(بغداد) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن قوات الأمن العراقية ومليشيات موالية للحكومة قامت على ما يبدو بإعدام ما لا يقل عن 255 سجيناً في ست مدن وقرى عراقية دون وجه حق منذ 9 يونيو/حزيران 2014. تمت عمليات الإعدام، في جميع الحالات عدا واحدة، أثناء فرار المقاتلين من الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وغيرها من الجماعات المسلحة. وتنتمي الأغلبية الساحقة من أفراد قوات الأمن والمليشيات إلى الطائفة الشيعية، بينما كان السجناء المقتولين من السنة، وكان ثمانية منهم على الأقل صبية دون الثامنة عشرة.
وقد تمثل عمليات القتل الجماعي خارج إجراءات القضاء أدلة على جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، ويبدو أنها تمت انتقاماً من فظاعات داعش، الجماعة السنية المتطرفة التي انتزعت في الشهور الأخيرة مساحات كبيرة من الحكومة المركزية ذات القيادة الشيعية. قامت داعش، التي غيرت اسمها في 30 يونيو/حزيران إلى الدولة الإسلامية، بإعدام عشرات الجنود الأسرى، وأفراد المليشيات الشيعية، وأعضاء الأقليات الدينية الشيعية، ميدانياً دون محاكمات في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "يعد قتل السجناء مخالفة صارخة للقانون الدولي. وبينما يشجب العالم، عن حق، ما ترتكبه داعش من فظاعات، إلا أن عليه ألا يغضي الطرف عن نوبات القتل الطائفي التي ترتكبها القوات الحكومية والموالية لها".
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه يتعين على لجنة دولية لتقصي الحقائق أو آلية مشابهة أن تحقق في الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب والقانون الدولي لحقوق الإنسان من جانب كافة أطراف النزاع العراقي، بما فيها القوات الحكومية والمليشيات الموالية للحكومة وداعش والقوات المرتبطة بها. كما ينبغي للتحقيق أن يتمتع بالتفويض اللازم لإثبات الحقائق وتحديد المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة بهدف ضمان محاسبتهم. وعلى التحقيق أن يجمع ويحفظ المعلومات المتعلقة بالانتهاكات لاستخدامها مستقبلاً من جانب المؤسسات القضائية.
وثقت هيومن رايتس ووتش خمسة مذابح لسجناء بين 9 و21 يونيو/حزيران ـ في الموصل وتلعفر بمحافظة نينوى، وبعقوبة وجمرخي بشرق محافظة ديالى، وراوة في غرب محافظة الأنبار. وفي كل هجمة كانت أقوال الشهود وأفراد قوات الأمن ومسؤولي الحكومة تشير إلى قيام جنود من الجيش أو الشرطة العراقيين، أو من مليشيات شيعية موالية للحكومة، أو تشكيلات من الثلاثة، بإعدام السجناء دون محاكمات بإطلاق الرصاص عليهم في كافة الحالات تقريباً. في حالة واحدة قام القتلة أيضاً بإشعال النار في عشرات السجناء، وفي حالتين ألقوا بقنابل يدوية داخل الزنازين.
قال أكثر من عشرة من السكان والنشطاء في مناطق الهجمات لـ هيومن رايتس ووتش إنهم يعتقدون أنه مع شروع داعش في إطلاق سراح السجناء السنة في مناطق أخرى أثناء زحفها جنوباً، قامت قوات الأمن والمليشيات العراقية بقتل السجناء لمنعهم من الانضمام إلى التمرد، إضافة إلى الانتقام من قتل داعش لجنود الحكومة الأسرى. ويعد قتل المحتجزين أثناء نزاع مسلح جريمة حرب، وإذا تم على نطاق واسع أو على نحو ممنهج، كسياسة حكومية، فإنه يعد جريمة ضد الإنسانية.
وكانت الحكومة العراقية قد أنكرت في الماضي مزاعم تفيد بأنها أعدمت السجناء دون محاكمات. لم يرد وزيرا الدفاع والداخلية على مطالبات هيومن رايتس ووتش بالتعليق على الحالات الخمس التي وثقتها.
أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات شخصية أو هاتفية مع أكثر من 35 شخصاً بشأن الهجمات الخمس، وقد ضم هؤلاء شهوداً وأقارب للقتلى، ومسؤولين أمنيين وحكوميين آخرين، ونشطاء محليين. وكان كثيرون قد فروا من بيوتهم واشترطوا حجب هويتهم للتحدث معنا، مخافة التنكيل من القوات الحكومية. كما راجعت هيومن رايتس ووتش مقاطع فيديو وصوراً فوتوغرافية وتقارير إعلامية لوقائع القتل.
أفادت وكالة أنباء "رويترز"، نقلاً عن مصادر شرطية، بأن الشرطة في هجمة سادسة، يوم 23 يونيو/حزيران بمحافظة بابل بوسط العراق، أعدمت 69 سجيناً في زنازينهم بمدينة الحلة قبل نقل الجثث إلى بغداد في موعد لاحق من نفس اليوم.
وكانت الحكومة تقاتل جماعات سنية مسلحة في الأنبار منذ الأول من يناير/كانون الثاني. استولت داعش وجماعات سنية مسلحة أخرى على الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية وعاصمة محافظة نينوى، في 10 يونيو/حزيران، ثم زحفت على مناطق أخرى بعرض العراق.
وقد تم اعتقال أغلبية السجناء المقتولين في الهجمات الخمس بموجب المادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب العراقي، لكن الاتهام لم يتوجه إليهم بأية جريمة. وقد استمر سجن بعضهم لشهور، بينما تم احتجاز آخرين بعد قليل من بدء استيلاء داعش على الموصل في 9 يونيو/حزيران.
في الهجمة الأولى، ليلة 9 يونيو/حزيران، قام حراس السجن بنقل 15 سجيناً سنياً من زنازينهم في سجن مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، في قلب الموصل، بحسب إفادة سجين سابق لقناة "سي إن إن". في ما بعد قال السجين لـ هيومن رايتس ووتش إن الرجال كانوا سنيين من أقلية التركمان. ونقلت منظمة العفو الدولية عن سجين ثان قوله إن الحراس نقلوا 13 سجيناً وإنه سمع طلقات نارية بعد ذلك. بعد وقت قصير، بحسب السجينين، قام أحد حراس السجن بإلقاء قنبلة يدوية داخل إحدى الزنازين. وقال السجين الذي تحدث مع منظمة العفو الدولية إن ستة سجناء قتلوا في الاعتداء بالقنبلة اليدوية.
وبعد يومين اكتشف سكان الموصل 15 جثة في طور التحلل لرجال مقتولين بطلقات نارية، ومقيدي الأيدي ومعصوبي الأعين في بعض الحالات، بالقرب من مخزن مهجور للبطاطا في الموصل، كما قال اثنان من السكان والسجين الذي تحدث مع هيومن رايتس ووتش. قال ذلك السجين إنه ذهب إلى الموقع وتعرف على اثنين من زملائه السجناء وكانا ضمن الرجال الـ15 الذين تم اقتيادهم على أيدي حراس السجن.
في إحدى الهجمات التالية، يوم 16 يونيو/حزيران في تلعفر على بعد 50 كيلومتراً غربي الموصل، قام 3 أو 4 مسلحين، قال شهود إنهم من رجال المليشيات الشيعية، بفتح النار من بنادق هجومية وأسلحة أخرى داخل 4 زنازين بسجن مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة بتلك المدينة. وقال شهود، ومسؤولون حكوميون محليون، ونشطاء محليون من المجتمع المدني لـ هيومن رايتس ووتش إن الهجمة تسببت في قتل ما لا يقل عن 51 سجيناً. وقع الاعتداء قبل الفجر، بينما كانت داعش تستعد للاستيلاء على تلعفر، وضمت صفوف القتلى ثلاثة صبية مراهقين، بحسب أقوالهم.
ويعد سجن مكافحة الإرهاب بتلعفر فرعاً من سجن مكافحة الإرهاب بالموصل، كما قال مسؤول حكومي محلي. ويتبع الاثنان وزارة الداخلية، التي يقوم بعمل وزيرها رئيس الوزراء نوري المالكي.
في الليلة نفسها، بحسب مصادر شرطية وحكومية، تم قتل 43 محتجزاً داخل مخفر الوحدة بالقرب من بعقوبة، عاصمة محافظة ديالى على بعد 50 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من بغداد. وقالت مصادر شرطية لـ هيومن رايتس ووتش إن السجناء قتلوا جراء النيران المتبادلة أثناء هجمة لداعش على السجن، لكن مسؤولين محليين آخرين من الحكومة المدنية قالوا إن حراس السجن وأفراد مليشيات شيعية هم من قتلوا السجناء.
قال عضو فريق طبي بمستشفى بعقوبة العام، الذي قام أوائل المستجيبين بنقل جثث السجناء إليه، قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه شاهد 43 جثة، وكانوا جميعاً مقتولين بالرصاص في الرأس على طريقة الإعدام، كما كانت أطرافهم مكسورة بحسب قوله. توفي محتجز آخر، هو أحمد زيدان، الناجي الوحيد المعروف، في اليوم التالي بعد ساعة من قيام الشرطة بأخذه من المستشفى الذي كان يعالج به.
قال عضو الفريق الطبي إن الشرطة جاءت لأخذ زيدان بعد قليل من تصريحه لعامر المجمعي محافظ ديالى، من على سرير المستشفى، بأن حراس السجن ومليشيات شيعية هم الذين نفذوا الهجوم. وقال عضو الفريق الطبي إن زيدان كان ميتاً حين أعادته الشرطة. وقال إنه شاهد جروح طلقات نارية ببطن زيدان وساقيه، ولم تكن تلك الجروح موجودة قبل أخذه من المستشفى.
في صباح 17 يونيو/حزيران قام أفراد مليشيات شيعية موالية للحكومة بقتل ما لا يقل عن 43 سجيناً داخل قاعدة للجيش في قرية جمرخي، في ديالى أيضاً. وكان ثلاثة منهم على الأقل صبية، بحسب رجل شاهد الجثث وكذلك أحد جنود القاعدة. كان الجميع من السنة الذين اعتقلتهم قوات عراقية قبل أسبوع أو 10 أيام من جمرخي والقرى المحيطة، وقد أحرقوا جميعاً حتى الموت أو قتلوا بالرصاص، بحسب قولهم.
وفي راوة، يوم 21 يونيو/حزيران، قام جنود من قيادة عمليات الجزيرة والبادية التي تشرف على العمليات العسكرية للحكومة العراقية في محافظة الأنبار، بقتل 25 سجيناً وجرح 3 آخرين كانوا يحتجزونهم في قاعدتهم العسكرية، بحسب أحد سكان راوة الذي عثر على الجثث في السجن بعد قليل من الواقعة وتحدث مع الناجين الثلاثة. قال له الناجون إن الشرطة قتلت السجناء، بحسب قوله، وكان اثنان منهم صبيين عمرهما 12 و16 عاماً.
بعد يومين، في 23 يونيو/حزيران، تم قتل 69 سجيناً في الحلة، بحسب أرقام زودت بها مصادر شرطية وكالة أنباء رويترز. قال محافظ الحلة لرويترز إن السجناء قتلوا فيما كانت الشرطة تنقلهم من أحد سجون الحلة إلى سجن آخر في بغداد، حين قام متشددون مسلحون معارضون بالهجوم على القافلة. لكن مصادر شرطية قالت لرويترز إن الشرطة أعدمت الرجال دون محاكمات داخل زنازينهم بسجن الحلة.
تحدثت هيومن رايتس ووتش مع 16 من السكان، واثنين من النشطاء الحقوقيين المحليين، و10 من مسؤولي الحكومة المحليين. وقال المطلعون على الوقائع إن مليشيات من فيلق بدر الذي يتزعمه وزير النقل هادي العامري متورطة في الهجمات على السجناء في تلعفر وجمرخي، وإن عصائب أهل الحق، المليشيا الشيعية القوية الموالية للحكومة والتي تنشط في مناطق بغداد المحيطة بمقرات الحكم وفي ديالى، قامت بدورها بتنفيذ عمليات القتل في جمرخي وسهلت للشرطة عمليات قتل السجناء في بعقوبة.
وينبغي للتحقيق الدولي في انتهاكات قوانين الحرب والقانون الدولي لحقوق الإنسان، من جانب كافة أطراف النزاع العراقي، أن يتضمن فحصاً لما إذا كانت قوات الأمن العاملة مع مليشيات موالية للحكومة قد قتلت السجناء استباقياً. قالت هيومن رايتس ووتش إن على الولايات المتحدة وغيرها من الدول الضالعة في العراق أن توقف مساعداتها العسكرية لحكومة المالكي حتى تتخذ خطوات ملموسة لوقف الجرائم من قبيل قتل السجناء.
وعلى المالكي أيضاً أن يقيل ويلاحق كافة القادة المتورطين في تلك المذابح، بحسب هيومن رايتس ووتش، فقتل السجناء، حتى الذين كانوا محاربين منهم، هو جريمة حرب.
قال جو ستورك: "في كل حالة حققت فيها هيومن رايتس ووتش، تشير الشهادات التي سمعناها مباشرة إلى قيام قوات الأمن العراقية والمليشيات الموالية للحكومة بذبح رجال أسرى بأعداد كبيرة، فيما كانت داعش والمقاتلون المتحالفون معها يستعدون للاستيلاء على المنطقة. وهذه ليست أفعال قائد مارق مطلق اليد ـ بل إنها تبدو كحملة واسعة النطاق لقتل السجناء السنة بدم بارد".
لتفاصيل إضافية عن الحالات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش يرجى مواصلة القراءة أدناه.
الموصل: الهجوم على السجن والجثث أمام مخزن البطاطا
في ليلة 9 يونيو/حزيران، قبل ساعات من استيلاء داعش على الموصل في الصباح التالي، قام حراس تابعون للحكومة العراقية في سجن مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة بالمدينة، على ما يبدو، بإعدام 15 سجيناً ثم إلقاء جثثهم في وهدة، بحسب مقابلة مع 3 أشخاص شاهدوا الجثث، و3 مسؤولين حكوميين قالوا إنهم أُبلغوا بوقائع القتل. وقال سجين سابق إن أحد الحراس ألقى بقنبلة يدوية داخل زنزانة، وقال سجين ثان لمنظمة العفو الدولية إن اعتداء القنبلة اليدوية تسبب في قتل ما لا يقل عن 6 سجناء.
وصل مقاتلو داعش إلى أطراف الموصل في 8 يونيو/حزيران. ومع استيلائهم على المدينة في صباح 10 يونيو/حزيران كانت القوات العراقية قد هجرت مواقعها. قال 3 شهود لـ هيومن رايتس ووتش إنهم شاهدوا، بعد انتهاء القتال وبدء خروج السكان من منازلهم في 11 و12 يونيو/حزيران، نحو 15 جثة متحللة على جانب الطريق في منطقة كانت تحت سيطرة الجيش.
كانت الجثث راقدة في وهدة تجاور منطقة الكرامة الصناعية شرقي الموصل، على بعد نحو 100 متر من قاعدة للفرقة الثانية بالجيش العراقي وبالقرب من مخزن مهجور للبطاطا، بحسب 4 مسؤولين محليين وإقليميين، إضافة إلى 4 من السكان المحليين. قال سجين سابق كان أول ظهور له في تقرير لشبكة "سي إن إن"، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن اثنتين من الجثث على الأقل كانتا ضمن 15 من زملائه المحتجزين الذين يعرفهم من سجن مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، والذين شاهد الحراس يأخذونهم مقيدي الأيدي يوم 9 يناير/كانون الثاني. يقع السجن بحي الطيران قرب المطار وبالجهة المقابلة للمنطقة الصناعية من المدينة.
قال اثنان من سكان الموصل إنهما شاهدا الجثث في الوهدة بعد ظهر 12 يونيو/حزيران، وقد زود أحدهما، وهو محام، هيومن رايتس ووتش بمقاطع فيديو وصور فوتوغرافية للموقع. كما قال إنه كان يقود سيارته بجوار مخزن البطاطا في طريق عودته من تفقد أحد أقاربه ثم توقف حين شاهد حشداً متجمعاً على جانب الطريق:
كان الحشد يصور شيئاً ما، فترجلت من سيارتي وألقيت نظرة. وفي الوهدة على جانب الطريق رأيت كومة من الجثث. كان بعضهم مقيدي الأيدي، وبعضهم معصوبي الأعين. وبدا على بعضهم أنهم أحرقوا، وعلى بعضهم أنهم مقطعو الأوصال، ولم يكونوا يرتدون أزياء رسمية.
قال المحامي إنه لا يعرف من الذي قتلهم.
وتبين مقاطع الفيديو والصور التي التقطها المحامي رجالاً راقدين في أوضاع ملتوية على الحصى في الوهدة، مع حشود من المتفرجين وبينهم أطفال يصورون الجثث ويخطون فوقها. وكانت وجوه الكثيرين منهم مسودة بفعل التحلل. أحصت هيومن رايتس ووتش 15 جثة في مقاطع الفيديو والصور، بما فيها واحدة على الأقل مقيدة اليدين وواحدة معصوبة العينين.
وقد أكد مسؤولون محليون وإقليميون فروا من الموصل بعد سقوطها في يد داعش وجود الجثث في الوهدة، وقالوا لـ هيومن رايتس ووتش إنهم أبلغوا من مصادر أمنية حكومية محلية بأنهم على الأرجح سجناء قتلتهم القوات العراقية. وقالوا إنهم لا يملكون معلومات إضافية بسبب عجزهم عن التحقيق في أية وقائع منذ سقوط المدينة.
أفادت منظمة العفو الدولية وسي إن إن، مع نقل كل منهما عن سجين سابق مختلف، في 27 و28 يونيو/حزيران على الترتيب، بأن الجثث الموجودة في الوهدة هي جثث لسجناء بسجن مكافحة الإرهاب في الموصل. وقال السجين السابق الذي تحدث مع منظمة العفو الدولية إنه شاهد حراساً يقتادون 13 سجيناً في 9 يونيو/حزيران، وليس 15 كما قال السجين الآخر لسي إن إن وهيومن رايتس ووتش.
قال السجينان إن أحد الحراس، في توقيت لاحق من نفس الليلة، فتح زنزانة وألقى بقنبلة يدوية داخلها. وقال السجين الذي تحدث مع منظمة العفو الدولية إن القنبلة قتلت 6 سجناء وجرحت العديد من الآخرين.
قال السجين الذي أجرت معه سي إن إن المقابلة الأولى لـ هيومن رايتس ووتش إن جميع السجناء الـ15 الذين أخذهم الحراس كانوا سنيين من أقلية التركمان في تلعفر. وقال إن داعش دخلت السجن في موعد لاحق من تلك الليلة وأطلقت سراح النزلاء الباقين. قال السجين السابق إنه حين سمع بالجثث الموجودة قرب مخزن البطاطا ذهب لرؤيتها يوم 11 يوليو/تموز. وقال إنه تعرف على صديقين ضمن الـ15 الذين شاهد الحراس يقتادونهم خارج السجن.
قال مسؤولون محليون وإقليميون لـ هيومن رايتس ووتش إن سجن مكافحة الإرهاب في ذلك الوقت كان تحت سيطرة رئيس الوزراء المالكي، الذي يقوم بأعمال وزير الداخلية أيضاً. وقال مسؤول إقليمي واحد إن مصدراً أمنياً كان بالسجن في ذلك الوقت أخبره بأن أحد ضباط وحدة مكافحة الإرهاب بمباحث الإدارة العامة للتوثيق والمعلومات بالعراق، التي تدير السجن، هو الذي نفذ اعتداء القنابل اليدوية فألقى بثلاثة منها وقتل ما يصل إلى 15 سجيناً.
تلعفر: مذبحة بسجن القلعة
في نحو الثانية من صباح 16 يونيو/حزيران في تلعفر، على بعد 50 كيلومتراً غربي الموصل، بسجن ثان من سجون مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة داخل حصن تاريخي مرتفع يعرف بـ"القلعة"، قام 3 مسلحين بقتل ما لا يقل عن 51 سجيناً ومنهم ثلاثة على الأقل من الصبية الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاماً، بحسب مسؤول حكومي محلي و4 سجناء سابقين شهدوا على الهجوم.
ويعد سجن مكافحة الإرهاب بتلعفر فرعاً من سجن مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة في الموصل، بحسب مسؤولين حكوميين وإقليميين، كما يخضع لقيادة المالكي بصفته القائم بأعمال وزير الداخلية.
أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 4 سجناء نجوا من الهجوم، ومع والد أحد السجناء المغدورين، ومع 7 مسؤولين محليين وإقليميين سياسيين وأمنيين، ومع اثنين من الصحفيين المحليين، ومع اثنين من النشطاء المحليين الذين حققوا في الهجمات.
وقال معظمهم إن أفراد فيلق بدر الموالي للمالكي هم القادة الفعليين لقاعدة مكافحة الإرهاب والسجن في القلعة. قدم الناجون الأسماء الأولى للمسلحين، الذين قالوا إنهم سمعوهم ينادون بعضهم البعض أثناء الهجوم. وما كان يمكن أن ينتمي المسلحون إلى داعش لأن داعش لم تدخل المدينة حتى الفجر، بحسب قولهم.
راجعت هيومن رايتس ووتش مقاطع فيديو لأربعة مقابلات مع سجناء أجراها صحفي عراقي بمستشفى الموصل الرئيسي بعد ساعات من الهجوم، وراجعت صوراً فوتوغرافية ومقاطع فيديو للسجناء المغدورين، وبينها مقطع فيديو أذاعته شبكة "سي إن إن" في 28 يونيو/حزيران.
وقد قدم المسؤولون والسجناء السابقون تقديرات متباينة لعدد السجناء داخل السجن، إلا أن الجميع اتفقوا على وجود ما لا يقل عن 60، ومعظمهم من المزارعين والعمال السنة من تلعفر والمناطق المحيطة بها، الذين تم اعتقالهم في الأسابيع والشهور السابقة بموجب المادة 4. قال السجناء الناجون والمسؤولون والنشطاء المحليون لـ هيومن رايتس ووتش إن الهجمة وقعت قبل ساعات قليلة من دخول داعش إلى تلعفر، فيما كانت القوات الأمنية العراقية تفر من المدينة. وقال السجناء إن داعش كانت تقصف القلعة طيلة الأيام الثلاثة السابقة، ولكنهم استيقظوا في فجر ذلك اليوم على ما قالوا إنه صوت مركبات ثقيلة تدخل مجمع القلعة ثم صوت طلقات نارية داخل زنازين السجن.
وكان ثلاثة من السجناء ضمن ما لا يقل عن ستة نجوا بالانزواء في حمام بخلفية أكبر الزنازين، التي تؤوي نحو 34 نزيلاً. وقالوا إنهم سمعوا المسلحين يصيحون "الزاوية! الزاوية!"، وهو أمر روتيني للنزلاء بالتجمع في الزاوية المقابلة للباب، قبل مداهمة إحدى الزنازين. وقالوا إنهم سمعوا صوت 3 أسلحة ـ بندقيتين هجوميتين وسلاح يطلق دفعات أسرع اعتقد أحدهم أنه مدفع رشاش.
قال أحد الناجين، وهو عامل عمره 52 عاماً، إن المسلحين كانوا يتحركون "بسرعة كبيرة":
سمعت الكثير من الأصوات وطلقات نارية في الزنازين الأخرى. وسمعت السجناء يصيحون "يا رب ساعدنا!" و"الله أكبر!" وسط أصوات الطلقات النارية. هرعت إلى الحمام للاختباء. ثم سمعت صوت بنادق كلاشنكوف وبنادق آلية في زنزانتي ... لم تستمر أكثر من دقيقتين. تظاهرت بالموت، ولم أتحرك لمدة 5 إلى 10 دقائق.
وصف ناج عمره 14 عاماً، وكان مسجوناً مع أخيه البالغ من العمر 15 عاماً، وصف دخول المسلحين إلى الزنزانة التي تضم 16-19 نزيلاً:
سمعنا جلبة غريبة وراء الباب مباشرة. ثم فتح المسلحون النوافذ الصغيرة التي في الأبواب والأبواب أنفسها، وبدأ إطلاق النيران على الفور. اختبأت خلف سجين آخر ومع ذلك أصبت في أعلى ذراعي وفخذي. لا يمكنني أن أصف لك الساعات الثلاث أو الأربع التالية. كنت أرقد وحولي الجثث. وكانت إحدى تلك الجثث لأخي.
قال الناجون في الحمام إنهم كانوا يسمعون أصوات أربعة رجال، بدا على أحدهم أنه قائد المجموعة الذي يستحث الآخرين على اتباعه بأوامر من قبيل "تعالوا! هناك غرفة أخرى!".
قال 4 من الناجين إنهم تعرفوا من صوت أحد المسلحين ومن أحد الأسماء على رجلين يحضران للسجن كثيراً إلا أنهما ليسا من الحراس النظاميين. وقال سجين واحد سمع المسلحين ولم يرهم إن الحراس النظاميين كان من شأنهم البحث عن سجناء في الحمام.
قال الناجون الذين اختبأوا في الحمام إنهم سمعوا أصوات مركبات تغادر المجمع فور توقف الطلقات النارية، فانتظروا عدة دقائق أخرى قبل الخروج من مكامنهم. وقال العامل إنه كان أول الخارجين ولم يكن بوسعه الخروج إلا بالمرور على أكبر الزنازين:
رأيت جثث زملائي السجناء، بأطراف مرتخية ودماؤهم تصبغ أغطية الأسرّة على الأرض. لم أر سوى اثنين على قيد الحياة، لكن إصاباتهما كانت جسيمة. قالا لي: "نرجوك أن تساعدنا". خرجت بأحدهما إلى فناء المبنى لكنني لم أستطع حمل نفسي على العودة إلى الزنزانة. ورأيت أن بوابة السجن كانت مفتوحة، فهربت دون أن أتمكن من السيطرة على نفسي.
لكن حين رأيت أهل البلدة يتجهون إلى السجن مع مشرق الشمس، قررت العودة للمساعدة. ورأيت أن الكثيرين من أصدقائي قتلوا في الغرف الأخرى أيضاً. في الغرفة الأولى رأيت أربعة قتلى. وفي الثانية، سبعة قتلى. وفي الغرفة المجاورة، 16 شخصاً.
قال سجين آخر، كان قد قال إنه تبع العامل خارج الحمام، إن السجناء المصابين كانوا "يصرخون لطلب النجدة، ويصيحون بعبارات من قبيل ’يا الله، ما الذي حدث؟‘".
حصلت هيومن رايتس ووتش على مقاطع فيديو وصور فوتوغرافية للهجوم من صحفي من الموصل، تبين رجالاً مكومين على أرضيات الزنازين وقد تناثرت الدماء على أجسادهم وجدران الزنازين. وقال ناشط حقوقي من تلعفر إن الصور للضحايا.
وقال أحد أقارب أحد السجناء القتلى لـ هيومن رايتس ووتش إنه فور انتشار الخبر ليلة 15 يونيو/حزيران، بأن داعش تتأهب لدخول تلعفر، كان قد "توسل" إلى شيوخ الشيعة المحليين لضمان عدم قيام الشرطة والمليشيات بهجمات انتقامية:
فقالوا لي: ’لا تقلق، لن يحدث شيء‘. ولكن عند وصولي إلى السجن في الصباح التالي، لا يمكنني وصف ما رأيته. لقد قتلوا بوحشية بالغة. إنها أفعال الهمج.
بعقوبة: وقائع القتل في مخفر الوحدة
في 16 يونيو/حزيران تم قتل ما لا يقل عن 43 محتجزاً بالرصاص في مخفر الوحدة قرب بعقوبة، عاصمة محافظة ديالى شرقي بغداد. وتعرض محتجز آخر لإصابات جسيمة وتوفي في اليوم التالي بعد أن أخذته الشرطة من المستشفى حيث كان يتعافى من جراح الرصاص، وحيث كان المسعفون قد نقلوا الناجي وجثث السجناء. قال مدير أمن ديالي لـ هيومن رايتس ووتش إن المحتجزين توفوا جراء النيران المتبادلة حين قام مسلحون بمهاجمة المخفر، لكن بالاستناد إلى أقوال ثلاثة مسؤولين حكوميين خلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن الشرطة قتلت المحتجزين عمداً.
قال مدير أمن ديالى، العميد جميل الشمري الذي قال إنه لم يشهد الهجوم، قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه كان في اتصال هاتفي بشرطة مخفر الوحدة حين قام مقاتلو داعش بمهاجمة المخفر في الثامنة مساءً. وقال إن مجموعة أخرى من مقاتلي داعش، في الوقت نفسه، هاجمت "وحدة طوارئ" شرطية على بعد كيلومترين من المخفر.
قال الشمري: "لقد أطلقوا قذائف الهاون والقنابل اليدوية من المنازل القريبةعلى المخفر وعلى وحدة طوارئ، وفجروا سيارتين مفخختين، واحدة أمام المخفر وواحدة أمام وحدة الطوارئ". وقال الشمري إن الهجوم استمر نحو 5 ساعات، وإن نحو 100 من مقاتلي داعش تمكنوا من دخول المخفر ببنادق "إيه كي-47". وفي المعركة اللاحقة مع الشرطة ومع فريق تعزيزات من القوات الخاصة، قال الشمري إن 44 سجيناً وشرطياً واحداً قتلوا في النيران المتبادلة.
قال الشمري لـ هيومن رايتس ووتش إن 9 من مقاتلي داعش توفوا أيضاً لكن لم يتم اعتقال أحد منهم، وقال إنه لا يستطيع تحديد السجناء أو مقاتلي داعش القتلى بالأسماء. لكنه أشار إلى الشرطي الذي قال إنه قتل في النيران المتبادلة باسم وسام خضير عباس.
وتختلف رواية الشمري عن رواية ناطق عسكري، هو اللواء قاسم الموسوي. أفادت "الأسوشيتد بريس" بأن الموسوي قال في مؤتمر صحفي يوم 17 يونيو/حزيران إن 52 نزيلاً قتلوا جراء قذائف الهاون حين هاجم مقاتلو داعش المخفر.
ورغم هذه الروايات إلا أن مسؤولين حكوميين، أحدهما موظف بالمستشفى الذي نقلت إليه جثث السجناء والآخر قريب أحد السجناء القتلى، قالا إن السجناء قتلوا جميعاً بالرصاص، ومعظمهم "على طريقة الإعدام" في الرأس، ولم يقتلوا عشوائياً في نيران متبادلة أو بنيران الهاون.
قال مسؤول مقرب من محافظة ديالى لـ هيومن رايتس ووتش إنه شاهد جثث السجناء في 17 يونيو/حزيران وكان بمعظمها جراح طلقات نارية في الرأس. وقال إن محافظ ديالى، عامر المجمعي، زار السجين الوحيد الناجي في المستشفى قبل قيام الشرطة بأخذه وإعادة جثته بعد ساعة. قال الناطق باسم المحافظ في ما بعد لوكالة رويترز إن الناجي أخبر المحافظ بأن الشرطة هي التي قتلت السجناء.
وقال أحد أفراد الطاقم الطبي بمستشفى بعقوبة العام، حيث قام أوائل المستجيبين بنقل جثث السجناء القتلى، قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه شاهد سائقي الإسعاف يجلبون 44 جثة لمشرحة المستشفى. وقال إن موظفي المشرحة أخبروه بأن معظم السجناء كانت بهم كسور بالذراعين والساقين علاوة على جروح الطلقات النارية المتعددة، مما يوحي بتعذيبهم قبل قتلهم.
قال عضو الطاقم الطبي لـ هيومن رايتس ووتش إن السجين الوحيد الذي نجا، أحمد زيدان، وصل إلى المستشفى حياً في نحو التاسعة صباحاً في اليوم التالي للهجوم.
وقال: "قام سائقو الإسعاف في البداية بإحضار زيدان للمشرحة في أحد أكياس الجثث مع الباقين. وحين فتح أطباء المشرحة الكيس أدركوا أنه حي وأعادوه إلى المستشفى".
وفي ذلك التوقيت تحدث المحافظ مع زيدان، كما قال عضو الطاقم الطبي. وقال إنه سمع زيدان يبلغ المحافظ بأن مخفر الوحدة لم يتعرض لهجوم من جماعات مسلحة، وبأن الشرطة ألقت قنبلتين داخل الزنزانة التي تؤوي السجناء الـ44، ثم فتحت عليهم النيران. كما قال زيدان للمحافظ إن الرجال الذين قتلوا السجناء كسروا أذرعهم وأرجلهم قبل إلقاء القنبلتين وإطلاق النار عليهم حتى لا يتمكنوا من الفرار، بحسب عضو الطاقم الطبي.
قال المسعف إن الشرطة وصلت بعد زيارة المحافظ بقليل وأخذت زيدان. "كان يمكن أن ينجو. كنا نعالجه من جروح طلقات نارية لكنه كان واعياً. حين أعادوا جثته بعد ساعة كان ميتاً. وكانت هناك طلقات نارية إضافية في بطنه وساقيه".
وقال عضو الطاقم الطبي إنه لم يستطع التعرف على وحدة الشرطة التي أخذت زيدان من المستشفى.
قال المسؤول المقرب من محافظة ديالى إنه حاول، هو والمحافظ، زيارة السجن في يوم الهجوم للبحث عن أدلة على قصف الهاون الذي يؤيد رواية شرطة ديالى، لكنهما عجزا عن دخول السجن ولم يشاهدا أية علامات على قتال أمام المخفر.
وقال المسؤول لـ هيومن رايتس ووتش: "منعنا حراس السجن وآخرون يرتدون ثياباً مدنية ـ نعتقد أنهم من مليشيات [موالية للحكومة] ـ من دخول المخفر. صوبوا بنادقهم إلينا وهددوا بقتلنا إذا لم ننصرف".
تشكك المسؤول في روايات المسؤولين الأمنيين عن كيفية وفاة السجناء، فتساءل: "سواء تم إطلاق الهاون أو قتلوا في النيران المتبادلة، كيف تسنى أن يموت الكثير من السجناء ويقتل رجل شرطة واحد فقط؟ لقد اختلقوا قصة جيدة، لكنها تثير تساؤلات تحتاج إلى إجابة".
في 19 يونيو/حزيران أفادت رويترز بأن عمدة بعقوبة، عبد الله الحيالي، قال إنه زار المشرحة المحلية ورأى أن معظم السجناء كانت برؤوسهم جراح طلقات نارية، بمن فيهم ابن أخيه. كما قال العمدة لرويترز إن ابن أخيه تعرض "لتعذيب شديد وتم انتزاع أظافره". لم تستطع هيومن رايتس ووتش الوصول إلى العمدة للتأكيد.
قال الشمري مدير الأمن إن تصريحات المحافظ مسيسة:
المحافظ على خلاف مع أطراف أخرى، وهذا الضغط السياسي جعله يشوه الحقيقة. لقد شرحت الحقائق للمحافظ لكن يبدو أنه سيخرج بمكاسب سياسية من الكذب.
كما استبعد الشمري مدير الأمن أيضاً تصريحات العمدة برؤية جراح طلقات نارية في جثث السجناء وبتعرض ابن أخيه للتعذيب.
