(نيويورك) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن الجيش المصري لم يحقق أو يلاحق أحداً بتهمة الاعتداء الجنسي على سبع سيدات، من قبل عناصر من الجيش بتاريخ 10 مارس/آذار 2011 في السجن العسكري بمنطقة الهايكستب العسكرية، بدعوى إجراء "اختبارات عذرية". بعد أكثر من سبعة أشهر، تبين أيضاً إخفاق النيابة العسكرية في التحقيق على النحو الملائم في حوادث تعذيب أخرى موثقة بحق هؤلاء النساء و13 أخريات، وما يُقدر بـ 170 رجلاً، في 9 مارس/آذار داخل أسوار المتحف المصري.
سميرة إبراهيم – السيدة الوحيدة بين السيدات السبع التي تقدمت بشكوى اعتداء جنسي طرف النيابة العسكرية – قالت لـ هيومن رايتس ووتش إنها تتلقى مكالمات تهديد من مجهولين.و كان ذلك هو النمط السائد طوال رئاسة حسني مبارك، إذ دأبت قوات الأمن على ترهيب الضحايا والشهود في شكاوى الانتهاكات.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "يحاول الحُكام العسكريون إخفاء واحدة من أبشع الانتهاكات التي ارتكبتها قواتهم هذا العام. ويتم بذلك حرمان الضحايا من حماية القانون بعد صدمة الاعتداء الجنسي ".
هذا الإخفاق في التحقيق يُبرِز مشاكل نظام المحاكم العسكرية، حيث يتبع من يحققون وينظرون القضايا سلسلة القيادة ومن ثم لا يتمتعون بالاستقلال عن الأفراد الذين يجري التحقيق معهم. ودعت هيومن رايتس ووتش إلى إحالة جميع القضايا الضالع فيها مدنيين، سواء كضحايا أو مدعى عليهم، إلى القضاء المدني. ويصر القضاء العسكري على أنه صاحب الاختصاص الوحيد في نظر الشكاوى الخاصة بالعاملين بالجيش، بما في ذلك قضايا وقعت في شهر أكتوبر/تشرين الأول، عندما دهست آليات عسكرية متظاهرين أقباط.
تقدم محامو سميرة إبراهيم بالشكوى في 23 يونيو/حزيران بمقر النيابة العسكرية. استدعى نائب رئيس النيابة العسكرية سميرة إبراهيم بعد ثلاثة أيام لأخذ شهادتها. وفي 10 مارس/آذار، كانت النيابة قد استدعت طبيباً بالجيش كان في الخدمة بالسجن الحربي فأنكر حدوث ذلك الإجراء بحق السيدات. قال أحمد حسام – محامي سميرة إبراهيم – لـ هيومن رايتس ووتش إنه لم يسمح له بحضور تلك الجلسة.
قال حسام إن النيابة العسكرية أمرت الشرطة العسكرية بعمل تحريات بالسجن الحربي من أجل إثبات أو إنكار شكوى سميرة إبراهيم. وبعد ذلك – على حد قول حسام لـ هيومن رايتس ووتش – كلما سأل عن التقدم المحرز في التحقيق والتحريات، تخبره النيابة العسكرية بأن نتائج التحقيق الخاص بالشرطة العسكرية في السجن الحربي "غير جاهزة بعد".
ولقد تكرر إنكار أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة إجراء اختبارات العذرية، بما في ذلك ما ورد من تصريحات للواء محمد العصار واللواء إسماعيل عتمان في 11 أبريل/نيسان على برنامج "آخر كلام" التلفزيوني.
لكن في 30 مايو/أيار أكد لواء بالمجلس العسكري طلب عدم ذكر اسمه لشبكة السي إن إن أن الجيش أجرى اختبارات عذرية. وقال: "لم نرغب في أن يقلن إننا قمنا باغتصابهن أو بالاعتداء عليهن جنسياً، من ثم أردنا أن نثبت أولاً أنهن لسن عذراوات". وأضاف: "البنات اللاتي تم القبض عليهن لسن كبنتك أو بنتي. هؤلاء البنات كانوا في خيام مع متظاهرين رجال في ميدان التحرير، ووجدنا في الخيام زجاجات مولوتوف و[مخدرات]".
وفي البيان رقم 29 للمجلس الأعلى للقوات المسلحة على صفحة المجلس الرسمية على الفيس بوك، بتاريخ 28 مارس/آذار، ورد أن الجيش قد قام بـ "اتخاذ الإجراءات اللازمة للوقوف على صحة" الأنباء الخاصة بـ "تعذيب فتيات تم اعتقالهن خلال الاغعتصام الأخير في ميدان التحرير". وفي 6 يونيو/حزيران قال لـ هيومن رايتس ووتش أحد لواءات المجلس العسكري متحدثاً عن اختبارات العذرية: "لا يمكننا تأكيد أو نفي تلك الواقعة لأنها تخضع للتحقيق حالياً". وأضاف أن المجلس العسكري "أصدر تعليماته بألا يتكرر ذلك الأمر مرة أخرى".
وقال جو ستورك: "تستغرق التحقيقات في النيابة العسكرية في العادة من أسبوع إلى اثنين قبل أن تتم إحالتها إلى المحكمة أو يُحفظ التحقيق فيها، وكثيراً ما ينتهي القضاة من المحاكمة في جلسة أو اثنين". وأضاف: "بعد سبعة شهور يمكننا أن نستنتج أن جنرالات المجلس ورغم وعودهم، لا يعتزمون إطلاقاً التحقيق مع أي أحد أو ملاحقة أحد على هذا الاعتداء الجنسي الإجرامي".
قام محامون حقوقيون من مركز هشام مبارك للقانون ومركز النديم لتأهيل ضحايا التعذيب والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية برفع قضيتين بالنيابة عن سميرة إبراهيم أمام مجلس الدولة، المحكمة الإدارية المصرية، للطعن في عدم اتخاذ الجيش للإجراءات اللازمة. القضية الأولى للطعن في القرار الإداري بإجراء اختبارات العذرية في السجن الحربي، ومن المقرر عقد الجلسة الثانية لهذه القضية في 29 نوفمبر/تشرين الثاني. القضية الثانية ضد القرار الإداري بإحالة القضية التي رفعتها سميرة إبراهيم – وهي مدنية – إلى المحكمة العسكرية – وسوف يتم الفصل في هذه القضية في 13 ديسمبر/كانون الأول.
تفريق اعتصام سلمي
في عصر 9 مارس/آذار قام الجنود ورجال في ثياب مدنية بتدمير مخيم للمتظاهرين في صينية ميدان التحرير التي تتوسطه، حيث كان الناس يخيمون بشكل متقطع منذ 28 يناير/كانون الثاني. اعتقل ضباط الجيش 20 امرأة على الأقل، بالإضافة إلى 174 رجلاً على الأقل، ونقلوهم جميعاً إلى داخل أسوار المتحف المصري، حيث نصب الجيش قاعدة مؤقتة منذ احتجاجات يناير/كانون الثاني، وقاموا بتعذيبهم. وثقت هيومن رايتس ووتش كيف قام الجيش بضرب وجلد وركل الرجال وضرب النساء وتقييدهم بالسلاسل إلى السور الحديدي، وصعقهم بالكهرباء. رشا عزب، صحفية تبلغ من العمر 28 عاماً بجريدة الفجر الأسبوعية، قالت لـ هيومن رايتس ووتش كيف تم تقييد يديها إلى سور حديقة المتحف الخارجية:
ركلوني في بطني وضربوني بالعصي الخشبية وصفعوني على وجهي. وجهوا لي السباب. وذات مرة، قام أحدهم بشد رباط يديّ. وقفت هكذا لأربع ساعات، ورأيت العشرات من الرجال وهم يُسحلون على الأرض ويجلدون بالسياط. كانوا جميعاً ممن بقوا في الميدان. سمعت الناس تصرخ من داخل المتحف وهم [الجنود] يقولون: احمدوا ربنا أنكم مش جوه".
أفرج الجيش عن ثلاث نساء ذكرن أنهن صحفيات لكنه أخذ 17 سيدة أخرى مع 157 رجلاً إلى القاعدة العسكرية س 28، وفيها المحكمة العسكرية. تحفظ الجنود على السجناء في الحافلات تلك الليلة، ثم نقلوهم إلى السجن الحربي في الصباح، وأخذوهم إلى المحكمة العسكرية في العصر. بعد محاكمات دامت أقل من 30 دقيقة، حكمت المحكمة على النساء الـ 17 جميعاً بالسجن لمدة سنة مع إيقاف التنفيذ بتهمة "البلطجة". وأفرج الجيش عنهن في 11 مارس/آذار.
اختبارات العذرية
شهد السجن الحربي الاعتداءات الجنسية بحجة إجراء اختبارات العذرية. قابلت هيومن رايتس ووتش سميرة إبراهيم وضحية أخرى، هي سلوى الحسيني، وراجعت شهادة ضحيتين آخريين حصل عليها أطباء من مركز النديم لتأهيل ضحايا التعذيب. الأربعة أجمعت شهاداتهم على أن في صباح 10 مارس/آذار دخل اثنين من الضباط إلى الزنزانة التي كانت تستضيف 17 امرأة وسألوهم من منهم متزوجة ومن ليست متزوجة. هذا سؤال من أجل تحديد الناشطات جنسياً بين السجينات، بما أن الكثير من المصريين يعتبرون الجنس بدون زواج غير مقبول اجتماعياً ودينياً.
قالت سميرة إبراهيم لـ هيومن رايتس ووتش:
دخل إلى الزنزانة رجلان في زي عسكري. سألونا من منّا "مدامات" و"مين آنسات"، ثم قالوا لنا نحن السبعة أنهم سيفحصونا ليتحققوا من كوننا عذراوات. أخذونا واحدة وراء الأخرى. عندما حان دوري أخذوني إلى سرير في الممر أمام الزنزانة. كان هناك الكثير من الجنود حولنا وكان بإمكانهم رؤيتي. طلبت أن يبتعد الجنود فقام الضابط الذي رافقني للخارج بصعقي بعصا مكهربة. قامت السجانة بالوقوف عند رأسي وقام رجل في زي عسكري بفحصي بيده لعدة دقائق. كان الأمر مؤلماً، واستغرق وقتاً طويلاً، وكان من الواضح أن المقصود من فعلته هذه "أنه يذلنى".
وقالت سلوي الحسيني لـ هيومن رايتس ووتش:
عندما أخذوني إلى السجن الحربي قال الضابط للحراس إننا معتقلات بتهمة الدعارة. عندما نقلونا إلى النيابة ثانى يوم لم تكن هناك أي اتهامات منسوبة إلينا لها علاقة بالدعارة. صباح الخميس جاء الضباط وقالوا إنهم سيفحصون عذريتنا. أخذوني إلى سرير في الممر وأجبروني على خلع بنطلوني. استخدم الضابط أصابعه ليفحصني. كان يرتدي معطفاً أبيض اللون فوق زيه الرسمي. وكان حوله ثلاثة أو أربعة جنود. عندما سألت إن كان من الممكن أن تفحصني امرأة قالوا: "ده دكتور ومعاه شهادة".
قالت سميرة إبراهيم لـ هيومن رايتس ووتش إنها في اليوم التالي لتقديمها الشكوى بدأت في تلقي مكالمات هاتفية على هاتفها المحمول من أرقام غير ظاهرة. الأرقام في مصر تظهر على شاشة المتصل به باستثناء المكالمات الواردة من الأجهزة الأمنية مثل المخابرات العامة أو أمن الدولة سابقاً.
وقال جو ستورك: "كان من أسباب مظاهرات يناير/كانون الثاني الأساسية تفشي الإفلات من العقاب على انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة". وتابع: "لابد ألا تضطر سميرة إبراهيم الآن لمواجهة الجيش حتى تحمي كرامتها وحتى تنال التعويض والإنصاف على هذا الانتهاك المروع لحقوقها".
القانون الدولي
بصفة مصر دولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، فهي مُلزمة بحماية النساء من المعاملة القاسية أو اللاإنسانية والتمييز، وأن تضمن لهن الحق في الخصوصية. اختبارات العذرية الإجبارية تنتهك هذه الالتزامات الثلاثة، على حد قول هيومن رايتس ووتش.
كما أن اختبارات العذرية تنتهك ضمانات عدم التعرض للتمييز، كما وردت في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وهو ما انعكس في الإعلان الدستوري بتاريخ 30 مارس/آذار الذي يعتبر الدستور الانتقالي لمصر. لجنة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة سبق وذكرت أنها تنظر "بكثير من القلق إلى ممارسات اختبارات طب النساء التي تُجرى جبراً على السيدات... بما في ذلك على السجينات". وشددت اللجنة على أن مثل هذه الممارسات الإكراهية مهينة وتمييزية وغير آمنة وتشكل خرقاً من السلطات للسلامة الجسدية للفرد ولكرامة المرأة.
إجراء اختبارات العذرية دون وجود موافقة مستنيرة من الفتاة أو السيدة خرق لحقها في السلامة الجسدية والكرامة والخصوصية والمساواة أمام القانون، وقد يرقى هذا الاختبار إلى اعتداء جنسي. مثل هذه الاعتداءات لا يمكن تبريرها، إذ أنها تستند إلى افتراض تمييزي من حيث المبدأ، هو افتراض أن عذرية المرأة من الأمور التي تخص الدولة أو الحكومة. بموجب القانون الدولي، فإن اختبارات العذرية رهن الاحتجاز تعتبر معاملة قاسية ولاإنسانية. هذه الاختبارات مؤلمة ومهينة ومخيفة. وقد شهدت الضحايا بإجبارهن على خلع ثيابهن والخضوع للاختبارات، وهو أمر حاط بالكرامة، بما أنه انتهاك بدني وبما ينطوي عليه من تهديدات قد يتمخض عنها إجراء الاختبار، بما أنهن رهن الاحتجاز وتحت تصرف من أجروا عليهن الاختبارات.
وقال جو ستورك: "لا يمكن للجيش أن يقدم نفسه بصفته الوصي الموثوق للعملية الانتقالية السياسية ما لم يطبق بحزم قواعد سيادة القانون على سلوكه هو خصياً وحتى يحقق تحقيقات شاملة في أي انتهاكات".