Skip to main content
تبرعوا الآن

خطاب المنظمات غير الحكومية حول وضع حقوق الإنسان في السودان في الجلسة الـ27 لمجلس حقوق الإنسان

الموضوع: أوضاع حقوق الإنسان بالسودان في الدورة 27 لمجلس حقوق الإنسان

أصحاب السعادة،

تود المنظمات الموقّعة أدناه حث وفدكم على إدراك خطورة أوضاع حقوق الإنسان في السودان والاستجابة لها، وعلى المشاركة الكاملة في ضمان معالجة مجلس حقوق الإنسان للانتهاكات الخطيرة والواسعة لانتهاكات القانون الإنساني الدولي في البلاد تحت البند رقم 4 في جدول أعمال الدورة رقم 27 المقبلة.

خلال الفترة من أواخر سبتمبر/أيلول ومطلع أكتوبر/تشرين الأول 2013 قامت قوات الأمن التابعة للحكومة السودانية باستخدام العنف في قمع احتجاجات شعبية في كل من ود مدني والخرطوم وأمدرمان ومدن أخرى في مختلف أنحاء البلاد على خلفية إجراءات اقتصادية تقشفية. استخدمت قوات الأمن قوة مفرطة، بما في ذلك استعمال الذخيرة الحية، ضد المحتجين، ما أسفر عن مقتل 170 شخصاً على الأقل، بمن في ذلك أطفال، وجرح مئات آخرين. قامت السلطات أيضاً باعتقال أعداد كبيرة من أعضاء ونشطاء أحزاب المعارضة عشية الاحتجاجات وخلالها وبعدها. وفشلت الحكومة حتى الآن في محاسبة المسؤولين عن هذه الأعمال.

وخلال نفس الأسبوع الذي استخدمت فيه الحكومة حملة القمع العنيفة ضد الاحتجاجات، في 27 سبتمبر/أيلول 2013، تبنّى المجلس قراراً بشأن المساعدة الفنية للسودان، تجاهل الانتهاكات المستمرة وقمع الحقوق الأساسية المدنية والسياسية.[1] فشل المجلس أيضاً في توجيه إدانة شديدة اللهجة إلى هجمات الحكومة السودانية المستمرة والعشوائية، بما في ذلك القصف الجوي، على المدنيين، والانتهاكات الأخرى في ولايات دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. لم يحث المجلس أيضاً الحكومة السودانية على اتخاذ خطوات رئيسية إزاء مسألة المحاسبة وتحسين أوضاع حقوق الإنسان في البلاد.

رغم مرور نحو عام على تلك الأحداث، وعلى الرغم من تعهد الرئيس عمر البشير في أبريل/نيسان 2014 بإطلاق سراح كافة "المعتقلين السياسيين"، تواصلت بدون توقف عمليات الاعتقال التعسفي بحق النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان والشخصيات السياسية الحزبية في ظل استمرار القيود المفروضة على حرية التعبير والنشاط السياسي السلمي. وسلّطت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، خلال يومي 8 و9 يوليو/تموز 2014، الضوء على غياب حوار بنّاء مع السودان خلال المراجعة، وأكدت أن المسائل التي تم طرحها في المراجعات السابقة، بما في ذلك مسائل منذ العام 1997، لم تتم معالجتها.

أخفقت السلطات في التحقيق بشأن ادعاءات حول تعرض الأشخاص الذين تم اعتقالهم للتعذيب وأشكال أخرى من المعاملة اللاإنسانية والمهينة. كما لا يزال الصحفيون والعاملون في مجال الإعلام عرضة للانصياع الصارم للصمت إزاء بعض القضايا من خلال الاعتقال التعسفي والرقابة بصورة ممنهجة. أما في مناطق النزاع في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، فإن قوات الحكومة السودانية، بما في ذلك "قوات الدعم السريع" التي تم تشكيلها أواخر عام 2013، والتي تتألف في غالبيتها من ميليشيات "الجنجويد"، وتم استيعابها الآن رسمياً في القوات الحكومية – وجماعات المعارضة المسلحة- قد استمرت في القيام بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في المناطق الثلاث.

فخلال شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران 2014 كثّفت الحكومة عمليات القصف الجوي في جنوب كردفان، حيث قامت بتنفيذ هجمات عشوائية وأخرى موجَّهة على مناطق يقطنها مدنيون. أما في دارفور، فقد اضطر ما يزيد على نصف مليون شخص، خلال 2014 فقط، للنزوح بسبب تجدد القتال، بما في ذلك عمليات القصف الجوي على مناطق مأهولة بالسكان والهجمات البرية على حد سواء.

وجاء قرار لجنة حقوق الإنسان رقم 24/28 في 27 سبتمبر/أيلول 2013، كاشفا، للأسف، عن إخفاقه المستمر في الاستجابة بصورة فعالة للأوضاع في السودان، إذ يركز فحسب على المساعدة الفنية. وثمة حاجة عاجلة لرصد مستقل لأوضاع حقوق الإنسان ورفع تقارير بشأنها في البلاد في وقت تواصل فيه القوات الحكومية ارتكاب انتهاكات بلا رادع، ليس فقط في مناطق النزاع بمختلف ولايات السودان بل في عاصمة البلاد أيضاً. وتشتمل الانتهاكات على عمليات إعدام خارج نطاق القضاء وعمليات الاعتقال التعسفي والاعتقال لفترات طويلة بدون اتخاذ إجراءات تقاض سليمة، والتعذيب وسوء المعاملة وقمع حق التعبير وحق التجمع.

وعلى ضوء خطورة أوضاع حقوق الإنسان في السودان، نود أن نحث وفدكم على العمل على ضمان معالجة مجلس حقوق الإنسان لهذه الأوضاع على نحو يتناسب مع هذه الخطورة من خلال تبنّي قرار تحت البند 4 في دورته رقم 27 بحيث:

  • يدين الاستخدام المفرط للقوة الذي أدى إلى مقتل عشرات المحتجين، والاستمرار في إفلات قوات الأمن من المحاسبة في سياق عمليات القتل المُشار إليها؛ إدانة القيود المستمرة المفروضة على الإعلام، وعلى المدافعين عن حقوق الإنسان، وعلى الحق في حرية التنظيم وحرية التجمع السلمي، وحث حكومة السودان على استكمال التحقيق في عمليات القتل والإصابات التي طالت المحتجين في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2013 ونشر نتائجها علناً؛ والتحقيق في الادعاءات الأخرى حول انتهاكات حقوق الإنسان والاعتداءات خلال الاحتجاجات؛ ومساءلة من قاموا باقتراف هذه الاعتداءات؛
  • المناشدة بإطلاق سراح الأشخاص الذين تم اعتقالهم بصورة تعسفية بواسطة جهاز الأمن والمخابرات الوطني بسبب آرائهم السياسية الحقيقية أو المشتبه فيها، ومناشدة الحكومة السودانية بالقيام بعمليات تحقيق محايدة وفورية في الادعاءات المتعلقة بعمليات التعذيب وسوء المعاملة؛ والمناشدة بإجراء إصلاحات على قانون الأمن الوطني لسنة 2010 وجعله متوافقاً مع المعايير الدولية؛ والمناشدة بإلغاء أحكام قوانين الأمن السودانية التي تنص فعلياً على منح حصانة للمتعسفين من مسؤولي الحكومة؛   
  • توجيه إدانة شديدة اللهجة على انتهاكات حقوق الإنسان وانتهاكات القانون الإنساني الدولي في ولايات دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، بما في ذلك عمليات القصف الجوي العشوائية والموجّهة على مناطق المدنيين، والهجمات العشوائية الأخرى على المدنيين بواسطة القوات الحكومية والميليشيات الموالية لها؛
  • حث حكومة السودان على السماح بدخول البعثة المشتركة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة (يوناميد) في دارفور ووكالات المساعدات الإنسانية والمنظمات غير الحكومية إلى كل مناطق دارفور دون عرقلة؛ تسهيل دخول المنظمات الإنسانية ومراقبي أوضاع حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية لكل أجزاء جنوب كردفان والنيل الأزرق دون عرقلة؛
  • القيام بتحقيق مستقل في انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق منذ اندلاع النزاع المسلح في العام 2011؛
  • تعزيز تفويض التدابير الخاصة حول السودان من خلال تعيين مقرر مستقل حول أوضاع حقوق الإنسان في السوان تحت البند 4، مع تفويضه بمراقبة انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنسان الدولي في السودان ورفع تقارير بشأنها، وتفويض للمقرر الخاص برفع تقارير إلى مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة.

نلحق بهذا الخطاب إيجازا مفصّلا حول أوضاع حقوق الإنسان في السودان منذ تبنّي قرار مجلس حقوق الإنسان السابق حول السودان في سبتمبر/أيلول 2013. ونود مجدداً مناشدة وفدكم بلعب دور قيادي لضمان عدم خذلان مجلس حقوق الإنسان للعديد من ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان والاعتداء عليها في السودان.

ونود هنا أن نتقدم لكم بالشكر على اهتمامكم بهذه القضايا الملحّة.

  • العمل من أجل حقوق الإنسان والصداقة "آي دي اتش إيه"
  • المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام
  • منظمة العفو الدولية
  • منظمة "آري" لحقوق الإنسان والتنمية
  • التحالف العالمي من أجل مشاركة المواطنين
  • منظمة تمكين المجتمع من أجل التقدم
  • دائرة حقوق الإنسان
  • هيئة محامي دارفور
  • مركز دارفور للعون والتوثيق
  •  مشروع المدافعين عن حقوق الإنسان في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي
  • اتحاد غامبيا حول التهجير القسري
  • منظمة حقوق الإنسان والتنمية
  •  هيومن رايتس كونسيرن – إريتريا
  • هيومن رايتس ووتش
  • المركز العالمي للسياسات والنزاعات
  • اللجنة الدولية للحقوقيين
  • الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان
  • حقوقيون من أجل حقوق الإنسان
  • شبكة جنوب السودان للمدافعين عن حقوق الإنسان
  • سودان كونسورتيوم
  • المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً
  • منظمة السودان للتنمية الاجتماعية
  •  اتحاد المواطنين الروانديين في السنغال "يو آر آر اس"
  • شن السلام
  • شبكة المدافعين عن حقوق الإنسان بغرب أفريقيا
  • شبكة غرب أفريقيا للاجئين والنازحين

 

ملحق: أوضاع حقوق الإنسان في السودان منذ سبتمبر 2013

الاستخدام المفرط للقوة في سياق الاحتجاجات

أطلقت قوات الأمن التابعة للحكومة قنابل الغاز المسيل للدموع والأعيرة المطاطية والذخيرة الحية، أواخر سبتمبر/أيلول 2013، على محتجين، واستخدمت قوة مفرطة خلال احتجاجات اتسمت بالعنف في بعض الأحيان، في أعقاب إعلان الحكومة السودانية عن تدابير تقشفية. وأوردت جماعات سودانية تعمل في مجال حقوق الإنسان أن قوات الأمن الحكومية قتلت أكثر من 175 شخصاً، غالبيتهم من الصبية أو في بديات العقد الثاني من العمر، خلال الاحتجاجات.[2] كما قامت قوات حكومية بإطلاق النار وأردت سبعة أشخاص، على الأقل، قتلى، بمن في ذلك طفلان، في مدينة نيالا، غرب دارفور، خلال احتجاجات في سبتمبر/أيلول على مقتل رجل أعمال بارز على يد مليشيا مسلحة.

على الرغم من مرور نحو عام على تلك الأحداث لم يحدث أن قامت الحكومة السودانية بإجراء تحقيق بشأنها، كما أنها لم تحاسب المسؤولين عن عمليات القتل والاعتداءات الأخرى، على الرغم من وعود بإجراء تحقيق حول هذه الادعاءات والتقارير التي تحدثت عن إنشاء ثلاث لجان تحقيق. بدلاً عن ذلك، شكّكت الحكومة في عدد الضحايا ونفت أن تكون قوات الأمن مسؤولة عن ما جرى. النتائج الوحيدة التي تم الإعلان عنها تركزت فقط حول الأضرار التي تسبب فيها المحتجون، وفشلت السلطات في إجراء أي تحقيق سواء في قتل المحتجين أو في الادعاءات المتعلقة بالاعتقال غير القانوني وسوء المعاملة والتعذيب.[3]

استخدمت قوات الشرطة السودانية وقوات جهاز الأمن والمخابرات الوطني، بالإضافة إلى أشخاص كانوا يرتدون أزياء مدنية، قوة مفرطة ومميتة بجامعة الخرطوم لتفريق طلاب من دارفور نظموا احتجاجاً على الهجمات الأخيرة ضد المدنيين في دارفور، ما أسفر عن مقتل الطالب على أبّكر موسى إدريس وإصابة سبعة آخرين في مارس/آذار 2014.[4]

الاعتقال التعسفي وسوء المعاملة والتعذيب

واصلت السلطات الحكومية استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان، والطلاب المشاركين في الاحتجاجات، والصحفيين، والمعارضين السياسيين، وأشخاص آخرين مرتبطين بحركات التمرد في مختلف أنحاء السودان أو تشتبه السلطات في أن لهم ارتباط بهذه الحركات، إذ استهدفت السلطات الحكومية هؤلاء مستخدمة الاعتقال التعسفي وسوء المعاملة والتعذيب.

ويتمتع جهاز الأمن والمخابرات الوطني بسلطات واسعة في الاعتقال والاحتجاز والتفتيش والمصادرة، إذ يستخدم جهاز الأمن هذه السلطات بصورة روتينية لاستهداف المعارضين السياسيين بالاعتقال لفترات طويلة بدون توجيه تُهم لهم. ويسمح قانون الأمن الوطني لسنة 2010 بالاعتقال لفترة تمتد إلى أربعة شهور ونصف الشهر بدون توجيه تهمة أو مراجعة قضائية. ويقوم جهاز الأمن والمخابرات الوطني بصورة روتينية بحرمان المعتقلين من الاستعانة بمحامين أو الزيارات الأسرية، كما يقوم بإخضاع المعتقلين لسوء المعاملة والتعذيب. وعلى الرغم من الحالات العديدة التي قامت جماعات حقوق الإنسان بتوثيقها، لم يظهر حتى الآن ما يشير إلى محاكمة ضباط جهاز الأمن والمخابرات الوطني على خلفية ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة.

غالبية الحالات التي وردت في تقارير خلال العام الماضي كانت متعلقة بحملة القمع المتشددة التي استهدفت بها الحكومة الاحتجاجات التي حدثت في الخرطوم في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2013. إذ قام ضباط جهاز الأمن باعتقال 800 شخصاً على الأقل من المحتجين وناشطي وأعضاء أحزاب المعارضة، حيث قامت باعتقال غالبيتهم من منازلهم. كثير من الذين جرى اعتقالهم تم إطلاق سراحهم خلال أيام، وفي الغالب عقب محاكمات مستعجلة تنتهي بتطبيق بفرض عقوبة الجلد أو الغرامة، إلا أن هناك من تم احتجازهم لمدة أسابيع أو شهور بدون أن يتم توجيه تُهم لهم أو السماح لهم بمقابلة محامين أو زيارات أسرية.

صرّح الرئيس البشير في 6 أبريل/نيسان 2014 إنه سيقوم بإطلاق سراح كل "المتعقلين السياسيين" وتخفيف القيود المفروضة على أحزاب المعارضة ووسائل الإعلام. إلا أنه أصدر بعد بضعة أيام فقط المرسوم رقم 158، الذي ينص على منع الأحزاب السياسية من تنظيم اجتماعات حتى داخل مقارها بدون الحصول على إذن بذلك، كما ينص على عدم إقامة الندوات العامة إلا بعد الحصول على إذن من السلطات قبل 48 ساعة من إقامة الندوة. وفي 1 مايو/أيار أصدر المجلس السوداني لشؤون الأحزاب السياسية قراراً برفض طلب تقدَّم به الحزب الجمهوري لتسجليه كحزب سياسي، وعلّل المجلس رفضه تسجيل الحزب الجمهوري بأن أيدولوجية الحزب، ومسائل أخرى، تتعارض مع نص في الدستور يقضي بأن القانون السودانية يجب أن يكون قائماً على الشريعة الإسلامية.[5]

