Skip to main content

ليبيا: تأخر جهود بناء نظام العدالة

الأمن يحتاج إلى محاكم قادرة على العمل وإصلاحات قانونية

(القاهرة) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم أثناء إصدار تقريرها العالمي لسنة 2012 إن الحكومة الانتقالية الليبية والأطراف الدولية التي تدعمها عليهم منح الأولوية على وجه السرعة لإنشاء نظام قضائي قادر على العمل، مع البدء في إصلاح القوانين بما يحمي حقوق الإنسان بعد رحيل معمر القذافي.

قالت هيومن رايتس ووتش إن جهود تأمين الأسلحة وتفكيك الميليشيات وغصلاح القطاع الأمني هي جهود هامة للغاية، لكن من المهم أيضاً بدء تشغيل المحاكم بشكل فعال حتى تتمكن من نظر القضايا المعروضة عليها، أثناء وبعد النزاع. يشمل ذلك التحقيق في انتهاكات القوات المعارضة للقذافي لحقوق الإنسان، وبدء الملاحقة القضائية أو الإفراج عن نحو 8000 محتجز يتم احتجازهم حالياً دون مراجعة قضائية.

وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "لابد ألا تكون حقوق الإنسان في الخلفية والأمن في الصدارة فترة ما بعد القذافي. سوف تساعد المحاكم المستقلة وسيادة القانون على ضمان الاستقرار في ليبيا التي تخرج من أربعين عاماً من الدكتاتورية وثمانية شهور من الحرب".

التقرير العالمي لسنة 2012 الذي جاء في 676 صفحة تقيم فيه هيومن رايتس ووتش التقدم الذي تم إحرازه على مسار حقوق الإنسان خلال العام الماضي في أكثر من 90 دولة، بما في ذلك الثورات الشعبية في العالم العربي، التي لم يتوقعها الكثيرون. نظراً لمقاومة قوات الأمن بعنف لـ "الربيع العربي"، فعلى المجتمع الدولي دور هام يلعبه كي يساعد على ميلاد نظم ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان في المنطقة، على حد قول هيومن رايتس ووتش في التقرير.

وفي ليبيا، على الحكومات الأجنبية أن تدعم نظام العدالة بأن تدين الممارسات المسيئة للسلطات الليبية الجديدة، وأن تضغط على الحكومة الانتقالية كي تنفذ الإصلاحات المطلوبة بشدة، على حد قول هيومن رايتس ووتش.

وقالت سارة ليا ويتسن: "على أصدقاء ليبيا مساعدتها على تحقيق ما هو أكثر من استقرار الحالة الأمنية وعقد انتخابات سريعة. عليها أن تساعدها على أن تصبح دولة ديمقراطية تلتزم بالقانون".

المحتجزون الليبيون المُقدر عددهم بثمانية آلاف شخص يتواجدون حالياً في حوالي 60 منشأة احتجاز، وأغلب هذه المنشآت تديرها ميليشيات ليبية لا تخضع لسلطة الدولة. على الحكومة أن تضاعف جهودها من أجل إخضاع هؤلاء المحتجزين لمسؤوليتها، وأن تمنحهم المراجعة القضائية الفورية، على حد قول هيومن رايتس ووتش. لابد من الإفراج فوراً عن المحتجزين الذين تأمر المحاكم بالإفراج عنهم.

وقالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي على ليبيا أن تصلح سريعاً قانون العقوبات وقوانين الإعلام وقانون الجمعيات، وهي قوانين تقيد حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات وحرية التجمع.

وقالت سارة ليا ويتسن: "أفضل سبيل لحماية الليبيين من الاستبداد في المستقبل هو الخروج بقوانين جديدة تحمي حقوق الإنسان ودعم استقلال القضاة، بما يحفظ الحقوق". وأضافت: "أمام ليبيا فرصة تاريخية لجعل قوانينها متسقة مع المعايير الدولية".

تعتزم الحكومة الانتقالية عقد انتخابات للمجلس الدستوري في يونيو/حزيران القادم. هذا المجلس سيقوم بتشكيل حكومة انتقالية جديدة وسيقوم بإعداد دستور وقانون الانتخابات قبل بدء الانتخابات العامة.

تحتاج الانتخابات الحرة والنزيهة في ليبيا إلى قوانين تحمي حقوق الليبيين في انتقاد قادتهم وتحمي حقهم في الاجتماع وتكوين الجمعيات كما شاءوا، دون خوف من الملاحقة القضائية، على حد قول هيومن رايتس ووتش. ضمان استقلال المجتمع المدني والمشاركة النشطة للمرأة بنود اساسية على مسار الانتقال للنظام الديمقراطي.

وقالت سارة ليا ويتسن: "لعبت المرأة دوراً هاماً في الثورة الليبية، ولابد أن يكون لها دور محوري في تحديد مستقبل ليبيا". وأضافت: "هذا يعني شغل مناصب هامة ومناصب في السلطة".

ومن أجل حماية حقوق المرأة، على الحكومة الانتقالية سحب جميع التحفظات الباقية على الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وإصلاح قوانين الأحوال الشخصية التي تميز ضد النساء، بما في ذلك قوانين المواريث والزواج والطلاق وحضانة الأطفال، على حد قول هيومن رايتس ووتش. كما ينبغي على الحكومة تبني قوانين تحمي النساء والفتيات من العنف ضد المرأة، وتضمن حق النساء والفتيات في اللجوء إلى القضاء، في حال التعرض للعنف، بما في ذلك العنف الجنسي. وقالت هيومن رايتس ووتش إن العنف ضد المرأة من انتهاكات حقوق الإنسان، وهو عائق يحول دون مشاركة المرأة بالكامل في الحياة العامة.

التقرير الصادر اليوم يغطي أهم عام في تاريخ ليبيا الحديث، الذي شهد ثورة شعبية وحملة قمع حكومية أدت إلى اللجوء للثورة المسلحة، وتدخلات أجنبية، وموت القذافي.

قالت هيومن رايتس ووتش إن انتهاكات حقوق الإنسان على مدار العام كانت كثيرة، وسوف تستغرق ليبيا سنوات طويلة، إن لم تكن أجيال، حتى تتعافى مما حدث.

عندما بدأت المظاهرات المعارضة للحكومة في فبراير/شباط، ردت حكومة القذافي باستخدام القوة المفرطة، وفي بعض الأحيان فتحت النار على المتظاهرين السلميين. اعتقلت قوات الأمن آلاف الأشخاص ولم توفر معلومات مطلقاً عن أماكنهم أو هي كشفت عن الاتهامات المنسوبة إليهم، وكان التعذيب شائعاً.

الآن هناك المئات – من المؤيدين للقذافي والمعارضين له – ما زالوا مفقودين أثناء النزاع. هناك 20 ألف شخص على الأقل ما زالوا مفقودين منذ عام 1969، بحسب لجنة الأشخاص المفقودين الليبية.

أثناء النزاع تكرر إطلاق القوات الحكومية للهجمات العشوائية في مناطق يعيش فيها مدنيون، منها صواريخ غراد، لا سيما في مدينة مصراتة الساحلية وفي جبل نفوسة. عانت مصراتة من حصار دام شهرين شهد هجمات شبه يومية أسفرت عن مقتل الكثير من المدنيين، مع منع المساعدات الإنسانية عنها مؤقتاً.

زرعت القوات الحكومية الآلاف وربما عشرات الآلاف من الألغام المضادة للأفراد والمضادة للمركبات، في مناطق مدنية في شتى أنحاء ليبيا، وأطلقت الذخائر العنقودية في مصراتة. وثقت هيومن رايتس ووتش خمسة أنواع من الألغام في ستة مواقع، ومن المرجح أن تستمر في تعريض المدنيين للخطر لسنوات قادمة.

وثقت هيومن رايتس ووتش 15 حالة من الاغتصاب الجماعي والتحرش الجنسي برجال ونساء من قبل قوات القذافي أثناء النزاع، بمن فيهم المحتجزين. ما زال معدل العنف الجنسي أثناء النزاع غير معروف، والسبب جزئياً يعود إلى الوصم بالعار المحيط بالاغتصاب في ليبيا والأخطار الكثيرة التي قد تواجه من يكشف عن التعرض لهذه الجرائم.

أثناء النزاع، لا سيما قبل سقوط طرابلس في أغسطس/آب مباشرة، قامت قوات القذافي بإعدام السجناء المحبوسين طرف هذه القوات. وفي مخزن بطرابلس على سبيل المثال، قام عناصر من كتيبة خميس، ويديرها خميس نجل القذافي، قاموا على ما يبدو بإعدام وإحراق 45 محتجزأً على الأقل. في وبلدة الخمس، في يونيو/حزيران، اختنق 18 محتجزاً في حاويات شحن حيث كانوا محتجزين.

كما ارتكبت القوات المعارضة للقذافي انتهاكات لحقوق الإنسان وانتهاكات للقانون الدولي الإنساني أثناء النزاع، وإن كانت قد تعهدت بعدم استخدام الألغام. في أكتوبر/تشرين الأول يبدو أن ميليشيات من مصراتة أعدمت 53 شخصاً من مؤيدي القذافي في سرت.

يظهر من الأدلة أن قوات المتمردين أعدمت أيضاً معمر القذافي ونجله معتصم القذافي بعد أسرهما في سرت يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول. شكلت الحكومة الانتقالية لجنة للبحث في ملابسات وفاة الاثنين، لكن لم يتم الإعلان عن أعضاء اللجنة وشروط عملها والمواعيد النهائية لإصدار اللجنة لتقاريرها.

