قوة «حزب الله» وشعبيته تزيدان من أهمية تحمّله مسؤولية سلوكه أثناء الحرب. ورغم دعوة كل من مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية إلى تحمل إسرائيل مسؤولية جرائمها، فقد امتنعا عن توجيه الدعوة ذاتها إلى «حزب الله»، الأمر الذي يبعث إلى الحزب برسالة مفادها أن بوسعه العمل دون خوف أو عقاب، وهو ما يضعف الحماية التي يتمتع بها المدنيون المحاصرون بالقتال الدائر بين الجماعات المسلحة في أي مكان من العالم.
إن مأساة هذه الحرب (قرابة 1000 قتيل مدني لبناني و39 مدنيا إسرائيليا، إضافةً إلى دمار الشطر الأكبر من جنوب لبنان) هي نتيجة مباشرة للإهمال الكامل من جانب إسرائيل و«حزب الله» لما يمليه عليهما القانون الإنساني الدولي. لقد وثقت هيومن رايتس ووتش فشل إسرائيل الدائم في التمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية أثناء الغارات الجوية التي شنتها والتي بلغت حد جرائم الحرب في بعض الحالات.
كما وثقنا أيضاً حقيقة إطلاق «حزب الله» آلاف الصواريخ ضد مدن وبلدات وقرى كثيفة السكان في شمال إسرائيل، وذلك باستخدام عدة أنواع من الصواريخ غير الموجهة التي كثيرا ما يشار إليها باسم «كاتيوشا». وهي صواريخ غير قابلة للتوجيه ضد الأهداف العسكرية بأي قدر من الدقة بسبب مستواها التكنولوجي المتدني. فعند إطلاق الصواريخ على مناطق مدنية كان «حزب الله» يعرف أن فرصة إصابة أهداف عسكرية لا تتعدى الصفر، في حين أن النتيجة الأكثر ترجيحا هي مقتل المدنيين وإصابتهم. ليست هذه الهجمات إلا هجمات عشوائية في أفضل الأحوال، وهي هجوم مباشر ضد المدنيين في أسوأها. وهي في الحالتين خرق خطير للقانون الإنساني الدولي، وجرائم حرب محتملة.
وبفعل السرية التي تحيط بـ«حزب الله»، لا تتوفر معلومات كثيرة عن سلوك قواته داخل لبنان وعما إذا كانت أفعاله قد عرضت المدنيين اللبنانيين للخطر. وقد خلصت أبحاث هيومن رايتس ووتش إلى أن الحزب عرض المدنيين اللبنانيين، وفي عدد من الحالات، إلى الخطر دون مبرر من خلال تخزين الأسلحة في منازل مدنية، وإطلاق الصواريخ من المناطق المأهولة، والسماح لمقاتليه بالعمل انطلاقاً من منازل المدنيين. كما استخدم الحزب الأطفال كمقاتلين عاملين، وهذا انتهاك آخر للقانون.
لقد دافع «حزب الله» علنا عن هجماته ضد إسرائيل وأصر على أن كثيرا من صواريخه كانت تستهدف مواقع عسكرية. لكن هذا لا ينفي إطلاق صواريخ كثيرة غيرها على نحو عشوائي صوب المناطق المدنية. كما سعى الحزب إلى تبرير مهاجمة المدنيين الإسرائيليين بالادعاء أنها انتقام مشروع بموجب تفسيرات معينة للشرع الإسلامي. نكتفي بالقول إنها تصريحات مخيبة للآمال تصدر عن منظمة تفتخر بأنها أجبرت اسرائيل على سحب قواتها العسكرية من لبنان في العام 2000 من دون أن تهاجم المدنيين. وهي تصريحات قصيرة النظر أيضاً: يجري خرق القانون الإنساني الدولي في جميع الحروب تقريباً؛ وإذا ما اعتبر خرق أحد الأطراف للقانون مبرراً لخرقه من جانب الطرف الآخر فمن شأن ذلك أن يجعل أي حرب تصل الى حد مهاجمة المدنيين، وذلك ما يجعل الهجمات الانتقامية والموجهة ضد المدنيين غير مسموح بها بموجب القانون الإنساني الدولي. ويدعي الحزب أيضا أنه لم يفعل ما من شأنه تعريض المدنيين اللبنانيين إلى الخطر، لكنه لا يقدم ما ينفي عنه تهما محددة تتصل بالقتال انطلاقا من منازلهم أو بتخزين الأسلحة فيها.
وعقب الحرب، تحرك مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة سريعا (بدفع من الدول العربية والإسلامية أساسا) لإرسال بعثة تحقيق في انتهاكات إسرائيل لقوانين الحرب. لكنه رفض التحقيق في سلوك «حزب الله»، وهذا تحيز صارخ لا يستطيع الدفاع عن نفسه. فهذه الاستجابة أحادية الجانب تقوض مصداقية أقوى أجهزة الأمم المتحدة في ميدان حقوق الإنسان في وقت تشتد فيه الحاجة إليها للتعويض عن عدم قدرة لبنان على إجراء تحقيق من هذا النوع، أو عدم استعداده لذلك. وبالنتيجة، ما من جهة رسمية تحقق في سلوك «حزب الله» أثناء الأعمال القتالية أو تطالبه بتحمل مسؤولية ذلك السلوك.
وعلى المجلس عند متابعة هذا الموضوع في جلسته العادية الثانية أن يؤكد بما لا يقبل اللبس أنه يترتب على أية جماعة تشترك في أعمال قتالية (بما في ذلك «حزب الله») أن تخضع للقانون الدولي الذي يحظر بصرامة أي هجوم ضد المدنيين بصرف النظر عما إذا جرى انتقاما من الهجمات الإسرائيلية غير المشروعة ضد المدنيين اللبنانيين. ومن واجب حتى من يؤيدون «حزب الله» ويعتقدون أن من حقه مقاومة إسرائيل أن يطالبوا الحزب بمراعاة تلك القواعد أثناء القتال. إن من شأن الامتناع عن محاسبة «حزب الله» أن يكون مخاطرة بتورطه في مخالفة كاملة للقانون بوصفه قوة مقاتلة، وأن يشجع غيره من الجماعات المقاتلة على التغاضي الكامل عن المبادئ الأساسية للحرب.
وإذا ما أعطي الضوء الأخضر لمهاجمة المدنيين، فبوسعنا التأكيد على أن الأمر لن يقف عند المدنيين الإسرائيليين. وسوف يكون من بين الضحايا عرب ومسلمون، كما هي الحال في العراق. وإذا كان لنا أن نقلل الأذى اللاحق بالمدنيين في نزاعات من هذا النوع فإن علينا عدم البدء بوضع الاستثناءات الآن. ولو أراد «حزب الله» أن يُنظر إليه بجدية كقوة مشروعة فإن عليه الخضوع لعين المعايير الدولية التي تسري على القوى المشابهة له.
* المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بـ«هيومن رايتس ووتش» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»