قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن الصحة العامة وحقوق الإنسان مُعرضة للتهديد جراء سلسلة من الاعتقالات وقعت في القاهرة، وكانت قد بدأت باعتراف أحد الرجال للشرطة بإصابته بالإيدز.
وطالبت هيومن رايتس ووتش السلطات المصرية بإلغاء قرارات إدانة أربعة رجال جراء "اعتياد ممارسة الفجور" وبإخلاء سبيل أربعة آخرين محتجزين بانتظار المحاكمة. وعلى الحكومة أن تكف عن الاعتقالات التعسفية بناء على إصابة الأشخاص بمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) وأن تتخذ خطوات نحو إيقاف التحيز المسبق والمعلومات المغلوطة التي تحيط بمرضى الإيدز.
وقال سكوت لونغ مدير برنامج المثليات والمثليين وذوي التفضيل الجنسي المزدوج والمتحولين جنسياً في هيومن رايتس ووتش: "هذه الاعتقالات والمحاكمات الصادمة تنطوي على الجهل والظلم"، وتابع قائلاً: "ولا تخاطر مصر بسمعتها الدولية فقط، بل أيضاً بسكانها أنفسهم، إذا هي استجابت لمرض الإيدز بفرض أحكام السجن بدلاً من الوقاية والعلاج".
وبدأت الاعتقالات في أكتوبر/تشرين الأول 2007 حين أوقفت الشرطة رجلين كانا يتشاجران في أحد شوارع وسط البلد بالقاهرة. وحين قال أحدهم للضباط إنه مصاب بالإيدز سرعان ما نقلتهما الشرطة إلى قسم شرطة الآداب وفتحت محضراً ضدهما بتهمة السلوك المثلي. وقال الرجلان للنشطاء المدافعين عن حقوق الإنسان إنهما تعرضا للصفع والضرب جراء رفض التوقيع على بيانات كتبتها الشرطة لهما. وأمضيا أربعة أيام في قسم شرطة الآداب مربوطان إلى مكتب معدني، وناما على الأرض. وفيما بعد عرّضت الشرطة الرجلين لاختبارات الطب الشرعي الشرجية المُصممة لـ"إثبات" أنهما متورطان في سلوك مثلي.
وقد وثقت هيومن رايتس ووتش هذه الاختبارات للتحقق من وجود "دليل" على المثلية، وخلصت إلى أنها ليست فقط خطأ من الناحية الطبية، بل أيضاً تنطوي على التعذيب.
ثم اعتقلت الشرطة رجلين آخرين بسبب صور فوتوغرافية لهما وأرقام هواتف تم العثور عليها مع أحد المحتجزين الأولين. وعرضت السلطات جميع المعتقلين لاختبارات الإيدز دون موافقتهم. وما زال الأربعة رهن الاحتجاز بانتظار قرار النيابة بأن توجه إليهم الاتهامات بانتهاج السلوك المثلي من عدمه. ويتم احتجاز أول معتقلين – اللذان تناقلت التقارير إصابتهما بالإيدز – في مستشفى بالقاهرة، وهما مربوطان إلى سريريهما ولا يتم فك قيودهما إلى لمدة ساعة يومياً.
وفي الوقت نفسه يبدو أن الشرطة وضعت الشقة التي كان يقيم فيها أحد الرجال تحت المراقبة. وفي 20 نوفمبر/تشرين الثاني، بعد يومين من استئجار الشقة من قبل مُستأجر جديد، داهمت الشرطة الشقة واحتجزت أربعة رجال آخرين.
وطبقاً لقرار الاعتقال، فقد كان الرجال جميعاً في كامل ثيابهم ولم يكونوا منخرطين في أي أفعال غير مشروعة حين تم الاعتقال. إلا أنهم تم اتهامهم جميعاً بانتهاج السلوك المثلي، والواضح أن السبب الوحيد لهذا هو تواجدهم في محل سكن كان يشغله أحد المحتجزين السابقين فيما مضى.
وقال أشخاص تحدثوا إلى الرجال الأربعة منذ اعتقالهم، لـ هيومن رايتس ووتش إن ضابط صف في قسم الشرطة قام بضرب أحد المحتجزين على رأسه عدة مرات. ويُزعم أن الشرطة أجبرت الرجال الأربعة على الوقوف في وضع مؤلم لثلاث ساعات وأذرعهم مرفوعة في الهواء. ولم يتم مدهم بطعام أو شراب أو بطانيات أثناء أول أربعة أيام لهم رهن الاحتجاز. كما اختبرت السلطات الرجال لتحري إصابتهم بمرض الإيدز دون موافقتهم. وتناقلت التقارير قول أحد الرجال إن وكيل النيابة قال له حين عرف منه أنه مُصاب بالإيدز: "الناس من أمثالك يجب أن يُحرقوا أحياءً. أنت لا تستحق الحياة".
وأدانت محكمة بالقاهرة هؤلاء الرجال الأربعة في 13 يناير/كانون الثاني 2008 بموجب المادة 9(ج) من قانون رقم 10 لسنة 1961، والذي يُجرّم "اعتياد ممارسة الفجور" وهو مصطلح يستخدم لتجريم السلوك المثلي الطوعي في القانون المصري. وطبقأً لمحاميّ الدفاع، فإن النيابة أسندت قضيتها إلى بيانات مستخلصة بالإكراه تبرأ منها أصحابها وتم أخذها من الرجال، ولم تستدع النيابة الشهود ولا هي قدمت أي دليل آخر لإثبات بطلان ادعاء الرجال بالبراءة من التهم المنسوبة إليهم. وفي 2 فبراير/شباط 2008 أيدت محكمة استئناف بالقاهرة الحُكم بالسجن لمدة عام على الرجال. ويتم احتجاز أحدهم في مستشفى بالقاهرة، وهو مربوط إلى فراشه لمدة 23 ساعة يومياً.
وقال سكوت لونغ: "يظهر من هذه القضايا أن الشرطة المصرية تتحرك بناء على اعتقاد خطير بأن الإيدز ليس حالة مرضية تستوجب العلاج، بل جريمة تستوجب العقاب". وأضاف: "اختبارات الإيدز الإجبارية دون موافقة، والمعاملة السيئة قيد الاحتجاز، والمحاكمات المدفوعة بالتحيزات المسبقة والإدانات دون أدلة؛ كلها انتهاكات للقانون الدولي".
وأبدت هيومن رايتس ووتش عميق قلقها إزاء الاعتقالات وتبعاتها على جهود مكافحة الإيدز في مصر، وهذا في رسالتين خاصتين بعثت بهما إلى النائب العام المصري المستشار عبد المجيد محمود عبد المجيد، بتاريخ 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2007، وفي 8 يناير/كانون الثاني 2008.
ودعت هيومن رايتس ووتش السلطات إلى إسقاط الاتهامات والكف عن ممارسة تقييد المحتجزين في المستشفيات، وضمان أن الرجال يلقون أعلى معايير متوافرة من الرعاية الطبية لأية مشكلات صحية جسيمة. كما دعت مصر إلى تدريب مسؤولي العدالة الجنائية جميعاً على الحقائق الطبية ومعايير حقوق الإنسان الدولية الخاصة بالإيدز، وبأن يكفوا فوراً عن إجراء الفحوصات على المحتجزين دون موافقتهم.
وتجريم السلوك المثلي الطوعي بين البالغين ينتهك تدابير حماية حقوق الإنسان لخصوصية الأفراد وحرية الفرد في بدنه بموجب القانون الدولي. والاستخدام الظاهر للمادة 9 (ج) في هذه القضايا لاحتجاز الأشخاص بناء على إصابتهم بالإيدز، ولاختبارهم دون موافقتهم للتحقق من إصابتهم بالإيدز، ينتهك أيضاً تدابير الحماية الدولية، والحق في حرية الفرد في بدنه.
ويؤكد قانون حقوق الإنسان الدولي بوضوح على أن السجناء والمحتجزين لهم الحق المطلق في الحماية من التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والتمتع بالحق في أعلى مستوى صحي ممكن، كما جاء في المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي أصبحت مصر دولة طرف فيه منذ عام 1982.