قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن قرار إسرائيل بالحد من الوقود والكهرباء التي تصل لقطاع غزة انتقاماً من الهجمات الصاروخية غير المشروعة التي تنفذها جماعات مسلحة يعتبر قراراً بالعقاب الجماعي ضد السكان المدنيين في غزة، وهو ما يمثل انتهاكاً للقانون الدولي، كما أنه سيزيد من تدهور الأزمة الإنسانية هناك.
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "يحق لإسرائيل الرد على الهجمات الصاروخية التي تنفذها جماعات مسلحة لكي تحمي مدنييها، لكن يجب أن يقتصر هذا الرد على الأساليب المشروعة"، وتابعت قائلة: "لأن إسرائيل ما زالت قوة محتلة على ضوء ما تفرضه حالياً من قيود على غزة؛ فيجب ألا تتخذ إجراءات تؤذي السكان المدنيين، والإيذاء هو بالضبط ما يفعله قطع الوقود والتيار الكهربائي حتى لفترات زمنية قصيرة".
وفي يوم الأحد أمر وزير الدفاع بتقليل شحنات الوقود المنقولة من إسرائيل إلى غزة. وقال متحدث رسمي إن الخطة كانت تتمثل في تقليل الوقود بما يتراوح بين 5 إلى 11 في المائة دون التأثير على ما يصل منشأة توليد الكهرباء الوحيدة بغزة من وقود.
وطبقاً للمسؤولين الفلسطينيين تراجعت شحنات الوقود المسلمة إلى غزة بالأمس بنسبة تجاوزت 30 في المائة.
ورداً على قرار الحكومة، تقدمت 10 منظمات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية بشكوى للمحكمة العليا الإسرائيلية يوم الأحد؛ سعياً لأن تُصدر المحكمة إنذاراً قضائياً فورياً ضد تقييد إمدادات الوقود والكهرباء. وأعطت المحكمة الحكومة مهلة خمسة أيام للرد إلا أنها لم تُصدر إنذاراً قضائياً مؤقتاً. وفي يوم الاثنين، طالبت المنظمات بجلسة فورية قبل انقضاء مهلة الأيام الخمسة.
وفي يوم الخميس الماضي وافق وزير الدفاع إيهود باراك على قطع التيار الكهربائي عن غزة لفترات متزايدة رداً على الهجمات الصاروخية الجارية ضد مناطق يشغلها المدنيون في إسرائيل، لكن الحكومة لم تنفذ هذا الأمر بعد.
والصواريخ التي أطلقتها جماعات فلسطينية مسلحة تنتهك الحظر الذي يفرضه القانون الدولي على الهجمات العشوائية؛ لأنها غير دقيقة إلى حد كبير ولا يمكن توجيهها إلى هدف محدد. ولأن حماس تتولى زمام السلطة داخل غزة؛ فهي مسؤولة عن إيقاف الهجمات العشوائية حتى وإن نفذتها جماعات أخرى.
وفي يوم الجمعة قال رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت إن إسرائيل سترد بقوة على الهجمات الجارية دون السماح بحدوث أزمة إنسانية. إلا أن كبير المسؤولين الإنسانيين بالأمم المتحدة، نائب الأمين العام للأمم المتحدة جون هولمز، قال إن ثمة "أزمة إنسانية خطيرة" في غزة وهي موجودة بالفعل، وطالب إسرائيل برفع حظرها الاقتصادي الذي شددت منه بعد استيلاء حماس على السلطة في يونيو/حزيران.
وقرار إسرائيل بقطع الوقود والكهرباء هو أخر تحركاتها الذي يبدو أنها توجهها ضد حماس، لكنه يؤثر على كل سكان غزة. وفي سبتمبر/أيلول أعلنت الحكومة الإسرائيلية حماس "أراضٍ معادية" وصوتت بـ "تقييد مرور سلع عديدة إلى قطاع غزة وتقليل إمداد الوقود والكهرباء". ومنذ ذلك الحين تزايد حظر إسرائيل لدخول إمدادات كثيرة إلى غزة، بحيث أصبحت تمرر فقط كميات محدودة من الأطعمة الأساسية والأدوية وإمدادات الإغاثة الإنسانية. وطبقاً لجون هولمز تراجع عدد القوافل الإنسانية التي كانت تدخل غزة إلى 1500 في سبتمبر/أيلول بعد أن كان 3000 في يوليو/تموز.
وقالت سارة ليا ويتسن: "يمنع قطع الوقود والكهرباء خدمات أساسية". وأضافت: "فحجرات التحكم ومضخات الصرف ومضخات آبار المياه تحتاج جميعها للكهرباء في تشغيلها".
وتبيع إسرائيل لغزة حوالي 60 في المائة من الكهرباء التي يستهلكها سكان غزة البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة. وفي يونيو/حزيران 2006 ضربت ستة صواريخ إسرائيلية منشآة توليد الكهرباء الوحيدة بغزة، والآن فإن غالبية السكان يحصلون على الكهرباء أثناء ساعات قليلة محددة.
وقال المسؤولون الإسرائيليون إنهم سيقطعون الكهرباء لمدة 15 دقيقة بعد كل هجمة صاروخية ثم لفترات أطول بوتيرة متزايدة إذا استمرت الهجمات. وقال نائب وزير الدفاع ماتان فيلناي إن إسرائيل سوف "تقلل كثيراً" من الطاقة التي تمد بها غزة خلال أسابيع معدودة.
وينتهك قطع الوقود أو الكهرباء عن السكان المدنيين مبدأ أساسياً من مبادئ القانون الإنساني الدولي، أو قوانين الحرب، والذي يحظر على الحكومات التي تفرض تحكمها الفعلي على منطقة ما مهاجمة هذه المنطقة أو حظر بعض الأغراض التي تُعتبر ضرورية للحياة عن سكانها المدنيين. ومثل هذا الفعل ينتهك أيضاً واجب إسرائيل باعتبارها قوة مُحتلة عليها حماية صحة وسبل عيش السكان الخاضعين للاحتلال.
وقد سحبت إسرائيل قواتها العسكرية ومستوطنيها من قطاع غزة في عام 2005. لكنها ما زالت مسؤولة عن سلامة سكان غزة طالما هي متمتعة بالتحكم الفعلي على المنطقة. وما زالت إسرائيل تفرض تحكمها على الفضاء الجوي والبحري لغزة وحدودها البرية وكذلك شبكات الكهرباء والمياه والصرف والاتصالات وتسجيل المدنيين بها. ويمكن لإسرائيل العودة لدخول غزة لإجراء عمليات أمنية بها، وهذا كلما تراءى لها ذلك، وقد قامت بهذا بالفعل.
ويقول المسؤولون الإسرائيليون إنه بإعلان غزة "أراضٍ معادية" فلم تعد إسرائيل ملزمة حسب القانون الدولي بمد سكانها المدنيين بالخدمات، لكن هذا خطأ قانوناً. وقالت سارة ليا ويتسن: "مجرد الإعلان لا يغير من الحقائق الواقعية والتي تفرض على إسرائيل وضعها كقوة مُحتلة وما يستتبع هذا من التزامات".
للاطلاع على المزيد عن عمل هيومن رايتس ووتش في إسرائيل/الأراضي الفلسطينية المحتلة، يُرجى زيارة الرابط:
https://www.hrw.org/doc/?t=arabic_mena&c=isrlpa