ذكرت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" في تقرير جديد لها صدر اليوم أن الصراع الحزبي الدائر وراء الانتخابات الرئاسية الحالية في إيران قد خلف آثاراً مدمرة على حقوق الإنسان.
ويقول التقرير الجديد، الذي يقع في عشرين صفحة، إن المؤسسات التي يهيمن عليها التيار المحافظ في إيران قد عمدت إلى أساليب من قبيل الاعتقال التعسفي، والمحاكمات الجائرة، والعنف السياسي، وفرض القيود على الحريات الأساسية، بهدف منع الحركة الإصلاحية من تنفيذ برامجها. وتشمل هذه المؤسسات المحافظة غير المنتخبة السلطة القضائية ومجلس الأوصياء ومكتب مرشد الجمهورية الإسلامية. وقد أطلقت هذه المؤسسات موجة من القمع ضد وسائل الإعلام المستقلة، ونشطاء المعارضة السياسية، والمثقفين المستقلين، والمسؤولين الحكوميين الميالين للإصلاح.
ويقول التقرير إن ثمة ضرورة ملحة لإجراء طائفة من التغييرات الجوهرية التي تجعل السياسات والممارسات القانونية والإدارية في إيران متمشية مع التزاماتها بموجب القانون الدولي.
ومن المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية في إيران يوم الثامن من يونيو/حزيران الجاري.
ويقول هاني مجلي، المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان":
"إن لب مشكلة حقوق الإنسان في إيران يكمن في السلطة القضائية التي يستغلها فصيل سياسي ضد الآخر؛ وبدون قضاء مستقل يستحيل تحقيق الاستقرار السياسي في إيران".
وأشارت "منظمة مراقبة حقوق الإنسان" إلى الدور العجيب الذي يقوم به مجلس الأوصياء في فحص "أهلية" المرشحين لتولي مناصب يتم شغلها بالانتخاب، بما في ذلك منصب رئيس الجمهورية، وأعربت عن قلقها لأن هذه العملية قد ضمنت إلى حد بعيد اقتصار الانتخابات في إيران على التنافس بين المرشحين المؤيدين لزعامة رجال الدين.
وقال مجلي: "لقد بات من المعتاد أن يُحرم السياسيون العلمانيون والمعارضون لحكم رجال الدين من خوض الانتخابات؛ كما أن عملية فحص أهلية المرشحين تفتقر إلى الشفافية، ولا يحق للمرشحين المستبعدين الطعن في قرارات مجلس الأوصياء".
ويتعقب تقرير "منظمة مراقبة حقوق الإنسان"، الصادر تحت عنوان: "خنق المعارضة: عواقب الصراع الحزبي على حقوق الإنسان في إيران"، رد فعل التيار المحافظ للفوز الساحق الذي حققه الإصلاحيون في الانتخابات النيابية في فبراير/شباط 2000. وكان أول هدف تعرض لهجوم المحافظين في أعقاب هذا الفوز الساحق هو وسائل الإعلام المطبوعة المستقلة التي كانت بمثابة المحرك الرئيسي للحركة الإصلاحية؛ فعلى مدى الشهور الأربعة عشر الماضية أغلقت أكثر من 35 صحيفة ومجلة مستقلة؛ وزُجَّ في السجون بعشرات من أبرز الصحفيين والمحررين والناشرين بتهمة مبهمة فضفاضة، وهي "إهانة القيم الدينية".
ولم تقتصر موجة القمع على الصحافة، وإنما طالت غيرها أيضاً؛ ففي إبريل/نيسان 2000، اعتُقلت مجموعة من رموز التيار الإصلاحي بعد حضورهم مؤتمراً دولياً في برلين؛ وفي أكتوبر/تشرين الأول 2000، قُّدم 17 منهم للمحاكمة بتهمة مبهمة، وهي "التآمر للإطاحة بالجمهورية الإسلامية". وفي أعقاب محاكمة جائرة في يناير/كانون الثاني 2001، أصدرت إحدى المحاكم الثورية في إيران أحكاماً بالسجن، بلغ أقصاها عشر سنوات، على عشرة من المتهمين، من بينهم الصحفي البارز أكبر غانجي، واثنتان من دعاة حقوق المرأة هما شهلة لاحجي ومهرانغيز كار.
وفي مارس/آذار 2001، تعرض للهجوم أيضاً أنصار تجمع سياسي غير متماسك يعرف باسم "التحالف الوطني الديني". وخلال شهري مارس/آذار وإبريل/نيسان، أُلقي القبض على أكثر من 40 ناشطاً سياسياً، واقتيدوا إلى المعتقلات حيث احتُجزوا بمعزل عن العالم الخارجي، واتُّهموا بالتورط في مؤامرة لقلب نظام الحكم. وكان من بين المعتقلين عدد كبير من أنصار "حركة الحرية الإيرانية"، وهي حزب سياسي محظور ولو أن السلطات ظلت تغض الطرف عنه حتى عهد قريب؛ ويدعو الحزب منذ إنشائه قبل خمسين عاماً إلى إقامة حكم إسلامي دستوري واحترام مبادئ الديمقراطية.
كما استُهدف بعض المسؤولين الحكوميين المرتبطين بالحركة الإصلاحية؛ ففي مارس/آذار 2000، أطلق مسلحٌ النار على سعيد حجاريان، أحد كبار مستشاري الرئيس خاتمي، في أحد شوارع العاصمة طهران؛ ونُسبت محاولة الاغتيال هذه إلى عناصر في أجهزة الأمن الحكومية. ويقضي وزير الداخلية السابق عبد الله نوري، وهو من رموز التيار الإصلاحي، حكماً بالسجن لمدة خمس سنوات أصدرته ضده إحدى المحاكم الخاصة برجال الدين. كما أقيل مصطفى تاج زاده، وهو من كبار المسؤولين في وزارة الداخلية، من منصبه الهام في الوزارة، الذي يتولى فيه مسؤولية الإشراف على سير الانتخابات. أما عطاء الله مهاجراني، وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي السابق الذي كان يتمتع بنفوذ قوي، والذي سمح بازدهار الصحافة المستقلة، فقد أجبر على الاستقالة من منصبه.
هذا، وقد حثت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" السلطات الإيرانية على الإفراج فوراً عن جميع المعتقلين أو المسجونين بسبب ممارستهم السلمية لحقهم في حرية التعبير، وإلغاء أوامر الحظر المفروض على الصحف. كما دعت المنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان إلى إدخال تعديلات رئيسية على الدستور الإيراني وقانون الصحافة، وإجراء التغييرات اللازمة في إجراءات المحاكم الثورية الإيرانية والمحاكم الخاصة برجال الدين، بحيث تصبح متمشية تماماً مع المعاير الدولية للمحاكمة العادلة.
وقالت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" إنه من المستبعد أن تؤدي نتائج الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في الثامن من يونيو/حزيران إلى حسم الصراعات السياسية التي خلفت مثل هذا الأثر المدمر على حقوق الإنسان في إيران
يمكن الاطلاع على التقرير في الموقع التالي
https://www.hrw.org/reports/2001/iran/