(بغداد)ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم في تقريرها العالمي لعام 2013 أن قيادة العراق اتخذت إجراءات شديدة القسوة ضد ساسة المعارضة والمحتجزين والمتظاهرين والصحفيين، فقلصت على نحو مؤثر المساحة المتاحة للمجتمع المدني المستقل والحرية السياسية في العراق.
تزايدت أعداد وفيات المدنيين العنيفة في العراق في 2012، لأول مرة منذ 2009، فقتل الآلاف من أفراد الشرطة والمدنيين في نوبات عنف، تشمل الاغتيالات الاستهدافيةوسط أزمة سياسية مستمرة منذ ديسمبر/كانون الأول 2011. وإلى جانب تزايد العنف، قامت قوات الأمن العراقية بشن حملات اعتقال جماعي وعذبت المحتجزين لانتزاع اعترافات بدون أدلة كافية أو وجود أدلة على الإطلاق على وقوع جرائم.
قالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "بينما كانت الجماعات المتمردة تستهدف عراقيين أبرياء في سلسلة من الهجمات المنسقة طوال العام، كانت قوات الأمن العراقية تستهدف مدنيين أبرياء في حملات جماعية للاعتقالات التعسفية والاستجوابات المسيئة. بعد عقود من الدكتاتورية والاحتلال والإرهاب، يواجه الشعب العراقي اليوم حكومة تزداد انزلاقاً نحو السلطوية ولا تتقوم بما يكفي حتى يشعر بالأمان".
قامت هيومن رايتس ووتش في تقريرها المكون من 665 صفحة، بتقييم التقدم في مجال حقوق الإنسان خلال العام الماضي في أكثر من 90 بلداً، ويشمل هذا تحليلاً لتداعيات الانتفاضات العربية. قالت هيومن رايتس ووتش إن استعداد الحكومات الجديدة لاحترام حقوق الإنسان من شأنه أن يحدد ما إذا كانت الانتفاضات العربية ستتمخض عن ديمقراطية حقيقية أم أنها تعيد ببساطة إفراز السلطوية في ثياب جديدة.
قالت هيومن رايتس ووتش إن انتهاكات نظام العدالة الجنائية مبعث قلق كبير، وإن على السلطات العراقية أن تجعل من إصلاح النظام أولويتها القصوى في 2013، لضمان تنفيذ القانون العراقي للإجراءات الجنائية. يلزم هذا القانون الشرطة باستصدار تصريح لاعتقال شخص مشتبه به، وإحضاره للمثول أمام محقق قضائي في غضون 24 ساعة من الاعتقال. كما يلزم القانون المسؤولين بضمان تواصل المتهمين مع محام لوقت يكفي لإعداد دفاع فعال والطعن على الأدلة المقدمة ضدهم، لكن المسؤولين الأمنيين نادراً ما يلتزمون بهذه الشروط، بحسب هيومن رايتس ووتش. على الحكومة أن تحقق في مزاعم انتهاك حقوق المحتجزين، وخاصة النساء، كما يجب عليها أيضاً التحقيق مع قوات الأمن المسيئة، وفي مزاعم المحتجزين بأن القضاة والضباط يستغلون القانون العراقي لمكافحة الإرهاب في التضييق على مدنيين أبرياء.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن نظام العدالة الجنائية يعاني من التعسف وانعدام الشفافية ، فضباط الأمن والقضاة على السواء يستخدمون الاعتراف وكأنه حجر الزاوية في الملاحقة الجنائية، وكثيراً ما يتهمون المحتجزين بالإرهاب دون أدلة حقيقية. تحدثت هيومن رايتس ووتش مع عدد من المحامين وأفراد عائلات المحتجزين فقالوا إن موكليهم أو ذويهم اتهموا بالإرهاب بموجب المادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب بعد أن حصلت السلطات على اعترافات باللجوء إلى التهديد والانتهاكات البدنية.
في ديسمبر/كانون الأول وثقت هيومن رايتس ووتش عدة حالات لتعذيب سجينات. وأفاد أفراد عائلاتهن بأن ضباط الأمن والقضاة تواطأوا على إبقاء السيدات محتجزات بتهمة "الاشتباه في الإرهاب" المختلقة، ثم طلبوا رشاوى لتأمين الإفراج عنهن.
قالت سارة ليا ويتسن: "يشجع نظام العدالة الجنائية القائم على الاعتراف على ممارسة التعذيب كأسلوب مشروع لانتزاع الاعترافات. وعلى الحكومة أن تضمن وجود تحقيقات جنائية حقيقية وملاحقات جنائية لأي شخص مسؤول عن التعذيب أو غيره من الانتهاكات".
قام ضباط الأمن بعمليات اعتقال جماعي وتعسفي وهم في مأمن من العقاب خلال 2012. تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى عدة شهود أفادوا بأن ضباط الأمن شنوا حملات مداهمة بدون تصريح في أحيائهم، بشكل عشوائي على ما يبدو، واحتجزوا سكانها لعدة أيام، واعتقلوا عائلات بأكملها بتهمة الإرهاب دون أدلة.
وفي أحدث الوقائع، في نوفمبر/تشرين الثاني، داهمت الشرطة الاتحادية 11 منزلاً في بلدة التاجي شمالي بغداد فاحتجزت 41 شخصاً، منهم 29 طفلاً، طوال الليل في بيوتهم. قالت مصادر مقربة من المحتجزين، الذين طلبوا إبقاء هوياتهم سرية، إن الشرطة أخذت 12 فتاة وامرأة في أعمار بين 11 و60 سنة إلى مقر اللواء السادس، واحتجزتهن هناك لمدة أربعة أيام دون اتهام. وقالت المصادر إن الشرطة ضربت النساء وعذبتهن بالصدمات الكهربية ووضع الأكياس البلاستيكية على رؤوسهن حتى بدأن في الاختناق.
ورغم الاستنكار واسع النطاق لأعمال الإساءة والاغتصاب التي طالت النساء أثناء الاحتجاز السابق على المحاكمات، فإن الحكومة لم تحقق مع الجناة ولا هي حاسبتهم. وفي رد فعل على الاحتجاجات الجماعية بسبب معاملة المحتجزات، أصدر رئيس الوزراء نوري المالكي عفواً عن 11 منهن، إلا أن مئات أخريات مازلن قيد الاحتجاز، وتزعم كثيرات منهن التعرض للتعذيب والحرمان من التواصل مع محام للدفاع.
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه علاوة على ضمان التزام الاعتقالات بالمعايير الدولية لإجراءات المحاكمة السليمة ومع القوانين العراقية، فإنه يجب على الحكومة أيضاً أن تصدر إدانة علنية لأي استخدام للتعذيب أو غيره من أشكال المعاملة السيئة أثناء الاستجواب بهدف استخلاص الاعترافات. وعلى السلطات أن تحقق سريعاً في كافة مزاعم التعذيب وإساءة المعاملة، وتلاحق الحراس والمحققين المسؤولين عن الإساءة إلى السجناء جنائياً. ينبغي للسلطات أيضا أن تستبعد الاعترافات التي تم الحصول عليها بالتعذيب أو غيره من الطرق غير المشروعة، وأن تتيح للمحتجزين فرصة كافية للطعن على الأدلة المستخدمة ضدهم.
بينما كانت المظاهرات المطالبة بالإصلاح في العالم العربي تجتاح المنطقة، كانت الحكومة العراقية تركز على تقليص حق العراقيين في حرية التجمع. وقد لاحظت هيومن رايتس ووتش كيف تدخلت السلطات العراقية بنجاح في مظاهرات ميدان التحرير في العراق خلال 2012، عن طريق إغراق المظاهرات الأسبوعية بمؤيدي المالكي وعملاء الأمن المتخفين. سدت قوات الأمن في بغداد المنافذ المؤدية إلى مواقع التظاهر، وضربت الصحفيين والمتظاهرين العزل، وحطمت الكاميرات وصادرت بطاقات الذاكرة الخاصة بالحواسب. قال عدد من النشطاء المعارضين والصحفيين المستقلين لـ هيومن رايتس ووتش إنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان عند حضور مظاهرات الاحتجاج على الفساد واسع النطاق، والمطالبة بحقوق مدنية وسياسية أكبر.
في الوقت ذاته، وطد رئيس الوزراء أركان السلطة في مكتبه بتعيين الموالين في المناصب الوزارية والأمنية الأهم، التي تتطلب الموافقة البرلمانية بموجب الدستور العراقي. رد المالكي على الاحتجاجات السلمية في ديسمبر/كانون الأول بإطلاق التهديدات، قائلاً إنه "لن يتسامح مع الاحتجاجات".
على السلطات أن تحقق في الاعتداء على المتظاهرين، وتشرع في الملاحقة الجنائية للضباط المسؤولين عن تعذيب المحتجزين بعد حملات الاعتقال الجماعي التي يصفها الضباط القائمون بالاعتقال بأنها إجراءات "احترازية" لمنع الهجمات الإرهابية. أفاد ستة محتجزين تم الإفراج عنهم في أبريل/نيسان بأن المحققين قالوا لهم إنهم محتجزون للحد من النشاط الإجرامي وأي احتجاجات علنية "محرجة" أثناء اجتماع قمة القادة العرب في بغداد.
أعدمت السلطات رقماً قياسياً من المحتجزين في 2012 ـ 129 على الأقل، مقارنة بـ62 في 2011 ـ بينما لم تنشر معلومات تذكر عمن تم إعدامهم أو الأدلة التي أيدت الحكم بإدانتهم. كان الإرهاب هو تهمة الكثيرين منهم.
ستحل في 19 مارس/آذار الذكري السنوية العاشرة للغزو الذي تزعمته الولايات المتحدة وأسقط دكتاتورية صدام حسين التي دامت عقوداً من الزمان. وقالت هيومن رايتس ووتش إن الحكومة الأمريكية لم تضغط على حكومة المالكي بما يكفي لتحجيم الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان المتتالية، كما أن تحقيق العدالة في الانتهاكات التي ارتكبتها قوات التحالف في العراق يظل بغير وجود تقريباً.
قالت سارة ليا ويتسن: "يبدو أن إخفاق الولايات المتحدة وبريطانيا في محاسبة قواتهما عن الانتهاكات أثناء الاحتجاز والقتل خارج نطاق القانون [التي مارسوها] أثناء وجودهم في البلاد، يبدو أنه مهد الطريق للحكومة الحالية كي تختلق الأعذار للانتهاكات، وقصور النظام والقانون، وغياب المحاسبة".