(لندن) ـ إن تعويضات الحكومة البريطانية المصروفة لمعارض ليبي عن تواطؤها في تعذيبه وتسليمه القسري توفر قدراً من العون إلا أنها لا تعفيها من واجب التحقيق في ما حدث. لا غنى عن تحقيق جنائي في مزاعمه، وتحقيق حكومي على نطاق أوسع، كما قالت هيومن رايتس ووتش.
قال بنجامين وارد، نائب المدير التنفيذي لقسم أوروبا وآسيا الوسطى في هيومن رايتس ووتش: "ا المبلغ الذي دفعته بريطانيا لسامي مصطفى الساعدي وعائلته لا يعفيها من واجب محاسبة المسؤولين. من الضروري أن تواصل الشرطة البريطانية تحقيقها الجنائي في وقائع تسليمه وتعذيبه، ومن الضروري أن تجري الحكومة تحقيقاً مستقلاً يبحث التواطؤ البريطاني في التعذيب على أراضي دول أخرى بشكل أعم".
أشارت وثائق اكتشفتها هيومن رايتس ووتش في طرابلس في سبتمبر/أيلول 2011 إلى تورط خدمة الاستخبارات السرية البريطانية، في احتجاز الساعدي مع زوجته وأبناؤه في هونغ كونغ في مارس/آذار 2004. كشفت الوثائق أيضاً عن دور الاستخبارات السرية في تسليم معارض ليبي آخر بغرض تعذيبه، هو عبد الحكيم بلحاج، الذي لا تزال دعواه المدنية بحق الحكومة البريطانية منظورة أمام القضاء. تُجري شرطة العاصمة في لندن تحقيقاً جنائياً في القضيتين، لتحديد مدى تورط المسؤولين البريطانيين في أية مخالفة. إن الحكومة البريطانية، باعتبارها طرفا في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والعديد من المعاهدات الأخرى التي تكرس حظر التعذيب بشكل مطلق، لا يمكنها التهرب من التزاماتها القانونية بالتحقيق في أي انتهاك لهذا الحظر وتصحيحه، بمجرد دفع التعويض.
يشير بحث أجرته هيومن رايتس ووتش إلى أن الساعدي وعائلته المروّعة، بعد قضاء ما يقرب من أسبوعين قيد الاحتجاز، أُرغموا على ركوب طائرة إلى مصر ومنها إلى ليبيا، حيث تم تسليمهم إلى حكومة القذافي. تم احتجاز زوجة الساعدي وأبنائه لمدة شهرين في ليبيا قبل إطلاق سراحهم. أما الساعدي فقد تم احتجازه لست سنوات، وتعرض للتعذيب مراراً أثناء الـ18 شهراً الأولى من احتجازه، وشمل هذا الضرب والصدمات الكهربية. قال الساعدي لـ هيومن رايتس ووتش إنه تعرض للاستجواب على أيدي محققين يعتقد أنهم من المملكة المتحدة والولايات المتحدة.
في مواجهة تصاعد المزاعم عن التواطؤ البريطاني مع التسليم القسري والتعذيب على أراضي دول أجنبية، بما فيها باكستان، أعلنت الحكومة البريطانية عن تحقيق في يوليو/تموز 2011. لكن الحكومة قامت في يوليو/تموز 2011 بفرض شروط على تحقيق غبسون، نسبة إلى القاضي المتقاعد الذي يرأس هيئته، وتشمل تلك الشروط قيوداً على استجواب الشهود ورقابة الحكومة على إباحة المعلومات. ونتيجة لهذا سحب محامو الضحايا و منظمات غير حكومية بارزة، من بينها هيومن رايتس ووتش، سحبوا تعاونهم في أغسطس/آب 2011.
في يناير/كانون الثاني 2012 أعلنت الحكومة عن حفظ التحقيق متعللة بتأخيرات ناجمة عن الحاجة إلى استكمال التحقيق الجنائي في القضيتين الليبيتين، ووعدت بفتح تحقيق جديد في موعد لاحق. لكن تصريحات الحكومة منذ ذلك الحين توحي بأنها لم تتقبل حتى الآن الانتقادات والمخاوف المتعلقة بنظام التحقيق, والتي أدت إلى مقاطعته.
قال بنجامين وارد: "المعاملة المروعة التي تعرض لها الساعدي تفسر مدى أهمية التحقيق المستقل في التواطؤ البريطاني مع التسليم القسري والتعذيب. لكن على الحكومة الاعتراف بأن أي تحقيق يكرر أخطاء تحقيق غبسون لن يتوصل إلى الحقيقة".
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه يجب على الحكومة أيضاً أن تتبرأ علناً من ممارسة التسليم القسري.
تنطوي قضية الساعدي أيضاً على عواقب بالنسبة إلى خطط الحكومة البريطانية الخاصة بالتوسع في استخدام الجلسات السرية في المحاكم المدنية، فمن المبررات المحورية لمشروع قانون العدل والأمن الذي يتداوله البرلمان، أن الحكومة تضطر لتسديد مطالبات باهظة تتعلق بقضايا تمس الأمن القومي، لأنها لا يمكن لها الطعن عليها دون الكشف عن معلومات سرية في محكمة علنية.
إلا أن هذا التصريح يتجاهل حقيقة أن الحكومة تملك بالفعل ، وقبل أن تقرر تسوية المطالبات، خيار توجيه طلب إلى المحكمة بتلخيص المعلومات السرية، أو شطب المطالبات التي ترى استحالة البت فيها بنزاهة دون إفشاء معلومات سرية من شأنها تهديد الأمن القومي.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن الحكومة لم تسع إلى شطب الإجراءات في هذه القضية، ما يعزز المخاوف من أن دافعها الحقيقي وراء التوسع في استخدام الجلسات السرية ليس عجزها عن الدفاع عن نفسها في المحكمة، وإنما رغبتها في منع أدلة على الانتهاكات البريطانية من الخروج إلى النور.