Skip to main content

مصر ـ احتجاز لاجئين من سوريا وإكراههم على العودة

الفلسطينيون والأطفال ضمن الأكثر استضعافاً

(نيويورك) ـ مصر احتجزت أكثر من 1500 لاجئ من سوريا، بينهم ما لا يقل عن 400 فلسطيني و250 طفلاً من أعمار تصل إلى شهرين، بالأسابيع وأحياناً بالشهور. اعترف مسؤولون أمنيون بأن احتجاز اللاجئين سيمتد إلى أجل غير مسمى حتى يغادرون البلاد. 

يتسم موقف اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا بالضعف بصفة خاصة لأن السياسة المصرية تمنعهم من طلب حماية المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، في خرق لولاية واختصاصات مفوضية اللاجئين بموجب اتفاقية اللاجئين لسنة 1951. تقول السلطات المصرية للمحتجزين الفلسطينيين إن البديل الوحيد لاحتجازهم دون أجل مسمى هو الذهاب إلى لبنان، حيث لا يُسمح لهم قانوناً بالدخول إلا بتأشيرة عبور مدتها 48 ساعة، أو العودة إلى سوريا التي مزقتها الحرب. 

قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "إن مصر تترك مئات الفلسطينيين القادمين من سوريا دون حماية من ميادين القتل السورية سوى الاحتجاز لأجل غير مسمى في ظروف بائسة. وعلى مصر أن تخلي سبيل هؤلاء المحتجزين فوراً وأن تسمح لمفوضية اللاجئين بمنحهم ما يستحقون من حماية بموجب القانون الدولي". 

يجب على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، المتواجد حالياً في القاهرة  للقاء السلطات المصرية، أن يستغل هذه الفرصة للإصرار على الإفراج الفوري عن اللاجئين المعتقلين.

كان اللاجئون المحتجزون القادمون من سوريا، والذين يتجاوز عددهم 1500، يحاولون الهجرة إلى أوروبا على قوارب المهربين، نظراً لما واجهوه من ظروف اقتصادية خانقة وعداء متزايد للأجانب في مصر. وتواصل قوات الأمن إجراء اعتقالات، بما في ذلك حتى الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2013، بحسب مفوضية اللاجئين. 

تم إكراه أكثر من 1200 من اللاجئين المحتجزين، وبينهم نحو 200 فلسطيني، على المغادرة، بمن فيهم عشرات عادوا إلى سوريا. حتى 4 نوفمبر/تشرين الثاني كان ما يقرب من 300 شخص ما زالوا رهن الاحتجاز التعسفي في أقسام شرطة مكتظة، ومنهم 211 فلسطينياً. 

قال أب فلسطيني قرر الهجرة بحراً مع ابنه ذي الثلاث سنوات، وشقيقه، وابنة شقيقه ذات السنوات الأربع، قال لـ هيومن رايتس ووتش: "لقد واجهنا اختياراً صعباً: ركوب القارب والمخاطرة بحياتنا من أجل الكرامة، أو العودة إلى سوريا للموت". 

بحسب الحكومة المصرية، يقيم في مصر 300 ألف سوري، سجلت مفوضية اللاجئين منهم أكثر من 125 ألفاً كلاجئين. وهناك ما يقدر بخمسة إلى ستة آلاف فلسطيني إضافي قادمون من سوريا في مصر حالياً، بحسب وكالة الغوث والتشغيل الأممية (الأونروا). منذ الثامن من يوليو/تموز، حين قامت الحكومة بفرض قيود على دخول السوريين إلى مصر، صار السوريون مضطرون لاستصدار تأشيرات وتصريحات أمنية مسبقة للدخول. وصاروا يحصلون في المعتاد على تأشيرة لمدة شهر، تجاوزها الكثيرون منهم، كما قال لاجئون ومحامون لـ هيومن رايتس ووتش. 

في البداية سعت السلطات المصرية إلى ملاحقة أولئك المحتجزين من السفن بتهمة الهجرة غير الشرعية، لكن النيابة أسقطت التهم في حالة 615 لاجئاً على الأقل يترافع عنهم المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وفي كافة الحالات الـ24 التي وثقتها هيومن رايتس ووتش، وأمرت بإخلاء سبيلهم. ومع ذلك فقد تجاهل الأمن الوطني ـ مباحث أمن الدولة سابقاً، وأحد أفرع وزارة الداخلية ـ أوامر إخلاء السبيل، وأمر الشرطة بدلاً من ذلك باحتجاز اللاجئين دون أي أساس قانوني وإبلاغهم بأنه لن يُفرج عنهم ما لم يغادروا البلاد على حسابهم الخاص. وتحت هذا الضغط شرع اللاجئون المحتجزون في مغادرة مصر بشكل شبه يومي في الأسابيع الأخيرة. 

في 12 و13 أكتوبر/تشرين الأول قامت هيومن رايتس ووتش بزيارة قسمي شرطة الدخيلة وكرموز في الإسكندرية، اللذين كان كل منهما على الترتيب يحتجز 50 و75 لاجئاً قادماً من سوريا في ذلك الوقت، وأجرت مقابلات مع اثنين من رجال الشرطة و14 لاجئاً في القسمين منهم طفلين. تحدثت هيومن رايتس ووتش أيضاً مع محامين، وأطباء، ومسؤولين من الأمم المتحدة والسفارات، وسوريين وفلسطينيين آخرين من سوريا سبق تعرضهم للاحتجاز أو يجري احتجازهم حالياً في 3 أقسام أخرى. كان ثمانية من اللاجئين الذين أجريت معهم المقابلات قد نجوا من حادثة يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول غرق فيها قارب مكتظ يحمل أكثر من 150 شخصاً أمام السواحل المصرية، فقتل ما لا يقل عن 12 وترك الكثيرين في عداد المفقودين. وكان ثلاثة آخرون على متن قارب فتحت عليه قوات مصرية النار يوم 17 سبتمبر/أيلول ما أودى بحياة شخصين وتسبب في جرح اثنين آخرين. 

في تصريح لوسائل الإعلام يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول، أنكر السفير بدر عبد العاطي من وزارة الخارجية المصرية أن لدى الحكومة سياسة رسمية تقضي بترحيل "الأشقاء السوريين". لكن ثمانية من اللاجئين وجميع المحامين الثلاثة الذين أجرت معهم هيومن رايتس ووتش مقابلات قالوا إن السلطات مارست الضغط على المحتجزين لتوقيع إقرارات تبين أنهم يغادرون البلاد طوعاً، مكرهة إياهم فعلياً تحت تهديد الاحتجاز بغير أجل مسمى. قال أحد ضباط الشرطة لـ هيومن رايتس ووتش إن بوسع اللاجئين السفر إلى أي مكان يرغبون فيه إذا غادروا مصر. إلا أن الفلسطينيين القادمين من سوريا يملكون القليل من الخيارات القانونية لدخول أي مكان عدا سوريا. 

وثقت هيومن رايتس ووتش حالات أربعة فلسطينيين ـ والدين، ومع كل منهما طفل صغير ـ عادوا إلى سوريا يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول في مواجهة شبح الاحتجاز إلى أجل غير مسمى. قال أحد الوالدين، وكان قد احتجز في مصر لمدة تتجاوز الشهر مع ابنه ذي السنوات الثلاث، لـ هيومن رايتس ووتش إنه مستعد للسفر إلى أي بلد في العالم بخلاف سوريا، لكنه شعر، عند تهديده بالنقل إلى أحد سجون القاهرة حيث يحتجز هو وابنه مع المجرمين، بأنه لا يملك خياراً سوى العودة إلى سوريا. قال الرجل: "لم يعد بوسعي إبقاء ابني هنا دون أن يتعرض للشمس أكثر من ذلك". وبحسب مفوضية اللاجئين، تمت إعادة مجموعتين منفصلتين من نحو 35 فلسطينياً قادماً من سوريا إلى سوريا، مع احتجاز بعضهم بمجرد الوصول إلى المطار. 

ترى هيومن رايتس ووتش أن طالبي اللجوء القادمين من سوريا يتمتعون بحق ظاهر الوجاهة في وضع اللاجئين، ويتفق هذا مع تصريح مفوضية اللاجئين بتاريخ 22 أكتوبر/تشرين الأول الذي جاء فيه أن "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين توصّف فرار المدنيين من سوريا بأنه تحرك للاجئين. ويحتاج السوريون، واللاجئون الفلسطينيون الذين كانت إقامتهم المعتادة سابقاً في سوريا، إلى حماية دولية لحين تحسن الأوضاع الأمنية والحقوقية في سوريا، وتحقق شروط العودة الطوعية بسلامة وكرامة".

بموجب اتفاقية اللاجئين لسنة 1951 واتفاقية مناهضة التعذيب، لا يجوز للحكومة المصرية إعادة لاجئين إلى مكان تتعرض فيه حياتهم أو حريتهم للخطر، أو إعادة أي شخص إلى مكان يتعرض فيه لخطر التعذيب. 

وقد احتوى تصريح مفوضية اللاجئين بتاريخ 22 أكتوبر/تشرين الأول أيضاً على دعوة لكافة البلدان بضمان تمتع اللاجئين الفارين من سوريا، بمن فيهم الفلسطينيين، بـ"الحق في طلب اللجوء"، ولاتخاذ إجراءات "تعلق الإعادة القسرية للرعايا السوريين أو من كانت سوريا مقر إقامتهم المعتادة". وقد اختص التصريح الفلسطينيين القادمين من سوريا كمجموعة تحتاج إلى حماية دولية. 

بموجب المادة 1 من اتفاقية اللاجئين، يندرج اللاجئون الفلسطينيون في مصر تحت اختصاص مفوضية اللاجئين، وهي الوكالة المكلفة بحماية اللاجئين. ولا يجوز اعتبارهم مستبعدين من اختصاص مفوضية اللاجئين بموجب المادة 1 دال من الاتفاقية، التي تستبعد اللاجئين الفلسطينيين الخاضعين لاختصاص الأونروا، لأن مصر لا تقع في منطقة عمل تلك الوكالة الأخيرة ـ وهي المنطقة التي تضم الأردن ولبنان وقطاع غزة والضفة الغربية وسوريا. ومع ذلك فإن السلطات المصرية لم تسمح لمفوضية اللاجئين بتسجيل الفلسطينيين أو النظر في مطالبتهم باللجوء. 

إن هيومن رايتس ووتش تدعو السلطات المصرية إلى:

الإفراج عن كافة اللاجئين المحتجزين بدون اتهامات وعلى الرغم من أوامر إخلاء السبيل الصادرة من النيابة. والقيام بفصل الأطفال غير المصحوبين بمرافق عن البالغين من غير ذويهم، لحين إخلاء سبيلهم، وضمان توافق ظروف احتجازهم مع المعايير الدولية

إجراء تحقيق لمعرفة أي المسؤولين الأمنيين أمر بالاحتجاز التعسفي للاجئين القادمين من سوريا ومحاسبته

دفع التعويضات لمن تم احتجازهم تعسفياً بموجب المادة 9(5) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

الكف عن إكراه اللاجئين على مغادرة مصر، ولا سيما إلى سوريا

السماح لمفوضية اللاجئين بإدراج الفلسطينيين القادمين من سوريا تحت اختصاصها بالحماية

 

قال جو ستورك: "قامت مصر باحتجاز مئات الفلسطينيين القادمين من سوريا دون اتهام، لا لشيء على ما يبدو سوى الضغط عليهم للعودة إلى منطقة الحرب التي فروا منها. وعلى مصر التوقف عن محاولة إرغام المهاجرين على مغادرة البلاد ومنح هؤلاء الأشخاص المحاصرين والمستضعفين تدابير الحماية التي يستحقونها كلاجئين". 

أوضاع الفلسطينيين القادمين من سوريا في مصر
حتى الأول من يناير/كانون الثاني 2013 كانت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) قد سجلت 529 ألف لاجئ فلسطيني في سوريا. ويقيم معظم هؤلاء في سوريا نتيجة لحرب 1948 بين العرب وإسرائيل. قبل اندلاع انتفاضة 2011 كان الفلسطينيون في سوريا يتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتع بها السوريون، بما فيها الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية وغيرها من الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الحكومة. 