قال أبو أحمد، قريب أحد ضحايا الهجوم، إن بعض السجناء القتلى كانوا محتجزين لجرائم صغرى لكن معظمهم احتجزوا دون اتهام. وقال لـ هيومن رايتس ووتش إن الشرطة اعتقلت ابن عمه البالغ من العمر 18 عاماً، والذي طلب الحفاظ على سرية اسمه، قبل ساعتين من الهجوم لأن "شخصاً سمعه يسخر من العقيد هوبي [قائد شرطة مخفر الوحدة]" في توقيت أسبق من نفس اليوم:
وفي الصباح التالي قيل لنا إن كافة السجناء بمخفر الوحدة قتلوا. قال لنا أناس بالمخفر إن الجثث بمستشفى بعقوبة. ذهبنا إلى هناك، وقال لنا موظفو المشرحة إن العديد من الأشخاص توفوا جراء طلقات نارية وتوفي آخرون جراء شظايا من قنابل يدوية. رأيت جروح طلقات نارية في رأس [ابن عمي] وصدره.
نسب أبو أحمد أعمال القتل إلى مليشيا عصائب أهل الحق الشيعية الموالية للحكومة، التي قال ما لا يقل عن 10 من سكان ديالى لـ هيومن رايتس ووتش إنها "تسيطر على الأمن" في بعقوبة والمناطق المحيطة بها. وقال إن المخفر يقع في حيه، بني زيد، وإن "الكثيرين من رجال الشرطة بذلك المخفر هربوا بعد الهجوم". وقال: "رأيت أن عصائب أهل الحق في المخفر"، مضيفاً أن ترسانتهم كان بها قاذفات قنابل مضادة للدبابات من طراز "آر بي جي-7".
قال عضو الطاقم الطبي بمستشفى بعقوبة لـ هيومن رايتس ووتش إنه أراد مع آخرين من موظفي المستشفى منع الشرطة من أخذ زيدان، الناجي الجريح، لكن وجود عصائب أهل الحق ومليشيات أخرى في المنطقة جعلهم يخشون القيام بهذا:
تتولى حماية المستشفى شركة أمنية خاصة، كما أن لدينا فريق من رجال الشرطة المحليين الذين يفترض فيهم حماية المستشفى. لكنهم لا يستطيعون القيام بأي شيء فعلياً، فنحن نتحدث عن مليشيات. يمكن لعصائب أهل الحق أن تأتي وتضعني في شاحنة وتأخذني إلى بغداد وقتما تشاء، ولا يوجد ما يمكنني عمله بشأن هذا.
قال المسؤول المقرب من محافظة ديالى وبعض السكان الذين أجرت معهم رويترز مقابلات إن معظم السجناء كانوا محتجزين لجرائم صغرى وليس بتهم تتعلق بالإرهاب. كما كان لدى بعض السجناء أوامر قضائية بالإفراج عنهم، بحسب المسؤول، لكن السجن واصل احتجازهم لأنهم أرادوا أموالاً من العائلات مقابل الإفراج.
جمرخي: تحميل قوات أمنية ومليشيات مسؤولية مقتل ما لا يقل عن 45 من السجناء المحليين
في 17 يونيو/حزيران، أو الصباح التالي لأعمال القتل في بعقوبة، قامت قوات موالية للحكومة أثناء فرارها بإشعال النيران في قاعدة للجيش العراقي على أطراف جمرخي، وهي قرية تبعد 25 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من بعقوبة. وعثر سكان محليون، كانوا قد هرعوا إلى القاعدة بعد فرار القوات الموالية للحكومة، عثروا على 43-44 سجيناً ميتاً داخل القاعدة، مقتولين بطلقات نارية على طريقة الإعدام أو محروقين، بحسب خمسة من أهل القرية الذين شاهدوا الجثث، إضافة إلى جندي من القاعدة، وأحد مسؤولي الحكومة المحلية، وناشط حقوقي من المحافظة أجرى مقابلات مع عدد من السكان الآخرين بشأن الهجوم.
وكان السجناء جميعاً سنيين من قرى مجاورة اعتقلتهم قوات موالية للحكومة قبل نحو أسبوع أو 10 أيام، في توقيت سقوط الموصل تقريباً، بحسب قولهم. وكان ثلاثة على الأقل من القتلى صبية تتراوح أعمارهم بين 15 و16 عاماً، كما قال أحد سكان القرية والجندي، بينما قال آخر من سكان القرية إنه تعرف على صبيين وسمع بمقتل ثالث.
وقال الجندي إن القوات الموالية للحكومة أخذت سجينين آخرين معها عند فرارها من القاعدة في ذلك الصباح وقتلتهما على طريق الخروج من القرية.
قامت المصادر الثمانية بتحميل مسؤولية الهجوم لتشكيلة من الجنود العراقيين وأفراد القوات الخاصة ومليشيا عصائب أهل الحق ومليشيا فيلق بدر الموالية للحكومة. وقال سكان محليون لـ هيومن رايتس ووتش إن فيلق بدر وصل إلى المنطقة قبل الهجوم بعدة أيام لتدعيم قوات الجيش العراقي المحاصرة أثناء القتال مع داعش.
وقال المسؤول الحكومي والجندي إن الجماعات الثلاث كانت تسيطر على القاعدة. وأضاف المسؤول الحكومي أنه "متأكد" من قيام القوات الموالية للحكومة بقتل السجناء لأن "المتمردين لم يستولوا على قاعدة الجيش ـ بل مروا عبر المنطقة فقط".
وفي صباح 17 يونيو/حزيران، اليوم الثاني من أيام القتال العنيف بمحافظة ديالى، لاحظ أهل القرية دخاناً ولهيباً يتصاعد من القاعدة، كما قال رجل من المنطقة لـ هيومن رايتس ووتش. وبعد هذا بقليل، بحسب اثنين من أهل القرية، فر الجنود العراقيون والمليشيات في مركبات عسكرية تحمل رايات بيضاء، كدليل على الاستسلام. لكن القوات الموالية للحكومة كانت تطلق النار في طريقها، كما قال ثلاثة من أهل القرية. وقال أحدهم: "كانوا يطلقون النار في كافة الاتجاهات ودمروا محطة الكهرباء". وقال اثنان من أهل القرية إن الطلقات النارية قتلت طفلاً صغيراً.
هرع رجال المنطقة إلى قاعدة الجيش، على بعد حوالي كيلومتر واحد على أطراف جمرخي، بأمل إطلاق سراح السجناء، كما قال جميع الذين أجريت معهم المقابلات.
أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 4 رجال قالوا إنهم كانوا ضمن أوائل الداخلين إلى السجن الموجود بداخل قاعدة الجيش، بينما كان جزء منها لم يزل مشتعلاً بالنيران. وقال ثلاثة منهم إنهم من أقارب القتلى. قال الرجال إنهم عثروا على 4 سجناء مصابين بطلقات نارية في مؤخرات رؤوسهم، وتفحمت جثث الباقين بحيث لم يتعرفوا عليهم إلا من المزق القليلة الباقية من ثيابهم. وقالوا إن الكثير من الجثث كان مغطى ببطانيات محترقة بدورها. وقال أحد الأقارب إنه شاهد برميل بنزين في إحدى المساحات التي لم تشب فيها النيران.
قال واحد من أهل القرية عن الموتى:
كان بعضهم محترقاً بنسبة مئة بالمئة، وكان آخرون ما زالوا يحترقون وقد حاولنا إطفاء اللهيب. وكانت حروق بعضهم من السوء بحيث وصلت أوزانهم إلى 20 أو 40 كلغ. استخدمنا بطانيات وألواحاً من الخشب لحمل الجثث إلى الخارج. وكانت أحجام الجثث قد تضاءلت بسبب الحرق لدرجة أننا وضعنا في بعض البطانيات جثتين وثلاث.
قال ثلاثة من أهل القرية إن كثيراً من السجناء كانوا أعضاء في ما يسمى بحركة "الصحوات"، وهي ائتلافات سنية تمولها الولايات المتحدة تشكلت في 2006 لحماية أحيائهم السكنية، وكان المالكي قد وعدهم بدمجهم في القوات الأمنية العراقية لكنه أخفق في الوفاء بوعده. وقد تم اعتقال معظمهم بموجب المادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب، بحسب قولهم.
قال أحد سكان القرية الذين ساعدوا في نقل الموتى لـ هيومن رايتس ووتش إن "الكثيرين كانوا مواطنين عاديين ـ مزارعين محليين وأبنائهم".
لم يعرف أحد ممن أجريت معهم المقابلات إذا كان الرجال المحروقين قد أطلق عليهم الرصاص قبل إشعال النيران فيهم من عدمه. وقالوا إن الأقارب لم يحيلوا السجناء للفحص الطبي الجنائي بل دفنوهم في قراهم بدلاً من هذا.
راوة: مقتل السجناء في قاعدة قيادة عمليات الجزيرة والبادية
في صباح 21 يونيو/حزيران في راوة، المدينة الواقعة بمحافظة الأنبار، قام جنود عراقيون بقتل 25 سجيناً قبل الفرار من هجوم على قاعدتهم من جانب متشددين سنيين مسلحين. تحدثت هيومن رايتس ووتش مع أحد سكان راوة فقال إنه شاهد جثث المحتجزين المغدورين داخل السجن بعد قتلهم بقليل.
كان الرجل خائفاً على سلامته ومتردداً في الحديث المطول عن الحالة. وقال إن الهجوم على السجناء تم من جانب أفراد قيادة عمليات الجزيرة والبادية، المشرفة على العمليات العسكرية للحكومة العراقية في الأنبار. وقال إن الهجوم وقع في نحو الساعة 10:30 صباحاً، بعد قليل من ظهور تقارير تفيد باستيلاء داعش وغيرها من المقاتلين السنة على راوة. وقال لـ هيومن رايتس ووتش إنه بعد أن سمع من سكان آخرين بالقرية عن هجوم من الجماعات السنية المسلحة على القاعدة، اتصل بضابط يعرفه في القاعدة فقال له إن الجيش العراقي أخلى القاعدة بعد "التفاوض" على الرحيل مع "المسلحين".
وقال إنه ذهب مع عدة رجال آخرين إلى القاعدة في نحو الثالثة بعد الظهر للاطمئنان على سلامة السجناء:
وحين دخلنا بدأنا نسمع صراخاً وأنيناً. وتتبعنا مصادر الأصوات فوصلنا إلى زنزانة وجدنا بها كومة من الجثث على الأرض. في البداية أحصينا 21 جثة و7 مصابين. وتوفي 4 آخرون في الطريق إلى المستشفى... كان بعض الناجين تحت الموتى، ومن الواضح أن جلاديهم ظنوهم قد ماتوا جميعاً.
حين رأيت الجثث أعدت الاتصال بالضابط وسألته عما حدث، ولماذا قتلهم الجنود، فقال لي: "كل هؤلاء إرهابيون وهم يستحقون هذا".
قال ساكن راوة إن أحد الموتى كان السائق الخاص بسبعاوي حسين، شقيق الزعيم العراقي المخلوع صدام حسين والرئيس السابق لمخابرات الشرطة والأمن العام. "كان حياً في البداية، لكن جثته كانت مرشقة بالرصاص ... لم نستطع حتى وضع رباط ضاغط، وتوفي في الطريق إلى المستشفى".
قال الرجل إن أحد الناجين، وهو رجل سوري يبلغ عمره 25 عاماً، قال له إن الشرطة قتلت 5 أشقاء في الهجوم، وبينهم واحد كان عمره 16 عاماً.
قال ساكن راوة إنه وآخرين ممن ذهبوا إلى السجناء تعرفوا أيضاً على صبي عمره 12 عاماً من بغداد بين الناجين. وقال إنه يعرف ما لا يقل عن 10 جماعات سنية مسلحة تقاتل في راوة لكنه لم ير راية داعش في المدينة.