Skip to main content

الفضيحة الخارجية التي نتجاهلها: تصعيد عمليات الطائرات الأمريكية بدون طيار

نُشر في: "صالون"

يشعر كثير من اليمنيين بالخوف من الولايات المتحدة، عن حق، أكثر مما يخافون القاعدة، وها هو السبب المخجل:

بينما يسلط العالم أنظاره على الاضطرابات الجارية في سوريا ومصر، تتكشف فصول مأساة تحظى بدعاية أقل، رغم أهميتها الحاسمة، في اليمن، حيث صعّدت الولايات المتحدة من غارات الطائرات بدون طيار على أعضاء مزعومين بتنظيم "القاعدة في جزيرة العرب".

وقد بدأت تظهر تقارير مقلقة تفيد بأن تلك الغارات لا ترقى إلى المعايير السامية التي وعد بها الرئيس أوباما في برنامجه المثير للجدل، برنامج  القتل المستهدف.

في شهر مايو/أيار قال أوباما، في تصريح هام حول سياسة مكافحة الإرهاب الأمريكية، إن إدارته لن تضرب إلا أولئك الذين يمثلون "تهديداً داهماً ومستمراً". كما قال إن الولايات المتحدة لن تلجأ للقتل المستهدف إلا حين "يتعذر" إيقاع الهدف في الأسر، وحين يتوافر "ما يقرب من اليقين" بعدم وفاة مدنيين.

ومع ذلك فبمجرد ذيوع أنباء عن مخططات بين رؤوس القاعدة في جزيرة العرب والقاعدة المركزية لمهاجمة أهداف غربية، تحولت تلك المعايير فجأة إلى "المرونة"، كما قال مسؤولون أمريكيون لم تتم تسميتهم لصحيفة "لوس أنجلس تايمز".

ربما كان اثنان من المتشددين المزعومين الأربعين القتلى مراهقين ليست لهما صلة بعنف الجهاديين. أفادت "النيويورك تايمز" بأن قلة من المقتولين في الهجمات الأخيرة من أبرز أعضاء القاعدة في جزيرة العرب، وقالت إن الولايات المتحدة، بدلاً من هذا، تنوي توسيع نطاق الاستهداف بحيث يشمل أولئك الذين يقومون بدور مساند.

قال البيت الأبيض في مايو/أيار إن معاييره الجديدة "إما يجري العمل بها بالفعل أو سيجري" العمل بها بمضي الوقت. لكن هيومن رايتس ووتش قامت مؤخراً بإجراء تحقيق في ست من عمليات القتل المستهدف الأمريكية في اليمن منذ 2009، التي لا يبدو أنها التزمت هي الأخرى بتلك المعايير.

إن الإدارة الأمريكية، في سعيها المفهوم للحفاظ على سلامة أمريكا، تخاطر بتمديد قواعد القتل التي تتبعها حتى نقطة الانقطاع. لا تسمح القوانين الدولية للحرب بالهجوم إلا على أهداف عسكرية، من قبيل المقاتلين الأعداء أو الأسلحة والذخائر. أما المدنيون فهم محصنون من الاعتداء، إلا من اشترك منهم في القتال، أو نشط في التخطيط لعمليات عسكرية مستقبلية أو قام بتوجيهها. ولا يجوز الهجوم على أشخاص يؤدون دوراً مسانداً ضمن جماعة مسلحة منظمة ما لم يشاركوا مباشرة في الأعمال العدائية.

علاوة على هذا فإن أبرز المعايير التي أجملها أوباما في مايو/أيار هي تلك التي وضعها القانون الدولي لحفظ الأمن وليس للصراع المسلح، رغم إحجاما لرئيس عن إعلان نهاية "للحرب" على القاعدة ومنتسبيها. وقواعد حفظ الأمن، القائمة على القانون الدولي لحقوق الإنسان، توفر حماية أقوى لأرواح البشر بتفضيلها للاعتقال والملاحقة القانونية. إلا أنها تظل تسمح باستخدام القوة المميتة لمنع تهديد داهم للحياة إذا تعذر إيقاع الهدف في الأسر.

مع استمرار إدارة أوباما في رفض الكشف عن التفاصيل الأكثر أساسية لبرنامج القتل المستهدف فإنه يستحيل علينا أن نعرف متى تتحول المرونة إلى مجرد تعبير مخفف يغطي على مخالفة القانون، وكم يبلغ عدد المدنيين بين مئات الأشخاص المقتولين في غارات بطائرات دون طيار وغيرها من الغارات الجوية الأمريكية في اليمن، منذ بدأت الولايات المتحدة استهداف المتشددين هناك بانتظام في 2009. قال أوباما إن ثمة "فجوة واسعة "بين تقديرات الخسائر التي تجريها حكومته وتلك التي تجريها منظمات غير حكومية، إلا أن إدارته ترفض تقديم أية أرقام.

تسببت الغارات في تنامي المشاعر والمخاوف المعادية لأمريكا على نطاق واسع في اليمن. كما يضاعف من الغضب رفض الولايات المتحدة الاعتراف بالهجمات غير المشروعة، وإخفاقها في تعويض عائلات من قتلتهم من مدنيين. ثم أن الغارات التي تقتل مدنيين إنما تصب في صالح القاعدة في جزيرة العرب، التي تضاعف حجمها ثلاثاً وفق بعض التقديرات حتى صارت تضم ألف عضو، منذ عام 2009.

يتعين على أوباما، بدلاً من التراجع عن خطوطه الإرشادية، أن يستغل تقارير التهديدات الأخيرة كفرصة يظهر بها للعالم أن بوسع الولايات المتحدة التعامل مع تهديدات المتشددين دون الالتفاف على القانون الدولي. وهذا يعني الإفصاح التام عن مجموعة القواعد التي تحكم عمليات القتل، وكذلك هوية من قتلتهم الولايات المتحدة، وعدد المدنيين في صفوفهم، والخطوات التي تتخذها الإدارة الأمريكية حينما تضل الغارات طريقها. كما أنه يعني تقديم التعويض الملائم عن الخسائر المدنية غير المشروعة (إن لم تكن كلها).

وليس هذا هو الطريق القانوني الصحيح فحسب، بل إنه أيضاً الطريق الذكي، إذا كان أوباما يرغب في المساعدة من الشعب اليمني، الذي يخاف الكثير من أفراده الولايات المتحدة أكثر مما يخافون من القاعدة.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة