Skip to main content

على الولايات المتحدة أن تدعم إشراك المحكمة الجنائية الدولية في سوريا

نُشر في: جوريست

 

أفاد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مؤخرا أن الرئيس أوباما طلب من كبار مساعديه وضع خيارات سياسية جديدة لمعالجة الوضع في سوريا. وعلى الرغم من أن كيري لم يوضح ما هو بالضبط ما يضعونه قيد الدراسة، إلا أن أحد الخيارات التي لم يسع البيت الأبيض للشروع فيها– والتي ينبغي عليه اتخاذها – هو أن يدعم إحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية. 

لقد قالت إدارة أوباما مرارا إنه لابد من محاسبة أولئك المسؤولين عن ارتكاب جرائم خطيرة في سوريا. حتى الآن، يركز نهج الولايات المتحدة بشأن العدالة في سوريا على دعم مبادرات التوثيق والتحقيق. إن تلك الجهود مهمة، وما من شك أنها ستكون ضرورية لعمليات المساءلة المحلية والدولية في المستقبل. ومع ذلك، فمع دخول الأزمة السورية عامها الرابع، تكون الولايات المتحدة قد تأخرت كثيرا في تصعيد موقفها وأن تدعم تدبيرا للمساءلة الملموسة، التي يمكن أن تبدأ في العمل فورا، وربما تساعد في ردع المزيد من الانتهاكات. 

ليس خافيا على أحد مقدار ما تعرض له الشعب السوري من رعب على مدار السنوات الثلاث الماضية. وقد وثقت هيومن رايتس ووتش على نطاق موسع الانتهاكات التي ارتكبتها القوات الحكومية والقوات الموالية لها، وخلصت إلى أنهم ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب. وما تزال الحكومة تنفذ غارات جوية وقصف مدفعي عشوائيين على المناطق السكنية، وتقوم على نحو تعسفي بعمليات اعتقال وتعذيب وإعدام خارج نطاق القضاء للمدنيين والمقاتلين. كما وثقت هيومن رايتس ووتش ارتكاب بعض جماعات المعارضة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك الاستخدام العشوائي للسيارات المفخخة وقذائف الهاون وعمليات الخطف والتعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء.

تجري هذه الانتهاكات وسط مناخ واسع من الإفلات من العقاب. لم تظهر السلطات السورية أي اهتمام على الإطلاق تجاه ضمان عدالة ذات مصداقية لجرائم حقوق الإنسان الخطيرة المرتكبة في الماضي والمستمرة. وكما هو متوقع، فإن الإخفاق في محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم تسبب فقط في إذكاء المزيد من الأعمال الوحشية، من قبل جميع الأطراف. بل إن واقع الأمر أن أحدث تقرير للجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في سوريا ذكر بوضوح أن "الأطراف المتحاربة لا يخشون المساءلة عن أفعالهم".

ومن منطلق كونها محكمة دولية دائمة تمتلك ولاية المحاكمة في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، عندما تكون السلطات الوطنية غير قادرة أو غير مستعدة للقيام بذلك، فقد قد إنشاء المحكمة الجنائية الدولية لتعالج ذلك النوع عينه من الأوضاع القائمة في سوريا حاليا. ولكن لأن سوريا ليست عضوا بالمعاهدة التي أنشأت المحكمة، فإن على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يعطي المحكمة الولاية من خلال ما يعرف بـ"الإحالة للمحكمة الجنائية الدولية".

وفي حين عبرت شريحة كبيرة من أعضاء الأمم المتحدة عن دعمهم لتدخل المحكمة، بما في ذلك تسعة من أصل 15 من أعضاء مجلس الأمن الحالي، إلا أن من المرجح أن تعارض روسيا والصين أي إحالة للمحكمة الجنائية الدولية. أما الولايات المتحدة، وهي واحدة من أقوى الأنصار المحتملين لتدخل المحكمة الجنائية الدولية، فإنها لم تدعم أي دور للمحكمة.

بدلا من ذلك، يستعرض المسؤولون الأمريكيون خيارات لإنشاء محكمة خاصة لسوريا، على الرغم من الصعوبات العملية والسياسية والمادية، التي ينطوي عليها البدء من الصفر لإنشاء مؤسسة معقدة، يمكن أن تقوم بإجراء محاكمات ذات مصداقية. علاوة على ذلك، فإن التأخير الذي يكتنف إنشاء مثل هذا الكيان من الألف إلى الياء من شأنه أن يزيل أي تأثير رادع محتمل يمكن أن يتم تحقيقه من خلال التحقيق في الجرائم المرتكبة في سوريا حاليا، في الوقت الذي تستمر فيه الانتهاكات. يدرك المسؤولون الأمريكيون أنفسهم أن مثل هذا المسعى يتطلب وقتا طويلا – وهو الشيء لم يعد في متناول الشعب السوري.

على النقيض من ذلك، فإن دخول المحكمة الجنائية الدولية على مسار الصراع الدائر في سوريا، يبعث برسالة واضحة إلى جميع الأطراف مفادها أن ارتكاب جرائم خطيرة سوف يؤدي إلى عواقب وخيمة. ومن شأن ذلك أن يكون إشعارا لأولئك الذين يحتلون مناصب عليا، بغض النظر عن ولائهم السياسي، بأنهم سيكونون مسؤولين عن الجرائم التي يأمرون بها أو يرتكبونه، أو الجرائم التي يخفقون في منعها أو المعاقبة عليها، مهما كانت نتيجة الصراع، وأنهم سيواجهون خطر الملاحقة القضائية لأجل غير مسمى.

