Skip to main content

خرافة تونس الوسطية

تحت غطاء القيود الحداثية لنظام الرئيس بن علي لا يوجد إلا نظام دكتاتوري آخر

نُشر في: فورن بوليسي

عندما يصل وزير الخارجية التونسي كمال مرجان إلى واشنطن في 26 أبريل/نيسان، سوف يعرض نفسه بصفته ممثلاً عن دولة عربية "وسطية" صديقة للغرب. لكن بصفتي ممثلة عن هيومن رايتس ووتش، فقد شاهدت مؤخراً الجانب الآخر من هذا النظام المفترض به أنه "حداثي".

أصدرت هيومن رايتس ووتش تقريراً الشهر الماضي يعرض تفصيلاً معاملة الحكومة التونسية للسجناء السياسيين، وكانت مجموعة منّا قد قررت عقد مؤتمر صحفي في تونس العاصمة للإعلان عن التقرير، أملاً في فتح الحوار الذي قد يؤدي للتغيير. كان هذا منهجاً حاولناه في عام 2004، أثناء إصدارنا لتقرير عن وضع السجناء السياسيين، وفي عام 2005، عندما أصدرنا دراسة عن حريات الإنترنت في المنطقة العربية. مرت المناسبتان دون حوادث. لكن هذه المرة، وجدنا طريقنا موصد عند كل منعطف ممكن: جميع الفنادق التي اتصلنا بها قالت إن ليس لديها أماكن شاغرة لاستضافتنا، والحجرة التي استأجرناها في نهاية المطاف غرقت في المياه على نحو مريب فيما كنا بالخارج نتناول العشاء. وحذرت الحكومة الصحفيين من حضور مؤتمرنا الصحفي، ومنعت من حاولوا الحضور. وكان عملاء أمن الدولة يتبعوننا أينما ذهبنا.

تحت حكم الرئيس زين العابدين بن علي، المتولي منصب الرئيس منذ عام 1987 والمُعاد انتخابه عام 2009 لفترة خامسة، فإن حتى أصغر أشكال المعارضة تُعامل على أنها تهديد جسيم. الصحفيون المستقلون ومنظمات حقوق الإنسان والنقابات - وأي أحد يثير المخاوف إزاء أعمال الحكومة - يجد أنه خاضع للمراقبة، ومن يجاهر بالكلام يُعاقب.

وتحاول تونس عادة تغطية أجراءاتها القمعية وراء غلالة من المشروعية، أملاً في إقناع الغرب بتوفر حرية نسبية. على سبيل المثال تقول الحكومة التونسية بأنه لا يوجد سجناء سياسيين في تونس.  بالطبع ربما كان هذا حقيقي إذا تبنينا التفسير الضيق للحكومة لما تراه جريمة سياسية. فمع اتباع هذا المنطق، نجد أن قلة - إن كان هناك اي أحد من الأساس - هم من تمت ملاحقتهم قضائياً بموجب القوانين التي تجرم النشاط السياسي أو التعبير عن الرأي أثناء فترات بن علي الرئاسية المتعاقبة، من ثم لا يوجد سجناء سياسيون. وتفضل الحكومة مقاضاة منتقديها باستخدام اتهامات مزيفة تدخل في نطاق الجرائم العادية.

توفيق بن بريك، الصحفي المعارض الذي كان هدفاً مفضلاً للنظام، هو حالة توضح المذكور. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2009 تم اتهام بن بريك بـ "انتهاك الآداب العامة" و"التشهير" و"الاعتداء" و"الإضرار بممتلكات الغير" حسب الزعم جراء اعتداءه على امرأة. ويزعم بن بريك أن الضحية هي في واقع الأمر عميلة بأمن الدولة وأنها اعتدت عليه وهو في طريقه لاصطحاب ابنته من المدرسة. وحبكت الحكومة السيناريو بمهارة شديدة، لدرجة أنه لم يتوقف عند حبس بن بريك، بل أيضاً أدى للتشكيك في مواقفه الأخلاقية.

وأنا عن نفسي شاهدت نفس أجواء الترهيب في مارس/آذار، في زيارتنا لتونس للبحث في جهود التنظيم النقابي في مختلف أنحاء البلاد. أثناء زيارتي، وجدت أن النقابيين المستقلين يعانون من نفس مصير الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان المحليين. فكما هو الحال فيما يتعلق بقمع المعارضين السياسيين، فإن أنشطة الحكومة ضد العمل النقابي نادراً ما تكون صريحة: بموجب قانون تكوين الجمعيات الليبرالي التونسي، فمن يرغب في إنشاء نقابة أو منظمة غير حكومية مطلوب منه ببساطة إخطار الحكومة بأنه يعتزم ذلك. وإذا لم تعترض وزارة الداخلية خلال 90 يوماً، تعتبر المنظمة أو النقابة الجديدة قانونية. كيف إذن - ورغم وجود مجتمع حقوقي مزدهر - لا توجد إلا منظمتين اثنين لحقوق الإنسان تتمتعان بالوضع القانوني، ونقابتين اثنتين، في جميع أنحاء تونس؟

السبب هو: من أجل نزع المشروعية من أية نقابة جديدة، ليس على الحكومة إلا أن تزعم أنها لم تتلق مطلقاً إشعار المنظمة. لهذا السبب، فهي لا توفر للمتقدمين بالإشعارات مطلقاً إيصالات تُستخدم كدليل على التقديم. هذه الثغرة القانونية تسمح للحكومة بالتأكيد على أن جميع الأنشطة الخاصة بالنقابات المُشكلة حديثاً هي أنشطة غير قانونية.

وطبقاً للكثيرين من المشتغلين بالعمل النقابي، فقد وسعت الحكومة من جهودها على مدار السنوات من أجل إبقاء أهم منظمة نقابية على مستوى تونس - وهي الاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة الجامعة لأهم الجهات النقابية في البلاد - على ولاءها للحكومة. فبما أن الحكومة تمنع النقابات المستقلة من الحصول على الوضع القانوني، فهذا يمنح النظام فعلياً احتكار للنشاط النقابي العمالي.

وبالمقابل، فإن الاتحاد العام للشغل يسيطر بقوة على الأعضاء الأكثر استقلالية داخله. ففي عام 2008 تزعم المعلمون المنظمون تحت لواء الاتحاد عملية احتجاج موسعة على الفساد، وشارك فيها آلاف المتظاهرين لمدة زادت على ستة أشهر. ورداً على هذا الفعل، طرد الاتحاد جميع قيادات الحركة. ثم أعيدوا بعد ضغوط محلية ودولية موسعة.

كما أثبتت الحكومة التونسية أنها مستعدة تماماً لتلويث يديها عندما تشعر بتهديد لسلطتها. فالاتحاد الوطني للصحفيين التونسيين، النقابة القانونية الوحيدة خارج مظلة الاتحاد العام التونسي للشغل، إثر بدءه العمل في 2007، استحق سخط الرئيس بن علي عندما أعلن قياداته أنه سيبقى محايداً إزاء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ذلك العام. وانتقمت السلطات بتدبير خطة متقنة لإقصاء رئيس الاتحاد ومجلس إدارته، لاستبدالهم بصحفيين موالين للحكومة.

ولجأت الحكومة لاستخدام الرشاوى والابتزاز بغية إقناع الصحفيين في الاتحاد بتوقيع التماس لفض مجلس الإدارة. وتم تهديد مُلاك الصحف بسحب إعلانات الحكومة مدفوعة الأجر منهم ما لم يمتثل الموظفون لديهم. هذه الإعلانات تأتي بـ 600 في المائة دخلاً أعلى من الإعلانات الخاصة طرف الصحف، وهي طريقة ناجحة للسيطرة على رؤساء التحرير.

الكثير من الصحفيين الذين رفضوا دعم الانقلاب المذكور، تعرضوا للفصل. ومن ثم عقد الاتحاد انتخابات جديدة لقيادته، والتي وكما كان متوقعاً، شابها الفساد - إذ لم يكن نصف الناخبين من أعضاء الاتحاد حتى، دعك من كونهم صحفيين من الأساس. وتزعم الحكومة التونسية أن لا علاقة لها بالمرة بالسياسات الداخلية للاتحاد وأنه بمحض الصدفة لا أكثر جاء مجلس  الإدارة المنتخب الجديد وقوامه صحفيين موالين لحكومة الرئيس بن علي.

ورغم بذل بن علي لأقصى جهوده لإخفاء أساليب الحكومة غير الشريفة في إسكات المعارضة وتحطيمها، فمن الواضح أن الواجهة جيدة الصنع المتمثلة في تونس "الحديثة الديمقراطية الوسطية" بدأت في التمزق. وهذا في الأغلب بفضل نشطاء حقوق الإنسان التونسيين الذين يعانون وبشكل ممنهج من القمع والاضطهاد، والذين رغم ذلك لا يكلّون أو يُحبطون.

عندما يأتي وزير الخارجية إلى واشنطن، على إدارة الرئيس باراك أوباما أن تضغط عليه فيما يخص هذه القضايا وقضايا أخرى، لتوضيح أنه من الواجب أن يتغير سلوك الإدارة التونسية إزاء مواطنيها، سلوكها المتمثل في تجاهل حقوق المواطنين. إن العالم الغربي يدين بالكثير لنشطاء حقوق الإنسان التونسيين المحاصرين، والذين يحتاجون أقصى ما يمكن منحهم إياه من مساعدة.

* باحثة بقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة