(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن أسر بريطانييْن يُشتبه في تورطهما في أعمال تعذيب وإعدام نفذها تنظيم "الدولة الإسلامية" (المعروف أيضا بـ "داعش") بحق رهائن غربيّين يُسلّط الضوء على ضرورة إجراء محاكمات للمشتبه بانتمائهم إلى التنظيم، تحترم سلامة الإجراءات الواجبة وتضمن مشاركة فعالة للضحايا.
احتجزت "قوات سوريا الديمقراطية" مؤخرا ألكسندا كوتي والشافعي الشيخ، آخر عنصرين من أصل مجموعة تتكون من 4 مواطنين بريطانيين في داعش متورطين في تعذيب وقتل عدد من الأجانب، منهم صحفيون وعمال إغاثة. قُتل محمد اموازي، وهو واحد من الأربعة، في غارة جوية في سوريا في 2015، بحسب "البنتاغون" ووسائل إعلامية تابعة لـ داعش، وبينما سُجن آين دافيس، العنصر الرابع، بتهم تتعلق بالإرهاب في تركيا. منذ القبض على كوتي والشيخ، طالب أقارب الضحايا ومختطفون سابقون بشكل علني بأن يواجه الرجلان العدالة في محاكمات يستطيعون حضورها.
قال نديم حوري، مدير برنامج الإرهاب ومكافحة الإرهاب في هيومن رايتس ووتش: "أسر شخصين يُشتبه في انتمائهما إلى داعش أمر يستوجب التعجيل بفتح نقاش دولي حول تحقيق العدالة على جرائم داعش المروّعة. وهذا يعني ضرورة إجراء محاكمات تحترم الإجراءات الواجبة وتُشجع مشاركة الضحايا في بلدان أجنبية لها ولاية قضائية على المشتبه فيهم".
قالت هيومن رايتس ووتش إنه يتعين محاكمة المشتبه فيهما في دول تتمتع بولاية قضائية وقادرة على إجراء محاكمات عادلة. رغم أن هيومن رايتس ووتش لا تعارض من حيث المبدأ إجراء محاكمات محلية، إلا أن المحاكم التي أنشئت محليا في شمال سوريا لا تستطيع في الوقت الحالي ضمان سلامة الإجراءات الأساسية. لم تعلن أي دولة، بما فيها المملكة المتحدة، أنها ستُحاكم الرجلين. مستقبل هذين الرجلين، وغيرهما من عناصر داعش الأجانب المحتجزين في سوريا، مُدرج على جدول أعمال اجتماع سيُعقد في روما يضم وزراء دفاع أساسيين في "التحالف الدولي لهزيمة داعش" المقرر في 13 فبراير/شباط 2018، حيث يُتوقع أن يثير وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس المسألة، بحسب تقارير إعلامية متعددة.
في 10 فبراير/شباط، قال وزير الدفاع البريطاني إنه "يجب ألا يسمح للرجلين بالعودة إلى المملكة المتحدة"، وذكرت تقارير إعلامية أن المملكة المتحدة ربما جرّدتهما أصلا من جنسيتهما. وفي 7 فبراير/شباط، أشار وزير خارجية فرنسا، التي ينحدر منها صحفيان على الأقل ممن عُذبوا على يد داعش، إلى ضرورة محاكمة عناصر التنظيم في شمال سوريا.
حثت الحكومة الأمريكية المملكة المتحدة وأعضاء آخرين في التحالف الذي يحارب داعش على المساعدة في معالجة العدد المتزايد للمقاتلين الأجانب المحتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطية. قالت كاثرين ويلبارجر، النائبة الأولى لمساعد وزير الدفاع المعني بشؤون الأمن الدولي: "نحن نعمل مع التحالف بشأن المقاتلين الأجانب المحتجزين، ونتوقع عودة هؤلاء إلى بلدانهم الأصلية لتسوية قضاياهم".
قال مسؤول أمريكي اشترط عدم الكشف عن هويته لـ "رويترز" إن الولايات المتحدة أجرت محادثات مع المملكة المتحدة بشأن مقاتلي داعش المحتجزين، لكن لا توجد أي خطط لنقلهم إلى الولايات المتحدة أو مركز الاحتجاز الأمريكي في خليج غوانتنامو. قالت هيومن رايتس ووتش إن على الولايات المتحدة، إن قبلت باستلام عنصريْ داعش المزعوميْن، محاكمتهما في محكمة فدرالية وليس إرسالهما إلى غوانتنامو، حيث سيواجهان لجانا عسكرية لا تستجيب للمعايير الدولية لسلامة الإجراءات الواجبة.
احتجزت قوات سوريا الديمقراطية الآلاف من عناصر داعش في شمال سوريا، المئات منهم أجانب. أنشأت إدارة الحكم الذاتي بقيادة "حزب الاتحاد الديمقراطي" في شمال سوريا محاكم محلية لمكافحة الإرهاب، تُعرف بـ "محاكم الدفاع الشعبي"، ولكنها حتى اليوم لم تحاكم سوى سوريين وعراقيين.
تُطبّق هذه المحاكم قانون مكافحة الإرهاب الذي سُنّ في 2014، وترفض تطبيق عقوبة الإعدام. زارت هيومن رايتس ووتش هذه المحاكم المحلية في يوليو/تموز 2017 ويناير/كانون الثاني 2018. خلُصت هيومن رايتس ووتش إلى أن عددا من الانتهاكات الخطيرة لسلامة الإجراءات الواجبة تحول دون استجابة المحكمة للمعايير الدولية الأساسية.
من أهم المشاكل غياب أي دور للمحامين وأي إجراء رسمي للاستئناف. كما لاحظ ناقدون محليون أن المحاكم لا تتمتع باستقلالية كاملة عن السلطات المحلية، ولا يوجد مُدّعون وقضاة مدرّبون جيّدا. لم يحصل بعض القضاة على أي تدريب رسمي كقضاة أو محامين، ولكن السلطات المحلية قالت إنهم حصلوا على تدريب دام 4 أشهر.
قال مسؤولون محليون معنيون بنظام المحاكم في شمال سوريا لـ هيومن رايتس ووتش إنهم كانوا يرغبون في أن تستلم الدول الأجنبية رعاياها لتخفيف الحمل عليهم. كما قالوا إنه في حال استحال ذلك، سينظرون في إمكانية محاكمة البعض منهم، ولكنهم أقرّوا بأن ذلك يتطلب تحسين النظام القضائي والقوانين في وقت تواجه فيه الإدارة المحلية تحديات متزايدة.
عبّرت أسر الضحايا عن رغبتها في حضور محاكمات عادلة لعناصر داعش. قالت دايان فولي، والدة الصحفي الأمريكي جيمس فولي الذي أعدمه داعش، إنها ترجو أن يحصل كوتي والشيخ على محاكمة عادلة وشفافة، والحكم عليهما بالمؤبد. قالت لوسائل إعلام إنها لا تتمنى أن يُرسلا إلى خليج غوانتنامو: "سيتسبب ذلك في تعزيز الكراهية. لقد أُعدم [الضحايا] وهم يرتدون بدلات برتقالية، كبدلات غوانتنامو. يجب أن نترفع عن ذلك. علينا أن نُظهر لهم العدالة الحقيقية".
قال نيكولا هنين، صحفي فرنسي نجا من الاحتجاز لدى داعش، لوسائل إعلام إنه يرغب في أن ينال سجانوه محاكمة عادلة على جرائمهم. قال: "أريد محاكمة، محاكمة أستطيع حضورها، محاكمة في لندن وليس في كوباني في الشمال السوري. خليج غوانتنامو ليس حلا مُرضيا، لأن ذلك حرمان من العدالة".
ما أرغب فيه هو محاكمة موثوقة، تكون عادلة إلى أقصى حد ممكن، تتوفر فيها لمن خطفوني جميع فرص الدفاع عن أنفسهم... علينا منعهم من قلب الأدوار ليظهروا كضحايا. نحن الضحايا، وليس هم. إن لم ينالوا العدالة، فيستخدمون ذلك في إذكاء دعايتهم.
قال حوري: "على المسؤولين المجتمعين في روما إيجاد سُبل لإجراء محاكمات عادلة تراعي سلامة الإجراءات الواجبة وتُمكن الضحايا وأسرهم، سواء كانوا سوريين أو عراقيين أو أجانب، من حضورها. على أعضاء التحالف الدولي الاتفاق على هذه المبادئ الأساسية".