومة المصرية التوقف عن تهديد المدافعين عن حقوق الإنسان ومنظمات ونشطاء المجتمع المدني، بما في ذلك سحب الموعد النهائي المحدد بـ10 نوفمبر/تشرين الثاني لتسجيل جميع المنظمات غير الحكومية بموجب قانون الجمعيات (القانون 84 لسنة 2002) وسحب مسودة قانون الجمعيات التي قدمتها وزارة التضامن الاجتماعي في 26 يونيو/حزيران 2014. وعلى السلطات تبني تشريعات تتفق مع المعايير الدولية لكفالة الحق في حرية تكوين الجمعيات المكرس في الدستور المصري، بما في ذلك حق تلقي الأموال والتصرف فيها.
2. ويتعين على الحكومة المصرية إلغاء قانون التظاهر (القانون 107 لسنة 2013) الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، والتقدم بتشريع جديد يضمن حرية التجمع من خلال عملية إخطار بسيطة وشفافة كما تبين المادة 73 من الدستور المصري لسنة 2014، ويسمح بالتجمع العفوي السلمي، ويضمن تقيد عمليات حفظ الأمن أثناء المظاهرات بالمعايير العالمية التي تحدد ضرورة اقتصار استخدام القوة من جانب الشرطة على الأوضاع التي لا مناص فيها من استخدامها لتحقيق غاية تتعلق بإنفاذ القانون، وتشترط عدم استخدام الأسلحة النارية إلا عند الضرورة القصوى لحماية النفس أو الغير من تهديد محدق بالموت أو الإصابة الجسيمة. ويجب على أي تشريع جديد أيضاً أن ينص على المسؤولية الجنائية ويضمن المحاسبة على استخدام القوة دون ضرورة أو تناسب للوقاية من تهديد محدق لحياة شخص آخر، من جانب مسؤولي إنفاذ القانون بحق متظاهرين سلميين.
3. وعلى السلطات المصرية فتح تحقيق قضائي لتحديد هوية المسؤولين عن الأمر بعمليات قتل غير مشروع وتنفيذها في سياق قمع المظاهرات التي كانت سلمية في معظمها منذ 3 يوليو/تموز 2013، بما في ذلك فض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 أغسطس/آب اللذين قتل فيهما ما لا يقل عن ألف متظاهر. ويجب في تحقيق كهذا أن يكون مستقلاً ومحايداً وأن يتم اتفاقاً مع مبادئ الأمم المتحدة بشأن المنع والتقصي الفعالين لعمليات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسفي والإعدام دون محاكمة. وحيثما وجدت معلومات ذات مصداقية تحدد هوية المسؤولين عن استخدام غير مشروع أو مفرط للقوة فينبغي خضوع هؤلاء الأشخاص للملاحقة من دون إبطاء.
4. ويجب على الحكومة المصرية احترام وكفالة استقلال القضاء والامتناع عن أي تدخل غير لائق أو لا مسوغ له في شؤون القضاء، ومن ثم فلا ينبغي استغلال المحاكم ومكتب النائب العام كأدوات للقمع من خلال ملاحقة وإدانة أشخاص لممارسة حقوقهم على نحو مشروع.
5. وعلى السلطات المصرية الأفراج الفوري دون قيد أو شرط عن كافة المحتجزين لمجرد الممارسة السلمية لحقوقهم في حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات، بمن فيهم المحتجزين لمجرد الانتماء المزعوم إلى الإخوان المسلمين. وعلى السلطات أيضاً أن تضمن عدم تحول الحبس الاحتياطي إلى قاعدة مرعية وليس إجراء استثنائياً، ومن ثم وقف قيام أفراد النيابة بالتجديد الروتيني لأوامر الاحتجاز "على ذمة التحقيقات" كإجراء عقابي لإطالة أمد احتجاز النشطاء والمتظاهرين السلميين دون اتهام. لا يجوز استخدام أوامر الحبس الاحتياطي إلا عند ثبوت وجود خطر جدي من فرار المشتبه به أو ارتكابه لجريمة خطيرة ـ بما فيها إيذاء الآخرين ـ أو العبث بالأدلة أو التدخل في سير التحقيق أو عرقلة العدالة، ولا تتسنى إزالته بوسيلة سوى الحبس.
6. ويجب على الحكومة المصرية إنهاء استخدام التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، بما فيها الحبس الانفرادي المطول، والسماح للمحتجزين المحتاجين إلى رعاية طبية عاجلة بالنقل إلى المرافق الطبية المناسبة، وضمان إخطار عائلات كافة المعتقلين أو المحتجزين منذ 3 يوليو/تموز 2013، على وجه السرعة، بمكان احتجاز أقاربهم الحالي، وأوضاعهم القانونية الحالية، وأي نقل لاحق لهم إلى أماكن أخرى.
وأخيراً فإننا ندعو وفدكم إلى الرصد المدقق للأوضاع الحقوقية في مصر بعد اختتام الاستعراض الدوري الشامل لها، حيث أن قيام السلطات بتحديد موعد الإنذار الموجه للمنظمات غير الحقوقية مباشرة بعد نظر الفريق العامل المعني بالاستعراض في الوضع المصري هو علامة مقلقة على اتجاه نية الحكومة نحو انتقاص المزيد من المساحة المتاحة لنشاط المجتمع المدني وتغطية حقوق الإنسان.
مع أسمى آيات التقدير من،
· آمنستي ـ العفو الدولية
· سيفيكوس: التحالف العالمي من أجل مشاركة المواطنين
· الشبكة الأورو-متوسطية لحقوق الإنسان
· هيومن رايتس ووتش
· اللجنة الدولية للقضاة
· الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان
· الخدمة الدولية لحقوق الإنسان