على الرغم من إطلاق سراح عدد من المعتقلين السياسيين خلال الأيام التي أعقبت إعلان البشير في أبريل/نيسان عن الإفراج عن المعتقلين، فإن السلطات قامت باعتقال أشخاص آخرين. إذ جرى اعتقال ثلاثة طلاب في 12 مايو/أيار على خلفية مشاركتهم في حملات احتجاجات على مقتل الطالب على أبّكر إدريس بواسطة قوات الأمن الحكومية في جامعة الخرطوم في 11 مارس/آذار 2014، وظل هؤلاء رهن الاعتقال لمدة شهرين لدى جهاز الأمن والمخابرات الوطني بدون أن توجه إلى أي منهم تهمة على خلفية انتمائهم السياسي الفعلي أو المشتبه فيه. وفي زيارة قصيرة، في يونيو/حزيران، سمحت بها سلطات الأمن خلال احتجازهم ظهرت على اثنين منهم آثار ضرب مبرح.[6]

اعتقلت السلطات في مايو/أيار الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة، على خلفية انتقاده لقوات الدعم السريع، وتم إطلاق سراحه بعد شهر. وقام جهاز الأمن والمخابرات الوطني والشرطة باعتقال العديد من أعضاء حزب المؤتمر السوداني على خلفية انتقادات مماثلة.

قامت منظمات سودانية بتوثيق حالات إضافية لاعتقال لفترات مطوّلة دون توجيه تهم بحق ناشطين على خلفية آرائهم السياسية الحقيقة أو على أساس الاشتباه، إذ تم اعتقال بعض هؤلاء لفترة تجاوزت خمسة شهور. فقد قام جهاز الأمن والمخابرات الوطني باعتقال الأستاذ الجامعي الدكتور صديق نورين عبد الله بمدينة الأُبيِّض، في شمال كردفان، بدون أن تُوجّه له تهمة، منذ 16 يناير/كانون الثاني، إذ تجاوزت فترة اعتقاله المدة القانونية المحددة بأربعة أشهر ونصف الشهر، حسبما منصوص عليه في قانون الأمن الوطني لسنة 2010.[7]

القيود المفروضة على حرية التعبير وحرية التجمع

استمر السودان في فرض أشكال مختلفة من القيود، التي تم توثيقها بصورة جيدة، على وسائل الإعلام من خلال الرقابة المباشرة والإدراج في قوائم المنع و/أو محاكمة الصحفيين، وتوجيه تعليمات لرؤساء تحرير الصحف بأن يقتصر تناول صحفهم للقضايا التي تقع ضمن "الخطوط الحمراء" فقط على ما تقرر الحكومة نشره.

ففي سبتمبر/أيلول 2013 شدّدت السلطات القيود المفروضة على وسائل الإعلام بهدف منع التغطية الإعلامية للاحتجاجات. إذ قام مسؤولو جهاز الأمن والمخابرات الوطني بإصدار تعليمات إلى رؤساء تحرير الصحف بعدم نشر مقالات تتعلق بالاحتجاجات، كما قاموا بمصادرة أعداد ثلاث صحف واستدعوا العديد من الصحفيين للتحقيق، كما قاموا بالتشويش على استقبال قنوات التلفزة الدولية، فضلاً عن حجبهم خدمة الإنترنت لمدة يوم. استأنفت غالبية الصحف ومحطات التلفزيون نشاطاتها، لكنها ظلت عرضة لرقابة مشددة.

فرضت السلطات رقابة ما بعد الطبع على ما يزيد على 15 صحيفة، بما في ذلك مصادرة أعداد مطبوعة من الصحف خلال الفترة بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار جهاز الأمن والمخابرات الوطني، إذ تمت مصادرة الأعداد المطبوعة لبعض الصحف عدة مرات. وتسببت الحملة المتشددة على الصحف في الحد بصورة كبيرة من توفر المعلومات المستقلة والمواد التي يرى جهاز الأمن والمخابرات الوطني أنها انتقادات لحزب المؤتمر الوطني الحاكم.[8]  

مارست السلطات السودانية بصورة روتينية الاستهداف والمضايقات والتهديد والإغلاق بحق منظمات المجتمع المدني. ففي السنوات الأخيرة السابقة استهدف جهاز الأمن والمخابرات فيما يبدو العديد من المجموعات التي تلقت تمويلاً خارجياً، فضلاً عن المجموعات التي تعمل في مجال حقوق الإنسان والمطالبة بمساءلة الذين يقفون وراء الفظائع التي يتم ارتكابها في مناطق النزاع.

ففي ديسمبر/كانون الأول 2012 قام مسؤولو جهاز الأمن والمخابرات الوطني بإغلاق ثلاث جمعيات تعمل في مجال المجتمع المدني ومنبر ثقافي، كما قاموا باستدعاء مسؤولي مجموعات أخرى للتحقيق. وقفت السلطات أيضاً حائلاً دون التسجيل القانوني لمجموعات أخرى، كما رفضت السماح بقيام نشاطات عامة في مختلف مدن السودان أو قامت بإلغائها. فقد أغلقت السلطات مطلع عام 2013 مجموعات تنتمي لمناطق جبال النوبة ومجموعات مسيحية، وقامت باعتقال عاملين فيها وصادرت ممتلكات. وأجرت السلطات تحقيقاً مع مسؤولي كنائس حول مصادر تمويل كنائسهم، فضلاً عن إبعاد الحكومة نحو 170 من أعضاء الكنائس الأجانب أو إجبارهم على مغادرة البلاد.

وخلال الشهور الأخيرة، منعت السلطات عدداً من المجموعات من إقامة فعاليات حول عملية إعداد الدستور وحول حقوق المرأة، وقضايا أخرى تحظى بالاهتمام العام. وأصدرت السلطات في يونيو/حزيران 2014 قراراً بإغلاق "مركز سالمة" بالخرطوم، وهو منظمة تعنى بحقوق المرأة.

حرية الدين

وفقاً للمادة 126 من القانون الجنائي السوداني، فإن المسلم الذي يتخلى عن الإسلام يكون مذنباً بالردة، وهي جريمة يُعاقَب عليها بالإعدام إلا إذا تراجع الشخص عن تخليه عن الإسلام خلال فترة ثلاثة أيام. ويتعارض هذا الحكم مع الحرية الأساسية للدين المنصوص عليها في دستور السودان، كما يتعارض مع المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وكان قاضي محكمة سودانية في الخرطوم قد أصدر حكماً في 15 مايو/أيار 2014 بالإعدام والجلد 100 جلدة على مريم يحيى إبراهيم، البالغة من العمر 27 عاماً، بعد إدانتها بجريمتي الردة والزنا على أساس رفض المحكمة الاعتراف بزواجها من مسيحي.[9]

تتعارض الإدانات والأحكام القاسية مع القانون السوداني والدولي وتشير إلى استمرار السودان في التمييز ضد الأقليات الدينية والنساء. وضعت مريم مولوداً خلال حبسها وهي مقيدة بالأغلال قبل أن يصدر في وقت لاحق قرار بإلغاء الحاكم الصادر بحقها لدى استئنافه عقب احتجاجات دولية. وعلى الرغم من إطلاق سراحها، لم تتمكن مريم من مغادرة السودان مع زوجها وطفليها، وذلك بسبب تُهم جديدة وجهتها لها السلطات تتعلق بوثيقة سفر أصدرتها لها دولة جنوب السودان.

دارفور

تم رصد ازدياد في الآونة الأخيرة في الهجمات التي تقودها الحكومة على القرى. ففي أواخر فبراير/شباط ومطلع مارس/آذار 2014 قامت قوات الدعم السريع، التي تم تشكيلها حديثاً، والتي جرى نشرها في السابق ضد متمردي الجبهة الثورية السودانية في شمال كردفان، بمهاجمة عشرات القرى التي يقطنها الفور والزغاوة في جنوب دارفور.

وكانت الهجمات، التي وقعت عقب مغادرة المتمردين للمنطقة، قد استهدفت المدنيين فيما يبدو، واضطرت الهجمات عشرات الآلاف منهم على مغادرة ديارهم. قامت الطائرات الحكومية بقصف للمنطقة أعقبه هجوم برّي قامت به أعداد كبيرة من القوات التي كانت تستقل مركبات "لاندكروزر" وجياد وجمال.[10] ووفقاً لشهود، فإن هذه القوات الحكومية قامت بتدمير حُفر تستخدم للحصول على المياه وسرقت مواش وأحرقت منازل. وواصلت القوات الحكومية منذ ذلك الوقت شن هجمات وحملات قصف على مناطق مأهولة بالسكان شرقي جبل مرة وشمال دارفور.

ازدادت كذلك وتائر العنف القبلي في دارفور خلال العامين الماضيين، خصوصاً بين مجموعات الرعاة العرب. وظلت قوات الحكومة السودانية غير راغبة أو غير قادرة على حماية المدنيين، وفي بعض الحالات شاركت في الهجوم على مدنيين.[11]وفي أبريل/نيسان 2013 شارك علي كوشيب، وهو زعيم ميليشيات معروف مطلوب بواسطة المحكمة الجنائية الدولية على خلفية تهم تتعلق بارتكاب جرائم في دارفور، في هجمات واسعة النطاق على قرية تقطنها قبيلة السلامات في وسط دارفور، قبل أن يتعرض لإصابة خطيرة في مايو/أيار. وتواصل القتال بين الجانبين في العام 2014.

واصل السودان منع قوات حفظ السلام التابعة للبعثة المشتركة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور (يوناميد) من دخول المناطق المتأثرة بالنزاع في دارفور. وتسبب أيضاً تدهور الأوضاع الأمنية في عرقلة عمل البعثة المشتركة، إذ لقي عشرات من الأفراد العاملين في قوات حفظ السلام، منذ إنشاء البعثة، مصرعهم نتيجة هجمات شنها عليهم مسلحون. ولا يزال دخول وكالات العون الإنساني إلى كافة مناطق النزاع محدوداً للغاية. تعرضت عمليات تقديم المساعدات الإنسانية للسكان المتأثرين للمزيد من العرقلة عندما قامت السلطات السودانية بتعليق عمليات اللجنة الدولية للصليب الأحمر في 1 فبراير/شباط 2014. وأصدرت اللجنة بياناً في 19 مايو/أيار أعربت فيه عن قلقها من يتسبب تعليق نشاطاتها لفترة تزيد على ثلاثة أشهر في "عواقب وخيمة على السكان في مناطق السودان المتأثرة بالنزاع المسلح."[12]  

جنوب كردفان وشمال كردفان والنيل الأزرق

واصلت قوات الحكومة السودانية، منذ اندلاع النزاع في العام 2011، المواجهات المسلحة مع قوات الجبهة الثورية السودانية، وهي تحالف مجموعات متمردة قامت بتشكيله الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال وجماعات التمرد الدارفورية. وكان القتال قد انتقل في أبريل/نيسان 2013 إلى شمال كردفان، ما أسفر عن نزوح عشرات الآلاف من السكان. واتسم القتال بوقوع انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان الدولية والقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك عمليات القصف الجوي العشوائي التي أسفرت عن مقتل وتشويه مئات المدنيين، كما تسببت في تدمير المدارس والعيادات الطبية وأبنية مدنية أخرى، فضلاً عن زرع الخوف والفزع في أوساط السكان المدنيين.

قامت الحكومة السودانية في ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني 2014 بنشر قوات الدعم السريع في جنوب كردفان. وإثر مواجهات مسلحة تم سحب القوت الحكومية إلى شمال كردفان في منطقة تقع جنوب مدينة الأُبيِّض، عاصمة الولاية. وأشارت عدة تقارير على حدوث هجمات مسلحة وعنف جنسي ضد سكان مدنيين في المدن القريبة من هذه المنطقة عقب نقل هذه القوات إليها. وفي مايو/أيار ويونيو/حزيران 2014 ازدادت حدة عمليات القصف الجوي في جنوب كردفان، وأشارت تقارير إلى قصف مناطق مدنية بمئات القنابل، بما في ذلك مستشفى ومنشآت تابعة لمنظمات إغاثة في جبال النوبة.[13]

تهريب وإبعاد اللاجئين الإريتريين

دفع آلاف من الإريتريين، الذين فروا إلى السودان منذ عقد الستينيات من القرن الماضي، حيث يعيشون في معسكرات للاجئين، أموالاً لمهربين سودانيين ومصريين لمساعدتهم على السفر من شرق السودان إلى إسرائيل عبر مصر. وقام مهربون سودانيون، منذ عام 2010، بالاعتداء على لاجئين إريتريين وتعذيبهم، بما في ذلك الاغتصاب والتشويه والحرق، لحملهم على دفع فدية. وقام أفراد في قوات الشرطة السودانية والجيش بتسليم إريتريين مباشرة إلى مهربين قاموا، بدورهم، بالاعتداء عليهم.[14]

سلّمت السلطات السودانية في شرق السودان، في 1 مايو/أيار 2104، 30 أريترياً إلى قوات الأمن الإريترية، ستة منهم مسجّلون كلاجئين.[15] وقامت قوات الأمن السودانية بإلقاء القبض على مجموعة في مطلع فبراير/شباط بالقرب من الحدود الليبية واحتجزتهم لفترة ثلاثة أشهر بدون أن توجه لأي منهم تهمة وبدون أن تسمح لهم بالاتصال برئيس المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.

 

 


[1]  مجلس حقوق الإنسان، القرار 24/28 المساعدة الفنية للسودان في مجال حقوق الإنسان، 27 سبتمبر 2013 - http://ap.ohchr.org/documents/dpage_e.aspx?si=A/HRC/RES/24/28

[2] قام المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام بتوثيق مقتل 185 شخصاً وتحقّق من أسماء 144 من الضحايا. انظر "المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام"، و"ريدريس": أزمة حقوق الإنسان في السودان"، تقرير تم تسليمه إلى لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قبل النظر في التقرير الدوري الرابع للسودان بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، يونيو/حزيران 2014.

[3] هيومن رايتس ووتش، "وقفنا وفتحوا علينا النار: عمليات القتل والاعتقال بواسطة قوات الأمن السودانية خلال احتجاجات سبتمبر/أيلول"، أبريل/نيسان 2014.

[4] المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام، "مصرع شخص وإصابة سبعة آخرين إثر إطلاق السلطات السودانية النار على طلاب بجامعة الخرطوم"، 12 مارس/آذار 2014. أمنستي إنترناشونال: "مقتل طالب بالرصاص واعتقال أكثر من 100 آخرين خلال مظاهرة احتجاج بالخرطوم http://www.amnesty.org/en/news/sudan-student-shot-dead-and-more-100-arrested-khartoum-protest-2014-03-11 (تم الاطلاع عليه في 17 يوليو/تموز 2014)

[5] المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام، "السودان: يجب ضمان سلامة المعتقلين"، 19 يونيو/حزيران 2014.

[6] بيان مشترك، المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام، أمنستي إنترناشونال، الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، هيومن رايتس ووتش، ريدريس، "السودان: يجب وقف الاعتقال التعسفي للناشطين"، 25 يونيو/حزيران 2014:  https://www.hrw.org/news/2014/06/25/sudan-end-arbitrary-detention-activists

[7] المصدر السابق.

[8] المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام، "مرصد حقوق الإنسان في السودان"، العدد 25.

[9]  أمنستي إنترناشونال، "السودان: حكم بغيض بالإعدام على امرأة على أساس دينها"، 15 مايو/أيار 2014: http://www.amnesty.org/en/for-media/press-releases/sudan-abhorrent-death-sentence-woman-grounds-her-religion-2014-05-15-1، (تم الاطلاع عليه آخر مرة في 17 يوليو/تموز 2014)

[10] هيومن رايتس ووتش، تجدد الهجمات على المدنيين في دارفور"، 21 مارس/آذار 2014: https://www.hrw.org/news/2014/03/21/sudan-renewed-attacks-civilians-darfur (تم الاطلاع عليه آخر مرة في 17 يوليو/تموز 2014)

[11] أمنستي إنترناشونال، "لا يمكن أن نتحمل أكثر من ذلك:

[12] بيان صحفي للجنة الدولية للصليب الأحمر، "السودان: استمرار تعليق النشاطات تترتب عليه عواقب إنسانية خطيرة"، 19 مايو/أيار 2014.

[13] أمنستي إنترناشونال، "السودان: هجمات على المدنيين في جنوب كردفان"، 25 يونيو/حزيران 2014: http://www.amnesty.org/en/library/info/AFR54/011/2014/en (تم الاطلاع عليه آخر مرة في 17 يوليو/تموز 2014)

[14] هيومن رايتس ووتش، "تمنيت لو أرقد وأموت": تهريب الإريتريين وتعذيبهم في السودان ومصر، 11 فبراير/شباط 2014: http://www.hrwj.org/node/122899

[15] هيومن رايتس ووتش، "السودان: يجب الكف عن ترحيل الإريتريين: ترحيل 30 قسراً إلى أريتريا، بمن في ذلك 6 مسجلون كلاجئين، 8 مايو/أيار 2014: https://www.hrw.org/ar/news/2014/05/08-1

 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

المنطقة/البلد

الأكثر مشاهدة