ربما ينظر المسؤولون الأمريكيون إلى دعم الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية على أنه جهد لا طائل منه بالنظر إلى أن روسيا من المرجح أن تستخدم حق النقض ضد خطوة من ذلك النوع في مجلس الأمن. وسبق أن وصفت روسيا الجهود الرامية إلى طلب الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية بأن "توقيتها سيء وذات نتائج عكسية"، على الرغم من أن الإحالة ستعالج مباشرة مخاوف روسيا من الفظائع التي ترتكبها المعارضة، لأن المحكمة سيكون لها الولاية للتحقيق في الجرائم المرتكبة من قبل جميع الأطراف.

غير أنه لا ينبغي التسليم بالمعارضة الروسية كوضع دائم أو كمبرر للقرارات بشأن السياسة المتبعة. لقد شهدنا مع تحول الوضع على الأرض في سوريا، تغييرات في موقف روسيا بشأن الأسلحة الكيميائية ووصول المساعدات الإنسانية إلى من يحتاجونها. علاوة على ذلك، لم تكن هناك ضغوط كافية على روسيا لتغير موقفها من المحكمة. وسيكون من الخطأ استبعاد ظروف يمكن أن تسمح فيها روسيا بالإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية من خلال مجلس الأمن.

لا شك أن جأر واشنطن بدعم تدخل المحكمة الجنائية الدولية من شأنه أن يشجع الحلفاء المقربين في مجلس الأمن، وأن يزيد الضغط على موسكو لتغيير موقفها المعرقل للأمر. يمكن أن يساهم هذا في قوة الدفع اللازمة للتحرك. ولكن الأهم من ذلك، فإن من شأن قرار الولايات المتحدة دعم الإحالة للمحكمة الجنائية الدولية أن يبعث بإشارة أن الإدارة جادة في التزامها بوضع حد للإفلات من العقاب في سوريا، وسيبعث برسالة مفادها أن المساءلة يجب أن تكون موجودة مباشرة على جدول الأعمال. ومن شأن ذلك أيضا، أن يؤكد التزام واشنطن بالعدالة النزيهة.

لقد أتاحت إدارة أوباما لروسيا مجالا كبيرا من خلال إخفاقها، في واشنطن ومجلس الأمن على السواء، في أن تعلن دعمها لتدخل المحكمة الجنائية الدولية. تضمن مشروع قرار سابق بمجلس الأمن بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية، لكن تمت إزالته، على ما يبدو، نتيجة لإصرار الولايات المتحدة حتى قبل عرضه على الروس خلال المفاوضات بشأن النص. وللأسف، فإن هذا يعني أن روسيا أعفيت من أن تضطر لتبرير معارضتها للإحالة.

يمكن أن يكون المسؤولون الأمريكيون أكثر ترددا في تأييد دور للمحكمة من وازع المخاوف من أن يتسبب ذلك بتعقيد محادثات جنيف (المتوقفة حاليا)، وأن المحكمة ستكون عقبة أمام أي اتفاق للسلام. ومع ذلك، فإن السجل من النزاعات الأخرى يشير إلى أن الإدانة الجنائية بحق كبار القادة السياسيين والعسكريين وقادة المتمردين، يمكن أن تعزز من جهود السلام عبر نزع الشرعية عن وتهميش أولئك الذين يعترضون طريق حل النزاع. على سبيل المثال، تم إصدار لائحة اتهام بحق رادوفان كراديتش، الزعيم السياسي لصرب البوسنة في زمن الحرب، وراتكو ملاديتش، القائد العسكري لهم، من قبل المحكمة الجنائية الدولية لـ يوغوسلافيا السابقة التي صدقت على إبعادهم عن محادثات دايتون للسلام، والتي أدت إلى نهاية الحرب البوسنية. كان هذا أيضا الدرس من التجربة مع الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور. تم النظر في نهاية المطاف إلى الكشف عن مذكرة التوقيف بحقه عند بداية المفاوضات الرامية لإنهاء الحرب الأهلية في ليبيريا، على أنها كانت خطوة مفيدة لتحريك المفاوضات إلى الأمام.

ولنكون واضحين، فإنه لا دعم الولايات المتحدة للإحالة للمحكمة الجنائية سيؤدي بالضرورة إلى حدوث الإحالة، ولا المحكمة الجنائية الدولية تمثل حلا شاملا لحالة الإفلات من العقاب في سوريا، لكنها بداية. إن المخاطر كبيرة للغاية – على حد سواء لضحايا الفظائع هناك، والجهود العالمية للحد من الإفلات من العقاب على الجرائم الخطيرة. في لحظة كهذه، يعد التحرك الأساسي أمرا حيويا. ستبعث إدارة أوباما، من خلال إعلان دعمها للإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية، شأن الكثير جدا من الدول حول العالم الذي قامت بذلك فعلا، ستبعث برسالة هامة حول الكيفية التي ينبغي من خلالها لمجلس الأمن أن يتعامل مع الوضع المتدهور في سوريا. وخلاف ذلك، فإن بيانات البيت الأبيض حول العدالة ستكون في خطر أن تتحول لمجرد خطابة فارغة. 

بلقيس الجراح، مستشارة قانونية لبرنامج العدالة الدولية في هيومن رايتس ووتش، تركز على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.