Skip to main content

تجلى على خلفية أحداث الأسبوع الماضي، والتي قامت فيها قوات الأمن باغلاق مطار صنعاء سعيا إلى وقف قرار الرئيس عبد ربه منصور هادي بإقالة قادة عسكريين، أين يكمن مأزق اليمن بالتحديد.    

بعد ثلاثة عقود من حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، تتوق عناصر من الحكومة المدنية الانتقالية للتقدم إلى الأمام، بخطط طموحة تهدف إلى إصلاح البنية التحتية القانونية والأمنية للبلاد. لكنهم يفتقرون إلى القدرات اللازمة لكبح جماح قوات الأمن، المتورطة في العديد من أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان خلال انتفاضة العام الماضي، والتي لا تزال مستمرة، فيما يسعون لفرض سيطرتهم عليها.

تتطلب عملية استعادة القانون والنظام، إعادة هيكلة كبرى لتلك القوات الأمنية، وجرعة قوية من المساءلة عن قتل المئات من المتظاهرين السلميين، وعن الهجمات العشوائية على المناطق المدنية.

أما عن السجل التدميري لقوات الأمن اليمنية، فهو موثق بشكل جيد. وقفت قوات الأمن المركزي، التي يرأسها ابن شقيق الرئيس صالح، يحيى صالح، موقف المتفرج، عندما قام بلطجية مسلحون وموالون للحكومة بالاعتداء على المتظاهرين وقتل 45 محتجاً في  18 مارس/آذار 2011. وحين قامت قوات الحرس الجمهوري في العام الماضي، بقيادة نجل الرئيس السابق، أحمد علي صالح، بقصف عشوائي للأحياء السكنية بمدينة تعز، مما أسفر عن مقتل العشرات من المدنيين. ليس هناك خلاف يذكر على أن هذه القوات الأمنية شاركت في هجمات عديدة مماثلة أو فشلت في منعها. بل وعندما قمت بزيارة اليمن في أواخر شهر مارس/آذار، لم يستطع النائب العام للبلاد تأكيد القيام باستجواب ضابط واحد يحمل رتبة رفيعة في أي من هذه القوات، ناهيك عن المحاكمة.

من واقع فكرة "التقدم للأمام"، نجحت دول مجلس التعاون الخليجيوالولايات المتحدة الأمريكية في عقد اتفاق يمنح صالح عفوا شاملا؛ ويمنح جميع معاونيه حصانة من الملاحقة القضائية بتهمة ارتكاب "جرائم سياسية"، في مقابل موافقة صالح على أن يترك منصبه – وهي الحصانة التي أقرها البرلمان اليمني في قانون هذا العام. تضمن اتفاق دول مجلس التعاون الخليجي، إدراج مشروع قانون العدالة الانتقالية، الذي من شأنه أن ينشئ لجنة لتقصي الحقائق، على أمل أن يتمكن اليمنيون على الأقل، من تكوين سجل للانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها القيادات السياسية والعسكرية، وإنصاف تعويض أولئك الذين عانوا على أيديهم. ولكن مسودة المشروع الحالية لا تعطي اللجنة سلطة الاستدعاء للمحكمة؛ لذلك، حتى هذا الاجراء التصحيحي الصغير سيكون محدودا.

تظل صنعاء، عاصمة اليمن، مدينة مقسمة، فأحياءها واقعة تحت سيطرة أمراء حرب مختلفين، وليس تحت سيطرة الرئيس هادي. وترفض قوات الحرس الجمهوري إزالة قواتها ونقاط التفتيش بالكامل، لأن قادتها يقولون إن الفرقة المدرعة الأولى المنشقة والمليشيات الموالية لعائلة الأحمر القوية لن تنسحب.

بينما أعلن هادي ووزير الداخلية، قادر قحطان، خططهم بوضوح من أجل جعل الأجهزة الأمنية تحت سيطرة المدنيين، وعزل المسؤولين المتورطين في الانتهاكات، فمن الواضح أيضاً أنهم عاجزون في الوقت الراهن عن القيام بذلك. وكان ظهور يحيى صالح في لقائي مع قحطان مفاجأة، حيث منع بفعالية، أى مناقشة تخص علاقة وزير الداخلية بالأمن المركزي.   

وعلى الرغم من هذه الأزمة، فقد تعهدت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية باستئناف توفير مساعدتها بمجال مكافحة الإرهاب، وذلك لمحاربة فرع تنظيم القاعدة المزدهر باليمن، وهى مساعدات، على الأرجح، سيتم تقديمها لبعض هذه الوحدات العسكرية نفسها، لتصل إلى 75 مليون دولار في هذا العام. إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية جادة في دعم التحول الديموقراطي وسيادة القانون في اليمن؛ فإنها تحتاج للوفاء بوعد مسؤول  مكافحة الإرهاب الأول، سيزار جون برنان، بأنه لن يتم تقديم مساعدات لأى وحدة متورطة في "محاولات خداع سياسي" مثل إغلاق المطار.  ينبغي على الولايات المتحدة الأمريكية أن تبدأ بفحص دقيق على غرار قانون ليهي، لكل الوحدات العسكرية التي يجرى النظر في حصولها على تمويل. ويجب أن تساعد أيضا في ضمان أن تلك الوحدات مسؤولة أمام الحكومة المدنية اليمنية، وأن الحكومة تجري تحقيقات جدية بخصوص انتهاكاتها.

وعلى المجتمع الدولي أن يقدم أيضا الدعم التقني والمالي لوزارة الشؤون القانونية، والتي حددت لنفسها مهمة طموحة لإعادة صياغة القوانين الرئيسية في البلاد، حتى تمتثل للمعايير الدولية لحقوق الإنسان؛ بما في ذلك القوانين المتعلقة بالمنظمات غير الحكومية، وحقوق العمال، والأحزاب السياسية، ووسائل الإعلام.

الوزير أحمد المخلافي، الناشط الحقوقي السابق، يعترف بأن هذه فرصة لوضع الأساس القانوني الذي سيحمي حقوق الأجيال القادمة. وخلافا لمكاتب الأمن الوطني والحرس الجمهوري الفخمة والفسيحة، فإن مقر المخلافي يقع في بناية صغيرة ومتداعية. ويعمل مع فريق عمل أساسي، أحيانا في ظل انقطاع التيار الكهربي – كما اكتشفنا من خلال اجتماعنا في وسط الظلام. كما يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تدعم أيضا وزيرة حقوق الإنسان الجديدة، حورية مشهور، والتي تحدثت بشجاعة عن انتهاكات قوات الأمن، ولكنها تشكو غياب المهارة والتدريب والتمويل لموظفيها وأجورهم المنخفضة.

كان دور الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي ودول الخليج، رئيسي في إقناع الرئيس صالح بترك منصبه. الاَن، ينبغي عليهم أن يبذلوا جهودا متضافرة وموحدة لمساعدة الحكومة اليمنية الجديدة في بناء مؤسسات أمنية تحترم حقوق الإنسان وتؤسس لسيادة القانون. بدون هذه العناصر، من المرجح لتنظيم القاعدة أن يزدهر والفصائل الأمنية المعادية لن تقبل بحكم مدني. الدول المانحة بحاجة إلى التأكد من أن مساعداتها تدفع باليمن إلى الأمام، وليست مكافأة للعناصر التي تعرقلها عن التقدم.

*سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش.*

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة