Skip to main content

ليبيا – يجب التحقيق في مقتل صحفي ببنغازي

الإفلات من العقاب يعني المخاطرة بإسكات الإعلام

(طرابلس) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على النائب العام الليبي أن يفتح على الفور تحقيقاً محايداً ومتكاملاً في مقتل رئيس تحرير بارز ومحاسبة المسؤولين عن تلك الواقعة. كان مفتاح بوزيد رئيس تحرير صحيفة برنيق قد قُتل إثر إطلاق النار عليه في 26 مايو/أيار 2014.

يعد اغتيال بوزيد ثاني واقعة قتل لصحفي في ليبيا هذا العام، وقد مات الأول في فبراير/شباط أثناء مصادمات في الجنوب؛ هذا فضلاً عن اعتداءات وعمليات اختطاف ومحاولات اغتيال من قبل فاعلين مجهولين بحق عشرات الصحفيين والعاملين في الإعلام منذ انتهاء انتفاضة 2011 في ليبيا. وحتى الآن لم تتمم السلطات أية تحقيقات، إن كانت قد شرعت في التحقيق، بشأن أي من تلك الاعتداءات، ولا توجد ملاحقات قضائية معروفة بحق أي من الجناة في تلك الجرائم ولم يُعرف بالقبض على أحد على صلة بها.

وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "يبدو أن للاستهداف المتعمد للصحفيين في ليبيا هدف واحد، هو خنق حرية التعبير والمعارضة السياسية. بعد ثلاثة أعوام تقريباً على سقوط معمر القذافي، تعد عدم قدرة الصحفيين على التعبير عن آرائهم دون خوف من الاعتقال أو الاعتداء أو الموت حتى، مأساة وطنية".

تم قتل بوزيد وسط حالة من التدهور الأمني بشكل عام في ليبيا بعد سلسلة من المصادمات في الآونة الأخيرة، وقد بدأت في 16 مايو/أيار. تقوم قوات موالية لخليفة حفتر، وهو لواءمتقاعد من الجيش الليبي، بقتال ميليشيات إسلامية، يتهمها حفتر بارتكاب انتهاكات، في بنغازي ومناطق أخرى. ولقد خلّف العنف الذي قسم البلاد إلى مقتل ما لا يقل عن 75 مقاتلاً في بنغازي وحدها، طبقاً لتقارير إعلامية، وقد انتقل القتال إلى طرابلس ومناطق أخرى.

كان بوزيد معروفاً بانتقاده للميليشيات الإسلامية في بنغازي، وقد ظهر مراراً انتقاده لممارساتهم في الصحف وعلى شاشات التلفزة. وفي 26 مايو/أيار أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات هاتفية مع أربعة من زملاء و اصدقاء بوزيد في طرابلس وبنغازي.

في محادثة اخرى بتاريخ 26 مايو/أيار قال شاهد عيان على الواقعة إن رجلاً غير ملثم أطلق النار على بوزيد وأرداه قتيلاً حوالي الساعة العاشرة صباحاً، فيما كان الأخير داخل سيارته المتوقفة، في طريقه لتوصيل الصحف في بنغازي، عند نهاية شارع الاستقلال (شارع جمال عبد الناصر سابقاً). قال شاهد العيان إنه رأى المعتدي في ثياب مدنية، يخرج من سيارة متوقفة بالقرب من بوزيد ويطلق خمس إلى سبع رصاصات مما يعتقد أنها كانت بندقية آلية (رشاش)، قبل أن يعود إلى سيارته ويهرب. قال الشاهد:

رأيت من أطلق النار، ولم أتعرف عليه، قام برفع ذراعه وأطلق عدة رصاصات على السيارة. كان شكله مثل أي رجل من بنغازي، كان شاباً، لا يرتدي قناعاً، ويرتدي ثياباً مدنية وحليق اللحية. لم تكن ذقنه مثل "الإسلاميين". حدث كل شيء بسرعة بالغة، لم يستغرق الأمر عشر ثوان في تقديري. بعد إطلاق النار مباشرة، اقتربت من سيارة مفتاح مع آخرين. وبشكل ما لم أتوقع أن يكون بالسيارة أحد، لذا صُدمت عندما رأيته راقداً والدم يلطخ رأسه.  فات الاوان، كان قد مات بالفعل.

قال الشاهد إن العملية تبدو له منظمة للغاية و"احترافية"، إذ تمكن من أطلق النار ورفاقه من ارتكاب الجريمة في وضح النهار وفي شارع مزدحم دون أدنى تردد. كما قال إنه لم ير سوى الرأس الدامي ولم ير أو يذكر إن كانت هناك أية رصاصات أخرى في باقي الجثمان. قال إن المعتدي ركب في المقعد الخلفي لسيارة يعتقد أن بها ثلاثة آخرين، وهربت السيارة بسرعة. قال إن الجيران لم يكن بوسعهم سوى تغطية جثمان مفتاح ونقله إلى مستشفى الجلاء.

