Skip to main content

الوقت ينفد أمام مساعدة المدنيين في سوريا

نُشر في: "بوليتيكو"

 من المتوقع أن تكون المفاوضات المتعلقة بسوريا، والتي تقرر استئنافها في الشهر القادم في جنيف، شاقة وطويلة في أحسن الأحوال، بينما تواصل الحكومة السورية وبعض جماعات المعارضة ارتكاب انتهاكات مروعة بحق مدنيين أبرياء. إلا أن هذا لا يعني عجز المجتمع الدولي عن القيام بأي شيء في هذه الأثناء ـ ولا سيما لتخفيف محنة المدنيين الذين يعانون على يد حكومتهم نفسها.

فلنتأمل قصة سيدة عمرها 76 عاماً واسمها زينب، أجريت معها مقابلة في الشهر الماضي في دمشق. كانت قد تمكنت لتوها من الفرار من المعضمية، وهي ضاحية خضعت للحصار الحكومي طيلة الشهور التسعة الأخيرة على الأقل. لقد اقتضى النزاع السوري ثمناً باهظاً من عائلة زينب، كما قالت لي، فقد احتجزت قوات الحكومة اثنين من أبنائها، اللذين توفي أحدهما أثناء الاحتجاز، رغم قولها إنها تعتقد أن الآخر ما زال على قيد الحياة. وقُتل ابن آخر وزوجته وأطفاله في هجمة الأسلحة الكيماوية على الغوطة في أغسطس/آب.

لكن علاوة على اعتداء الحكومة السورية العسكري على مواطنيها، فإنها تنشر الفوضى بعزل المدنيين من أمثال زينب عن الكهرباء والاتصالات، وكذلك الإمدادات الغذائية والأدوية وعمال الإغاثة، محاصرة إياها هي وآلاف من الآخرين في المعضمية لعدة أشهر. كانت زينب مرهقة وضعيفة وهي تخبرني بأنها فقدت 12 كيلوغراما من وزنها بسبب عدم كفاية الطعام المتاح. قال أطباء في المعضمية لـ هيومن رايتس ووتش، حيث أعمل، إن عدة أشخاص، بينهم أطفال، قد لقوا حتفهم جراء سوء التغذية. لم يتمكن أحد من التحقق من هذه المزاعم لأن الحكومة السورية تحظر دخول كافة المراقبين المستقلين، ومن بينهم المنظمات الإنسانية. أخيراً وفي الشهر الماضي، تفاوضت الحكومة ومقاتلو المعارضة على وقف مؤقت لإطلاق النار يتيح للنساء والأطفال وكبار السن ـ وبينهم زينب ـ مغادرة المعضمية.

ورُفع الحصار عن المعضمية، لكن سوريا ككل في قبضة أزمة إنسانية، مع احتياج 40 بالمئة ـ 9,3 مليون ـ من سكان سوريا البالغ عددهم 23 مليوناً إلى المساعدات، وهذا بحسب الأمم المتحدة. وتوجد أكثر الأوضاع وخامة في المناطق الخاضعة لحصار القوات حكومية أو المعارضة. وقد قدرت منسقة الجهود الإنسانية في الأمم المتحدة مؤخراً تعرض 288 ألف شخص للحصار في مناطق تحاصرها قوات حكومية في دمشق، والمناطق الريفية القريبة منها، وحمص. في المناطق التي تمكنت فيها هيومن رايتس ووتش من الحصول على معلومات، أكدت أبحاثنا الخاصة أن الحكومة تفرض قيوداً مشددة على المساعدات الإنسانية، فتلحق بالمدنيين مشقة لا قبل لهم بها.

ولا تنفرد المناطق المحاصرة بسياسة الحكومة السورية القاضية بمنع المساعدات الإنسانية من بلوغ المحتاجين إليها، فالحكومة ترفض السماح للمنظمات الإنسانية بتوصيل المساعدات عبر تركيا إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في الشمال السوري. وبدون الموافقة السورية فإن بعضا من أكبر المنظمات الإنسانية في العالم، بما فيها الأمم المتحدة، تجد نفسها مضطرة لاتخاذ طرق متعرجة وغير مضمونة للوصول إلى المحتاجين، عن طريق المرور على العشرات من نقاط التفتيش في بعض الأحيان. تقدر الأمم المتحدة أن 2,5 مليون شخص محاصرون في مثل تلك المناطق التي "يتعذر الوصول إليها". وتصريح الحكومة السورية الأخير الذي يفيد بأنها ستسمح بالمساعدات عبر الحدود لا ينطبق على الحدود السورية التركية.

كما أن بعض جماعات المعارضة تمثل جزءاً من المشكلة، فمقاتلو المعارضة في شمال سوريا يمنعون المساعدات الإنسانية من بلوغ عشرات الآلاف من الأشخاص المحاصرين في قريتين للشيعة إلى الشمال مباشرة من مدينة حلب. أما داخل المدينة، التي تقتسم الحكومة والمعارضة السيطرة عليها، فقد قام مقاتلو المعارضة بين وقت وآخر بقطع الإمدادات عن الشطر الخاضع لسيطرة الحكومة. كما قامت جماعات معارضة للنظام بخطف عمال الإغاثة، وبينهم ما لا يقل عن ثلاثة من موظفي اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الذين ما زالوا في عهدتها.

والقانون الدولي واضح بشأن هذه القضية، فكافة الأطراف في أية حرب ملزمون بتسهيل المساعدات الإنسانية للمدنيين المحتاجين. ومع ذلك فإن مجلس الأمن الأممي، وهو صوت المجتمع الدولي، كان بطيئاً بشكل موجع في إدانة العقبات الموضوعة أمام توصيل المساعدات الإنسانية. حين تحدث مجلس الأمن بالفعل في 2 أكتوبر/تشرين الأول، وإقراراً بفضله، فإنه قام بدعوة السلطات السورية إلى اتخاذ خطوات فورية لتسهيل عمليات الإغاثة الإنسانية ورفع العقبات البيروقراطية وغيرها، بما في ذلك عبر خطوط النزاع والحدود مع الدول المجاورة. ومع ذلك فقد اقتصر مجلس الأمن على إبداء الرأي في تصريح رئاسي، له من الثقل ما يقل بكثير عما لقرار رسمي.

الضغوط الدولية مفيدة. وقد قال عمال إغاثة دوليون لـ هيومن رايتس ووتش إنهم يعتقدون أن مثل هذا الضغط هو ما دفع الحكومة السورية للموافقة على إخلاء المعضمية. وهناك أيضاً تقارير تفيد بأن سوريا ربما تخفف بعض العقبات البيروقراطية الموضوعة أمام المساعدات، بما في ذلك الانتهاء من تأشيرات الدخول العالقة لعمال الإغاثة الإنسانية. لكن بخلاف إخلاء المعضمية فإننا لم نشهد سوى القليل من التقدم على صعيد تخفيف الحصار، وما زالت الحكومة السورية تواصل فرض الحظر على المساعدات القادمة من تركيا.

لا يوجد وقت للتلكؤ، فالشتاء الذي يقترب سريعاً سيجعل الأوضاع في المناطق المحاصرة والتي يتعذر الوصول إليها أشد سوءا، معرضاً السكان المدنيين لموقف بائس. من المنتظر أن تقوم منسقة الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، فاليري آموس، بإعادة إطلاع مجلس الأمن على الوضع الإنساني في سوريا يوم 3 ديسمبر/تشرين الأول، ومن المرجح أن تفيد بحدوث بعض التقدم. غير أن التحسينات التدريجية لا يجب أن تلهي مجلس الأمن عن الكارثة الإنسانية الماثلة في سوريا.

وما لم تتمكن المنظمات الإنسانية من الوصول إلى كافة المناطق المحتاجة للمساعدات بحلول موعد جلسة الاطلاع، فإن على مجلس الأمن أن يظهر لسوريا جديته بتبني قرار ملزم يبين أن تحدي سلطة المجلس ستكون له عواقب.

رغم كل شيء، كانت زينب محظوظة بتمكنها من ترك المعضمية. لكن مقدم الشتاء الوشيك بالنسبة لآلاف الآخرين سيجعل الحياة أشد صعوبة ـ وخطورة. وكما قال لي أحد السكان المحليين على الهاتف في الأسبوع الماضي: "لدينا الآن عدو واحد ـ هو البرد. إنه سباق مع الزمن".

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.