Skip to main content

يجب مقاضاة المسؤولين الحكوميين على إساءة معاملة المهاجرين

نُشر في: يمن تايمز

"ربطوا يديّ وراء ظهري وألقوني على الأرض" هذا ما قاله سعيد لي واصفاً معسكر التعذيب الواقع بالقرب من سواحل اليمن حيث أمضى سبعة أيام قبل أن يبيعه المتّجرون بالبشر لعصابة أخرى. وأضاف " وكانوا يضربونني بالعصي" وهو يظهر لي ندوباً في جميع أنحاء ظهره. "رأيت الحراس يركلون وجه رجل فسقط على الأرض وقد تكسّرت أسنانه."

أصدرت هيومن رايتس ووتش قبل شهر تقريراً قمت بإعداده وبيّنت فيه كيفية استغلال مهربي المهاجرين الأفارقة في معسكرات معزولة في الصحراء بالتواطؤ مع مسؤولين يمنيين. كما وثّقنا كيفية قيام شبكات المتجّرين بالبشر بالتنسيق مع طواقم القوارب التي تودع المهاجرين على الساحل اليمني، ثم احتجاز المهاجرين في معسكرات الاعتقال، وتعذيبهم لابتزاز الأموال من عائلاتهم لإطلاق سراحهم. كما وجدنا أن المتّجرين بالبشر يدفعون المال للمسؤولين كي يتغاضوا عنهم أو لمساعدتهم.

بدأت الحكومة اليمنية في 6 يونيو/حزيران بعد مناقشة عامة واسعة النطاق، سلسلة من الغارات على "معسكرات التعذيب" الخاصة بالمتّجرين بالبشر في الصحراء. ومع نهاية 13 يونيو/حزيران حرّرت السلطات 92 من المهاجرين واعتقلت 16 من المتّجرين وفقاً لبيان عام صادر عن المنظمة الدولية للهجرة. هذه الغارات هي خطوة أولى جيدة، لكنها ليست سوى حل إسعافي، لا جذري، للجرح العميق المتمثل في الفساد الرسمي.

وجدنا أن المسؤولين الحكوميين على مستويات متعددة يساعدون المتّجرين بالبشر لتشغيل معسكرات التعذيب، وفي الهرب من الملاحقة القضائية والإدانة والاحتجاز. إن استمر مناخ التواطؤ فإن غارات الحكومة ستساعد المهاجرين بالتأكيد، لكنها لن توقف نظام الانتهاكات المروّع.

لهذا الأسباب كانت توصيتنا الرئيسية هي قيام الحكومة اليمنية بالتحقيق بشكل حقيقي ومقاضاة جميع المسؤولين الحكوميين المتواطئين في الانتهاكات وبعدها مقاضاة المتّجرين أنفسهم. إنني أدرك أن الحكومة لديها قدرة محدودة، وأنّه من غير الواقعي التوقع من السلطات الاضطلاع بهذه المهمة بأكملها على الفور. ولكن القيام بمجموعة المحاكمات المختارة بعناية سيعطي الشعب اليمني شعوراً بأن حكومتهم مستعدة للعمل وسوف توجه رسالة إلى مسؤولين آخرين بأن السلطات لم تعد تغض الطرف عن هذا النوع من النشاط الإجرامي.

يمتلك اليمن المسؤول الذي يجب أن يكون قادراً على تولّي هذا العمل، وهو المفتش العام في وزارة الداخلية. نص مرسوم رئاسي على هذا المنصب قبل عام للإشراف على موظفي الوزارة بما في ذلك قوات الأمن التابعة لها، في ضوء الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان. لم يعلن عبده ثابت الصبيحي المفتش العام التحقيق على الملأ في أنشطة أي مسؤول بعد، إلا أن الانتهاكات ضد المهاجرين قد تكون النقطة المثالية للبدء.

يحوي تقرير هيومن رايتس ووتش معلومات وفيرة حول إساءة معاملة المهاجرين وتواطؤ المسؤولين. رغم أنّ هذا العمل تم بالاعتماد على عدد محدود من الكوادر البشرية، إلّا أنني على ثقة أنه إذا كان لدى مكتب المفتش العام الإرادة لمعالجة هذه المشكلة فيمكن للمحققين أن يجمعوا القضايا لجلب المسؤولين الضالعين للمحاكمة.

