(بغداد) – إن على السلطات العراقية أن تحقق في ادعاءات التعذيب والمحاكمات غير العادلة للفلسطينيين في السجون العراقية. تناول مؤتمر في بغداد مؤخراً بحضور الرئيس العراقي جلال طالباني والرئيس الفلسطيني محمود عباس، مشكلات الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية، لكنه لم يراجع ادعاءات الانتهاكات الجسيمة ضد الفلسطينيين في السجون العراقية.
افتتح رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي المؤتمر ببغداد في 11 ديسمبر/كانون الأول 2012 معلناً دعم "حق السجناء الفلسطينيين الذين يعانون في سجون الاحتلال الإسرائيلية"، وذكر أن العراق "مصمم على أن يكون في صدارة الجهود الرامية للدفاع عن حقوق الشعوب وحرياتها". وقالت هيومن رايتس ووتش إن أيا من رئيس الوزراء أو المسؤولين العراقيين الآخرين لم يعلق على ادعاءات سجناء وأقاربهم بأن المحاكم العراقية أدانت فلسطينيين اثنين بناء على اعترافات منتزعة بالإكراه تراجع عنها الرجلان في المحكمة. تلقى أحد الرجلين حُكماً بالإعدام ونُقل إلى سجن تنفذ فيه وزارة العدل عادة أعمال الإعدام.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "مزاعم رئيس الوزراء المالكي بدعم الأسرى الفلسطينيين هي مزاعم مضحكة مبكية نظراً لسجل العراق الخاص بالتعذيب والمعاملة السيئة للمحتجزين داخل السجون العراقية، بمن فيهم الفلسطينيون المحتجزون في هذه السجون. على رئيس الوزراء أن يأمر بالتحقيق الفوري في ادعاءات الفلسطينيين القابلة للتصديق بالتعرض للتعذيب والمحاكمات غير العادلة وأن يأمر بإلغاء أية خطط لإعدامهم".
تلقىأحمد عامر عبد القادر محمد،30 عاماً، وهو فلسطيني وُلد في العراق، حكما بالإعدام في مايو/أيار 2011. ورد في حكم محكمة الرصافة الجنائية أن قوات الأمن العراقية قبضت على محمد في 21 يوليو/تموز 2006، في حي الزيونة ببغداد. قالت أسرته إنهم لم يتلقوا معلومات عن مكانه إلا بعد مرور عام على احتجازه، عندما اتصل ضابط شرطة بالأسرة ليخبرها أن محمد في السجن، مطالباً بمبلغ 200 دولار أمريكي لكي يسمح لهم بالحديث إليه.
قامت أسرة محمد بزيارته في مركز احتجاز بحي البلديات في بغداد في أغسطس/آب 2007. قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إنهم فزعوا عندما رأوه "في حالة سيئة للغاية" على حد وصف أحد أقاربه. كان على جسده "آثار تعذيب" بما في ذلك ندبات واضحة من آثار الحروق. قال محمد لأسرته إن المحققين ثقبوا يده اليسرى وكسروا قدمه اليمنى وسكبوا الشاي الحار على جسده، ووضعوا الملح على حروقه. وفي سبيل إنهاء التعذيب اعترف محمد بأنه عضو في جماعة مسلحة كانت تعتزم زرع متفجرات.
حكمت محكمة جنايات الرصافة ببغداد على محمد بالإعدام إثر محاكمة أدت إلى ادعاءات بانتهاكات جسيمة لحقه في المحاكمة العادلة. قال محامو الدفاع إن الشهود قدموا شهادات متناقضة. سحب محمد اعترافه في المحكمة وذكر أنه تم انتزاعها منه بالتعذيب، واطلعت المحكمة على تقرير طب جنائي صادر من وزارة الصحة يوثق الندبات على جسده التي تتفق مع كونها من آثار التعذيب.
وبرغم ذلك حكمت المحكمة على محمد بناء على اعترافه المسحوب، طبقاً لوثائق المحكمة التي حصلت عليها هيومن رايتس ووتش. في أكتوبر/تشرين الأول أحيل إلى سجن في مخيم العدالة، المعروف بأنه يشهد تنفيذ عمليات الإعدام، وهو ما زال هناك بانتظار قرار بشأن طلب قدمه محاموه بإعادة محاكمته بدعوى وجود مخالفات بيّنة شابت قضيته.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات العراقية وقف حُكم الإعدام وإجراء تحقيق شامل ومستقل في ادعاءات محمد بالتعرض للتعذيب.
