Skip to main content

السعودية: لا بد من كشف النقاب عن خفايا النظام القضائي السعودي

اعترافات متلفزة ومحاكمات سرية وأنباء عن صدور أحكام بالإعدام

قالت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" اليوم إنه ينبغي على السعودية أن تكشف حجاب السرية والغموض الذي يكتنف نظامها القضائي، وتضع حداً للممارسات التي تهدر الحقوق الأساسية للمشتبه فيهم جنائياً في محاكمة عادلة. ويُعدُّ الحبس الانفرادي الممتد لفترات طويلة، والاعترافات، والمحاكمات السرية من السمات المعتادة لنظام القضاء السعودي.

وفي الأسبوع الماضي، ترددت أنباء مفادها أن سبعة مواطنين غربيين - خمسة بريطانيين وكندي وبلجيكي - قد حوكموا محاكمة سرية وصدرت أحكام قضائية ضدهم بتهمة ارتكاب سلسلة من عمليات التفجير في السعودية، وذلك دون علم ذويهم ومحاميهم وحكوماتهم؛ وتتراوحت العقوبات المفروضة عليهم بين السجن ثماني سنوات والإعدام. وقال مكتب الخارجية والكومنولث البريطاني لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" في 26 أبريل/نيسان، ثم في 29 أبريل/نيسان، إنه لم يتمكن من التثبت من هذه الأنباء أو نفيها، مؤكداً أن ثمة "إجراءات قضائية مستمرة" دون الإدلاء بمزيد من التفاصيل. أما وزارة الشؤون الخارجية الكندية فقد ذكرت لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" في 26 أبريل/نيسان أنها تسعى للحصول على تأكيد رسمي من السلطات السعودية لما تردد من أنباء مفادها أن المتهم الكندي وليام سامسن قد حُكم عليه بالإعدام في محاكمة سرية؛ وحتى 29 أبريل/نيسان لم تكن الوزارة قد تلقت أي تأكيد بعد.
وقال هاني مجلي، المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان": "هناك خلل فادح في نظام القضاء السعودي؛ ففي أي نظام قضائي يتسم بالعدل والشفافية لا يصح أن يكون إجراء المحاكمات أو إصدار الأحكام على المتهمين سراً من الأسرار". وقد علمت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" أن أحد المتهمين السبعة، وهو البريطاني جيمس كوتل البالغ من العمر 51 عاماً، قد حوكم سراً في فبراير/شباط 2002، وحُكم عليه بالسجن 18 عاماً، وفقاً لمعلومات قدمتها الحكومة البريطانية لأسرته في 26 أبريل/نيسان. وكان كوتل قد قُبض عليه في يونيو/حزيران 2001، وظل رهن الحبس الانفرادي حتى الشهر الماضي، ولم يُسمح له بالاتصال بأسرته؛ وبث التليفزيون السعودي شريطاً مسجلاً "لاعترافه" في أغسطس/آب 2001 (انظر أدناه).
وفي 26 أبريل/نيسان، ذكر وزير الخارجية الكندي بيل غراهام للصحفيين أنه لا يستطيع التعليق على نبأ صدور حكم الإعدام بحق المتهم الكندي وليام سامسن، موضحاً أنه قد طلب معلومات من السفير السعودي في كندا، ولكنه "حتى هذا التاريخ لم يتمكن من إعطائي أي تأكيد رسمي لأي شيء قط فيما يتعلق بهذه القضية". وظهر سامسن على شاشات التليفزيون السعودي في فبراير/شباط 2001 وهو "يعترف" بتورطه في التفجيرات (انظر أدناه). وفي 29 أبريل/نيسان أفادت صحيفة "ذي غارديان" اللندنية بأن البريطانيين المسجونين لم يعلموا بأمر الأحكام الصادرة ضدهم إلا عندما زارهم محاموهم السعوديون في 28 أبريل/نيسان. ونقلاً عن مصادر في الرياض، قالت الصحيفة إن المتهمين "لم يكن يمثلهم أي محامين في الجلسة التي عقدت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي [2001]"، وإنهم "لم يعرفوا سبب مثولهم أمام المحكمة".
وقد اعتُقل الرجال السبعة للاشتباه في قيامهم بسلسلة من عمليات التفجير بسيارات ملغومة وغيرها من التفجيرات التي وقعت في مدن سعودية بدءاً من نوفمبر/تشرين الثاني 2002. وقد أدت هذه التفجيرات الغامضة حتى الآن إلى مصرع بريطاني وأمريكي، وتشويه وإصابة مواطنين غربيين آخرين. وما برحت الحكومة السعودية تؤكد أن أعمال العنف هذه لم يقم بها متشددون سعوديون ضد رعايا الدول الغربية، وإنما وقعت في إطار تنافس وتصفية حسابات بين غربيين منخرطين في تجارة الخمور، وهي تجارة غير مشروعة وإن كانت تدر أرباحاً طائلة. وحتى هذا اليوم، لم تأتِ الحكومة السعودية بأي دليل علني يثبت تورط المتهمين السبعة في عمليات التفجير، خلافاً لـ"اعترافات" متلفزة. وفي 14 مارس/آذار 2002، نقلت وكالة رويترز للأنباء عن بيان للمحامي السعودي صلاح الحجيلان، الذي يتولى مكتبه المرموق للمحاماة الدفاع عن المتهمين البريطانيين، قوله: "إن المتهمين قد سحبوا اعترافاتهم؛ ويستطيع فريق الدفاع أن يؤكد بارتياح أن القضية سوف تسير وفقاً لما يقتضيه سحب هذه الاعترافات؛ فليس هناك فيما يبدو أي أدلة أخرى غير الاعترافات التي تم سحبها".

ومنذ القبض عليهم، ظل المتهمون محتجزين فترات مطولة رهن الحبس الانفرادي، وحرموا من الاتصال بذويهم وأصدقائهم. وظل المتهم البريطاني جيمس كوتل قيد الحبس الانفرادي حتى الشهر الماضي، وفقاً للمعلومات التي قدمتها الحكومة البريطانية لزوجته السابقة ماري مارتيني التي تقيم بمدينة مانشستر في إنجلترا مع أطفالهما الثلاثة؛ ولم تسمح السلطات السعودية لكوتل بالاتصال بعائلته.
وقالت مارتيني لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان": "لقد داومنا على إرسال الخطابات له كل أسبوع، ولكننا لم نتلق أي رد قط". كما قيل لها إن أحد المترجمين في السجن يقرأ جميع الخطابات أولاً، وإن كوتل "أُبلغ بوصول خطابات له، ولكن لا يمكنه الحصول عليها". ولا تسمح السلطات له بتلقي مكالمات هاتفية من أسرته.
وفي مارس/آذار 2002، توجه والد الكندي وليام سامسن إلى السعودية لزيارة ابنه، بصحبة طبيب نفساني كندي، ولكن لم يُسمح لهما بلقائه، وفقاً لما ذكرته صحيفة "ذي غلوب آند ميل".
وقال مجلي: "إن حرمان السجناء من الاتصال بأقاربهم الأدنين هو عقاب قاسٍ وغير معقول؛ وإذا كان هذا هو ما تنص لوائح السجون في السعودية، فلا بد من تغييرها بحيث تتمشى مع المعايير الدولية".
وجدير بالذكر أن "القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء"، التي أقرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي في يوليو/تموز 1957 وفي مايو/أيار 1977، تنص على أن "يُرخَّص للمتهم بأن يقوم فوراً بإبلاغ أسرته نبأ احتجازه، ويعطى كل التسهيلات المعقولة للاتصال بأسرته وأصدقائه وباستقبالهم، دون أن يكون ذلك مرهوناً بإلا بالقيود والرقابة الضرورية لصالح إقامة العدل وأمن السجن وانتظام إدارته".
وتُعدُّ المملكة العربية السعودية حالياً إحدى الدول الأعضاء في لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وذلك لمدة ثلاث سنوات من 2001 إلى 2003. غير أن السعودية ليست من الدول الأطراف في "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، الذي تكفل المادة 14 منه لأي شخص يواجه تهمة جنائية الحق في محاكمة عادلة، بما في ذلك الحق في إبلاغه على وجه السرعة بالتهم الموجهة إليه، والحق في ألا يكره على الشهادة ضد نفسه أو على الاعتراف بذنب، والحق في الدفاع القانوني في محاكمة عادلة تجري دون تأخير لا مبرر له. كما تنص المادة 14 على أن تكون المحاكمات علنية ما لم تقتضِ الضرورة القصوى خلاف ذلك لأسباب تتعلق بالآداب العامة أو النظام العام أو الأمن القومي؛ ويجب أيضاً الإعلان عن الأحكام القضائية. وتعارض منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" تطبيق عقوبة الإعدام في جميع الظروف والأحوال بسبب القسوة المتأصلة فيها.

خلفية عامة عن الإجراءات القضائية في السعودية

تحال القضايا الجنائية في السعودية على المحكمة الشرعية العامة حيث يتولى النظر في هذه القضايا إما قاضٍ واحد أو هيئة من ثلاثة قضاة؛ وبعد ذلك تتولى محكمة التنفيذ بصفة تلقائية إعادة النظر في جميع الأحكام الجنائية التي تتجاوز الحبس لمدة عشرة أيام أو الجلد أربعين جلدة. أما آخر مرحلة في المراجعة القضائية فهي المجلس الأعلى للقضاء، وهو هيئة مؤلفة من 11 عضواً تتولى إعادة النظر في الأحكام القضائية التي تصدر في قضايا تتعلق بجرائم كبرى.
وفي أعقاب ما تردد مؤخراً من أنباءٍ تفيد بأن المتهمين حوكموا وصدرت ضدهم الأحكام سراً، وقع لبس حول ما تم استكماله من المراحل القضائية للدعوى، والمراحل التي لا تزال متاحة أمام المتهمين. وقال المحامي صلاح الحجيلان لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان"، في 29 أبريل/نيسان، إن المحكمة الابتدائية ومحكمة التمييز قد "صادقتا" على الاعترافات الخطية للمتهمين. وأضاف الحجيلان أنه نظراً لأن المحكمتين قد قبلتا هذه الاعترافات باعتبارها دليلاً ضد المتهمين، فلم تجرِ "محاكمة" بالمعنى الدقيق للكلمة، وكانت الأحكام المعلن عنها في الصحف هي تلك الأحكام التي أوصى بها المدعي العام أول الأمر. وأشار الحجيلان إلى أن المتهمين قد تراجعوا عن اعترافاتهم فيما بعد.

أما المحامي أحمد التويجري فقد ذكر لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" في 29 أبريل/نيسان أن الحكم في النظام القضائي السعودي لا يصبح نهائياً إلا بعد أن تتم المصادقة عليه - من قبل البلاط الملكي في القضايا التي تطبق فيها عقوبة الإعدام، ومن قبل المجلس الأعلى للقضاء في سائر القضايا الكبرى. وأكد التويجري أنه "لم يصدر أي حكم نهائي [ضد المتهمين] لا من قبل المجلس الأعلى للقضاء ولا من قبل البلاط الملكي".
غير أن التويجري أشار أيضاً إلى أنه هو والحجيلان "لم يشاركا في أي إجراء قضائي فيما يتعلق بهذه القضايا"، ولكنه قال إن بمستطاع المحامين الآن زيارة موكليهم في السجن يومي الأحد والثلاثاء من كل أسبوع، "ولا يزالون يجرون مقابلات معهم". وقال التويجري: "إننا نلمس قدراً كبيراً من التعاون من جانب الادعاء العام والمجلس الأعلى للقضاء"؛ وأشار إلى أن المحامين سوف يقدمون أول مذكرة دفاع لهم إلى المجلس الأعلى للقضاء "في غضون أسابيع قليلة".
وكان الحجيلان قد أصدر في وقت سابق بياناً صحفياً قال فيه إنه قد عقد هو والتويجري "اجتماعاً مستفيضاً" مع رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشيخ صالح اللحيدان، في 22 أبريل/نيسان، و"اتفقنا مع المجلس الأعلى للقضاء على تقديم مرافعتنا الكتابية والشفوية في المستقبل القريب، وسوف تتاح لنا كل الفرص المعقولة لاستعراض موقف موكلينا والدفاع عنهم". وفي معرض الإشارة إلى اجتماع الثاني والعشرين من أبريل/نيسان، نقلت صحيفة "ذي غارديان"، في عددها الصادر في 28 أبريل/نيسان، عن الحجيلان قوله: "لقد قيل لي بمنتهى الوضوح إن الفرصة سوف تتاح لنا لتقديم دفاعنا".
وفي 26 أبريل/نيسان، أكدت الحكومة البريطانية لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" أنه هناك "إجراءات قضائية متواصلة" للمتهمين، دون أن تؤكد أو تنفي ما إذا كانت ثمة إجراءات قضائية سرية قد جرت على مستويات أدنى. وتوحي التصريحات الأخيرة للمحامين بأن الخطوة التالية في الإجراءات القضائية هي إعادة النظر في القضية من قبل مجلس القضاء الأعلى، وهو ما سيتضمن تقديم الدفوع من جانب المحامين.
اعترافات متلفزة
بث التليفزيون السعودي في العام الماضي "اعترافات" ستة من المتهمين؛ ففي 4 فبراير/شباط 2001، ظهر كلٌ من البريطاني ألكسندر ميتشل والكندي وليام سامسن والبلجيكي راف شيفنز في شريط فيديو مسجل وهم يدعون مسؤوليتهم عن عملية تفجير سيارتين ملغومتين في الرياض في نوفمبر/تشرين الثاني 2000، مما أسفر عن مصرع مواطن بريطاني يدعى كريستوفر رودواي وإصابة زوجته وأشخاص آخرين.
وفي 13 أغسطس/آب 2001، "اعترف" ثلاثة مواطنين بريطانيين - هم جيمس كوتل وجيمس لي ولِس ووكر - بالتورط في ثلاثة تفجيرات وقعت في الفترة بين ديسمبر/كانون الأول 2000 ومارس/آذار 2001. وقالوا إنهم "تلقوا أوامر" بتنفيذ هجمات في الرياض في 10 يناير/كانون الثاني و15 مارس/آذار 2001، وفي الخبر بالمنطقة الشرقية في 15 ديسمبر/كانون الأول 2000. ومثلما كان الحال بالنسبة "للاعترافات السابقة"، لم يذكر المتهمون الثلاثة من أمرهم بتنفيذ عمليات التفجير ولم يوضحوا الدافع وراء ذلك.

وبالإضافة إلى عدم السماح لجيمس كوليت بالكتابة إلى أسرته أو التحدث إليهم، فلم يستطع منذ اعتقاله التحدث إلى مسؤولين من القنصلية البريطانية بحرية وعلى انفراد، وإجراء محادثات جوهرية معهم، الأمر الذي يبعث على القلق البالغ بشأن المعاملة التي تلقاهها في محبسه، والظروف التي سُجِّل فيها "اعترافه". وقد تلقى كوتل زيارات من موظفين في القنصلية البريطانية بصفة منتظمة منذ يونيو/حزيران 2001، غير أن الحراس السعوديين الذين يتحدثون اللغة الإنجليزية كانوا يتابعون المحادثات بدقة. وأُنهيت زيارة واحدة على الأقل فجأة عندما بدأ كوتل يتحدث عن موضوع لا يروق للسلطات. وأكدت الحكومة الكندية أن الزيارات القنصلية التي تلقاها الكندي وليام سامسون، المتهم مع كوتل، كانت تخضع لقيود مماثلة. وقالت ناطقة باسم الخارجية الكندية أن مسؤولين كنديين قاموا بزيارة سامسون في 30 مارس/آذار 2002، ولكن "تعذر بحث أي أمر جوهري".

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.