Skip to main content

رسالة إلى وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي للتصدي لانتهاكات بين اسرائيل وحماس

معالي وزير الخارجية،

بمناسبة مقابلتك للوزراء الزملاء في سياق أعمال مجلس الشؤون العامة والعلاقات الخارجية، تدعوكم هيومن رايتس ووتش إلى تناول قضية الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي التي ارتكبتها كل من إسرائيل وحماس في قطاع غزة وجنوب إسرائيل. وندعوكم وندعو زملاءكم من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى الضغط من أجل إجراء تحقيق دولي شامل ومحايد في مزاعم الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، وإلى الإصرار على مساءلة المسؤولين عن هذه الانتهاكات، التي قد ترقى إلى مستوى جرائم الحرب، بارتكابها بناء على مبدأ مسؤولية القيادة.

والإخفاق في تحميل المسؤولين من طرفي النزاع الإضرار بالمدنيين عن عمد أو تجاهل حمايتهم، الإخفاق في تحميلهم المسؤولية سيترك الضحايا وأسرهم بلا وسيلة للانتصاف أو التعويض. ومما لا مناص منه أن إدراكات الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على حد سواء للإفلات من العقاب سوف تُسدد ضربة موجعة لجهود فرض هدنة مستقرة في غزة والتسوية السياسية للنزاع الأكبر.

ولكل من إسرائيل وحماس سجل ضعيف فيما يخص إجراء التحقيقات النزيهة والمحايدة، وفي تحميل عناصر قواتهم المسؤولية عن جرائم الحرب. وبالمثل فإن التحقيقات الدولية الجارية والمُخطط للبدء فيها تُعد غير كافية للتصدي للانتهاكات الظاهرة التي ارتكبها الطرفان أثناء النزاع. ومجلس تحقيق الأمم المتحدة الحالي يقتصر دوره على النظر في هجمات مُختارة على منشآت الأمم المتحدة، فيما يُركز التحقيق الذي أمر به مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان على الخروقات الإسرائيلية فحسب.

وقد أظهر الاتحاد الأوروبي كيف تبوأ دور القيادة في السعي لمساءلة الجناة في جرائم الحرب وفي محاربة الإفلات من العقاب في شتى أرجاء العالم. وينبغي أن تنطبق هذه السياسة أيضاً على الجرائم التي تم ارتكابها في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.

وإخفاق الاتحاد الأوروبي في الإصرار على مساءلة دول تُرى على أنها حليفة مثل إسرائيل، سوف يُرى في المنطقة كدليل على ازدواجية المعايير فيما يخص الانتهاكات المزعوم وقوعها بحق القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وسوف يقوض من مصداقية الاتحاد الأوروبي فيما يخص العدل الدولي. وإحالة مجلس الأمن النزاع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية وإصدار المحكمة مؤخراً لمذكرة توقيف ضد الرئيس السوداني عمر البشير بناء على اتهامات بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية يوضح الحاجة إلى كون المساءلة والعدل حياديان. وكان الاتحاد الأوروبي هو القوة المحركة الأساسية وراء جهود مجلس الأمن الناجحة في إحالة الوضع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية في مارس/آذار 2005. وينبغي على الاتحاد الأوروبي الآن أن يقود الطريق نحو ضمان فرض آلية لجمع المعلومات بشأن الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي التي تم ارتكابها في نزاع غزة. ونظراً للسجل المؤسف لإسرائيل وحماس فيما يخص آليات مساءلة قوات كل من الطرفين، فثمة حاجة ماسة إلى إجراء تحقيق دولي محايد في مزاعم الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي من قبل إسرائيل وحماس أثناء القتال في الآونة الأخيرة في غزة، من أجل إرساء الحقائق الأساسية وللتوصية بالمزيد من الخطوات لتحميل المُنتهكين المسؤولية ولمنح التعويض للضحايا.

ورغم رفض إسرائيل السماح لـ هيومن رايتس ووتش بالدخول إلى غزة أثناء وبعد انتهاء أعمال القتال، فقد تمكن باحثونا من دخول غزة طيلة عدة أسابيع حين فتحت مصر الحدود في رفح. وأثناء تلك الفترة أجرت هيومن رايتس ووتش تحقيقات ميدانية موسعة في سلوك الطرفين أثناء النزاع. وانتهت الأبحاث إلى أن الجانبين لم يوليا الاهتمام لسلامة المدنيين وتكرر انتهاكهما لقوانين الحرب.

وفيما يلي عرض ملخص لمصادر قلق هيومن رايتس ووتش الاساسية إزاء سلوك القوات الإسرائيلية وقوات حماس أثناء القتال:

مصادر قلق بشأن إسرائيل

الحصار

قبيل وأثناء ومنذ انتهاء العمليات العسكرية الموسعة في قطاع غزة، فرضت إسرائيل قيوداً موسعة على حركة الأشخاص والسلع إلى غزة ومنها. ورغم أن الحصار إجراء أمني في الظاهر، فهذه القيود في واقع الأمر ترقى لأحد أشكال العقاب الجماعي التي تستهدف سكان غزة المدنيين البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة، في انتهاك لاتفاقيات جنيف. وبعيداً عن اقتصار الحصار على التسليح والمواد المستخدمة في الحرب، تستمر إسرائيل في منع المساعدات الإنسانية المطلوبة بشدة، والأغذية وغيرها من الضروريات، وكذلك في منع مواد إعادة الإعمار، وفي خنق اقتصاد القطاع بمنع الصادرات الزراعية وغيرها من الصادرات. وهذه القيود المفرطة في التشديد على مواد الإغاثة تنتهك القانون الإنساني الدولي الذي ينص على إتاحة المساعدات الإنسانية. وحصار إسرائيل الأوسع على السلع والأدوية ينتهك اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بالاحتلال، والتي ما زالت واجبة التطبيق على الوضع في غزة. وما زالت إسرائيل القوة المحتلة في غزة، رغم انسحاب قواتها منها، بما أنها مستمرة في ممارسة سلطتها الفعلية على الحدود الجوية والبحرية والبرية للقطاع وكذلك على كهرباء المنطقة والمياه ونظم الصرف الصحي فيها ونظام السجل المدني. وبموجب اتفاقية جنيف الرابعة، على القوة المحتلة أن تضمن صحة وسلامة السكان المدنيين لأقصى حد ممكن. كما أن على دول الاتحاد الأوروبي الالتزام بالترويج للالتزام باتفاقية جنيف الرابعة، بما أن المادة 1 المشتركة في اتفاقيات جنيف لعام 1949 تنص على أن تحترم كافة الدول مواد الاتفاقيات وتضمن احترامها.

المدفعية الثقيلة شديدة التفجير

وثقت هيومن رايتس وتش إطلاق إسرائيل المتكرر لذخائر مدفعية عيار 155 ملم شديدة التفجير على مناطق كثيفة السكان في غزة، في انتهاك لحظر قوانين الحرب على الهجمات العشوائية دون تمييز. وهذه القذائف ذات آثار مُدمرة جراء الانفجار والشظايا التي تمتد لمسافة 300 متر من نقطة ارتطام القذيفة بالأرض. والأدلة التوجيهية الداخلية للجيش الإسرائيلي تحظر إطلاقها حتى مسافة 350 متراً على مبعدة من أي قوات صديقة. وشاهدت هيومن رايتس ووتش هذه القذائف وهي تُطلق على مناطق حضرية من غزة أثناء أعمال القتال. وبعد دخول باحثينا القطاع في 21 يناير/كانون الثاني، شاهدوا الكثير من هذه القذائف تضرب مناطق كثيفة السكان، ومنها قذائف عيار 155 ملم مصحوبة بشظايا، تم إطلاقها على المجمع الأساسي للأونروا. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2006 كان الجيش الإسرائيلي قد أوقف إطلاقه المدفعية الثقيلة على غزة بعد واقعتين شهيرتين اشتملتا على وقوع إصابات لحقت بأعداد كبيرة من المدنيين الفلسطينيين. ومن المؤسف أنه في يناير/كانون الثاني 2009 استأنف الجيش الإسرائيلي استخدامه غير القانوني لهذا السلاح في المناطق كثيفة السكان.