محمود محمد كمال أحمد، فلسطيني يبلغ من العمر 30 عاماً وُلد في العراق، وقد أدين بدوره بناء على اعترافات تراجع عنها. قالت مصادر مقربة من أحمد لـ هيومن رايتس ووتش إنه احتجز في البداية يوم 17 مارس/آذار 2007 عندما عرض بطاقة هوية مزيفة لدى نقطة تفتيش للشرطة في ذروة العنف الطائفي في العراق. قال أحمد لهذه المصادر إن المحققين عذبوه "بطرق عديدة" على مدار ستة أشهر لإجباره على "الاعتراف بقتل قوات عراقية واغتصاب سيدات عراقيات". كسر المحققون ساقه وخلعوا كتفه وكسروا بعض أسنانه وهددوه بقتل أمه وأخته، على حد قوله.
حصلت هيومن رايتس ووتش على نسخة من الفحوصات الطبية التي أجرتها مؤسسة الطب الجنائي التابعة لوزارة الصحة بتاريخ 10 أغسطس/آب 2008، بعد أكثر من عام من القبض عليه وبداية استجوابه. يوثق التقرير ندبات على أجزاء متعددة من جسده، بما في ذلك "ندبات على حاجبه الأيمن وأنفه ومنطقة الذقن، والمرفق الأيمن والإبهام الأيسر وراحة اليد اليمنى والقضيب" وكانت الندبات أقدم من ستة أشهر حسب التقرير.
اعترف أحمد بالعضوية في جماعة تنظيم التوحيد والجهاد في بلاد الرافدين المسلحة، وأنه زرع متفجرات في عام 2006 وقتل أمريكيين. في محاكمته تراجع عن اعترافه وادعى أن هذه الاعترافات انتزعت منه تحت تأثير التعذيب. لم تقدم النيابة أية أدلة أخرى ضده.
أدانت المحكمة أحمد في 15 ديسمبر/كانون الأول 2009 والواضح أن ذلك كان بناء على اعترافه الذي سحبه لا أكثر. في 22 فبراير/شباط 2010 قدم المدعي العام اعتراضاً على الحُكم، ينص على أن أن الأدلة ضد أحمد غير كافية وطالب بالإفراج عنه. ورد في "اعترافات" أحمد أنه شارك في أعمال إرهابية في فبراير/شباط ومارس/آذار وأكتوبر/تشرين الأول 2006 – وهو ما قال المدعي العام إنه أمر مستحيل لأنه احتُجز منذ 25 يناير/كانون الثاني 2005 إلى يونيو/حزيران 2006 في سجن معسكر بوكا. غير أن محكمة النقض أيدت الحكم.
تكررت دعوات أقارب السجناء الفلسطينيين في السجون العراقية لأن يتدخل ممثلو السلطة الفلسطينية بالنيابة عن أقاربهم المسجونين في العراق. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التأكد مما إذا كانت السلطات الفلسطينية قد طلبت زيارة محمد أو أحمد في مركز احتجاز كل منهما في العراق، أو رتبت لتوفير تمثيل قانوني مناسب لهما.
بموجب اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية، التي صدق عليها العراق في عام 1963، يجب بالنسبة للمسؤولين القنصليين أو من ينوب عنهم "أن يكون لهم حق زيارة أي من رعايا الدولة الموفدة، المسجون أو الموقوف أو المحتجز احتياطيا أو الخاضع لأي شكل من أشكال الاحتجاز، والتحدث إليه، ومراسلته، واختيار ممثل قانوني له".
وقال جو ستورك: "المؤتمر الدولي للتضامن مع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال الإسرائيلي يعتبر فرصة مثالية لممثلي السلطة الفلسطينية لأن يفوا بالتزاماتهم إزاء مواطنيهم، وأن يساهموا في حمايتهم داخل السجون العراقية، وأي شيء أقل من هذا يعتبر محض نفاق. على السلطات العراقية والفلسطينية على حد سواء أن تفي بوعودها".