أما محمد الشيخي، وهو مصور صحفي مستقل من بنغازي، فقال لـ هيومن رايتس ووتش أثناء مكالمة هاتفية في 26 مايو/أيار إن بوزيد كان يوصل نسخاً من الصحف بنفسه لمحال بيع الصحف والكتب في بنغازي، طيلة أيام الأسبوع الثلاثة التي تُنشر صحيفة برنيق خلالها. قال إن بوزيد كان معروفاً بكونه منتقداً قوياً للميليشيات الإسلامية والفصائل السياسية في البرلمان الليبي؛ المؤتمر الوطني العام، وكان يعلق كثيراً على الأحداث في مختلف البرامج الإخبارية. قال الشيخي إن بسبب استقطاب الإعلام والمجتمع، فمن المستحيل توجيه أصابع الاتهام إلى مجموعة بعينها تتحمل مسؤولية اغتياله.

أما إدريس المسماري، رئيس هيئة دعم وتشجيع الصحافة، التابعة لوزارة الإعلام، فقد أخبر هيومن رايتس ووتش بأنه كان يعرف بتلقي بوزيد للعديد من التهديدات بالقتل، لا سيما خلال الأيام الأخيرة السابقة على مقتله. يعتقد أن القتل ربما سببه تعليقات بوزيد التي أدلى بها في مقابلة على قناة خاصة هي ليبيا الأحرار، بتاريخ 25 مايو/أيار، وقد انتقد فيها المؤتمر الوطني العام والميليشيات، وتحدث عن الاجتماع بحفتر ومناقشة عملية "كرامة ليبيا" من أجل "مكافحة الإرهاب".

قال المسماري إنه يعتقد أن اغتيال بوزيد مؤشر خطير يدل على مدى استهداف الصحفيين الليبيين على ما يقولونه. تسمع الهيئة التي يرأسها بانتظام عن صحفيين يواجهون التخويف والتهديدات بالقتل والاعتداء البدني، لتكميم أفواههم. قال إن العديد من الصحفيين يمارسون الرقابة الذاتية: "إنهم [الجناة] قد نجحوا في إسكات بعض الصحفيين. يمكن أن تتخذ التهديدات عدة أشكال، بما في ذلك اختطاف طفلك أو الاعتداء على أسرتك. ثم ما هو الأسوأ من القتل؟ إنه قادر على إسكاتك".

طبقاً لصديق وصحفي زميل، فقد وُلد بوزيد في درنة عام 1965، وكان يعمل في صحيفة قورينا قبل ثورة 2011. قال إن بوزيد من مؤسسي صحيفة برنيق وصوت انتقادي مهم. قال الصديق إنه حُطم حين عرف بمقتل بوزيد ويفكر في ترك عمله خشية استهدافه بدوره.

منذ نهاية انتفاضة 2011 تابعت هيومن رايتس ووتش العشرات من الاغتيالات والاعتداءات من قبل مجهولين، والتي استهدفت بالأساس أفرادا من قوات الأمن، وأيضاً نشطاء وصحفيين ومشتغلين بالقضاء، فيما يبدو أنها اغتيالات سياسية. إبراهيم السنوسي عقيلة، رئيس المخابرات بالمنطقة الشرقية، هو أخر الضحايا من صفوف الحكومة. وقد أكد حسن البكوش، الصحفي بمحطة تلفزة محلية، لـ هيومن رايتس ووتش إنه تعرض لمحاولتي اغتيال في بنغازي، يومي 5 و7 مايو/أيار.

وبالإضافة إلى قوانين عهد القذافي التي تقيد حرية التعبير، فقد مررت الهيئة التشريعية الليبية المؤقتة عدة قرارات ونظم قانونية تنطوي على إشكاليات، متعلقة بحرية التعبير والتشهير، ما أضاف إلى توترات الاستقطاب الشديد القائم بمجال الإعلام، على حد قول هيومن رايتس ووتش.

في 2 فبراير/شباط أصدر المؤتمر الوطني العام القانون 5/2014 بتعديل المادة 195 من قانون العقوبات الليبي. أي شخص يتبين أنه "يسيئ إلى ثورة 17 فبراير" يمكن أن يُعاقب بالسجن. نفس العقوبة تسري على أي شخص يهين مسؤولا عاما أو شعار الدولة أو علمها. في 22 يناير/كانون الثاني أصدر المؤتمر الوطني العام القرار رقم 5/2014 القاضي بمنع المحطات الفضائية التي تنتقد الحكومة وانتفاضة 2011 ضد القذافي.

قالت هيومن رايتس ووتش إن القرارين يخرقان أحكام القانون الدولي المتعلقة بحرية التعبير وبالإعلان الدستوري الليبي المؤقت ويجب إلغائهما.

ليبيا دولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وفي الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، ويحميان الحق في حرية التعبير. المادة 14 من الإعلان الدستوري الليبي المؤقت ورد فيها أن: "تضمن الدولة حرية الرأي وحرية التعبير الفردي والجماعي [...] وحرية الاتصال، وحرية الصحافة ووسائل الإعلام والطباعة والنشر [...]".

للمحكمة الجنائية الدولية اختصاص قائم على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في ليبيا منذ 15 فبراير/شباط 2011، أخذاً في الاعتبار، من بين عوامل أخرى، ما إذا كانت السلطات الليبية مستعدة وقادرة على مقاضاة الجناة على تلك الجرائم.

وقالت سارة ليا ويتسن: "على الدولة التزام بضمان قدرة العاملين بالصحافة على العمل بحرية، دون ترهيب أو اعتداءات أو تهديدات". وتابعت: "لتحقيق هذا، تحتاج الحكومة إلى التحقيق والمقاضاة على الجرائم المرتكبة بحق الإعلام".

 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة