(نيويورك- 26 مارس/ آذار، 2010)- قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على الحكومة الليبية استغلال فرصة إنعقاد قمة جامعة الدول في الكشف عن مصير الشخصيات رفيعة المستوى التي اختفت في ليبيا منذ سنوات، ولم يعرف عنها شيء منذ ذلك الحين. وستعقد قمة جامعة الدول العربية في مدينة سرت في ليبيا يوم 27 مارس/ آذار 2010.
وأشارت هيومن رايتس ووتش إلى قضية الإمام موسى الصدر، رجل الدين الشيعي اللبناني البارز، الذي اختفى في ليبيا منذ 32 عاماً.وفي مثل هذا الشهر منذ 20 عاماً تم اعتقال اثنين من أعضاء المعارضة الليبية من قبل عناصر من الأمن المصري في القاهرة وأعادوهما إلى ليبيا، حيث اختفيا هناك,
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "المصالحة هي أحد موضوعات مؤتمر قمة جامعة الدول العربية هذا"، وتابعت: "على ليبيا أن تستغل هذه الفرصة لإخبار عائلات المختفين قسراً التي ما زالت تعاني جراء الجهل بمصير أحبائهم".
وفي أواخر عام 2008، بدأت السلطات الليبية للمرة الأولى بمعالجة مئات حالات الاختفاء التي تتعلق بالمجزرة التي ارتكبت في سجن أبو سليم عام 1996. و حتى الآن لم تكشف الحكومة علناً عما حدث هناك، وبعض أولئك الذين قضوا لم يسمع عنهم طوال السبعة عشر عاماً الماضية. على مدى العام الماضي، أبلغت السلطات ما لا يقل عن 800 عائلة أن أحبائهم لقوا حفتهم في السجن عام 1996، وعرضت التعويض عليهم مقابل التنازل عن أية مطالب قانونية. لكن العديد من حالات الليبيين المختفين الأخرى لا تزال دون حل.
وفي حالة عضوا المعارضة الليبية، جاب الله حامد مطر وعزت المقيريف، اعتقلتهما قوات الأمن المصرية في القاهرة في 13 مارس/آذار 1990. وعلمت أسرهما في وقت لاحق أن قوات الأمن المصرية قد سلمتهما في اليوم التالي إلى مسؤولي الأمن الليبيين، الذين احتجزوهما في سجن أبو سليم.
وفي عام 1993، أحضر صديق لعائلة مطر رسالة مؤرخة بعام 1992 مكتوبة بخط يد جاب الله مطر يقول فيها إنه كان في سجن أبو سليم. رسالة أخرى مؤرخة عام 1995 وصلت للعائلة عام 1996. لم تتلق أسرة مطر أي رد من المسؤولين الليبيين حول مكان جاب الله مطر، رغم الطلبات المتكررة على مر السنين. هشام مطر، الذي ينادى بإطلاق سراح والده، كتب في صحيفة الإندبندنت: "يمكن للمرء أن يجد الراحة فيما يحمله الموت من نهاية، لكن خسارتي لم تمنحني أي راحة. والدي ليس سجيناً، لكنه ليس حراً؛ ليس ميتاً، لكنه ليس حياً أيضاً. خسارتي تتجدد من تلقاء ذاتها، فيها إصرار، وليتها حتى كاملة".
يوسف المقيريف، ابن عزت المقيريف، أخبر هيومن رايتس ووتش بأن ضباط المخابرات المصرية قد حضروا إلى منزل عائلته في القاهرة في 13 مارس/آذار 1990 وأخذوا والده لاستجوابه، وكانت تلك المرة الأخيرة التي رأته فيها العائلة.
تلقت أسرة المقيريف لاحقاً رسائل من عزت مكتوبة في العام 1993، وتسجيل بصوته يقول فيه إن ضباط الأمن المصريين قد سلموه للاستخبارات الليبية في 14 مارس/ آذار 1990. وأخبر سجناء سابقون في سجن أبو سليم عائلة المقيريف أنهم تواصلوا مع عزت المقيريف في السجن، آخر مرة حصل ذلك في أبريل/نيسان 1996. لم ترد السلطات الليبية إطلاقاً على أي من استفسارات العائلة حول مكان المقيريف، ولا تزال الأسرة تدعو لإطلاق سراحه.
وقالت سارة ليا ويتسن: "يعد الاختفاء القسرى جريمة مستمرة تتحمل الحكومة الليبية مسؤوليتها"، وأضافت: "يجب إبلاغ عائلات جاب الله مطر وعزت المقيريف عن مصيرهما وعن مكان وجودهما".
الإمام السيد موسى الصدر، رجل الدين الشيعي اللبناني، وصل إلى ليبيا في 25 أغسطس/ آب 1978، برفقة الشيخ محمد يعقوب والصحفي عباس بدر الدين لعقد اجتماع مع الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي. وآخر مرة شوهدوا فيها كانت يوم 31 أغسطس/آب، عندما انطلق الثلاثة من الفندق في طرابلس لإجراء المقابلة. نفت السلطات الليبية أي دور لها في حادث الاختفاء، قائلة أن الاجتماع مع القذافي لم يجر قط، وأن الثلاثة قد غادروا إلى روما.
أجرت إيطاليا تحقيقاً، وخلص إلى أن أي من الرجال الثلاثة لم يصل إلى روما. وفي العام 2005، رفضت أسرة الصدر عرضاً بالتعويض من ليبيا. وقال محاميهم اللبناني إن العائلة رفضت العرض لأنها تريد أن تثبت حقيقة ما حصل ومحاسبة المسؤولين. اختفاء الصدر ورفيقيه عكر طويلاً العلاقات بين ليبيا ولبنان، ولن يرسل لبنان أي مسؤول رفيع المستوى لحضور القمة، بل اقتصر على سفيره لدى جامعة الدول العربية.
بموجب القانون الدولي، للضحايا وأسرهم الحق بمعرفة الحقيقة بشأن الانتهاكات التي عانوا منها. في 12 مارس/آذار، قال مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، نافي بيلاي، أنه بموجب القانون الدولي "فإن الحق بمعرفة الحقيقة ينطوي على معرفة الحقيقة كاملة وشاملة عن الأحداث التي جرت... وفي حالة الاختفاء القسري والمفقودين، ينطوي الحق أيضاً على معرفة مصير ومكان وجود الضحية".
وبوصفها دولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، يقع على عاتق ليبيا التزام توفير حل سهل المنال، ناجع وقابل للتطبيق – بما في ذلك الإنصاف، والحقيقة، وتعويضات ملائمة- بعد وقوع الانتهاكات.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن المعاناة الشديدة التي يتعرض لها أقارب "المختفين" تجعل من العائلات أنفسهم ضحايا مباشرين لهذه الانتهاكات بدورهم.
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2006، فتحت الأمم المتحدة الباب للتوقيع على إعلان حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري. وتعرّف الاتفاقية الانتهاك الجسيم والخطير لحقوق الإنسان المتمثل بالاختفاء القسري على أنه "عمليات الاعتقال، أو الاحتجاز، أو الاختطاف، أو أي شكل آخر من أشكال الحرمان من الحرية على يد عملاء الدولة أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن، أو دعم، أو موافقة الدولة، يعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص المختفي من حريته أو إخفاء مصيره أو مكان وجوده، الأمر الذي يضع هذا الشخص خارج حماية القانون".
وقالت سارة ليا ويتسن: "إذا كانت ليبيا ترغب في إغلاق هذا الفصل في تاريخها، فإنه ينبغي عليها التوقيع على اتفاقية الاختفاء القسري، وكشف حقيقة ما حدث لهؤلاء الضحايا". وأضافت: "يجب تقديم التعويض ومحاكمة المسؤولين عن اختفائهم".