(المنامة) - قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إنه ينبغي على السلطات البحرينية أن تُسقط فورا كافة التهم ذات الدوافع السياسية الموجهة إلى منصور الجمري وأن تسمح له بالعودة لرئاسة تحرير صحيفة الوسط، وتوقف حملتها لإسكات الصحافة المستقلة، وأكدت هيومن رايتس ووتش أن إقالة الجمري التي تمت تحت الإكراه وتوجيه الاتهام له جعلت البحرين محرومة من أي وسيلة إعلامية مستقلة يمكن أن تنشر عن حملة القمع العنيف التي أوقعت أكثر من عشرين قتيلا ومئات الجرحى وخلقت حالة من الخوف.
في 11 أبريل/نيسان 2011، أصدرت وكالة أنباء البحرين (بنا) بياناً أكدت فيه أن النائب العام وجه اتهاماً للجمري واثنين من المحررين بـ "نشر أخبار ملفقة وكتابة قصصاً خبرية... التي قد تضر بالسلامة العامة والمصالح الوطنية". وكانت هيئة شؤون الإعلام البحرينية قد أعلنت في 2 أبريل/نيسان 2011 تعليق إصدار صحيفة "الوسط"، إثر بث برنامج على شاشات التلفزة البحرينية التي تهيمن عليها الدولة، يتهم الصحيفة بنشر "أخبار [وصور] كاذبة وملفقة"، في طبعاتها يومي 26 و29 مارس/آذار، وأنه لن يُسمح لعددها بالصدور في 3 أبريل/نيسان. ثم سمحت الهيئة باستئناف صدور صحيفة الوسط يوم 4 أبريل/نيسان، لكن فقط بعد تنحية الجمري، مؤسس الجريدة ورئيس تحريرها، مع مدير التحرير ومحرر الأخبار المحلية.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "المعلومات الخاطئة ليست مبرراً على الإطلاق لإغلاق الصحيفة ومحاكمة رئيس تحريرها، لقد أظهر حكام البحرين أنهم لا يستحون، بعد أن كتموا صوت الوسيلة الإعلامية الوحيدة المنتشرة على نطاق واسع في البلاد والمصدر الوحيد للأخبار المستقلة".
وراقبت هيومن رايتس ووتش محتوى صحيفة الوسط منذ رحيل المحررين، وتبين أن الصحيفة توقفت إلى حد كبير عن نشر الأخبار والتحليلات المختلفة عن تلك الموجودة في وسائل الإعلام البحرينية، والخاضعة للسيطرة إلى حد بعيد من قبل أنصار الدولة والحكومة، وقلت إلى حد كبير تغطيتها لموضوعات الاعتقالات التعسفية، وحالات الوفاة في مراكز الاحتجاز، وغيرها من المعلومات الحساسة.
وقال الجمري وزملاؤه لـ هيومن رايتس ووتش إنهم فحصوا الصور والأخبار المزعوم أنها مزيفة، وتم إرسالها من ستة عناوين بريد إلكترونية مختلفة، لكنها من موفر خدمة إنترنت واحد، مقره بلد مجاور. تعاملت كافة الأخبار والصور الكاذبة مع عدد من الحوادث المزعومة، مثل الغارات على المنازل من قبل شرطة مكافحة الشغب التي كانت متكررة وروتينية منذ 15 مارس/آذار، ويبدو أن رسائل البريد الإلكتروني أرسلت أيضاً للصحف البحرينية الأخرى، ما يجعلها أكثر واقعية، لكن مع بعض الأخطاء البسيطة في عناوين البريد الإلكتروني، ما يجعل صحيفة الوسط هي المتلقي الوحيد للرسائل.
أعلنت السلطات في 3 أبريل/نيسان أنها ستشرع في اتخاذ إجراءات قانونية بحق صحيفة الوسط "عقب حصولها على أدلة دامغة على انتهاكها لقانون الصحافة والتي تشتمل على التزوير والتزييف". في 11 أبريل/نيسان استدعت السلطات الجمري ومدير التحرير وليد نويهض، ورئيس قسم الأخبار المحلية عقيل ميرزا لمكتب النائب العام، حيث تم استجوابهم لأكثر من ساعتين، وأعقب هذا مباشرة إعلان توجيه الاتهام للثلاثة.
في 4 أبريل/نيسان استدعت هيئة شؤون الإعلام البحرينية بشكل منفصل صحفيين عراقيين عملوا بصحيفة الوسط منذ عام 2005 وهما علي الشريفي ورحيم الكعبي. وقال الموظفان بصحيفة الوسط لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات ضغطت عليهما بشدة كي يزعما أن الجمري تعمد نشر الأخبار والصور الملفقة، وعندما أصرّا على خلاف ذلك؛ قررت السلطات البحرينية ترحيلهما مع أسرتيهما.
إثر بث برنامج في تليفزيون البحرين هاجم صحيفة الوسط، ظهر تقرير مكون من 30 صفحة فصلت فيه هيئة شؤون الإعلام التجاوزات المزعومة للصحيفة، وأفادت وكالة أنباء البحرين أن الوسط "نشر أخباراً قديمة نشرت في صحف ومواقع ومدونات محلية عربية". زعمت السلطات أيضاً أن الوسط قدمت الحوادث التي وقعت في بلدان أخرى مدعية بأنها حدثت في البحرين؛ ما تسبب في "اعتماد منظمات حقوق الإنسان ودول أخرى على معلومات لا أساس لها عندما كانت تعلق على الوضع في البحرين".
وفقاً لتقرير وكالة الأنباء تبين أن الأدلة المقدمة "لا تترك مجالا للشك في أن ]الوسط[ لديها نوايا خبيثة"، وأنها تسعى لتحريض قرائها منتهكة بذلك المادة 168 من قانون العقوبات البحريني، والمرسوم الملكي رقم 47 بشأن الصحافة. وتفرض المادة 168 السجن "لمدة لا تزيد عن عامين" أو الغرامة، إذا ما تم العثور على شخص "بث عمداً أي تقارير أو أخبار كاذبة خبيثة" التي تسبب "تعكير الأمن العام، أو ترويع الناس، أو التسبب بضرر للمصلحة العامة".
وقال جو ستورك: "في الظروف العادية، حتى في البحرين، يمكن للسلطات أن تستفسر عن مصدر الخبر، وإذا لم تتمكن من التحقق من الصحيفة يمكنها نشر تصحيح أو اعتذار. إن إجبار منصور الجمري على الاستقالة من الصحيفة التي أسسها يهدف بوضوح إلى إسكات جميع أصوات الانتقاد، وليس تصحيح معلومات خاطئة".
بعد البرنامج الذي بثه التليفزيون البحريني، اعترف الجمري علناً بأن التقارير التي تم تحديدها من قبل السطات كانت كاذبة ومضللة، ولكنه رفض الاتهامات بأنه وموظفوه تعمدوا نشر المعلومات الكاذبة. وقال لـ هيومن رايتس ووتش إنه في 3 أبريل/نيسان فتحت صحيفة الوسط تحقيقاً داخلياً حول مصدر تلك المعلومات الكاذبة، واكتشفت أن جميعها جاءت من من إنترنت واحد، مقره بلد مجاور.
قال الجمري أيضاً لـ هيومن رايتس ووتش إنه تم نشر المعلومات الملفقة في الوقت الذي كان تعمل فيه الصحيفة مع عدد موظفين أقل في أعقاب الهجمات التي استهدفت موظفيها ومكاتبها، وأنه لم يتم فحص المواد بشكل صحيح للتحقق من صحتها. وهاجم مجهولون مطبعة صحيفة الوسط حوالي الساعة الواحدة صباحاً يوم 15 مارس/آذار للحد من قدرتها على الطباعة، وقال أيضاً إن الوضع الأمني غير المستقر أثر سلباً على العمل بمقر الصحيفة؛ ما اضطر الموظفون إلى إلغاء العمل بمقر الصحيفة تحضيراً لعدد اليوم التالي، ولجأوا للعمل من منازلهم.
وقال الجمري لـ هيومن رايتس ووتش: "في ظل الظروف العادية، يكون في الوسط 30 موظفاً بين محرر، وصحفي، ومصور، ومخرجين صحفيين، ومراجعين، وغيرهم من الموظفين الداعمين المتاحين لفحص وتمرير الأخبار الواردة، وفي ظل حالة الطوارئ، اضطر الموظفون للبقاء بعيدا عن مقر الصحيفة، وإدارة عملية العمل من منازلهم".
وأضاف الجمري لـ هيومن رايتس ووتش أنه منذ إعلان الأحكام العرفية في 15 مارس/آذار كانت الوسط على اتصال وثيق مع السلطات، بما في ذلك وزارة الداخلية، فيما يتعلق بالمحتوى الذي تعتزم الصحيفة نشره.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن جهود البحرين لإسكات تقارير الوسط النقدية يعد انتهاكا من البلاد للالتزامات الدولية لحقوق الإنسان. المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وصدقت عليه البحرين في 2006، تنص على "الحق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها". وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية "لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم" أو "لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة".
وقال جو ستورك: "إن الاجراءات المتبعة لترويض صحيفة الوسط هي جزء من حملة واسعة النطاق ضد أي شكل من أشكال المعارضة في البحرين. فمنذ منتصف مارس/آذار استهدفت الحكومة وحاولت بشكل منهجي إسكات المنتقدين في كل شبر داخل البلاد، والآن تمكنوا من القضاء على وسيلة الإعلام البحرينية الوحيدة المستقلة".