وقالت المنظمات الخمس، وهي: منظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ومركز هشام مبارك للقانون، ومركز النديم لتأهيل ضحايا العنف؛ إن لجنة التحقيق القضائية المستقلة يجب أن تنظر أيضاً في التحقيق الأولي الذي أجرته نيابة الدقي، والذي لم يجد أي دليل على أخطاء ارتكبتها الشرطة أو الموظفون الرسميون. وقد قامت المنظمات المذكورة بالاطلاع على نسخة من التحقيق الأولي وكشفت عن جهود منسقة تهدف إلى تبرئة الشرطة من ارتكاب أية أفعال خاطئة.
وقال جو ستورك، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، "ينبغي أن ينتهز الرئيس مبارك مناسبة الذكرى الثانية للعملية التي أجرتها الشرطة ضد المعتصمين السودانيين من أجل فتح تحقيق كامل وشفاف في ما حدث فعلاً؛ فتبرئة ساحة الشرطة بشكل كامل من قبل النائب العام تفتقر إلى أدنى حد من المصداقية".
ففي الساعات الأولى من صبيحة يوم 30 ديسمبر/كانون الأول 2005، قامت قوة مؤلفة من نحو 4000 عنصر من أفراد الشرطة والأمن بضرب طوق حول مخيم مؤقت في ميدان مصطفى محمود في حي المهندسين بالقاهرة، بالقرب من مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، حيث شارك مئات اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين السودانيين في اعتصام احتجاجي سلمي. ووفقاً لروايات وسائل الإعلام، فقد فتحت الشرطة مدافع المياه على الحشد ثم تدخلت بالقوة، حيث انهال أفرادها على المعتصمين بالضرب بلا تمييز. وقد أسفرت الحادثة عن وفاة ما لا يقل عن 27 سودانياً، بينهم 11 طفلاً وثماني نساء. وفي مايو/أيار 2006، خلص التحقيق الذي أجرته نيابة الدقي إلى نتيجة مفادها أن جميع الوفيات "نتجت عن التدافع والتـزاحم"، ولم يجد أي سلوك خاطىء من جانب الشرطة.
ولم تعلن الحكومة القرار المكتوب بحفظ التحقيق، بيد أن الجماعات الخمس المذكورة حصلت مؤخراً على نسخة من القرار (https://www.hrw.org/pub/2007/mena/dokkiNyabaDecisionMustafaMahmud.pdf).
وقد ظهرت النتيجة الأولية التي توصلت إليها الحكومة، والتي تفيد بأنه "لا توجد أخطاء"، في مذكرة من 16 صفحة، مؤرخة في 20 مايو/أيار 2006، وموقعة من قبل وائل حسين رئيس نيابة الدقي. ويتبيِّن في المذكرة وجود مثالب خطيرة في التحقيق الرسمي الذي أُجري في حوادث القتل، وتُظهر كيف تعاون محققو النيابة والأطباء الشرعيون على تبرئة ساحة الشرطة من أية مسؤولية عن وفاة 27 شخصاً.
فعلى سبيل المثال، تقول المذكرة إن أياً من أفراد الشرطة والأمن الذين سألتهم النيابة العامة لم يذكر اسم المسؤول الذي أصدر الأوامر ببدء العملية أو المسؤول الأمني الذي قاد قوة الأمن المركزي التي قامت بتنفيذ العملية. ومن بين أفراد الشرطة والأمن الـ 127 الذين استجوبتهم النيابة العامة، فقد تم توجيه السؤال بشكل مباشر حول هوية هذين المسئولين إلى 28 من أفراد الشرطة، واثنين من ضباط مباحث أمن الدولة، ورئيس المباحث الجنائية بالمنطقة، ومدير أمن قطاع شمال الجيزة. ووفقاً للمذكرة، فإن جميع هؤلاء الأشخاص ادعوا بأنهم لا يعرفون أسماء الضباط المسئولين عن العملية، وتحدث أحدهم عن "وجود العديد من قيادات الشرطة من جهات مختلفة بمكان الواقعة". وتُظهر المذكرة أن النيابة العامة لم تبذل أية جهود جدية للتحقيق في تلك المحاولة الواضحة لحماية المسؤولين عن إصدار الأوامر بمهاجمة المعتصمين.
كما استجوبت النيابة العامة أربعة شهود عيان، ادعوا جميعاً بأن المعتصمين هم الذين بدأوا أعمال العنف بمهاجمة الشرطة. ورغم أن الحكومة ذكرت أن العدد الكلي للمعتصمين هو 1107 ، وأن ما لا يقل عن 650 متظاهراً ظلوا محتجزين من قبل الدولة لعدة أسابيع بعد وقوع الاعتداء، إلا أن محققي النيابة لم يستجوبوا سوى امرأة سودانية واحدة كانت قد أُصيبت بجراح في الهجمات.
وقالت حسيبة حاج صحراوي، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية "إن محققي النيابة كانوا أكثر اهتماماً بحماية الشرطة وتشويه صورة الضحايا من معرفة حقيقة ما حدث فعلاً في 30 ديسمبر/كانون الأول."
كما يَظهر في المذكرة كيف حاول خبراء الطب الشرعي في وزارة العدل طمس أية مسؤولية جنائية عن الوفيات. وتشير تقارير التشريح إلى وجود "إصابات ناتجة عن الاصطدام بأجسام صلبة وخشنة السطح"، وإلى أن إحدى الوفيات نتجت عن "الإصابات الرضية بالرأس والعنق، وما أدت إليه من ارتجاج دماغي وفشل بالمراكز الحيوية العليا بالمخ"، بينما نتجت حالة وفاة أخرى عن "إصابة دماغية، أدت إلى إصابة بالألياف العصبية" بيد أن خبراء الطب الشرعي خلصوا إلى نتيجة مفادها أن جميع الوفيات نجمت عن "التزاحم والسقوط والتراكب" الذي أدى إلى "الأسفكسيا"، وادعوا أنه "لا توجد أية علامات تشير إلى استخدام القوة المفرطة في مهاجمتهم."
وقد استند رئيس نيابة الدقي وائل حسين إلى تقارير الطب الشرعي هذه وإلى إفادات أفراد الشرطة، ليخلص إلى نتيجة مفادها أنه "ليست هناك علاقة مطلقاً بين الوفيات وبين الطريقة التي استخدمها أفراد الشرطة لتفريق المعتصمين". وقرر وائل حسين استبعاد تهمة القتل العمد بسبب "عدم توفر الأدلة". إن أحداً لم يزعم أن حوادث القتل كانت متعمدة، ولكن النيابة العامة لم توجه إلى أيٍّ من أفراد الشرطة تهمة القتل الخطأ أو الإصابة الخطأ، ولا حتى تهمة ارتكاب جنحة استعمال القسوة أثناء تأدية الوظيفة بموجب المادة 129 من قانون العقوبات.
وبدلاً من ذلك، اتهم رئيس النيابة العامة المعتصمين جملة واحدة بارتكاب جرائم القتل الخطأ والإصابة الخطأ ومقاومة السلطات والإتلاف العمدي للممتلكات. وبناء على عدم إمكانية تحديد هوية مرتكبي تلك الجرائم، قرر مكتب النائب العام تعليق التحقيقات في سوء سلوك الشرطة المحتمل، ووجّه الشرطة إلى موالاة البحث والتحري وصولاً للفاعلإلى مواصلة البحث والتحري عن الفاعلين.
وقال حسام بهجت، مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية "إن اتهام المعتصمين بارتكاب جرائم خطيرة وتبرئة ساحة الشرطة من ارتكاب أي عمل خاطىء يعتبر نتيجة عبثية، ولكن حتمية، لتحقيق زائف. ورغم مرور عامين على وفاتهم فإن ضحايا وحشية الشرطة في ميدان مصطفى محمود لا يزالون بانتظار العدالة."
ودعت المنظمات الخمس الحكومة المصرية إلى فتح تحقيق قضائي مستقل في حوادث القتل، وذلك من أجل تحديد هوية الأشخاص الذين أصدروا الأوامر بشن الهجمات وقادوها ونفذوها، وتحميلهم المسؤولية عن الاستخدام غير الضروري أو المفرط للقوة، مما أسفر عن وفاة عدد كبير من الأشخاص. وفي أبريل/نيسان 2007، طلبت لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق العمال المهاجرين "إعادة فتح التحقيق في حوادث القتل بهدف توضيح الظروف التي أدت إلى وفاة المهاجرين السودانيين. ومهما كانت تلك الظروف فإن [اللجنة] توصي باعتماد تدابير من أجل منع وقوع مثل تلك الحوادث في المستقبل." ويجب أن تنظر لجنة التحقيق في الإخفاقات الخطيرة والمتعمدة على ما يبدو التي اكتنفت التحقيق الأول في حوادث القتل، وأن تعلن نتائج التحقيق على الملأ.
للاطلاع على خلفية حول أحداث 30 ديسمبر/كانون الأول 2005، أنظر المواقع الإلكترونية التالية: