(بيروت) ـ قالت هيومن رايتس اليوم في مؤتمر صحفي عقدته بمناسبة صدور تقريرها العالمي لعام 2013 إن لبنان أخفق في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة للحد من الانتهاكات أثناء الاعتقال والاحتجاز، وتعزيز حقوق المرأة، وحماية الوافدين واللاجئين.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة اللبنانية أن تلتزم بتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان في عام 2013، وأن تنشئ آلية لزيارة مراكز الاحتجاز ومراقبتها، حسبما يشترط البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، التي صدق عليها لبنان في 2008، وأن تعدل القوانين التي تميز ضد المرأة في مجالات الجنسية وإجراءات الطلاق وحضانة الأطفال. كما أن على الحكومة اللبنانية مواصلة سياسة الحدود المفتوحة حتى يتمكن الفارون من سوريا من دخول لبنان، والالتزام بسياسة عدم ترحيل الأشخاص إلى سوريا طالما استمر النزاع فيها. وعلى الحكومة التوقف عن احتجاز السوريين وغيرهم من اللاجئين لدخول البلاد بطريق غير مشروع.
قال نديم حوري، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "ضيعت حكومة لبنان وبرلمانها عدة فرص لتعزيز حقوق الإنسان في العام الماضي بالتلكؤ في بعض الإصلاحات والمقترحات المحورية أو برفضها. وعلى مرشحي انتخابات 2013 أن يوضحوا موقفهم من قضايا حقوق الإنسان المحورية ونواياهم تجاه كيفية متابعتها".
قامت هيومن رايتس ووتش في تقريرها المكون من 665 صفحة، بتقييم التقدم في مجال حقوق الإنسان خلال العام الماضي في أكثر من 90 بلداً، ويشمل هذا تحليلاً لتداعيات الانتفاضات العربية. قالت هيومن رايتس ووتش إن استعداد الحكومات الجديدة لاحترام حقوق الإنسان من شأنه أن يحدد ما إذا كانت الانتفاضات العربية ستتمخض عن ديمقراطية حقيقية أم أنها تعيد ببساطة إفراز السلطوية في ثياب جديدة.
حقوق المحتجزين
هناك عدد من الأشخاص ـ من اللاجئين والوافدين ومتعاطي المخدرات والمثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسية وعاملات الجنس ـ قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إن أفراد قوات الأمن عذبوهم وأساءوا معاملتهم بطرق أخرى في 2012. وقال البعض إنهم تعرضوا لإساءة المعاملة أثناء التوقيف، بينما قال آخرون إنهم تعرضوا لها في مراكز الاحتجاز، بما فيها مركز احتجاز الأمن العام في العدلية، ومخفر حبيش في بيروت، الذي يقع فيه مكتب شرطة الآداب التابع لقوى الأمن الداخلي. وكانت أوسع ضروب التعذيب التي ذكروها انتشاراً هي الضرب على أجزاء مختلفة من الجسم، باللكمات أو الأحذية أو بأدوات كالعصيّ والهراوات والمساطر.
في يوليو/تموز اعتقلت شرطة الآداب 36 رجلاً في مداهمة لقاعة عرض يشتبه في استغلالها لعرض الأفلام الإباحية، ونقلتهم إلى مخفر حبيش. وهناك تعرض الرجال للفحص الشرجي الذي أجراه أطباء شرعيون بأمر من النائب العام، بدعوى "إثبات" ممارسة الجنس المثلي من عدمها.
تنتهك هذه المعاملة المعايير الدولية ضد التعذيب، وقد شجبت نقابة الأطباء اللبنانيين تلك الفحوص بوصفها ضربا من ضروب التعذيب، وأصدرت توجيهاً في أغسطس/آب يدعو الأطباء إلى الامتناع عن إجرائها. في سبتمبر/أيلول دعا وزير العدل شكيب قرطباوي إلى إنهاء الفحص الشرجي.
في أغسطس/آب قامت قوى الأمن الداخلي باعتقال 14 من طالبي اللجوء واللاجئين السودانيين المشاركين في اعتصام أمام مدخل مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في بيروت، احتجاجاً على أسلوب تعامل وكالة اللاجئين مع حالاتهم. أفاد اللاجئون بأن مسؤولي قوى الأمن الداخلي ركلوا بعضهم وأهانوهم وهددوهم أثناء التوقيف، وبأنه عند وصول المجموعة إلى مركز احتجاز الأمن العام في العدلية، تعرض بعضهم للضرب والإهانة والتهديد، بما فيه التهديد بالترحيل.
ردت وزارة العدل على خطاب تفصيلي من هيومن رايتس ووتش يعرض وقائع الانتهاكات، فقالت إن تحقيقاتها الداخلية أشارت إلى صحة استخدام القوة في حالتين من حالات الانتهاك البدني المزعوم الثلاث، لكنها استُخدمت في إحدى الحالتين لتهدئة محتجز مريض عقلياً كان يهاجم قوات الأمن، وفي الأخرى لإخماد تمرد داخل أحد السجون. أنكرت الوزارة وقوع حالة الانتهاك الثالثة، ولم تتعامل مع تهديدات الترحيل المزعومة أو تشرح الخطوات التي اتخذتها، بخلاف إجراء مقابلات مع المحتجزين المفرج عنهم، للتحقيق في تلك المزاعم.
في أكتوبر/تشرين الأول قام أفراد من الجيش اللبناني أيضاً بضرب 72 عاملاً وافداً على الأقل في حي الجعيتاوي ببيروت. لم يستجوبهم الجنود بشأن أية واقعة محددة، بل اتهموهم بـ"التحرش بالنساء". وقال الجيش اللبناني في بيان له إنه احتجز 11 من الوافدين، لكنه لم يحدد التهم الموجهة إليهم.
قال نديم حوري: "سيظل ارتكاب قوات الأمن للانتهاكات متفشياً ما لم يقم لبنان بمعاقبة المسيئين مع وضع آليات لمراقبة مراكز الاحتجاز".
حقوق المرأة
تتضمن قوانين الأحوال الشخصية اللبنانية، التي يحددها الانتماء الديني للشخص، أحكاما تضر بالمرأة وتضعها موضع الطرف المستضعف. لا تتمتع النساء بالمساواة في إجراءات الطلاق، حسب انتمائهن الديني، لكنهن أدنى من الرجال في كافة الأحوال؛ مما يجبر بعضهن على البقاء في زيجات يعانين فيها من إساءات وأذى، وفي حالة الطلاق كثيراً ما يتعرضن للتمييز حين يتعلق الأمر بحضانة الأطفال. في يناير/كانون الثاني 2013، رفضت إحدى اللجان الحكومية مقترحاً بمنح اللبنانيات حق حصول الأزواج والأطفال الأجانب على الجنسية اللبنانية. وما زال البرلمان ينتظر التصويت على مسودة معدلة لمشروع قانون من عام 2012 يقصد به حماية النساء من العنف الأسري، إلا أنه تعرض لانتقاد منظمات معنية بحقوق المرأة.
حقوق اللاجئين والوافدين
تعرض لبنان لتدفق أعداد كبيرة من السوريين الفارين من الأزمة في بلدهم. بحلول منتصف يناير/كانون الثاني كان 151602 لاجئاً سورياً قد سجلوا أنفسهم لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مع وجود 67061 آخرين ينتظرون التسجيل. ولا يمنح التسجيل السوريين أية صفة قانونية، بل مجرد الحق في تلقي المعونة. ونتيجة لهذا يتعرضون لخطر الاحتجاز وربما الترحيل. ورغم أن لبنان أبقى حدوده مفتوحة إلا أنه قام في أغسطس/آب بترحيل 14 سورياً إلى سوريا، قال أربعة منهم إنهم يخشون الاضطهاد هناك. غير أن وسائل الإعلام المحلية، في يناير/كانون الثاني، أفادت بأن وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور قال إن الحكومة اللبنانية لن تقوم بترحيل أي لاجيء إلى سوريا.
كل من القانون العرفي الدولي الخاص باللاجئين، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، يشترطان على كافة البلدان احترام مبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي يحظر ترحيل أي شخص إلى بلد آخر يقع عليه فيه خطر حقيقي من الاضطهاد، أو حيث يتعرض ذلك الشخص لانتهاك جسيم لحقوق الإنسان.
يفيد كثير من اللاجئين السوريين في لبنان أيضاً بأنهم يشعرون بافتقاد الأمان، خاصة في أعقاب اختطاف سوريين في لبنان، واعتداءات أخرى في أغسطس/آب، انتقاماً من اختطاف لبنانيين من الشيعة على يد جماعات المعارضة المسلحة في سوريا. في يونيو/حزيران قام مسلحون باختطاف اللبناني سليمان محمد الأحمد في الحيصة بلبنان، ونقله بشكل غير قانوني إلى عهدة السوريين. عاد سليمان بعد قيام أقاربه بسلسلة من جرائم الخطف الانتقامية في لبنان. ولم تعتقل السلطات أحدا على ذمة الاختطاف الأول أو ما تلاه من أعمال اختطاف انتقامية.
قال نديم حوري: "يجب على لبنان إبقاء أبوابه مفتوحة للاجئين السوريين وضمان سلامتهم. ومع تنامي احتياجات هؤلاء اللاجئين، ينبغي لاستجابة المجتمع الدولي أن تنمو بالتوازي".
ما زال على لبنان أن يعدل قوانينه بحيث تضمن الحماية لعاملات المنازل الوافدات المقدر عددهن بمائتي ألف، من ساعات العمل الزائدة وعدم دفع الرواتب وتحديد الإقامة بمكان العمل، وتبني سياسات تهدف للحد من حالات الأذى البدني والجنسي بحق هؤلاء العاملات.
في يناير/كانون الثاني أعلن وزير العمل شربل نحاس أنه سينظر في إلغاء نظام "الكفالة" الذي يضع العامل تحت إشراف صاحب العمل، والذي يصعّب على الموظف ترك صاحب العمل المسيء، لكنه استقال بعد شهر بسبب قضايا غير ذات صلة. وما زال على وزير العمل الجديد، سليم جريصاتي، أن يقدم تشريعات أو سياسات لحماية العمال.