هددت قوات معارضة للقذافي من مصراتة وهاجمت واعتقلت أفراد من بلدة تاورغاء القريبة من مصراتة، وشمل ذلك بعض أعمال القتل ووفيات رهن الاحتجاز. سكان تاورغاء البالغ عددهم نحو 30 ألف نسمة فروا جميعاً ومُنعوا من العودة. يتهم الكثير من الناس سكان تاورغاء بارتكاب أعمال وحشية في مصراتة بالتعاون مع قوات القذافي.

وقالت سارة ليا ويتسن: "التحقيق في جرائم المقاتلين المعارضين للقذافي ومعاقبة المسؤولين عنها أمر هام للغاية حتى لا يشعر أحد أنه فوق القانون". وتابعت: "تطهير مصراتة يستحق اهتمام خاص حتى يتضح أنه بغض النظر عن الجرائم الفردية، فليس مسموحاً بأي أعمال عقاب جماعي".

وعلى مدار العام، كان العمال المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء والليبيين داكني البشرة عرضة للانتهاكات من قبل القوات المعارضة للقذافي، وعانوا من الاعتقالات والهجمات وبعض عمليات القتل التي أضطرت الآلاف منهم على الفرار براً وبحراً. اتهم ليبيون كثيرون المهاجرين دون أدلة بأنهم قاتلوا كمرتزقة في صفوف القذافي.

ومنذ سقوط القذافي جاهدت السلطات الانتقالية من أجل إخضاع مئات الجماعات المسلحة لسيادة الدولة. وقالت هيومن رايتس ووتش إن من الأهداف الهامة بناء شرطة وطنية وجيش وطني.

وثقت هيومن رايتس ووتش أحداث تعذيب في بعض مراكز الاحتجاز، ووفيات رهن الاحتجاز، رغم أن الأحوال قد تحسنت في بعض مراكز الاحتجاز الأخرى. تم الإفراج عن مئات السجناء لكن ما زال الآلاف رهن الاحتجاز دون مراجعة قضائية أو إتاحة الحق في مقابلة محامين.

ورغم أن السلطات تدير بنغازي منذ مارس/آذار 2011، وغربي ليبيا منذ أواخر أغسطس/آب، فإن نظام القضاء الليبي لا يعمل على النحو الواجب. حتى ديسمبر/كانون الأول كان عدد قليل من القضاة يعملون، ومثل عدد محدود من المحتجزين على ذمة قضايا جنائية أمام قضاة.

المحتجز الأبرز بين هؤلاء هو سيف الإسلام القذافي، الذي يتم احتجازه دون إتاحة مقابلته لمحامي في بلدة الزنتان. وهو تحت التحقيق على انتهاكات زمن الحرب المرتكبة في ليبيا واتهامات الفساد فترة ما قبل الحرب، وهو مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية على ذمة جرائم ضد الإنسانية.

قالت ليبيا إنها ستحاكم سيف الإسلام القذافي داخلياً. ولتفعل هذا بشأن الجرائم التي صدرت فيها مذكرة المحكمة الجنائية الدولية، فعلى ليبيا أن تطعن في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وتُظهر أن ليبيا قادرة على منح القذافي محاكمة عادلة ومستعدة لذلك. بعدها يفصل قضاة المحكمة الدولية في أمر ما إذا كانت إجراءات التقاضي الليبية تنفي ضرورة نظر المحكمة الدولية للقضية.

وفي أبريل/نيسان أصدرت المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب حُكمها المهم الأول، وأمرت فيه القذافي رئيس الحكومة في ذلك التوقيت بإنهاء الانتهاكات للحق في الحياة وأمان الأفراد على أنفسهم. لم تغلق السلطات الانتقالية في طرابلس هذه القضية بعد.

كما وثقت هيومن رايتس ووتش وفيات المدنيين التي تسبب فيها حلف الناتو أثناء حملته الجوية. الوفيات أقل بكثير من الوفيات التي تسببت فيها حكومة القذافي، ومن التقديرات التي خرجت بها بعض الحكومات، لكن هيومن رايتس ووتش تبينت أن الخسائر البشرية التي تسبب فيها الناتو أكبر مما أقر بها وأقل من مزاعم تلك الحكومات.

حققت هيومن رايتس ووتش في أربع مواقع من تلك التي شهدت مقتل 54 شخصاً على ما يبدو. ربما لم يمت هؤلاء المدنيين في هجمات غير قانونية، لكن على الناتو أن يحقق في هذه الحالات وأن يقدم تبريره لتلك الضربات الجوية علناً، على حد قول هيومن رايتس ووتش.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة