Skip to main content

انتهاكات حقوق الإنسان من قبل جميع الاطراف تعزز الحاجة للعقوبات

في سبتمبر/أيلول، وعندما وقفت أنظر عبر وادٍ في ريف اللاذقية، استطعت سماع قذائف الهاون من بعيد، وهناك كانت بلدة سلمى على بعد كيلومترات قليلة أمامي. كنت قد زرت البلدة التي تسيطر عليها المعارضة في ديسمبر/كانون الاول 2012، والآن تقصفها قوات الحكومة السورية من البر والجو. وقد وجهت الحكومة ضربات عشوائية هناك إلى كل من مقاتلي المعارضة الذين يعملون في البلدة ويسيطرون عليها من جهة والعدد القليل من السكان من جهة أخرى والذين ظلّوا هناك إما باختيارهم أو لعدم توافر خيارات أخرى.

في ديسمبر/كانون الأول قمت بتوثيق ما ظهر أنه هجمات متعمدة من قبل الحكومة على المستشفى الوحيد هناك، حيث كانت طائرات هليكوبتر قد أسقطت مراراً قنابل جوية بدائية الصنعفي المنطقة المجاورة للمستشفى، لتقوم بتدميرة في نهاية الأمر في 5 أكتوبر/تشرين الأول 2012. وعلى أي حال، فقد كانت البلدة  قد استحالت خرابا. كان بمقدوري فقط أن أمرّ خلالها بسرعة لتفقد الاضرار قبل حلول الليل، وبدء سقوط قذائف المدفعية المتوقعة​​.

استمرت الضربات على سلمى في أوائل سبتمبر/أيلول، ولكن هذه المرة كنتُ في بارودة، في موقع عسكري للحكومة السورية في قرية علوية تبعد بضعة كيلومترات عن سلمى، والتي يتهم بعض مقاتلي المعارضة الحكومة بمهاجمة البلدة منها. من الموقع العسكري في بارودة أشار ضابط الاستخبارات العسكرية الحكومية إلى معقل المعارضة الذي يلوح من بعيد. كنا نقف وراء حاجز من أكياس الرمل وصناديق شحن السلاح. أعداؤه كانوا هناك في سلمى.  قال إنهم إن استطاعوا لضربونا. ركضتُ إلى الموقع وإلى الخلف خوفاً من القناصة، عبر التضاريس المكشوفة ثم عدت إلى القرية.

عدت مرة أخرى إلى اللاذقية لتوثيق سلسلة أخرى من جرائم الحرب لمنظمة هيومن رايتس ووتش في هذه الحرب التي تبدو بلا نهاية. ولكن هذه المرّة كنت أبحث في مجموعة مختلفة من المهاجمين، لتوثيق هجومٍ وقع في 4 أغسطس/آب والذي قام به مقاتلون من المعارضة بقيادة خمس مجموعات هي: أحرار الشام ودولة العراق والشام الإسلامية وجبهة النصرة وجيش المهاجرين والأنصار وصقور العز. قتل المهاجمون 190 مدنياً على الأقل واحتجزوا أكثر من 200 رهينة غالبيتهم العظمى من النساء والأطفال خلال اليوم الأول من الهجوم العسكري الذي استمر لمدة أسبوعين، قبل أن تتمكن قوات الحكومة من دفعهم مرة أخرى إلى سلمى. ولم يتم الإفراج عن الرهائن حتى ساعة كتابة هذا التقرير.

هذه أخطر مجموعة تم توثيقها من الانتهاكات التي ارتكبها مقاتلو المعارضة؛ فهي خطيرة جداً ومنهجية ومتعمدة بحيث قد ترقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية. وهي ليست المرة الأولى التي وثقت فيها هيومن رايتس ووتش جرائم محتملة ضد الإنسانية في هذا النزاع. لقد اعتقدنا منذ وقت طويل أن بعض انتهاكات الحكومة أيضا وصلت هذه العتبة الرهيبة. ليست هذه هي المرة الأولى التي يخبرني أفراد أسرة عن أقاربهم الذين قُتلوا بالرصاص أو ذبحاً، أوتحطمت حياتهم. يختلف المهاجمون ولكن الضحايا متشابهون إلى حدٍ كبير.

ومع ازدياد عدد الهجمات الطائفية في هذه الحرب، فإن المدنيين من السنة والعلويين والشيعة والمسيحيين والأكراد والدروز في جميع أنحاء البلاد، الذين تم استهدافهم أو كانوا ضحايا للهجمات عديمة التمييز، يتحدثون بصوت واحد.  هم يصفون الاعتقال التعسفي واحتجاز الرهائن، وعذاب عدم المعرفة، العيش مع إصابات مستديمة، ويلملمون بقايا حياتهم المحطمة كلاجئين أو مشردين. إنهم يريدون وقف الانتهاكات ومعاقبة المعتدين، كما أنهم يروننا - المنظمات غير الحكومية والصحفيين والحكومات الأخرى - في بعض الأحيان غير مبالين بمعاناتهم.

في اللاذقية سألني رجل من السنّة: " من سيعوضني عن أعمالي وأبنيتي التي دُمرت؟" وآخر من العلويين أخبرني بالتفصيل بأسماء أكثر من عشرةٍ من أفراد أسرته الذين تم احتجازهم كرهائن، قائلا: "هل تساعدينا لرؤيتهم أحراراً؟"، وتحدث آخر عن إعدام والده وزوجته.

وبالنظر إلى أنه ليس ثمة نهاية للنزاع تلوح في الأفق ، وهو الأمر الذي يعكسه تعثّر مناقشات مفاوضات السلام من أجل جنيف II، فإننا نعلم جميعاً أن هناك المزيد يمكن فعله لوقف الانتهاكات التي ترتكبها جميع الأطراف: ينبغي على الدول وقف مبيعات الأسلحة والمساعدات العسكرية للحكومة وجماعات المعارضة الذين يرتكبون انتهاكات واسعة النطاق أو منهجية، بل يجب تبني عقوبات تستهدف القادة من جميع الأطراف والمتورطين في الانتهاكات الأكثر خطورة، وينبغي على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تعزيز المساءلة لجميع الأطراف بإحالة الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية. إن الضحايا من جميع أطراف النزاع يستحقون على الأقل مثل هذا التحرك.
 

لمى فقيه هي باحثة سوريا ولبنان في هيومن رايتس ووتش.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة