(القدس) - قالت "هيومن رايتس ووتش" في وثيقة أسئلة وأجوبة أصدرتها اليوم إن استخدام الجيش الإسرائيلي لتقنيات المراقبة والذكاء الاصطناعي وأدوات رقمية أخرى للمساعدة في تحديد أهداف هجماته في غزة يزيد من خطر إلحاق ضرر محتمل بالمدنيين. تثير هذه الأدوات الرقمية مخاوف أخلاقية وقانونية وإنسانية خطيرة.
يستخدم الجيش الإسرائيلي في أعماله العدائية في غزة أربع أدوات رقمية بغية تقدير عدد المدنيين في منطقة ما قبل الهجوم، وإخطار الجنود بموعد الهجوم، وتحديد ما إذا كان شخص ما مدنيا أم مقاتلا، وما إذا كان مبنى ما مدنيا أم عسكريا. وجدت هيومن رايتس ووتش أن الأدوات الرقمية هذه يفترض أنها تعتمد على بيانات خاطئة وتقديرات تقريبية غير دقيقة لتزويد الأعمال العسكرية بالمعلومات بطرق قد تتعارض مع التزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي الإنساني، وخاصة قواعد التمييز والحيطة.
قال زاك كامبل، باحث أول في مجال المراقبة في هيومن رايتس ووتش: "يستخدم الجيش الإسرائيلي بيانات غير كاملة وحسابات معيبة وأدوات غير مناسبة للمساعدة في اتخاذ قرارات مصيرية تنطوي على حياة أو موت في غزة، مما قد يزيد من الضرر اللاحق بالمدنيين. المشاكل الكامنة في تصميم واستخدام هذه الأدوات تعني أنه، وبدلا من تقليل الضرر اللاحق بالمدنيين، قد يؤدي استخدام هذه الأدوات إلى مقتل وإصابة المدنيين بشكل غير قانوني".
تتضمن هذه الأدوات مراقبة مستمرة ومنهجية للسكان الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك بيانات جُمعت قبل الأعمال العدائية الحالية بطريقة تتعارض مع القانون الدولي لحقوق الإنسان. تستخدم هذه الأدوات البيانات الشخصية للمدنيين لتقديم معلومات تستند إليها توقعات التهديدات وتحديد الأهداف والتعلم الآلي.
لتقييم الأدوات الأربع التي استخدمها الجيش الإسرائيلي في الأعمال العدائية في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، اعتمدت هيومن رايتس ووتش على تصريحات عامة من مسؤولين إسرائيليين، ومواد لم تتناولها التقارير سابقا نشرها الجيش الإسرائيلي، وتقارير إعلامية، ومقابلات مع خبراء وصحفيين. توفر هذه المعلومات، رغم عدم اكتمالها، تفاصيل مهمة حول كيفية عمل هذه الأدوات، وكيفية تصميمها، والبيانات التي تستخدمها، وكيف يمكنها أن تدعم صنع القرارات العسكرية.
من ضمن هذه الأدوات، هناك أداة تعتمد على تتبع الهواتف الخلوية لمراقبة إجلاء الفلسطينيين من أجزاء من شمال غزة أمر الجيش الإسرائيلي سكانها بالكامل بالمغادرة في 13 أكتوبر/تشرين الأول؛ وأداة تُعرف بـ "غوسبل" (The Gospel) تُعِدّ قوائم بالمباني أو الأهداف الهيكلية الأخرى التي سيتم مهاجمتها؛ وأداة تُعرف بـ "لافندر" (Lavender) تمنح تصنيفات للأشخاص في غزة فيما يتعلق بانتمائهم المشتبه به إلى الجماعات المسلحة الفلسطينية من أجل تصنيفهم كأهداف عسكرية؛ وأداة تعرف بـ "أين أبي؟" (Where’s Daddy?)، تزعم تحديد متى يكون الهدف في مكان معين - غالبا مكان إقامة عائلته المفترض، وفقا لتقارير إعلامية- لمهاجمته هناك.
هذه الأدوات محدودة بسبب مشاكل شائعة مشتركة مع أنواع أخرى من التكنولوجيا، لكن قد يكون لها عواقب قاتلة على المدنيين في السياقات العسكرية. يفترض أن أداتين منها، وهما أداة مراقبة الإجلاء و"أين أبي؟"، تُستخدمان لتوفير معلومات تٌستخدم في تحديد الأهداف وحركة القوات وغيرها من الأعمال العسكرية باستخدام بيانات موقع الهواتف الخلوية. رغم أن هذه الأدوات لها استخدامات عملية عديدة في الحياة اليومية، لكنها ليست دقيقة بما يكفي لتوفير معلومات من أجل القرارات العسكرية، وبخاصة بالنظر إلى الأضرار الهائلة التي لحقت بالبنية التحتية للاتصالات في غزة.
يبدو أن الأداتين الرقميتين "غوسبل" و"لافندر" تعتمدان على عمليات التعلم الآلي لمد قرارات الاستهداف بمعلومات وذلك باستخدام معايير أُعدّتها خوارزمية يُرجّح أن تكون متحيزة وغير مكتملة، ووفق عملية يستحيل تقنيا التدقيق فيها. غالبا ما تعكس مخرجات الخوارزمية تحيزات مبرمجيها ومجتمعهم. رغم أن الأدوات الرقمية يفترض أنها محايدة، فإنها تحظى بثقة مفرطة من جانب مشغليها البشر، رغم عدم تجاوز دقتها دقة البيانات المنشأة بها، وهي غالبا ما تكون غير كاملة في السياقات العسكرية ولا تمثل السياق الذي تعمل فيه الأداة بشكل كامل. يهدد الاعتماد على هذه الخوارزميات بانتهاك التزامات القانون الدولي الإنساني فيما يتصل بحماية المدنيين.
تعتمد "لافندر" و"الإنجيل" على التعلم الآلي للتمييز بين الأهداف العسكرية والمدنيين والأعيان المدنية. التعلم الآلي هو نوع من الذكاء الاصطناعي يستخدم أنظمة محوسبة يمكنها استخلاص استنتاجات من البيانات والتعرف على الأنماط دون تعليمات صريحة. استخدام التعلم الآلي لتحديد الاشتباه أو تزويد قرارات الاستهداف بمعلومات قد يزيد من احتمال إلحاق الضرر بالمدنيين.
لم يكن ممكنا توثيق متى وأين يستخدم الجيش الإسرائيلي هذه الأدوات الرقمية أو المدى الذي استخدمها فيه بالتزامن مع أساليب أخرى لجمع المعلومات والاستخبارات.
ينبغي للجيش الإسرائيلي التأكد من توافق أي استخدام للتكنولوجيا في عملياته مع القانون الدولي الإنساني. قرارات الاستهداف ينبغي ألا تُتخذ حصرا بناء على توصيات أداة التعلم الآلي. إذا كانت القوات الإسرائيلية تتصرف بناءً على أي من توصيات أو تقييمات هذه الأدوات دون تدقيق كاف أو معلومات إضافية، كما ورد، مما أدى إلى هجمات تسبب في إلحاق الضرر بالمدنيين، فإن القوات الإسرائيلية تنتهك قوانين الحرب. ارتكاب انتهاكات خطيرة لقوانين الحرب، مثل الهجمات العشوائية على المدنيين، بقصد إجرامي، يشكل جرائم حرب.
ينبغي لإسرائيل أيضا، باعتبارها قوة احتلال في غزة، التأكد من أن استخدامها للأدوات الرقمية لا ينتهك حقوق الخصوصية للفلسطينيين. في مايو/أيار 2024، اكتشفت هيومن رايتس ووتش بيانات نشرها الجيش الإسرائيلي علنا على الإنترنت، يفترض أن ذلك بالخطأ، تضمنت ما يُفترض أنه بيانات تشغيلية تتعلق بالأنظمة المستخدمة لمراقبة إجلاء الأشخاص وتنقلهم عبر غزة، وكذلك لتوقع الضرر المدني المحتمل الذي قد تسببه الهجمات في مناطق معينة. أُدرجت البيانات في كود [شفرة] المصدر لموقع معلومات الإجلاء التابع للجيش الإسرائيلي، وتضمنت معلومات شخصية وأسماء العائلات الأكبر عددا في كل منطقة.
قالت هيومن رايتس ووتش إن نشر الجيش الإسرائيلي لهذه البيانات عبر الإنترنت ينتهك حق الفلسطينيين في الخصوصية ويُظهر عدم اتخاذ الجيش للاحتياطات الأمنية الكافية بشأن ما يجمعه من بيانات.
أرسلت هيومن رايتس ووتش رسالة إلى الجيش الإسرائيلي في 13 مايو/أيار بأسئلة تفصيلية، لكن لم تتلقَّ أي رد.
على مدى الأشهر العشرة الماضية في غزة، قُتل أكثر من 40 ألف شخص وجُرح 94 ألفا آخرين، وفقا لوزارة الصحة في غزة. كما دُمر أكثر من 70% من البنية التحتية المدنية وأكثر من 60% من منازل المدنيين أو تضررت بشدة. نزح جميع سكان غزة تقريبا من منازلهم. قالت هيومن رايتس ووتش إن هناك حاجة إلى تحقيقات محايدة في استخدام هذه الأدوات الرقمية لتحديد ما إذا كانت قد ساهمت بشكل غير قانوني في خسارة أرواح وممتلكات المدنيين وإلى أي مدى، والخطوات اللازمة لتلافي الضرر مستقبلا.
قال كامبل: "قد يكون لاستخدام التكنولوجيا المعيبة في أي سياق آثار سلبية على حقوق الإنسان، لكن المخاطر في غزة تفوق أي سياق آخر. ينبغي ألا يؤدي استخدام الجيش الإسرائيلي لهذه الأدوات الرقمية بغية دعم صنع القرارات العسكرية إلى هجمات غير قانونية وأضرار مدنية جسيمة".