(نيويورك) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على السلطات السودانية أن تضع حداً لحملتها القمعية على أعضاء أحزاب المعارضة والمنتقدين للحكومة.
شهدت الأسابيع الثلاثة الماضية وحدها اعتقال القوات الحكومية لأكثر من 100 معارض فعلي أو مُتصوَّر للحكومة، بينهم الكاتب والفنان والناشط ومستشار الدولة السابق للشؤون الثقافية، عبد المنعم رحمة، الذي اعتقلته أمن الدولة في الدمازين، بولاية النيل الأزرق في 2 سبتمبر/أيلول 2011، بحسب تقارير تلقتها هيومن رايتس ووتش.
وقال دانييل بيكيلى، مدير قسم أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "بدلاً من محاولة إسكات المنتقدين بالخوف والتهديد، على السودان أن يعزز الحوار السياسي في مواجهة التحديات السياسية المعقدة التي تواجهها البلاد. لن يؤدي زيادة القمع إلا للتكريس لمزيد من العنف والانتهاكات".
أصبح جنوب السودان دولة مستقلة في 9 يوليو/تموز بموجب استفتاء يناير/كانون الثاني الذي اتبع شروط اتفاق السلام الشامل لعام 2005، والذي وضع حداً للحرب الأهلية السودانية.
وقامت السلطات السودانية بشن حملة قمعية استهدفت الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال، خليفة حزب الحركة الجنوبية الشعبية لتحرير السودان، والتي تقاسمت السلطة مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم حتى استقلال الجنوب. وقامت السلطات باعتقال المئات من المشتبه بانتمائهم بالعضوية إلى الحزب، ومنعت الأحزاب السياسية، وقيدت من التغطيات الإعلامية. بدأت الحملة القمعية مع اندلاع مواجهات جديدة بين القوات السودانية المسلحة والحركات المسلحة المعارضة في الجانب الشمالي للحدود مع جنوب السودان المستقل حديثاً.
وكان جنود حكوميون وعناصر قوات أمنية أخرى قد قاموا في يونيو/حزيران باعتقال الكثير من المواطنين الذين ينتمون لمناطق جبال النوبا، للاشتباه في دعمهم للحركة الشعبية لتحرير السودان، وتمت الاعتقالات من نقاط التفتيش ومع تفتيش البيوت في كادوقلي وبلدات أخرى. كما نفذت القوات الحكومية عمليات قتل خارج نطاق القضاء وأعمال ضرب ونهب وإحراق للمنازل والكنائس. بحسب تقرير أصدره مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في أغسطس/آب، فقد أطلقت القوات الحكومية النار على العاملين بقوة حفظ السلام الأممية وهددت بقتلهم، واعتقلت مواطنين سودانيين يعملون في الأمم المتحدة كانوا قد حاولوا المغادرة عن طريق مطار كادوقلي في 22 يونيو/حزيران. اثنان من المعتقلين ما زالا رهن الاحتجاز. وقد حذر المفوض السامي من أن انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في جنوب كردفان قد ترقى لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وفي 26 يونيو/حزيران اعتقل مسؤولو أمن الدولة د. بشرى قمر حسين رحمة، الناشط الحقوقي المعروف الذي ينحدر من مناطق جبال النوبا، واحتجزته في مركز احتجاز خاص بأمن الدولة في الخرطوم لمدة 3 أسابيع قبل أن تنقله إلى سجن. أمرت النيابة بالإفراج عنه في 14 أغسطس/آب لغياب الأدلة، لكن مسؤولي أمن الدولة قبضوا عليه مرة أخرى في اليوم نفسه، وهو محتجز في مقر أمن الدولة في الخرطوم، حيث لا تصله أي زيارات من محاميه أو أسرته.
وكانت موجة الاعتقالات الثانية، المتزامنة مع اندلاع القتال في النيل الأزرق، بتاريخ 2 سبتمبر/أيلول، إذ اعتقلت قوات الأمن أكثر من 100 شخص مشتبه في انتمائهم لعضوية الحزب، وأغلقت مقار حزبية، وصادرت متعلقات حزبية وشخصية للأعضاء في مختلف بلدات السودان، بما في ذلك في دارفور. وتم الإفراج عن المحتجزين خلال ساعات أو أيام، بعد أن تم إجبارهم على التوقيع على وثائق تفيد تخليهم عن انتماءاتهم الحزبية، بحسب أقوال سجناء مفرج عنهم لـ هيومن رايتس ووتش. وقالت الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، إن 149 عضواً بالحزب قد تعرضوا للاحتجاز في شتى أنحاء السودان، حتى 15 سبتمبر/أيلول، والأغلبية في النيل الأزرق والخرطوم. ما زالت أعداد المحتجزين الدقيقة وأماكنهم غير معروفة.
وقال دانييل بيكيلى: "لابد أن تكشف الحكومة فوراً عن أسماء جميع الرجال والنساء المحتجزين وأن تكشف للقيادات القبلية وأسرهم عن أماكن احتجازهم". وتابع: "لابد أن تفرج السلطات عنهم أو تنسب إليهم اتهامات، وأن تتيح لهم مقابلة أسرهم ومحاميهم".
وهناك قلق قائم من تعرض المحتجزين للمعاملة السيئة والتعذيب. فالمحتجزون المفرج عنهم الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش في يوليو/تموز، أظهروا آثار تعذيب على أجسادهم. وفي وقت سابق من عام 2011، وثقت هيومن رايتس ووتش ومنظمات أخرى نمطاً من تعذيب الطلاب المتظاهرين الذين جرى القبض عليهم على يد قوات الأمن أثناء تظاهرات مطالبة بالديمقراطية في الخرطوم. كما أن منظمات حقوق الإنسان تطالب السودان منذ فترة طويلة بإصلاح جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني، الذي يستغل بشكل دائم صلاحياته الموسعة في اعتقال واحتجاز المعارضين لحزب المؤتمر الوطني، وهو معروف بإساءة معاملة المحتجزين وتعذيبهم.
بالإضافة إلى الاعتقال والاحتجاز التعسفيين، شدد المسؤولون الأمنيون السودانيون أيضاً من القيود على الإعلام وحرية التعبير. ففي منتصف سبتمبر/أيلول حذر مسؤولو الأمن رؤساء التحرير من نشر بيانات لقيادات الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال، من دارفور، حيث يدخل النزاع هناك الآن عامه الثامن ولا توجد بوادر على نهايته قريباً. ورغم أن السودان لم يستأنف ممارسات الرقابة السابقة على الطباعة (الرقابة القبْلية) التي كانت تستخدم في الماضي، فقد صادر مسؤولو الأمن أعداداً من صحف الميدان والجريدة والصحافة وأخبار اليوم بسبب احتوائها على موضوعات عن القتال أو مقالات لكُتاب يعارضون الحزب الحاكم.
وقال دانييل بيكيلى: "هذه القيود على حرية التعبير وإتاحة المعلومات تعرقل الحوار العام حول الأحداث الكبرى المهمة للمواطنين. يبدو أن السلطات السودانية تسعى لمنع الحوار العام ولإبعاد المعلومات عن متناول الجمهور والمجتمع الدولي".
وكانت قوات الأمن في مدينة الابيض قد منعت في مطلع يونيو/حزيران مراسلين من الجزيرة من السفر إلى جنوب كردفان. وأجبر السودان أيضاً عناصر بعثة حفظ السلام الأممية على الخروج إثر رفضه تجديد ولاية البعثة، التي انتهت في يوليو/تموز، وقيّد من قدرة المنظمات الإنسانية على مساعدة النازحين في جنوب كردفان والنيل الأزرق. وقال الرئيس عمر البشير في 23 أغسطس/آب إنه لن يُسمَح للمنظمات الإنسانية بالدخول إلى جنوب كردفان.
وفي يوليو/تموز منعت السلطات صدور صحيفة أجراس الحرية اليومية المعارضة المعروفة المنتمية لمؤيدي الحركة الشعبية لتحرير السودان، بالإضافة إلى خمس صحف أخرى تصدر من جنوب السودان. وفي هذا الشهر، منعت السلطات صدور صحف أخرى وحظرت 17 حزباً سياسياً – بينها الحركة الشعبية لتحرير السودان-الشمال – من صلاتهم "الأجنبية" المزعومة بجنوب السودان. يبدو أن هذا التحرك يهدف إلى تهيئة سند قانوني للتحرك ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان-الشمال خلال الأسابيع الأخيرة، على حد قول هيومن رايتس ووتش.
وقال دانييل بيكيلى: "مع استقلال الجنوب، أصبح لدى السودان فرصة للوفاء بوعود الإصلاح القائمة منذ فترة طويلة". وأضاف: "لابد أن يتخذ السودان خطوات فورية للتراجع عن موجة القمع الحالية وأن يُظهر التزامه بصيانة الحقوق المدنية والسياسية للشعب السوداني".
خلفية
اندلع النزاع المسلح بين الحكومة والمعارضة المسلحة في جنوب كردفان في 5 يونيو/حزيران وانتقل إلى النيل الأزرق في 2 سبتمبر/أيلول، عندما أعلن الرئيس البشير حالة الطوارئ وأقال والي الولاية، مالك عقار، رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان-الشمال، وعيّن بدلا عنه قائدا عسكريا. الولايتان الواقعتان شمال الحدود مع جنوب السودان يعيش فيهما سكان مهمشون منذ زمن طويل، ولهما صلات قديمة بالحركة الشعبية لتحرير السودان، التي كانت حركة متمردة وأصبحت حالياً الحزب الحاكم في جنوب السودان.
إثر استقلال جنوب السودان بموجب اتفاق السلام الشامل، أصبح من المقرر أن يشكل السودان حكومة جديدة ويُصدر دستوراً جديداً. إلا أنه حتى الآن لم يُظهر حزب المؤتمر الوطني الحاكم استعدادا كافيا لضم أحزاب جديدة أو لجعل العملية الدستورية شفافة، طبقاً لقياديين بالمجتمع المدني في الخرطوم.