النتائج التي توصل إليها التقرير
التقرير المكوّن من 82 صفحة بعنوان " معسكرات التعذيب في اليمن،" سلّط الضوء على تواطؤ المسؤولين في دعم معسكرات المتّجرين بالبشر التي شيدت في السنوات الأخيرة على طول المناطق الحدودية مع المملكة العربية السعودية، وعلى الأرجح في أماكن أخرى من البلاد. يخطف المتّجرين بالبشر المهاجرين عند وصولهم على متن قوارب لدى الساحل أو عن طريق "شرائهم" من ضباط الأمن والجيش عند نقاط التفتيش، وطلب الأموال من المهاجرين بوعد توصيلهم إلى المملكة العربية السعودية أو غيرها من دول الخليج الثرية من أجل البحث عن عمل. ولكن بدلاً من ذلك يأخذ المهربون المهاجرين إلى معسكراتهم، حيث يعرضونهم للألم الشديد والمعاناة من أجل ابتزاز المال من أقاربهم في بلادهم أو أصدقائهم الذين يعملون في الخارج.

لم تفعل السلطات شيئاً يذكر لوقف الاتجار بالبشر، باستثناء بعض الغارات عام 2013. كما ازدادت وتيرة تحذير المسؤولين للمتّجرين بالبشر من الغارات، وفشلت في محاكمتهم ثم أفرجت عمن اعتقلتهم. وساعد المسؤولون المتجّرين بالبشر في بعض الحالات بخطف واحتجاز المهاجرين.

قمت وزملائي بإجراء مقابلات مع 18 من المهاجرين الذكور من إثيوبيا و10 من المتّجرين بالبشر والمهربين، وكذلك المسؤولين الحكوميين والنشطاء والدبلوماسيين وعمال الإغاثة وعاملين بالمجال الصحي وصحفيين في الفترة ما بين يونيو/حزيران 2012 ومارس/آذار 2014.

وصف المهاجرون سوء المعاملة المروعة في المخيمات حيث كان الضرب شائعاً. ووصف رجل كيف شاهد عينا رجل آخر تُقتلع من محجريهما بواسطة زجاجة مياه. وقال آخر أن المتاجرين قاموا بتعليقه بواسطة الأسلاك الملفوفة حول إبهاميه، وربطوا خيطاً حول عضوه الذكري وعلقوا به زجاجة ماء مملوءة. وقال شهود عيان أن المتّجرين اغتصبوا بعض النساء المهاجرات اللائي كنّ في حوزتهم.

قال لي عمال الإغاثة أنهم لاحظوا علامات تعذيب المهاجرين بما يتفق مع أقوالهم، إذ يقوم المتّجرون بالبشر باقتلاع الأظافر وحرق شحمات الآذان وكيّ الجلود بالحديد المحمّى وفقأ العيون وكسر العظام. وقال مشتغلون بالمجال الصحي في منشأة طبية في بلدة حرض الحدودية إنهم رأوا بشكل متكرر المهاجرين يعانون من إصابات بما في ذلك تقرّحات بسبب الاغتصاب، والضرر بسبب التعليق من الإبهام وحروق ناتجة عن السجائر والبلاستيك المنصهر.

ينتهي التعذيب في بعض الأحيان إلى الوفاة، حيث قال لي أحد المهاجرين إنه رأى المهربين يربطون قضيب رجل بخيط ويضربوه بعصي خشبية حتى توفي أمام عينيه. وقال آخر إن المهربين قتلوا رجلين في مجموعته بضربهما بفأس. المهاجرون الذين يعذبون حتى يوشكوا على الموت يُلقى بهم في بعض الأحيان بالقرب من مركز المهاجرين في حرض والذي تديره المنظمة الدولية للهجرة.

يجلب ابتزاز المال من عائلات المهاجرين الأسرى مبالغ كبيرة من المال إلى اليمن، وهو أفقر بلد في الشرق الأوسط. وقال لي المهاجرون إن أعضاء أسرهم وأصدقائهم دفعوا الفدية مقابل إخلاء سبيل أقاربهم، والتي تتراوح بين 43 ألف وأكثر من 215 ألف ريال يمني. وقال أحد المهربين الذين يقومون بالتفاوض إنه غالباً ما يكون قادرا على الحصول على مبلغ 279500 ريال يمني مقابل المهاجر الواحد من عائلته.

أخبرني مهربون ومسؤولون أن المهربين يقومون بنقل المهاجرين اليمنيين والأفارقة عن طريق دفع رشاوي بمبالغ أشبه بالتسعيرة الثابتة للمسؤولين من أجل السماح لهم بالمرور خلال نقاط تفتيش في المناطق الحدودية، ولكن تواطؤ المسؤولين يتجاوز قبول الرشوة الصغيرة. وقال المهربون والمهاجرون على حد سواء أن بعض حراس نقطة التفتيش اعترضوا المهاجرين في الطرق وسلموهم إلى المتّجرين بالبشر مقابل المال.

قال لي أحد المهاجرين أنه بعد هروبه مع صديقه من معسكر تعذيب في أغسطس/آب الماضي، اعتقلهما جنود يمنيون عند نقطة تفتيش بالقرب من حرض، وقدموا لهما الخبز والشاي بينما أجرى الجنود بعض المكالمات الهاتفية وبعد فترة قصيرة وصل رجلان في سيارة، ودفعا نقوداً للجنود مقابل المهاجرين الاثنين، واقتادوهما إلى معسكر تعذيب.

يبدو أن التورط في الاتجار يمتد إلى مختلف العناصر من قوات أمن الدولة في حرض بما في ذلك الشرطة والجيش والمخابرات. قدم لي المتّجرون بالبشر والمهربون ومسؤولون يمنيون أسماء كبار المسؤولين الذين قالوا إنهم كانوا متواطئين في الاتجار، وقال مسؤولان أيضاً إن المهربين قدموا رشوة لهم من أجل عدم مداهمتهم أو إلقاء القبض عليهم.

تلقّت هيومن رايتس ووتش في 20 مايو/أيار رسالة من وزارة الدفاع رداً على أسئلة أرسلت إلى الوزارة في إبريل/نيسان. تحوي الرسالة تأكيد الوزارة على عزم الجيش القضاء على معسكرات التعذيب التي حددتها ونفت أي تورط للحكومة في الإتجار بالبشر، بمن في ذلك ضباط نقاط التفتيش، وذكرت الوزارة أيضاً أنه لم يتم التحقيق مع أي مسؤول بتهمة التواطؤ مع المهربين.

شنّت قوات الأمن اليمنية غارات على معسكرات المتّجرين بالبشر في الفترة من مارس/آذار إلى مايو/أيار 2013. وقالت وزارة الدفاع إن قوات الأمن أوقفت الغارات لأنها لم تتمكن من تقديم الطعام أو المأوى للمهاجرين عند تحريرهم. كما أقر مسؤولون بأن العديد من المعسكرات التي داهمتها قوات الأمن عادت للعمل مرة أخرى.

قال القاضي الذي ينظر بعض القضايا الجنائية في حرض إنه شاهد حالة واحدة فقط تتعلق بالإساءة للمهاجرين، وأن الادعاء فشل في تقديم قضية متماسكة. ولم أجد أي مؤشر على توجيه اتهامات أكثر خطورة في المحكمة الجنائية العليا. لم تستطع وزارة الداخلية ومسؤولون آخرون الإشارة إلى حالة واحدة لإجراءات تأديبية أو قانونية ضد المسؤولين عن التعاون مع المهربين. إن فشل الحكومة اليمنية في التحقيق والمقاضاة على الانتهاكات الخطيرة التي تم ارتكابها ضد المهاجرين عن طريق أطراف من غير العاملين بالدولة وتوّرط مسؤولين حكوميين، يُعتبر انتهاكاً لالتزامات اليمن بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان لحماية الأفراد من انتهاك حقهم في الحياة وحقهم في السلامة الجسدية.

قال لي ولزملائي مهاجرون ومتجرون بالبشر ومسؤولون يمنيون إن مسؤولين بالحدود السعودية تواطئوا بدورهم في الإساءة للمهاجرين عن طريق القبض على عابري الحدود وتسليمهم لمتّجرين بالبشر ينشطون في حرض.

يشير إنشاء منصب المفتش العام في حد ذاته إلى وجود مستوى جديد من الالتزام الحكومي للحد من أنشطة المسؤولين غير القانونية. ولكن ما لم يباشر مكتب المفتش العام بالتحقيقات بشكل فعلي؛ فسوف يبقى المنصب رمزياً فقط. فالفساد الحكومي المتعلق بالانتهاكات ضد المهاجرين في حرض يبدو أنه تفشى بحيث يمكن لأي شخص والجميع الحديث علناً عنها. ينبغي أن يرحب مكتب المفتش العام بهذه الفرصة لبدء التحقيق.

بلقيس واللي: باحثة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش قامت بالكثير من العمل البحثي في اليمن، وهي المؤلفة الرئيسية للتقرير. على تويتر @belkiswille

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.