ذخائر/قذائف الفسفور الأبيض

تكرر إطلاق إسرائيل لذخائر فسفور أبيض في الهواء فوق مناطق كثيفة السكان في قطاع غزة، وهذا حتى الأيام الأخيرة من العملية العسكرية، مما تمخض عن وقوع القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، وإلحاق الأضرار بالأعيان المدنية، ومنها المدارس وأحد الأسواق ومخزن للمساعدات الإنسانية ومستشفى. واستخدام الجيش الإسرائيلي المفرط للفسفور الأبيض فوق عدة مناطق من قطاع غزة، رغم الأدلة الكثيرة على الأثر العشوائي لهذا النوع من الذخائر، لم يكن بالمصادفة أو بشكل عارض، بل تم عمدا. وحتى إذا كان المقصود بالذخائر استخدامها كمادة للتمويه لمنع الكشف عن تحركات القوات وليس كسلاح، فإن إطلاق الجيش الإسرائيلي للقذائف الفسفورية التي تنفجر في الهواء في مدفعية عيار 155 ملم في مناطق كثيفة السكان هو من مؤشرات وقوع جرائم حرب. وقد حققت هيومن رايتس ووتش في مثالين فادحين بشكل خاص: في 15 يناير/كانون الثاني انفجرت ذخائر فسفور أبيض فوق مقر الأونروا في مدينة غزة، مما أدى لتدمير المخازن وإمدادات الطحين، والعربات، وما قيمته أكثر من 2.86 مليون يورو من المعدات الطبية. وفي المثال الثاني، في 17 يناير/كانون الثاني، أطلق الجيش الإسرائيلي الفسفور الأبيض على ارتفاع منخفض فوق مدرسة الأمم المتحدة في بيت لاهيا التي كانت تؤوي نحو 1600 مشرد داخلي، مما أسفر عن مقتل طفلين وإصابة 14 مدنياً آخرين.

إطلاق النار على مدنيين يحملون الأعلام البيضاء

وثقت هيومن رايتس ووتش ست حالات فتح فيها الجنود الإسرائيليون النار من أسلحة خفيفة على مدنيين فلسطينيين، مما أسفر عن مقتل 10 أشخاص - منهم خمس نساء وثلاثة أطفال - وإصابة 8 مدنيين آخرين على الأقل. وفي كل من هذه الحالات، كان الضحايا يقفون أو يسيرون أو يقودون سياراتهم برفقة مدنيين آخرين يحاولون الكشف عن وضعهم كمدنيين بالتلويح بأعلام بيضاء. ولم يكن هؤلاء الأشخاص منخرطون في أي نشاط على علاقة بأعمال القتال في ذلك الحين، من ثم فهم مستحقون للحماية بموجب قوانين الحرب. وعلى الأقل - فيما سبق - أخفقت القوات الإسرائيلية في التمييز على النحو الكافي بين المقاتلين والمدنيين. وعلى الأسوأ، فقد استهدفت المدنيين عمداً.

استهداف الأغراض المدنية

يبدو أن الجيش الإسرائيلي قد استخدم تعريفاً فضفاضاً بلا مبررات كافية للأهداف العسكرية أثناء العملية الأخيرة. فطبقاً لبيانات المسؤولين الإسرائيليين، فقد هاجمت القوات الإسرائيلية جملة من المنشآت المفترض كونها مدنية، من المقار الحكومية إلى مخافر الشرطة، على أساس كونها توفر على الأقل دعماً غير مباشر لجناح حماس العسكري. وفي هذا انتهاك للتمييز الواجب بين المدنيين والمقاتلين، وهو ما يعد ضمن جوهر قوانين الحرب، ولكي يتم استهداف هذه الأعيان فيجب أن يشارك المدنيون بشكل مباشر في أعمال القتال، قبل أن تصبح أهدافاً عسكرية مشروعة. ومنطق الجيش الإسرائيلي هذا يبرر لحماس استهداف أي مبنى حكومي في إسرائيل لكون المسؤولين والموظفين الإسرائيليين يدعمون الجيش الإسرائيلي بشكل غير مباشر. ومن نفس المنطلق، تصبح الأغراض المدنية أهدافاً مشروعة للهجوم فقط إذا تم استخدامها لتخزين الأسلحة أو لنشر المقاتلين أو في خدمة أي غرض عسكري آخر. وقد استخدم مقاتلو حماس بعض المباني المدنية، ومنها المساجد، في أغراض تخزين الأسلحة، لكن إسرائيل لم تعرض أي دليل على أن غالبية الأماكن المدنية التي استهدفتها، ومنها مقر وزارة العدل ومصنع للمثلجات، كانت تخدم غرضاً عسكرياً بأي شكل كان.

التحذيرات غير الكافية

تكرر تبرير الجيش الإسرائيلي لمهاجمته المناطق المدنية بالقول بأنه حذر المدنيين على النحو الواجب قبل شن الهجمات، سواء بإسقاط منشورات، أو بإجراء مكالمات هاتفية أو باختراق الإذاعات ومحطات التلفزة المحلية. ويطالب القانون الإنساني الدولي القوات المسلحة بتوفير "تحذيرات مقدمة فعالة" قبل أي هجوم حين تسمح الظروف بهذا. وقد انتهت هيومن رايتس ووتش إلى أن التحذيرات المقدمة في غزة من قبل الجيش الإسرائيلي لا تفي بمعيار الفعالية. وقد كانت التحذيرات مبهمة: فكثيراً ما كانت موجهة لـ "سكان المنطقة" ولم تعرض ما يكفي من معلومات عن المناطق التي ستتعرض للهجوم أو متى يجب أن يتحرك المدنيون لحماية أنفسهم. ولدى إسقاط المنشورات من الطائرات، كانت تتبعثر على مساحة واسعة، مما أدى لعدم رؤية بعض المدنيين لها. وفي حالات كثيرة، كانت التحذيرات لا توجه المدنيين نحو أين يعثرون على الملاذ الآمن بعد الفرار من بيوتهم. وقالت بعض التحذيرات للمدنيين أن يتوجهوا إلى مراكز البلدات، وفي بعض هذه الحالات كانت مراكز المدن والبلدات هذه - ومنها مركز مدينة غزة - قد تعرضت لهجوم لاحق. فضلاً عن أنه حتى بعد الإدلاء بالتحذيرات، فالقانون الإنساني الدولي يتطلب أن تتخذ القوات المُهاجمة كل الاحتياطات المستطاعة لتفادي إلحاق الخسائر بأرواح وممتلكات المدنيين، ولا يحق للقوات المُهاجمة أن تفترض أن كل من يبقون من أشخاص في المكان محل التحذير مقاتلين. وحسب ما وثقت هيومن رايتس ووتش في مناسبات كثيرة، فإن الجيش الإسرائيلي لم يتخذ كل الاحتياطات المستطاعة للحيلولة دون الإضرار بالمدنيين.

التدمير الطائش لممتلكات المدنيين

ما زالت هيومن رايتس ووتش في طور تحضير أبحاثها الخاصة بالتدمير العمدي لممتلكات المدنيين في شتى أنحاء غزة من قبل القوات البرية الإسرائيلية. وطبقاً لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، فإن أعمال القتال الأخيرة في غزة أسفرت عن إلحاق الضرر والدمار بأكثر من 14000 منزل و68 مبنى حكومي و31 مقراً لمنظمات غير حكومية. وتقول منظمة الصحة العالمية إن نصف المنشآت الصحية البالغ عددها 122 منشأة في القطاع - حسب تقديرها لعددها - قد تعرضت للتدمير أو الأضرار. وفي عدة حالات تم التحقيق فيها حتى الآن، انتهت هيومن رايتس ووتش إلى وجود نسق من الدمار، يوحي بشدة بأن القوات البرية الإسرائيلية أزالت المنازل بشكل جماعي في غياب الضرورة العسكرية التي تقتضي ذلك، في انتهاك للقانون الإنساني الدولي.

مصادر قلق بشأن حركة حماس

الهجمات الصاروخية على المدنيين

قبيل الهجوم العسكري الإسرائيلي - في سائر أوقات النزاع - وخلال الشهرين التاليين على القتال، قامت جماعات فلسطينية مسلحة بإطلاق الصواريخ على مناطق مأهولة بالمدنيين في إسرائيل. وفي الفترة منذ 27 ديسمبر/كانون الأول حتى بدء إسرائيل عملياتها العسكرية، أطلقت الجماعات المسلحة الفلسطينية المئات من الصواريخ على جنوب إسرائيل، وضربت بلدتي سديروت وعسقلان، بالإضافة إلى مناطق أخرى، حتى مسافة 30 كيلومتراً من تل أبيب. والصواريخ التي أطلقتها حركة حماس - صواريخ محلية الصنع تُعرف باسم "صواريخ قسام" وبعض الصواريخ السوفيتية التصميم (غراد) طويلة المدى - هي غير دقيقة لدرجة أنها لا يمكن لدى توجيهها إلى مناطق للمدنيين أن توجه بشكل يميز بين الأهداف العسكرية والأعيان المدنية. والهجمات الصاروخية التي تم شنها منذ 27 ديسمبر/كانون الأول أسفرت عن مقتل ثلاثة مدنيين إسرائيليين، وإصابة نحو 200 آخرين، وتسببت في تعطيل الحياة المدنية في المناطق المتأثرة. وتشير تصريحات لمسؤولي حماس إلى أنهم كانوا يوجهون صواريخهم نحو مراكز السكان الإسرائيليين. واستخدام مثل هذه الصواريخ ضد المناطق المدنية ينتهك الحظر على الهجمات المتعمدة والعشوائية. ومن يشنون هذه الهجمات عن عمد يُعدون مسؤولين عن اقتراف جرائم حرب.

إعفاء المدنيين من أثر أعمال القتال واستخدام "الدروع البشرية"

قوانين الحرب لا تحظر القتال في المناطق الحضرية أو هي تحظر القتال في المناطق المأهولة بالمدنيين، لكن أطراف النزاع يجب أن يتخذوا كل الاحتياطات المطلوبة لحماية المدنيين من المخاطر التي تسفر عنها أعمال القتال المسلح. ويجب قدر المستطاع أن يتفادوا وضع الأغراض العسكرية، كالأسلحة والذخائر والمقار العسكرية، بالقرب من أو في مناطق كثيفة السكان. وفي بعض الأحيان نشرت حماس قواتها في منازل مأهولة بالمدنيين واستخدمتهم لمراقبة أو مهاجمة القوات الإسرائيلية. وقد وثقت هيومن رايتس ووتش حالات أطلقت فيها حماس الصواريخ من على مقربة من منازل للمدنيين أو أعيان مدنية أخرى. وإطلاق الصواريخ من داخل مناطق مأهولة بالسكان وبكثافة - مما يجعل المدنيين في الجوار عرضة للهجوم المضاد - ينتهك متطلبات اتخاذ كافة الاحتياطات المستطاعة لحماية المدنيين من الضرر.

وينبغي على أطراف النزاع ألا يستغلون إطلاقاً تواجد المدنيين عمداً لحماية أنفسهم من الهجوم، وهو ما يُعد جريمة حرب. وفي حالة هجمات الجيش الإسرائيلي التي تمكنت هيومن رايتس ووتش من التحقيق فيها، لم يتم توثيق أية حالات تعمد فيها مقاتلو حماس استخدام المدنيين لحماية أنفسهم من هجمات إسرائيلية. إلا أن تحقيقاتنا في هذا الصدد كانت مقتصرة جراء رفض الحكومة الإسرائيلية السماح لباحثينا بالدخول إلى غزة.

العنف غير المشروع ضد الفلسطينيين الآخرين

في توازي مع التحركات القتالية الإسرائيلية، وجزئياً باستخدام النزاع كمبرر، انتهكت حماس حقوق الإنسان الخاصة بسكان غزة. فبعد بدء إسرائيل عملياتها العسكرية في 27 ديسمبر/كانون الأول 2008، اتخذت سلطات حماس في غزة خطوات فائقة للعادة في السيطرة والترهيب والعقاب وفي بعض الأحيان القضاء على خصومها السياسيين الداخليين ومن يُشتبه في تعاونهم مع إسرائيل. واستمرت الهجمات طيلة فترة الحملة الإسرائيلية، وتباطأت لكن لم تتوقف منذ توقف الأعمال القتالية الكبرى في 18 يناير/كانون الثاني 2009. وأثناء فوضى الحملة الإسرائيلية، من المعتقد أن عناصر أمنية أو رجال مسلحين مقنعين على صلة بحماس أو يعملون بتسامح منها، قاموا بإعدام 18 شخصاً دون إحالتهم للقضاء، وهم بالأساس المتهمون بالتعاون مع إسرائيل. كما قام مسلحون مقنعون بضرب وتشويه العشرات من الخصوم السياسيين بإطلاق النار عليهم، وبالأخص أعضاء ومؤيدي الخصم السياسي الأساسي لحماس، وهي حركة فتح. واستمر العنف الداخلي في غزة على مدار الأسابيع السبعة الماضية. وأفادت تقارير منظمات حقوق الإنسان في غزة مقتل 30 شخصاً على الأقل من المدنيين العزل، وهذا حتى 27 فبراير/شباط 2009.

الخطوات التالية

ليس تطبيق آليات المساءلة على الوضع في غزة بالأمر اليسير. لكن يجب أن يبدأ العمل الآن على هيئة إعداد لجنة تقصي محايدة ودولية لتحديد الحقائق الأساسية والتوصية بآليات لتحميل الجناة المسؤولية ولتوفير التعويض للضحايا. وإذا لم يكن بإمكان مجلس الأمن الاتفاق على تشكيل مثل هذه اللجنة، فعلى الاتحاد الأوروبي أن يشجع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على المبادرة. وأيا كانت الخطوة التالية، فإحراز التقدم على مسار إحقاق المساءلة يتطلب القيادة الشجاعة. ولا أحد في موضع أفضل لإظهار قيادته للموقف أكثر من الاتحاد الأوروبي ودوله الـ 27 الأعضاء.

والآلية الأساسية الأخرى لإجراء التحقيق الدولي المحايد، وهي المحكمة الجنائية الدولية، تبدو أبعد عن التحقق، لكن ما زال الاتحاد الأوروبي يلعب دوراً مهماً. ولم تصدق إسرائيل على النظام المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، من ثم فلن تتمكن المحكمة من إعلان اختصاصها القضائي من تلقاء ذاتها. وفي فبراير/شباط، تقدمت السلطة الفلسطينية بطلب بموجب ما يُدعى بالمادة 12، لدى المحكمة الجنائية الدولية، وهي المادة التي يُفترض أنها تمنح المحكمة الاختصاص القضائي على غزة. لكن المحكمة الجنائية الدولية ستقرر أولاً ما إذا كانت ستقبل الاختصاص القضائي أم لا على إقليم بطلب من كيان لا يحظى بالاعتراف الدولي به كدولة. إلا أن بإمكان الاتحاد الأوروبي أن يضغط من أجل إنشاء مجلس الأمن للجنة أممية لتقصي الحقائق الخاصة بالانتهاكات الجسيمة لقواعد الحرب وللتوصية بالخطوات التالية لضمان المساءلة وتعويض الضحايا، كما حدث في قضية دارفور.

إن الإخفاق في الدفع بالمساءلة في غزة من شأنه أن يقوض مصداقية الاتحاد الأوروبي بصفته صوت للعدل الدولي وأيضاً مؤسسات العدل الدولي نفسها، والتي عمل الاتحاد الأوروبي على تعزيزها ودعمها. ونظراً لاتساع مجال الأعمال الوحشية التي ما زالت تقع في شتى أرجاء العالم، فهذه مخاطرة لا يمكن للاتحاد الأوروبي تحملها.

مع بالغ الاحترام والتقدير،

لوت ليخت
مدير الاتحاد الأوروبي
هيومن رايتس ووتش

نسخة إلى:       سفراء اللجنة السياسية والأمنية 
                   المدراء السياسيون 
                   الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي المعني بالشرق الأوسط

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.