ومع امتداد النزاع المسلح بين الحكومة وقوات المعارضة إلى مناطق بها تجمعات كبيرة من الفلسطينين، وبينها مخيم اليرموك في دمشق الذي يؤوي أكبر جالية من اللاجئين الفلسطينيين في البلاد، لجأ 60 ألف فلسطيني على الأقل إلى الفرار. قالت أم فلسطينية لطفلين وناجية من القارب الغارق يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول لـ هيومن رايتس ووتش، "لم يكن بوسعنا البقاء في سوريا. لم أستطع إرسال الطفلين إلى المدرسة لأن الجانبين يسألان عن الجانب الذي تؤيده، وإذا أخطأت الإجابة فإنهم يقتلونك... كان الرصاص ينهمر، وكانت هناك طائرات تلقي القنابل". 

قال مسؤولون في السفارة الفلسطينية بالقاهرة لـ هيومن رايتس ووتش إن السفارة حتى 31 أكتوبر/تشرين الأول كانت قد سجلت 6834 فلسطينياً وصلوا إلى مصر من سوريا منذ ديسمبر/كانون الأول 2012. ثمة تقديرات أخرى تحدد عدد الفلسطينين القادمين إلى مصر من سوريا بنحو 10 آلاف. 

ويقوم مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في مصر بتسجيل اللاجئين السوريين، مما يتيح إمكانية إعادة التوطين في بلدان أخرى ويمكّنهم من الوصول إلى خدمات حيوية من قبيل الرعاية الصحية المدعومة. ومع ذلك فإن السلطات المصرية ترفض السماح لمفوضية اللاجئين بتنفيذ اختصاصها فيما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا، متذرعة بالمادة 1 دال من اتفاقية اللاجئين، التي تستبعد اللاجئين الفلسطينيين من اختصاص مفوضية اللاجئين في المناطق التي تقوم فيها وكالة الغوث والتشغيل (الأونروا) بتقديم خدمات، كما في سوريا. 

ولكن لأن مصر لا تقع ضمن منطقة عمل الأونروا فإن اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا يندرجون تحت اختصاص مفوضية اللاجئين بالحماية. ومع ذلك فإن مفوضية شؤون اللاجئين تقدم النصح والمساعدة للفلسطينيين القادمين من سوريا فقط، بما أن الحكومة المصرية تمنع المفوضية من تسجيلهم أو النظر في طلباتهم باللجوء، تاركة أفراد الجالية الفلسطينية بدون الحماية التي يحتاجون إليها. 

يقوم الفلسطينيون القادمون من سوريا، الذين لا يحملون سوى وثائق سفر خاصة باللاجئين أصدرتها الحكومة السورية، يقومون بدخول مصر بتأشيرة مدتها شهر واحد. وبحسب القنصلية الفلسطينية في الإسكندرية، فإنهم لا يستطيعون الحصول على إقامة ما لم يكن لهم أطفال مسجلون في المدارس أو يستثمرون مبالغ كبيرة في الاقتصاد المحلي. 

تجارب مروعة في عرض البحر
وصف ثمانية ناجين من حادثة غرق القارب يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول لـ هيومن رايتس ووتش كيف ظلوا يحاولون الطفو طوال ساعات في منتصف الليل بعد انقلاب القارب المكتظ، بينما كانوا يشاهدون الآخرين، وبينهم شيوخ وأطفال، يغرقون أمام أعينهم. 

قالت أم لطفلين لـ هيومن رايتس ووتش: "أمسك زوجي بابنتنا الصغيرة وتعلق بيدي ـ كنا في الماء، وكان الصغار يبكون، ولم نكن نرى أي شيء تقريباً". 

وقالت سيدة شابة من محيط دمشق ولديها ابن عمره 7 أشهر: "لا أعرف السباحة، ومن ثم فقد تعلقت بأقرب شخص مني عند انقلاب القارب وقلت له ألا يفلتني. كان الأمر أشبه بغرق ‘التايتانيك‘، الفيلم الذي كنت أشاهده باستمرار. كنا نقول لن يحدث لنا هذا إن شاء الله، لكننا صرنا الآن الجزء الثاني من ‘التايتانيك‘". 

تحدثت هيومن رايتس ووتش أيضاً مع اثنين من الناجين من حادثة 17 سبتمبر/أيلول، التي قامت فيها قوات مصرية بإطلاق النار على قارب يحمل بين 170 و200 سوري وفلسطيني-سوري، فقتلت اثنين وأصابت اثنين آخرين. ووصفا لنا كيف أحاطت البحرية المصرية بالقارب بعد مغادرته للساحل بقليل، وأطلقت النيران على غاطسه، الذي كان مزدحماً بعشرات اللاجئين. 

قال أحدهما، "كان الموقف رهيباً. كنا يائسين، ونعاني من دوار البحر، وكان الجو حاراً والجميع يتقيأون... كنا محاصرين في حيز ضيق ومشلولي الحركة ـ بل لم نستطع التحرك حتى حين سمعنا طلقات الرصاص... وبعدها بدأوا يمطروننا بالرصاص". 

تسبب إطلاق النيران في قتل فدوى علي، وهي فلسطينية من سوريا كانت تسافر مع ثلاثة أطفال صغار، وعمر دلول، وهو سوري كان يسافر مع زوجته الحامل نجاح كردي، وابنتهما ذات العامين. 

الاحتجاز التعسفي
قامت السلطات المصرية باحتجاز غالبية اللاجئين الـ1500 القادمين من سوريا في عرض البحر أو في ميناء أو في أماكن قريبة من الساحل في بعض الحالات، للاشتباه في استعدادهم للمغادرة بطريق غير مشروع، وهذا بحسب محامين يعملون مع اللاجئين وتحدثوا مع هيومن رايتس ووتش. يواجه اللاجئون تهم مخالفة المادتين 2 و3 من قانون دخول وإقامة الأجانب بأراضي الجمهورية العربية المتحدة والخروج منها (1960)، اللتان تحظران على الأجانب دخول مصر أو مغادرتها بدون وثائق سارية المفعول ومن غير المعابر الحدودية الرسمية. صدر القانون حينما كان السوريون والمصريون مواطنين في الجمهورية العربية المتحدة. 

أسقط وكلاء النيابة التهم عما لا يقل عن 615 لاجئاً ترافع عنهم المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وعن الحالات الـ24 التي وثقتها هيومن رايتس ووتش، وأمروا بإخلاء سبيلهم.

لكن بدلاً من الإفراج عن اللاجئين، أخذتهم الشرطة إلى أقسام للشرطة واحتجزتهم بها، بأمر من الأمن الوطني لاحتجازهم حتى يغادروا البلاد، وهذا كما قال مأمور قسم كرموز، ولاجئون ومحامون، لـ هيومن رايتس ووتش. بدون أوامر من النيابة، لا تستند هذه الاحتجازات إلى أي أساس في القانون المصري. 

لم يتسلم اللاجئون أي تفسير رسمي مكتوب لأسباب احتجازهم، وليس لديهم سبيل قانوني للطعن على احتجازهم. قال محامون متطوعون سعوا إلى مساعدة اللاجئين لـ هيومن رايتس ووتش إنهم في غياب إطار قانوني لا يملكون سوى التفاوض مع الأمن الوطني والشرطة فيما يتعلق بحالات محددة. تم إطلاق سراح أقل من 10 بالمائة من اللاجئين المحتجزين، طبقاً للأعداد التي حصلت عليها مفوضية اللاجئين. وقام المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية برفع دعوى تطعن على هذه الاحتجازات في قضية ينتظر أن ينظر فيها مجلس الدولة، وهو مجموعة محاكم إدارية منوطة مراجعة القرارات الحكومية، يوم 19 نوفمبر/تشرين الثاني. 

وثقت هيومن رايتس ووتش الاكتظاظ وقصور المرافق في قسمي الشرطة الاثنين اللذين زرناهما. قامت الشرطة في قسم الدخيلة باحتجاز 12 سيدة وطفلاً من الناجين من غرق القارب يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول، في مصلى صغير يجاور قسم الشرطة. زارت هيومن رايتس ووتش القسم بعد أكثر من 24 ساعة من الواقعة، إلا أن الكثيرين كانوا ما زالوا يرتدون الملابس المبتلة التي كادوا يغرقون فيها. 

لم تسمح الشرطة لـ هيومن رايتس ووتش بالوصول إلى المنطقة التي كان يجري فيها احتجاز 30 رجلاً. لكن أحد الأطباء المسموح لهم بالوصول إليها أبلغ هيومن رايتس ووتش بأن الشرطة تحتجز الرجال في زنزانة قذرة مكتظة أبعادها 4 أمتار في 4. كان الرجال يتناوبون على مرحاض واحد، وقد حرموا من الغذاء والماء لمدة 24 ساعة، بحسب أحد المحامين، ولجأ كثيرون منهم إلى الشرب من خرطوم المياه المثبت بمرحاض الزنزانة. في قسم كرموز قامت الشرطة بتوزيع مجموعات من 25 إلى 30 لاجئاً على عدة غرف، حيث كانوا ينامون على الأرض ويتشاركون في حمامين ومرحاضين لكل مجموعة. 

وصف شهود ظروفاً مشابهة في أقسام أخرى للشرطة. قضت السيدة كردي، الزوجة الحامل التي توفي زوجها حين فتح الأمن المصري النيران على قاربهما في 17 سبتمبر/أيلول، قضت 20 يوماً مع ابنتها ذات العامين بقسم المنتزه ثان، حيث تم احتجاز أكثر من 150 فرداً في أواخر سبتمبر/أيلول، قبل أن تنضم إلى صفوف الأعداد القليلة من اللاجئين المخلى سبيلهم. قالت السيدة لـ هيومن رايتس ووتش إنها اضطرت لمدة 9 أيام لارتداء الثياب الدامية التي كانت عليها عند وفاة زوجها بين ذراعيها. 

وقالت إن المساحة في القسم كانت من الضيق بحيث لجأ الناس أحياناً إلى النوم فوق بعضهم البعض أو حتى وهم وقوف. كان اللاجئون يتشاركون في حمام ومرحاض واحد مع أفراد الشرطة العاملين هناك، ولطول الطوابير في انتظار الحمام، لم تتمكن من الاستحمام إلا مرة واحدة طيلة ما يقرب من ثلاثة أسابيع قضتها هناك، المرة التي اضطرت لإنهائها بغتة حين لاحظت أفراد الشرطة وهم يتلصصون عليها من فرجة في الجدار. وقد وصفت المياه بأنها "مالحة" والحمام بأنه مليء بالبعوض. 

لاحظ طبيب كان يعالج المرضى في القسم بركاً من الماء القذر الراكد داخل القسم وخارجه. فقدت السيدة كردي وعيها في اليوم الخامس لوجودها بالقسم من عجزها عن تناول الطعام وتأثرها بالروائح النفاذة وحزنها على وفاة زوجها. وقالت لـ هيومن رايتس ووتش إنها حصلت على تقرير طبي يثبت إصابتها بانخفاض ضغط الدم ومشاكل في جهازها العصبي قد تؤدي بها إلى الإجهاض إذا ظلت رهن الاحتجاز، لكن الشرطة رفضت إخلاء سبيلها لمدة 3 أسابيع تقريباً. 

قال مأمور قسم كرموز لـ هيومن رايتس ووتش إن أقسام الشرطة لم تتلق أي تمويل لتزويد اللاجئين بما يكفي من الطعام أو الثياب أو الأدوية أو غيرها من الضروريات مثل الأغطية والحفاضات وألبان الرضع. قامت منظمات الإغاثة مثل "كاريتاس" التي تمولها مفوضية اللاجئين، والقنصلية الفلسطينية في الإسكندرية، بتوفير بعض الاحتياجات الأساسية. ومع ذلك يضطر اللاجئون لسؤال ضباط الشرطة أو النشطاء المحليين أو "فاعلي الخير" من أفراد الجالية السورية في مصر لتوفير البنود الأساسية الأخرى لهم. 

وعلى الرغم من حصول الأطباء على حق الوصول بشكل غير رسمي إلا أنهم قالوا إنهم واجهوا عقبات في توفير الخدمات للاجئين في أقسام الشرطة. قال طبيب لـ هيومن رايتس ووتش إن لديه عدة مرضى يحتاجون إلى عمليات جراحية أو رعاية خارجية، لكن الشرطة رفضت كافة الطلبات عدا طلباً واحداً. ويعاني كثيرون منهم من أمراض جلدية ولدغات الحشرات نتيجة الاكتظاظ والظروف التي يعانون منها. حين زارت هيومن رايتس ووتش قسم كرموز، قال طبيب إنه قام تبين إصابة ثلاثة أطفال بالجرب، وقال إن سببه هو عدم توفر النظافة وغياب الإضاءة الطبيعية. 

أطفال رهن الاحتجاز
منذ أغسطس/آب احتجزت السلطات المصرية ما يزيد على 250 طفلاً سورياً وفلسطينياً، وبعضهم في أعمار صغيرة جداً، في مرافق مكتظة وغير صحية، دون إمدادهم باحتياجاتهم الأساسية. وقد وثقت هيومن رايتس ووتش حالات احتجاز لأطفال صغار وصلت أعمار بعضهم إلى شهرين، مع أفراد عائلاتهم في ظروف بالغة السوء، دون منفذ إلى مرافق التريض أو الهواء الطلق. ولا يتمتع المحتجزون بحق الحصول بشكل المنتظم على ضروريات الأطفال، بما فيها الألبان الصناعية والحفاضات والطعام الصحي. ويعد احتجاز الأطفال لغير سبب سوى وضعهم ـ هم أو ذويهم ـ كمهاجرين، انتهاكاً لاتفاقية حقوق الطفل. 

لا يجوز على الإطلاق احتجاز الأطفال غير المصحوبين بمرافق، ومع ذلك فقد استمرت السلطات حتى 28 أكتوبر/تشرين الأول في احتجاز ما لا يقل عن 10 أطفال غير مصحوبين بمرافق أو منفصلين عن ذويهم ـ وهذا بحسب مفوضية اللاجئين. في الحالات العشر، تم احتجاز الأطفال غير المصحوبين بمرافقين مع بالغين لا تربطهم بهم أية صلة. قالت فتاة في الخامسة عشرة ويعيش أبواها في الإسكندرية، وتم احتجازها في أحد أقسام شرطة الإسكندرية مع شقيقها الأكبر، قالت لـ هيومن رايتس ووتش إن الشرطة "ستسمح لوالديّ بالمجيء لرؤيتنا، لكننا ممنوعان من الرحيل".

تحدثت هيومن رايتس ووتش في قسم شرطة الدخيلة مع فتاة فلسطينية من سوريا عمرها 9 سنوات وكان والدها قد غرق في حادثة 11 أكتوبر/تشرين الأول. ظلت الفتاة رهن الاحتجاز برفقة بالغات لا تربطها بهن صلة لمدة 18 يوماً، رغم وجود أقارب لها في مصر. 

كما احتجزت السلطات المصرية صبياً سورياً عمره 16 عاماً لمدة 45 يوماً، رغم أن أمه مقيمة في مصر وقد التمست الإفراج عنه. قالت له سلطات السجن إن سوريا هي المكان الوحيد الذي يمكنه الذهاب إليه كطفل مهاجر غير مصحوب بمرافق، وإن جواز سفره سيختم بختم الترحيل إذا لم يرحل من تلقاء نفسه، وهو ما خشي أن يؤدي إلى احتجازه بمجرد وصوله إلى دمشق، كما قال لـ هيومن رايتس ووتش. في 14 أكتوبر/تشرين الأول أشرفت السلطات المصرية على نقله إلى طائرة متجهة إلى سوريا، رغم عدم وجود أقارب أحياء له هناك. يجب أن تكون مصالح الأطفال الفضلى من بواعث الاهتمام الأساسية على مدار جميع الإجراءات الخاصة بالأطفال غير المصحوبين بمرافقين، ويجب أن تقوم السلطات بتعقب عائلات هؤلاء الأطفال في بلدانهم.

المغادرة بالإكراه
بخلاف النسبة التي تقل عن 10 بالمئة ممن تم إطلاق سراحهم، تستمر مصر في احتجاز اللاجئين القادمين من سوريا حتى يغادروا البلاد. وقد أنكرت وزارة الخارجية المصرية في أكتوبر/تشرين الأول، في تصريح لوسائل الإعلام، وجود "سياسة حكومية رسمية تقضي بالترحيل القسري للأشقاء السوريين" اتفاقاً مع التزامات مصر بموجب القانون الدولي بعدم تعريضهم للإعادة القسرية إلى أية أراض تتعرض فيها حياتهم أو حريتهم للتهديد. 

ومع ذلك، ومن حيث الممارسة، فإن احتجاز مصر التعسفي للاجئين القادمين من سوريا، في ظروف صعبة مع المعاناة من ازدحام أماكن الحجز، وتهديدهم بالنقل إلى سجون نظامية، يجبرهم على مغادرة مصر، وهذا بحسب اللاجئين الستة الذين كانوا قد قرروا الرحيل في توقيت حديثهم مع هيومن رايتس ووتش. وهم يتجهون في بعض الحالات إلى أراض تتعرض فيها حياتهم أو حريتهم للخطر، بما أن اللاجئين القادمين من سوريا، ولا سيما الفلسطينيين، يملكون القليل من الخيارات. 

قال كل لاجئ أجرت معه هيومن رايتس ووتش مقابلة إن ضباط الشرطة أخبروهم صراحة بأنهم سيظلون في الاحتجاز إلى أن يجمعوا ما يكفي من المال لشراء تذاكر الطيران لمغادرة مصر. وقال طاهٍ فلسطيني من سوريا محتجز في قسم شرطة بالإسكندرية لـ هيومن رايتس ووتش: "حين سألنا عن إخلاء السبيل قال الضابط إن بوسعكم الرحيل أو الانتظار لحين نملّ منكم والإفراج عنكم أو ترحيلكم". وقد وصف رجل عمره 47 سنة يجري احتجازه بقسم شرطة الدخيلة حواراً مشابهاً مع ضباط الشرطة هناك: "قالوا لي إن بوسعك البقاء محتجزاً في مصر لمدة شهر أو اثنين أو أكثر، أو أن نساعدك على السفر بأن نطلب من الأمن الوطني تجهيز أوراقك بأسرع ما يمكن". 

قال أحد ضباط شرطة قسم كرموز للاجئ فلسطيني هناك إنه ليس لديه "أي أمل" في الإفراج عنه داخل مصر. وقال لاجئان آخران بقسم شرطة كرموز لـ هيومن رايتس ووتش إن مأمور القسم جمع كافة المحتجزين وأعلن أن من يخفق في الحجز على طائرة للمغادرة في غضون أسبوع سيتم نقله إلى أحد السجون، حيث يوضع مع المجرمين. قالت هيومن رايتس ووتش إن القرارات المتخذة بينما يواجه المرء شبح الاحتجاز دون أجل مسمى في ظروف بالغة السوء لا يمكن أن توصف بأنها طوعية. 

قال مأمور قسم كرموز لـ هيومن رايتس ووتش إنهم تلقوا قائمة من الأمن الوطني بمعلومات عن الأماكن التي يمكن ترحيل المحتجزين إليها. ورغم استطاعة السوريين بصفة عامة السفر إلى تركيا ولبنان وسوريا، فإن تركيا والأردن لا تسمحان بدخول الفلسطينيين القادمين من سوريا، ولا يمنحهم لبنان سوى تأشيرة عبور مدتها 48 ساعة. إلا أن لبنان لم يتمسك دائماً بفرض مهلة الـ48 ساعة وكان يقبل تمديد التأشيرات، وهذا بحسب محامين مصريين عملوا مع لاجئين فلسطينيين. 

تقدمت السلطة الفلسطينية رسمياً بطلب الإفراج عن اللاجئين المحتجزين، بحسب السفارة الفلسطينية في القاهرة، لكن الأمن الوطني ووزارة الخارجية المصرية رفضا قبول الطلب. كما لم تكلل بالنجاح محاولات من جامعة الدول العربية لإثارة قضية الترحيل مع السلطات المصرية.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة