(دمشق، 31 أكتوبر/تشرين الأول 2008) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن الحُكم السوري على اثني عشر شخصاً من قيادات الحركة الديمقراطية بالسجن لأكثر من عامين هو آخر دليل على القمع السوري لجماعات المعارضة. وتم الحُكم على النشطاء الديمقراطيون، ومنهم أطباء ومحامون وكُتاب وفنان في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2008 بالسجن ثلاثين شهراً بناء على اتهامات سياسية الدوافع.
وحضرت هيومن رايتس ووتش جلسة الحُكم ودعت الرئيس بشار الأسد إلى الإلغاء الفوري لأحكام الإدانة والأمر بإخلاء سبيل المعتقلين.
وفي جلسة الحُكم التي استغرقت بالكاد 20 دقيقة، أدانت محكمة الجنايات الأولى بدمشق، برئاسة القاضي محيي الدين حلاق، 12 ناشطاً بناء على اتهامات فضفاضة التعريف بـ "إضعاف الشعور القومي" و"نقل أنباء كاذبة أو مبالغ فيها من شأنها أن توهن نفسية الأمة". وكانت السلطات قد اعتقلت النشطاء الديمقراطيين، ومن بينهم النائب البرلماني السابق رياض سيف، بعد أن شاركوا في اجتماع ديسمبر/كانون الأول الماضي للمجلس الوطني لإعلان دمشق للتغيير الديمقراطي، وهو إئتلاف يضم جماعات معارضة وجماعات مناصرة للديمقراطية.
وإعلان دمشق الذي تم تأسيسه في عام 2005 هو تحالف بين أحزاب سياسية ونشطاء مستقلين، هدفهم المُعلن هو بناء الدعم داخلياً للتغير الديمقراطي السلمي في سوريا.
وقالت سارة ليا ويتسن المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: " تقوم الحكومة بسجن النشطاء الديمقراطيين لمجرد حضورهم اجتماع في محاولة "شفافة" منها لإسكات منتقديها". وتابعت قائلة: "كانت المحاكمة مجرد غطاء لإضفاء الشرعية على قمع الحكومة لهذه المجموعة".
وقالت هيومن رايتس ووتش إن اعتقال النشطاء ومحاكمتهم مشوب بالمخالفات منذ البداية. فقد احتجزت قوات الأمن السورية النشطاء في بادئ الأمر حوالي 40 يوماً في الحبس الانفرادي بمعزل عن العالم الخارجي. وقال 8 من بين الاثني عشر محتجزاً لقاضي التحقيق إن مسؤولي أمن الدولة قاموا بضربهم أثناء الاستجواب وأجبروهم على توقيع إفادات كاذبة "للاعتراف" بأنهم خططوا لتلقي أموال من دول أجنبية لتقسيم الدولة ومنح الأكراد دولة مستقلة. وأحد المحتجزين، وهو علي العبد الله، أصيب بضرر في أذنه جراء الضرب الذي تعرض له. ولم تأمر المحكمة بإجراء أي تحقيق مستقل في المزاعم الخاصة بإساءة المعاملة.
وأثناء المحاكمة، أكد النشطاء مشاركتهم في إعلان دمشق، لكنهم قالوا إنهم بريئون من الاتهامات المنسوبة إليهم. وفي جلسة الدفاع بتاريخ 24 سبتمبر/أيلول، أبدى المدعى عليهم شكوكهم بشأن المحاكمة بما أن "ما يُحاكم هو حريتهم في التعبير". وقال وليد البني، أحد المحتجزين، للمحكمة أثناء دفاعه إنه "لا جدوى من الدخول في تفاصيل دفاعي، لكنني سأسأل سؤالاً: ما هو أساس هذه الإتهامات؟".
وقال أحد محاميّ الدفاع لـ هيومن رايتس ووتش إنه من المرجح أن يطعن فريق الدفاع في الحُكم خلال فترة الثلاثين يوماً المُحددة لذلك. ولخص الحُكم بقوله "أصبح الانتماء لـ "إعلان دمشق" جريمة". وأبدت زوجة أحد المعتقلين المحكومين ممن اعتقلوا في السابق بشأن نشاطهم، اشمئزازها من المُحاكمة، وقالت: "لا نعرف بماذا نشعر. لا أبالي إذا حكموا عليه بعامين ونصف أو عشرة أعوام. يجب ألا يكون زوجي داخل السجن من الأساس".
ولسوريا تاريخ طويل في محاكمة النشطاء السياسيين الذين يعبرون عن آرائهم سلمياً. وفي 13 مايو/أيار 2007، حكمت محكمة الجنايات الثانية بدمشق على أربعة نشطاء بارزين، منهم الكاتب البارز ميشيل كيلو والناشط السياسي محمود عيسى بالسجن لفترات تتراوح بين ثلاثة إلى عشرة أعوام بتهمة "إضعاف الشعور القومي" بعد أن وقعوا على وثيقة يدعون فيها إلى تحسين العلاقات اللبنانية السورية.
وللأجهزة الأمنية السورية نفوذ واضح في محاكمة النشطاء السياسيين، سواء تم نظر القضايا أمام المحاكم الجنائية أو في محاكم استثنائية. وفيما تمارس هذه الأجهزة تدخلها عادة في الكواليس، ففي بعض الحالات ظهرت أدلة على هذا التدخل علناً، كما في محاكمة د. كمال اللبواني في عام 2007، وهو مؤسس التجمع الديمقراطي الليبرالي. إذ أرسل رئيس مكتب الأمن القومي رسالة إلى وزير العدل يطالبه فيها باتهام اللبواني "دس الدسائس لدى دولة معادية لحملها على مباشرة العدوان على سوريا"، بالرغم من أن الادعاء لم يذكر هذه التهمة منذ البداية. وانتهى المطاف بالمحكمة بأن حكمت على اللبواني بالسجن 12 عاماً بناء على اتهام تمت إضافته بناء على طلب مكتب الأمن القومي.
خلفية عن "إعلان دمشق" والحملة السورية على المنتقدين
إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي الوطني ("إعلان دمشق") هو تحالف من الأحزاب السياسية والنشطاء المستقلين السوريين تم تشكيله في أكتوبر/تشرين الأول 2005. ويضم الإعلان أفراداً وجماعات من مختلف التيارات السياسية (قوميين عرب، وأكراد، وليبراليين، ويساريين، وإسلاميين)، وقد أصدروا بياناً عن المبادئ، يشمل إرساء الديمقراطية في سوريا وإلغاء حالة الطوارئ، وحماية حقوق الأقليات، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وإلغاء القانون رقم 49 (الذي يجعل الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين جريمة عقوبتها الإعدام)، وإحترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وتم إنشاء المجلس الوطني كجهاز لمتابعة العمل في إعلان دمشق. وفي 1 ديسمبر/كانون الأول 2007، عقد أكثر من 163 ناشطاً من إعلان دمشق اجتماعاً لانتخاب قيادة المجلس الوطني. وانتخبوا د. فداء الحوراني رئيسة للمجلس، وهي طبيبة وابنة أكرم الحوراني، السياسي السوري الشهير الذي كان له أبلغ التأثير على السياسة السورية منذ الأربعينات حتى نفيه في عام 1963.
ومنذ 9 ديسمبر/كانون الأول 2007، شنت الأجهزة الأمنية السورية حملة على الأفراد الذين حضروا الاجتماع، واعتقلت أكثر من 40 شخصاً منهم. وفيما أخلت سبيل أغلبهم دون نسب اتهامات إليهم بعد عدة أيام، أبقت على 12 عضواً محتجزين وأحالتهم إلى المحاكمة، والاثني عشر شخصاً هم:
1. وليد البني، 44 عاماً، طبيب.
2. ياسر العيتي، 40 عاماً، طبيب وشاعر.
3. فداء الحوراني، 51 عاماً، طبيبة.
4. أكرم البني، 51 عاماً، كاتب.
5. أحمد طعمة، 51 عاماً، طبيب أسنان.
6. جبر الشوفي، 60 عاماً، معلم أدب عربي.
7. علي العبد الله، 58 عاماً، كاتب.
8. فايز سارة، 58 عاماً، كاتب وصحفي.
9. محمد حاج درويش، 48 عاماً، رجل أعمال.
10. مروان العش، 52 عاماً، مهندس.
11. رياض سيف، 61 عاماً، نائب سابق في البرلمان.
12. طلال أبو دان، 55 عاماً، فنان ونحّات.
وتضمن المادة 38 من الدستور السوري لكل مواطن الحق في "أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول والكتابة وكافة وسائل التعبير الأخرى". ويقع على عاتق سوريا كونها دولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التزام دولي بالحفاظ على الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي وكذلك الحق في المحاكمة العادلة.
أقوال للمدعى عليهم أثناء جلسة الدفاع بتاريخ 24 سبتمبر/أيلول:
"لست متفائلاً بالحكم.... لكني أعتقد أننا لا نحاكم من قبل هيئة المحكمة الموقرة، بل من قبل سلطة تستند إلى حالة الطوارئ والمخابرات".
- رياض سيف، 61 عاماً، نائب برلماني سابق.
"إن إنهاء حالة الطوارئ و الأحكام العرفية و إطلاق الحريات العامة - لا سيما حرية التعبير- شرط لازم و ضروري لرفع المستوى المعاشي المتدهور للمواطن السوري ".
- د. فداء الحوارني، 51 عاماً، طبيبة.
"سبق أن حوكمت لأسباب سياسية، لكن ما يجري الآن هو محاكمة ذات طابع مختلف كونها محاكمة لأناس حملتهم الرغبة في حق التعبير عن الرأي".
- أكرم البني، 51 عاماً، كاتب.
"إن اعتقالنا ومحاكمتنا خير دليل على رفض السلطة لأي إصلاح سلمي تدريجي تتطلبه مشكلات سوريا".
- علي العبد الله، 58 عاماً، كاتب.
"إن الحق في التعبير حق مقدس وإن التخلي عنه هو تخل عن إنسانية الإنسان، وأنا أدافع عن حقي وحق كل مواطن سوري في حرية التعبير المقدسة".
- ياسر العيتي، 40 عاماً، طبيب وشاعر.
"إن جوهر هذه القضية هو الإقرار بثقافة الحوار والاعتراف بالرأي والرأي الآخر، إن المحاكمة على الرأي تسيء لسمعة سوريا وهو ما لا أرضاه لبلدي".
- جبر الشوفي، 60 عاماً، معلم أدب عربي .
"من الصعب على الفكر الإنساني اليوم أن يحاكم الإنسان على رأيه بعد أن أضحت الديمقراطية وسيلة التفاهم لمعرفة آراء الناس و أفكارهم".
- أحمد طعمة، 51 عاماً، طبيب أسنان.
" لن أدخل في تفاصيل الدفاع، لأنه غير مجد، لكن أي هي المستندات التي وجهت هذه التهم البشعة استنادا إليها".
- وليد البني، 44 عاماً، طبيب.
"هذه محاكمة أفكار ومفاهيم أكثر منها محاكمة أشخاص، أنا لا أرى هذه المحكمة تحاكمني بل إنها تحاكم كل فكر حر في هذا البلد".
- طلال أبو دان، 55 عاماً، فنان ونحات.
" مع أنني أعرف أن المحكمة غير حيادية أقول: إن أي حكم هو بمثابة وسام على صدري أهديه لأبنائي، لذا لا أطلب الرحمة بل أطلب العدل".
- محمد حاجي درويش، 48 عاماً، رجل أعمال.