قالت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير جديد ينشر اليوم أن على الحكومة المغربية أن تتحرك الآن لوضع حد لإفلات قوات الأمن من العقاب ولتعزيز استقلال القضاء إذا كانت جادة بترسيخ النتائج التي وصلت إليها هيئة الحقيقة.
وبعد قرابة عامين من التحقيق في الانتهاكات المرتكبة بين 1956 و1999، يتعين على هيئة الإنصاف والمصالحة تقديم تقريرها النهائي وتوصياتها إلى الملك محمد السادس في نهاية هذا الشهر.
وتمثل هذه الهيئة المغربية، وهي الأولى من نوعها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خطوة تاريخية في ميدان الاعتراف بالانتهاكات التي ارتكبت خلال 38 عاماً من حكم الملك المتوفى الحسن الثاني، والتي تشمل مئاتٍ من حالات "الاختفاء" وآلاف من حالات الاحتجاز التعسفي.
وسوف تقرر هيئة الإنصاف والمصالحة، التي قالت أنها تلقت ما بين 25,000 و30,000 طلباً بالتعويض، شكل ومبالغ التعويضات التي يجب على الدولة تقديمها للضحايا.
وقالت سارة ليا ويتسن المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "يبدو أن هيئة الإنصاف والمصالحة قد أنجزت عملاً كبيراً في مجال تقصي انتهاكات الماضي ورد الاعتبار للضحايا، ويعود للدولة الآن ضمان تحقيق جانب مهم من جوانب التعويض: اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان أن معاناة الضحايا لن تتكرر في المغرب أبداً".
وقد قدمت السلطات المغربية هيئة الإنصاف والمصالحة بوصفها واسطة العقد في عملية تعزيز الديموقراطية و سيادة القانون. لكن استمرار بعض أشكال انتهاك حقوق الإنسان يلقي بظله على هذا الادعاء، رغم التقدم العام الذي حدث خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة. فما زالت السلطات تخضع الصحفيين للملاحقة القضائية بسبب كتاباتهم النقدية، وتواصل تفريق المظاهرات السلمية. وما زالت الاعتقالات التعسفية تجري بحق من يشتبه بأنهم من الناشطين الانفصاليين في الصحراء الغربية المتنازع عليها. وفي أعقاب التفجيرات الانتحارية في الدار البيضاء عام 2003، ألقت قوات الأمن المغربية القبض على مئات الإسلاميين المشتبه بهم وأخضعتهم للمعاملة السيئة أثناء الاستجواب. وقد صدرت بحق هؤلاء أحكام بالحبس بعد محاكمات غير منصفة.
حتى ولو لم تكن انتهاكات اليوم بحجم انتهاكات الستينات والسبعينات، فهي تبين أن الآليات التي سمحت بحدوث انتهاكات الماضي (تصرف قوات الأمن دون خوف من العقاب، وافتقار المحاكم إلى الاستقلال، ووجود تشريعات قمعية) ليست مجرد ذكرى من الماضي. تقع الانتهاكات التي تحدث اليوم خارج نطاق صلاحيات هيئة الإنصاف والمصالحة، لكنها تلقي بثقلها على مهمة الهيئة في مجال التوصية بوسائل تحول دون حدوث الانتهاكات في المستقبل.
هذا وسيقدم التقرير الكامل لهيئة الإنصاف المصالحة إلى الملك، أما مقدار ما سيكشف منه علناً فلم يتضح حتى الآن. ولم تقتصر تحقيقات الهيئة على التاريخ العام للقمع في المغرب بل تناول الحالات الفردية أيضاً، وخاصة آلاف الأشخاص الذين تسببت قوات الأمن "باختفائهم" في الستينات والسبعينات والثمانيات والذين لم يعرف مصيرهم. وسوف يكون مدى تقديم المعلومات الدقيقة بشأن مصير "المختفين" إلى أسرهم أحد معايير نجاح الهيئة في مهمتها.
أما الاختبار الثاني الذي تواجهه هيئة الإنصاف والمصالحة فهو موقفها من إفلات من ارتكبوا الانتهاكات الخطيرة في الماضي من العقاب، وقد عُلم أن من بينهم عدداً ممن يتولون مناصب حكومية حالياً. ورغم أن الهيئة ممنوعة من الإعلان عن أسماء المرتكبين، فإن عليها تقديم توصيات للسلطات بتوجيه الاتهام إلى مرتكبي الانتهاكات الخطيرة أو إيقاع العقاب بهم عندما تتوفر الأدلة الكافية. كما عليها أن تكشف علناً عن مدى تعاون المسؤولين الحاليين والسابقين مع تحقيقاتها، والكشف عن جميع حالات عدم التعاون أثناء بحثها عن الحقيقة.
وفي تقريرها المكون من 48 صفحة بعنوان "هيئة الحقيقة المغربية: رد اعتبار ضحايا الماضي في حاضر غير مؤكد"، توجه هيومن رايتس ووتش القدر الأكبر من توصياتها إلى السلطات المغربية، فهي المسؤولة في المقام الأول والأخير عن الحماية من الانتهاكات في المستقبل وإحقاق حقوق ضحايا الماضي من ناحية التعويض.
وبناء عليه يتعين على السلطات المغربية:
• تشكيل مكتب رفيع المستوى لمراقبة وتقييم تنفيذ الدولة لتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وذلك بصفة علنيةٍ ومستمرة؛
• الالتزام بتقديم رد علني على كل توصية من توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، بحيث يحدد الرد خطة تنفيذ التوصية والبرنامج الزمني لذلك، أو بحيث يتضمن توضيحاً لسبب عدم نية الدولة في الأخذ بها؛
• ضمان تسليم كل الأدلة التي جمعتها الهيئة إلى السلطات القضائية مع دراسة مسألة توجيه الاتهام إلى من تكفي الأدلة لاتهامهم؛
• محاكمة من توصلت الهيئة إلى أنهم قد ارتكبوا انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، وذلك عند توفر الأدلة الكافية لمحاكمتهم؛
• الامتناع عن إصدار أي عفو أو أي إجراء مماثل من شأنه إعفاء الأشخاص المتورطين في تنفيذ "الاختفاءات" أو غيرها من انتهاكات حقوق الإنسان من الملاحقة القضائية؛ ويجب أن تكون أي إجراءات للرحمة لاحقةً لتحديد مسؤولية الأفراد لا سابقةً له؛
• دراسة فرض العقوبات غير القضائية بحق الموظفين الذين تتوفر أدلة قوية على مشاركتهم في الانتهاكات الخطيرة، مثل إعفائهم من مناصبهم عندما يكون من شأن تلك المناصب أن تمكنهم من مواصلة انتهاك الحقوق الإنسانية لأشخاص آخرين؛
• التذكير العلني للضحايا وورثتهم باستمرار حقهم بالتماس العدالة في القضاء، وهو الحق الذي لا ينتقص منه وجود هيئة الإنصاف والمصالحة كما لا ينتقص منه قبولهم للتعويضات التي قدمتها؛
• ضمان وجود إطار قانوني وإداري يحفظ المادة الأرشيفية الناتجة عن عمل هيئة الإنصاف والمصالحة ويضمن سهولة وصول الجمهور إليها، إلا إذا كانت ضرورة إبقائه سرياً أمراً مشروعاً؛
• الاعتراف بأن الانتهاكات الخطيرة المرتكبة ضمن الفترة التي تدرسها هيئة الإنصاف والمصالحة كانت انتهاكات منهجية تمت بموجب أوامر صادرة عن أعلى مستويات الدولة، وتقديم اعتذار رسمي إلى الضحايا وعائلاتهم.
وقالت ويتسون: "تستخلص هيئات الحقيقة دروس الماضي من أجل تطبيقها في المستقبل. وما من شيء يكرّم عمل هيئة الإنصاف والمصالحة أكثر من تحرك الدولة المغربية الآن للحيلولة دون الإفلات من العقاب لانتهاكات الماضي والحاضر".