Skip to main content

لماذا يُفلت داعش بجرائمه في سرت؟

نُشر في: Newsweek

كان أمجد بن ساسي (23 عام) مندفعاً ولا ينتبه إلى ما يقوله، حتى بعد أن سيطر تنظيم "الدولة الإسلامية"، المعروف أيضا بـ "داعش" على مدينته سرت على الساحل الليبي. أعدم داعش أمجد في ديسمبر/كانون الأول الماضي بتهمة شتم الذات الإلهية.

كانت قصته المرعبة واحدة من عشرات سمعتها في رحلتي الأخيرة إلى ليبيا، لمقابلة فارّين من سرت، التي سيطر عليها داعش العام الماضي.

كانت جريمة بن ساسي الكبرى شتم الذات الإلية بينما كان يتشاجر مع أحد جيرانه. قال لي أقاربه إنهم يعتقدون أن أحد مخبري داعش المتواجدين في كل مكان سمع ما قاله. قال أقاربه إن مسلحي داعش اقتحموا منزله تلك الليلة، واخذوه إلى السجن. لم يعلن أمجد التوبة كما طلب منه، بل بصق على قاضي داعش. أعدم أحد جلادي داعش أمجد، بإطلاق النار عليه في ساحة الشهداء في مدينة سرت، بعد 3 أيام من اعتقاله.

حوّل داعش سرت إلى ثالث أكبر معقل له، في حين يركّز العالم اهتمامه على فظائعه في العراق وسوريا. جمع ما يصل إلى 1800 من المقاتلين هناك، معظمهم أجانب، واستولى على مباني ومستودعات حكومية وقاعدة عسكرية ومحطة إذاعية ومحطة لتوليد الكهرباء. يسيطر داعش الآن على كل مناحي حياة سكان سرت، من طول سراويل الرجال إلى أشكال ملابس النساء الداخلية. يجلد الرجال إن دخّنوا أو استمعوا إلى الموسيقى، أو لعدم الصلاة في المسجد 5 مرات في اليوم. يؤمّن الغذاء والدواء لمقاتليه، ولكن ليس للسكان، أو حتى للذين يلتزمون بقواعده الصارمة.

هناك أيضا عمليات إعدام ناتجة عن إجراءات سرية لا تستجيب لأبسط معايير المحاكمة العادلة. قطع رأسَي رجلين بتهمة "الشعوذة"، وأطلق الرصاص على رؤوس آخرين لأنهم كانوا مسيحيين أقباط، أو لأنه اعتبرهم جواسيسا. علّق داعش بعض الجثث على سقالات البناء لـ 3 أيام. كانت ثيابهم برتقالية اللون في إشارة قاتمة إلى غوانتانامو. أحصيتُ 49 إعداما غير قانوني منذ سيطرة داعش على سرت في فبراير/شباط 2015، وأنا واثقة أن هناك أكثر من ذلك بكثير.

قالت أحلام: "الحياة في سرت لا تطاق، يعيش الجميع في رعب". كانت أحلام مثل معظم السكان الذين قابلتهم، خائفة من استخدام اسمها الحقيقي. تحدثت أحلام معي في مدينة مصراتة الليبية، حيث جاءت لتلقّي الرعاية الطبية. بكت لأنها قالت إنها مضطرة للعودة إلى سرت. مع عدم وجود مأوى في ليبيا للهاربين من داعش، ودون مدخرات مالية، لم يكن لعائلتها مكان آخر تذهب إليه.

ليس ما يفعله داعش في سرت هو الذي يثير الدهشة فقط، بل أيضاً استيلائه على المدينة بسهولة واضحة. لقد ساعدته الفوضى الداخلية على ذلك. في ليبيا الآن 3 حكومات متنافسة، تدعم اثنتين منها ميليشيات متحاربة لها سجلّات موثّقة عن انتهاكات حقوق الإنسان. تدعم الأمم المتحدة الحكومة الثالثة التي تسعى جاهدة للحصول على السلطة. ساعد الإهمال الدولي أيضا في هذا الأمر. كان الهدف الظاهري لتدخّل حلف شمال الأطلسي عام 2011 حماية المدنيين من بطش معمر القذافي، الزعيم الليبي آنذاك، لكن الحلف فشل في مساعدة البلاد في الخروج من 4 عقود من حكم عشوائي استبدادي. قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما في أبريل/نيسان إن إهمال ليبيا بعد عام 2011 كان "أسوأ خطأ" خلال رئاسته.

خذل "مجلس الأمن الدولي" لبيبا أيضا بعدم الإيفاء بوعوده المتكررة لتحديد مرتكبي جرائم الحرب وغيرها من الانتهاكات الخطيرة في البلاد، ومعاقبتهم. الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، التي لها اختصاص النظر في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في ليبيا منذ عام 2011، تخلت أيضا عن ليبيا، ولم تزود المحكمة بما يكفي من الموارد للتحقيق في الجرائم الخطيرة هناك.

على المجتمع الدولي أن يكون أكثر جديّة تجاه إنهاء الإفلات من العقاب في ليبيا. ترتكب الجماعات المسلحة هناك القتل والفظائع الأخرى بلا مبالاة لأنها تعرف أنه يمكنها الإفلات من العقاب. تسعى القوى العالمية الآن، بما فيها الولايات المتحدة وإيطاليا والمملكة المتحدة وفرنسا لتسليح الحكومة التي تدعمها الأمم المتحدة للإطاحة بـ داعش. يجب أن تُعزز أي إجراءات تُتًّخذ احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون لئلا تتحول معاناة الشعب الليبي من شكل لآخر جديد، تحت حكم مجموعة جديدة من المسيئين.

ما تزال عائلة أمجد تنتظر جثته، في حين يفكر المجتمع الدولي بالخطوات المقبلة. قال إبراهيم، أحد أقارب أمجد: "قال داعش إنه كافر، لذلك لا يمكن دفنه في مقبرة المسلمين". وردا على سؤال عن الرسالة التي يريد توجيها إلى العالم، أجاب إبراهيم: "نريد التخلص من داعش"، ثم أضاف: "ونريد العدالة".

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة