Skip to main content
Smoke rises above buildings after an aerial bombardment during clashes between the Sudan Armed Forces and the Rapid Support Forces in Khartoum, Sudan.

مقابلة: الحياة في السودان وسط نزاع يحتدم

البنية التحتية المدنية الرئيسية دُمّرت وأزمة إنسانية تلوح في الأفق

دخان يتصاعد فوق مبانٍ بعد قصف جوي خلال اشتباكات بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في الخرطوم، السودان في 1 مايو/أيار 2023. ©2023 محمد نور الدين عبد الله/رويترز

في أبريل/نيسان، اندلع صراع مسلح في السودان بعد أن بدأ أقوى جنرالين في البلاد، اللذين أطاحا بحكومة انتقالية في انقلاب عام 2021، القتال فيما بينهما من أجل السلطة. تشهد العاصمة الخرطوم وأماكن أخرى في البلاد حاليا قتالا بين "القوات المسلحة السودانية" و"قوات الدعم السريع"، وهي قوة مسلحة مستقلة. في غرب دارفور، انضمت ميليشيات عرقية إلى القتال. منذ منتصف أبريل/نيسان، قُتل مئات المدنيين وفر مئات الآلاف من منازلهم، مما تسبب في كارثة إنسانية. تحدثت إيمي براونشفايغر إلى الباحث المتخصص في شؤون السودان لدى هيومن رايتس ووتش، محمد عثمان، حول كيفية تعامل السودانيين مع النزاع، وما الذي ينبغي أن يحصل للحفاظ على سلامة المدنيين.

كيف هي أوضاع السودانيين على الأرض؟

دور قتال عنيف في مناطق مكتظة بالسكان في الخرطوم ومدن أخرى. يضطر الناس إلى اتخاذ قرار إما بالبقاء في منازلهم والمخاطرة بالتعرض للقصف أو النهب أو الإخلاء القسري، أو الفرار ومواجهة المخاطر الناجمة عن القتال على الطريق وتحديات عبور الحدود. كثير من الناس تقطعت بهم السبل أينما كانوا. القتال ألحق أضرارا بالبنية التحتية المدنية، لذا لا يتوفر إلا القليل من الكهرباء والمياه النظيفة والرعاية الصحية. غالبا ما تكون شبكات الهاتف الخلوي معطلة، ولا يتاح الوصول إلى الخدمات المصرفية عبر الإنترنت إلا بشكل محدود، وهي طريقة مهمة لشراء أشياء مثل الطعام. بالإضافة إلى ذلك، لا تعمل البنوك بشكل عام، لذا لا يمكن للناس الحصول على النقد. يحاول الناس النجاة من القتال والأثر المدمر الذي يخلفه على حياتهم اليومية.

أشخاص يحملون حقائب في بلدة وادي حلفا السودانية المتاخمة لمصر في 4 مايو/أيار 2023. ©2023 "وكالة الصحافة الفرنسية" عبر "غيتي إيمدجز"

ماذا يحدث لمن يحاولون الفرار من البلاد؟

قرر الكثير من السودانيين الفرار شمالا (بشكل أساسي) إلى مصر، أو غربا إلى تشاد، أو جنوبا إلى جنوب السودان. على الحدود المصرية. بلغتنا أنباء عن تشكّل طوابير طويلة في الحر الشديد، ومعالجة بطيئة للطلبات، وقلة الوصول إلى الطعام والماء ودورات المياه. كثير من الناس مرضى ولا توجد أدوية متاحة. تشترط السلطات المصرية تأشيرات دخول للذكور في سن معينة، على الأرجح لمن تتراوح أعمارهم بين 16 و50 عاما، مما يزيد العملية بطئا أو يؤدي إلى منع أصحاب هذه الفئة من الدخول، وبالتالي تتفرق العائلات. يتطلب الحصول على تأشيرة الدخول عدة أيام أو أسابيع. بالنسبة للآلاف الذين يحاولون العبور إلى تشاد، فإن الطرق من غرب دارفور غير آمنة، فالفارون من الحرب يواجهون نقاط تفتيش خطيرة والابتزاز والنهب وخطر الوقوع في مرمى النيران. يتعين على الدول المجاورة أن تسمح للفارين من النزاع بالحصول فورا على المساعدات وبطلب اللجوء، بينما ينبغي للبلدان البعيدة أن تساعد في إنشاء ممرات هروب آمنة وقانونية.

ارتفع عدد النازحين داخليا في السودان بشكل كبير. هل يتلقون مساعدات؟

لا توجد تقارير موثوقة عن عدد النازحين داخليا، لأن القتال حد بشكل كبير من حركة العاملين في المجال الإنساني. قُتل ما لا يقل عن خمسة من عمال الإغاثة في مرحلة مبكرة من النزاع وهوجمت المرافق الصحية. نظرا لانعدام الأمن، تمت عمليات إجلاء واسعة النطاق لعمال الإغاثة.

في 11 مايو/أيار، أثناء المحادثات التي استضافتها السعودية، قالت الأطراف المتحاربة إنها ستمتثل للالتزامات الرئيسية لقوانين الحرب، بما في ذلك تسهيل وصول المساعدات الإنسانية.

نعرف أشخاصا ذهبوا إلى شرق السودان، حيث الوضع أكثر أمانا، بينما ذهب البعض إلى الشمال. مع ذلك، لا يزال الكثير من الناس في الخرطوم لأنهم لا يستطيعون الفرار، أو يعانون من مرض، أو لا يستطيعون المشي، أو ببساطة لا يريدون مغادرة منازلهم، لذلك تواجه العديد من العائلات قرارا مؤلما بالتخلي عن أقاربها والمغادرة.

رجل يسير بجوار منزل دمره القتال الأخير في الخرطوم، السودان، 25 أبريل/نيسان 2023. ©2023 مروان علي/"أسوشيتد بريس فوتو"

ذكرتَ القتال في ولاية غرب دارفور. لماذا تثير تلك المنطقة قلقك بشكل خاص؟

منذ 2019، شنت الميليشيات العربية التي انضمت إليها قوات الدعم السريع هجمات ضد المجتمعات غير العربية في غرب دارفور. قتلت المئات وأحرقت عددا كبيرا من القرى. بالنظر إلى غياب الحماية التام من القوات الحكومية، قامت بعض المجموعات المستهدفة في هذه الهجمات، ولا سيما قبائل المساليت، بتشكيل ميليشيات للدفاع عن نفسها.

لا يزال سكان دارفور يعانون من تبعات عقدين من النزاع والتطهير العرقي. لم تكن هناك عملية ذات مغزى لمعالجة الأسباب الجذرية لهذا العنف. ومن تلك القضايا المساءلة عن عمليات القتل وغيرها من الجرائم، والوصول إلى الأراضي والموارد الطبيعية وملكيتها، فضلا عن كف أذى القوى التعسفية.

الإطاحة بعمر البشير في 2019، بعدما وجهت إليه المحكمة الجنائية الدولية لائحة اتهام بشأن الفظائع التي ارتكبت في دارفور، بعثت الكثير من الأمل في أن يحل في دارفور سلام وعدالة مستدامان. لكن ذلك لم يتحقق. فالنخب السياسية والجهات الفاعلة الدولية لم تعط الأولوية لدارفور. بدلا من ذلك، أنهت مهامَّ قوات حفظ السلام التابعة للـ"الأمم المتحدة" و"الاتحاد الأفريقي" في دارفور، وصدّق العالم أن الحكومة السودانية ستحمي المدنيين دون تدقيق حقيقي.

تُحقق هيومن رايتس ووتش في أعمال العنف في غرب دارفور، ومن الواضح أن الهجمات التي شُنّت منذ 2019 لم تكن "قبائلية"، أي أنها لم تقع بين مجموعات محلية. يُظهر بحثنا أن عناصر من قوات الدعم السريع، إلى جانب المليشيات العربية، كان لهم دور مركزي في الهجمات. مستوى التسلح، والاستهداف المباشر لمخيمات النازحين داخليا، جعل من الضروري النظر إلى الأحداث من زاوية تتجاوز الاشتباكات القبلية.

بدأت الاشتباكات بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، إلى جانب المليشيات العربية، في 24 أبريل/نيسان في الجنينة عاصمة غرب دارفور. تأخرت هذه المواجهات قليلا عن القتال الذي اندلع في أجزاء أخرى من البلاد. خلال الأيام الماضية، تحدثت إلى ناجين من هذه الجولة الأخيرة من العنف. انسحبت القوات المسلحة السودانية إلى قاعدتها في المدينة، تاركة المليشيات العربية وقوات الدعم السريع لتهاجم المجموعات غير العربية التي كان بعضها مسلحا ومعبأ. اشتبك مسلحو المساليت مع المهاجمين، الذين أحدثوا فوضى عارمة على مدار أيام، وقتلوا المدنيين، ودمروا ونهبوا الأسواق المحلية والمرافق الصحية الرئيسية. دُمّرت أيضا عدة مواقع تجمع كانت تستقبل النازحين من هجمات سابقة منذ 2019.

أصبح لدينا الآن نازحون مضطرون للنزوح من جديد بحثا عن ملاذ آمن في مكان آخر. أخبرني السكان أن بعض المصابين في أواخر أبريل/نيسان فارقوا الحياة متأثرين بإصاباتهم بسبب نقص الرعاية الصحية. ومن نجا منهم يواجه أوضاعا صعبة ولم يعد لديه سوى القليل ليعتاش عليه.

تقاعست الحكومات الأجنبية والهيئات الدولية لسنوات عن الرد بشكل مناسب على الانتهاكات في غرب دارفور. يشعر الكثيرون في المنطقة أن العالم نسيهم. لكن إذا لم يُعط دارفور المزيد من الاهتمام، سيتفاقم الوضع ويخرج عن السيطرة.

مبنى بنك احترق عقب اشتباكات بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع رغم وقف إطلاق النار في الخرطوم، السودان في 29 أبريل/نيسان 2023 . ©2023 عمر إيرديم/"وكالة الأناضول" عبر "غيتي إيمدجز"

كيف تحصل هيومن رايتس ووتش على المعلومات من السودان؟

هذه من القضايا والتحديات الرئيسية. كان التواصل مع الناس في الخرطوم أسهل، لكن شبكات الإنترنت صارت تتعطل باستمرار مؤخرا لأن مزودي خدمات الاتصالات يشتكون من نقص في الكهرباء والوقود. في بعض الأحيان تتحدث إلى أشخاص في حالة تنقل، وفي أحيان أخرى تسمع دوي طلقات نارية وانفجارات في الخلفية. بعض الناس يصفون ما يرونه أثناء فرارهم من منطقة إلى أخرى. عبَر العديد منهم نقاط تفتيش لقوات الدعم السريع أو للقوات المسلحة السودانية، وكل من تحدثت إليهم عبّروا لي عن قلقهم بشأن وجهتهم أو مآل رحلتهم. من الصعب الحصول في الوقت المناسب على معلومات جرى التحقق منها. لذلك، نحن بحاجة إلى استجابة دولية قوية تمكن من توثيق أفضل للانتهاكات وحفظ الأدلة.

أصدرت هيومن رايتس ووتش مؤخرا بحثا جديدا حول استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق الحضرية. لماذا اخترت هذا الجانب من النزاع؟

غالبا ما تفتقد الأسلحة المتفجرة للدقة بشكل كبير، أو يكون نطاق انفجارها واسعا جدا، بحيث لا يمكن استخدامها في المناطق المأهولة بالسكان بطريقة تحترم قوانين الحرب. لم يتسبب استخدام الأسلحة المتفجرة الثقيلة في المناطق الحضرية في قتل المدنيين وإصابتهم فحسب، بل أثر أيضا بشكل كبير على الوصول إلى المياه والكهرباء والرعاية الصحية.

أخبرنا الناس عن الأضرار التي لحقت بمنازلهم أو أحيائهم. تحدثوا أيضا عن تواجد عناصر مسلحة بالقرب من المنازل، مما يعرض المدنيين لخطر أكبر. حدثنا الأطباء عن القصف الذي تعرضت له المستشفيات وعن عمليات إجلائهم من المستشفيات ومحاولات إيصال الطعام والماء والأدوية للمرضى. هناك نقص كبير الإمدادات، مما دفع القطاع الصحي إلى حافة الانهيار.

أدى القتال العنيف في المناطق المأهولة بالسكان إلى وضع قاتم. حُبس الناس في منازلهم لعدة أيام، ولا أحد يستطيع تزويدهم بالطعام. يتفقدون وسائل التواصل الاجتماعي ويروون قصص أقارب لهم أصيبوا قبل أيام ثم ماتوا في غياب الرعاية الطبية. هذه الروايات مهمة لفهم خطورة الموقف.

هذا هو الواقع على الأرض. هذان جنرالان يقتتلان على السلطة. وعلى مدى السنوات الماضية، وقبل وقت طويل من اندلاع القتال الحالي، أبديا تجاهلا تاما لأرواح المدنيين.

ما الذي ينبغي على المجتمع الدولي فعله الآن؟

رغم قول الطرفين المتحاربين الأسبوع الماضي إنهما سيلتزمان بقوانين الحرب، فإن سجلهما الرهيب من الانتهاكات على مر السنين يعني أنه من غير المرجح أن يفعلا ذلك دون ضغوط خارجية حقيقية.

بعد أن نفذ الجنرالان الانقلاب العسكري في 2021، طالبْنا المجتمع الدولي بالتفكير في الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع واتباع نهج مختلف حياله. لكن ذلك لم يتحقق. كما كان الحال في الماضي، تُحاور الجهات الدولية العسكر ولا تلقي بالا لجماعات الاحتجاج التي قالت منذ البداية إن قادة جائرين يمسكون بزمام السلطة لا يمكنهم إقامة سودان يحترم الحقوق. الإفلات من العقاب على جرائم الماضي لم يزد الجنرالين المتناحرين إلا جرأة.

لدى هيومن رايتس ووتش ثلاث أولويات رئيسية مترابطة: حماية المدنيين، والمساعدة والاستجابة الإنسانيتين والمساءلة.

نحن نناقش توسيع حظر الأسلحة الدولي. هناك بالفعل حظر من "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة" على الأسلحة في دارفور، لكننا نريد توسيعه للحد من قدرة الطرفين المتحاربين على تعريض حياة المدنيين للخطر بشكل أكبر.

نريد عقوبات محددة الأهداف على القادة الذين يرتكبون الانتهاكات. هناك مجموعة واسعة من الانتهاكات تُرتكب في جميع أنحاء السودان. نحن ندعو إلى فرض هذه العقوبات منذ سنوات، لكن شيئا لم يحدث.

نريد من "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة" إنشاء آلية خاصة للتحقيق في الانتهاكات المرتكبة منذ بدء القتال، تتمتع بتفويض بجمع الأدلة وحفظها وتعزيز المساءلة. عقد المجلس في 11 مايو/أيار جلسة خاصة بشأن السودان، لكنه لم ينشئ آلية مستقلة لحفظ الأدلة، وهو ما طالب به أكثر من 100 منظمة سودانية ودولية. بدلا من ذلك، عزز المجلس الآليات القائمة فقط، ولم يفلح في معالجة حجم الانتهاكات والمعاناة، فضلا عن الحاجة إلى نهج دولي جديد يركز على تعزيز المساءلة.

يردد العالم باستمرار بأنه يقف إلى جانب شعب السودان، لكنها وعود فارغة لحد الساعة. خذل العالم السودان باسترضاء قادته الغاشمين، وعليه الآن يُقنع الجنرالين السودانيين بما لا يدع مجالا للشك بأنهما سيُساءلان لا محالة. عندها فقط يكون المجتمع الدولي شرع فعلا في الدفاع عن الشعب السوداني الذي يريد مستقبلا أفضل قوامه السلم والعدل.

 

 

 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

المنطقة/البلد