يبدو أن المعركة العسكرية في مدينة الرقة قد انتهت. استولت "قوات سوريا الديمقراطية"، بدعم من التحالف بقيادة الولايات المتحدة، على "مستشفى الرقة الوطني"، آخر معاقل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في المدينة في وقت سابق اليوم. من المرجح أن يعلن قادة التحالف انتصارا واضحا ضد الإرهاب.
ربما تلقى داعش ضربة مدوية، لكن الأمور لم تنته بعد للرقة وسكانها، نظرا لعدم امتلاك قادة التحالف خطة لمرحلة ما بعد داعش.
مع انقشاع دخان المعركة عن مستشفى الرقة الوطني، تُطرح أسئلة كثيرة: من سيقوم بإدارة المستشفى ثانية؟ من سيقوم بإعادة بنائه والدفع لأطبائه والحفاظ على معداته؟ ماذا عن المدارس والطرق والمخابز المدمرة؟ مقولة "الحرب سهلة لكنّ السلام صعب" صحيحة، خاصة في الحرب ضد داعش، حيث لم يفكر أحد في المرحلة التي تليه.
يعكس الوضع في مستشفى الرقة الوطني اليوم المأساة التي حلت بالرقة. زرت المستشفى على مدى عدة أيام في أبريل/نيسان 2013. قبل شهر من زيارتي، هزمت جماعات المعارضة المسلحة، التي لم تكن تضم داعش آنذاك، القوات الحكومية في المدينة وسيطرت على المنطقة المحيطة بالمستشفى. كان المستشفى لا يزال يعمل عندما زرته، لكنه كان يعاني بالفعل. توقفت الحكومة عن دفع الرواتب، وكان يفتقر إلى الموظفين الأساسيين لتشغيله. وقتها، لم يكن هناك سوى 25 طبيبا، من أصل 112 كانوا يعملون في المستشفى، وكانت 15 من أصل 28 من أجهزة غسيل الكلى معطلة. قبل أيام من زيارتي، توقف المولد الذي يغذي خزانات الأكسجين عن العمل، مما أدى إلى وفاة 4 أطفال في قسم رعاية الأطفال حديثي الولادة.
في عام 2013، كانت مسألة من سيتولى تشغيل المستشفى مسألة خلاف. أرادت الجماعات المسلحة في الرقة السيطرة عليه، وأرسلت بعض أفرادها إلى المستشفى. كان بعض الأطباء والإداريين المحليين يقاومون ويدفعون إلى الحفاظ على إدارة مدنية له. انتقل أحد الأطباء للعيش في المستشفى لخشيته قيام الجماعات المسلحة بمنعه من العودة إليه في حال ذهب إلى منزله. لم أكن أدرك ذلك حينها، لكن التوتر بين الجماعات المسلحة والمدنيين المحليين حول السيطرة على المستشفى، أعطى لمحة عن التوتر الأوسع بين مختلف مكونات المعارضة السورية الذي كان سيحدث بعد شهور، وسينتهي بسيطرة داعش على الرقة.
أصبح التحدي المتمثل في إعادة تشغيل المدينة ثانية أمراً أكثر صعوبة اليوم. مزقت داعش، على مدى 4 سنوات من سيطرتها، الكثير من النسيج الاجتماعي للمنطقة وأفرغته من الأطباء والممرضين والمعلمين. زاد التحالف من حجم الكارثة بحملة تفجيرات يبدو أنها فضلت هزيمة داعش على ضرورة توفير الحماية الكافية للسكان أو البنية التحتية للمدينة.
الآن بعد هزيمة داعش في الرقة، يبدو غياب استراتيجية حقيقية للتحالف، شركائه المحليين، أو قوات سوريا الديمقراطية واضحا بشكل متزايد. بطبيعة الحال، يرفض التحالف هذا الوصف. أواخر يونيو/حزيران، كان المبعوث الرئاسي الأمريكي الخاص "للتحالف الدولي لهزيمة داعش"، بريت ماكغورك، في سوريا، على مشارف الرقة "للتشاور مع الشركاء المحليين بشأن الحملة لهزيمة داعش وقضايا ما بعد التحرير". تحدثت البيانات الرسمية عن دور التحالف في "دعم الجهات الفاعلة التي تعمل على إرساء الأمن، وإعادة تقديم الخدمات الأساسية، وترميم الاقتصاد المحلي لتحقيق الاستقرار في المجتمعات المحلية". أكد ماكغورك في مؤتمر لاحق عُقد يوم 4 أغسطس/آب، التزام الولايات المتحدة بتحقيق الاستقرار في الرقة، الذي يشمل وفق تعبيره: إزالة الأنقاض والألغام وتوفير "الكهرباء الأساسية". لكن لا يشمل إعادة الإعمار. حيث قال: "لا تنتظروا من الولايات المتحدة أن تقوم بإعادة الإعمار على المدى الطويل، فهي مشكلة دولية".
تصادف أنني كنت في الرقة في نفس الوقت الذي كان فيه ماكغورك، ولم يكن لجهود "الاستقرار" أي أثر. اشتكى السكان المحليون الذين يعيشون في المناطق المحيطة بالرقة المستردة من داعش، من نقص الكهرباء والمياه والعلاج. إذا كنت بحاجة إلى رعاية طبية، عليك القيادة ما يقرب من 3 ساعات إلى عين العرب (كوباني). تعاني إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار في فترة ما بعد الحرب من نقص في التمويل والخبرات، مقارنة مع تكلفة وتعقيد المجهود الحربي.
في بلدة الطبقة قرب الرقة، التي زارها ماكغورك، التقيت الأب الذي توفيت ابنته (12 عاما)، عندما كانت تقف بالدور أمام مخبز قصفه التحالف. عندما قابلت الأب، بعد شهرين من استرداد المدينة من داعش، كانت جثة ابنته لا تزال تحت الأنقاض، لأن السلطات المحلية أخبرته بأنه لا توجد آليات لإزالة الأنقاض. جرب الأب كل شيء لاستخراج جسدها، بما في ذلك الحفر بيديه. لم يستطع أن يفهم كيف أن التحالف القوي القادر على تتبع أفراد داعش عبر هواتفهم الخلوية، غير قادر على جلب آلة حفر بدائية لاستخراج ابنته وضحايا آخرين من تحت الأنقاض.
مرت بعض القوات الأمريكية في نهاية المطاف عبر حيه، وافترض أنهم جاؤوا أخيرا لتقديم المساعدة في إزالة الأنقاض، ولكن اتضح أنهم كانوا هناك لجمع معلومات عن مقاتلي داعش الأجانب ممن عاشوا في حيه. عندما طلب مساعدتهم في سحب جثة ابنته، أجابوا بأدب أنه ليس من مسؤولياتهم.
عندما أثرتُ مسألة إعادة الإعمار والمساعدة مع بعض الدبلوماسيين الأوروبيين من الدول المشاركة في التحالف، كنت أُقابل عادة بنظرات خاوية وأجوبة لا معنى لها. أحد المبررات التي قدموها كان عدم سماح تركيا بدخول المعونة عبر حدودها إلى هذه المناطق لأنها تعتبر "وحدات حماية الشعب"، أكبر وحدة في قوات سوريا الديمقراطية، ومعظم أفرادها أكراد، جماعة إرهابية. في الوقت الذي أغلقت فيه تركيا بالفعل حدودها إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، لم يتمكن الدبلوماسيون من شرح الآلية التي تمكن بها الائتلاف من نقل المعدات العسكرية إلى تلك القوات، دون أن يجد وسيلة لتوصيل المساعدات اللازمة لتشغيل المستشفيات والمرافق الأساسية الأخرى.
الحقيقة أن الدول الغربية تريد محاربة داعش، وخاصة المقاتلين الأجانب الذي قد يشكلون خطرا على مجتمعاتهم مستقبلا. لكن ما يحدث للمدنيين الذين سُحقوا في هذه العملية، لا يبدو مسؤولية أحد. يستخدمون نفس المصطلح الذي استخدمه ماكغورك، "مشكلة دولية". يعيدنا هذا إلى السؤال الأول: الآن بعد استرداد مستشفى الرقة الوطني من داعش، من سيكون مسؤولا عن إعادة بنائه؟