بينما تحط المعركة ضد داعش رحالها، تقوم حكومة إقليم كردستان بفحص واتهام وإدانة آلاف الأشخاص، تحديدا الرجال والفتية، على خلفية ارتباطهم بداعش، بموجب قوانين مكافحة الإرهاب التي تدعو إلى أحكام قاسية، بما فيها الإعدام أو السجن مدى الحياة.
عرّض داعش الأمن العراقي إلى مخاطر فعلية، بما فيها الهجمات ضد مدنيين وأفعال جرمية أخرى في جميع أنحاء البلاد. ومن حق السلطات الكردية محاكمة هذه الجرائم لحماية أمن السكان وضمان العدالة للضحايا. غير أن بعض القضاة في إقليم كردستان قالوا لي إنه ليس هناك استراتيجية وطنية لتنسيق هذه المحاكمات، أو إعطاء الأولوية لمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن الجرائم الأكثر خطرا. الطريقة التي تتم فيها هذه المحاكمات تحرم ضحايا أسوأ الانتهاكات التي شهدها العقد الأخير من حقهم بإسماع صوتهم.
الرغبة بمعاقبة والانتقام من الأسر التي عانت من انتهاكات داعش على مدى 3 سنوات واضحة. في المقابل يهدد النهج الحالي بزرع بذور مظالم مستقبلية.
يسمح قانون مكافحة الإرهاب للقضاة باتهام مجموعة واسعة من المشتبه فيهم، بمن فيهم المقاتلين الذين اغتصبوا وقتلوا، ولكنه يسمح أيضا باتهام الأطباء الذين عملوا في مستشفيات يديرها داعش أو الطباخين الذين حضّروا الطعام لمقاتلي داعش. بالغالب إثبات تُهَم انتهاك قانون مكافحة الإرهاب أسهل من الجرائم الأخرى. كل مل يحتاجه المدعون العامون هو إثبات الانتساب إلى داعش أو المشاركة في السلسة الإدارية لـ داعش أو القتال في صفوفه، بدل إثبات ارتكابهم لجرائم بعينها – وهو بالفعل تحد صعب خاصة وأن هذه الجرائم حدثت في فوضى الحرب.
علمت "هيومن رايتس ووتش" أن 7,374 مشتبه بانتمائهم لداعش حوكِموا أو أُدينوا منذ 2014، من ضمنهم 92 أُعدموا. في هذه القضايا تحاكم المحاكم العراقية الذين نفذوا أو شاركوا أو خططوا أو موّلوا أو سهّلوا أعمال إرهابية، بعضهم بعد محاكمات دامت 15 أو 20 دقيقة فقط، بدون وجود أي من ضحايا جرائمهم المفترضة.
يجعل الاعتماد على قوانين مكافحة الإرهاب إعطاء الأولوية للجرائم الأكثر خطرا تحت حكم داعش ومعاقبتها صعبا. إنما بعض الأشخاص يجب ألّا يُحاكَموا في أي ظرف من الظروف، مثل الأطباء الذين كانوا ببساطة يقومون بعملهم.
كما أن العدد الكبير للمحاكمات يجعل من الصعب حفظ سجلات قضائية للجرائم الكثيرة التي ارتُكبت ضد مواطنين عراقيين وجمع أدلة عليها من الشهود والضحايا. بينما يدعو الجميع إلى العدالة، وعادة ما يُسمَح بمشاركة الضحايا والشهود في المحاكمات في العراق، لم تقم السلطات بأي جهد لدعوة الضحايا في هذه المحاكمات. ولم يتم تشجيع الضحايا على حضور المحاكمات ولا ظهورهم فيها كشهود للإدلاء بما حصل معهم أو طرح أسئلتهم على المشتبه فيهم.
ولنعطي مثالا مزعجا عن ذلك: اعترف أحد المتهمين خلال محاكمته، في محكمة مكافحة الإرهاب في نينوى، أنه احتجز 4 نساء لاستعبادهن جنسيا، وكان كل ليلة يغتصب إحداهن. لكن القاضي أدانه بالانتماء إلى داعش فقط. لماذا لم تحاول السلطات إيجاد النساء اللاتي اعتدى عليهن، أو أسرهن إن كنّ فارقن الحياة، وأتاحت لهن فرصة حضور جلسات المحكمة وطلب اعتذار أو أضعف الإيمان رؤية القاضي يدين المتهم بالجرائم التي ارتكبها ضد بناتهم أو زوجاتهم؟
حتى لو ارتكب بعض المشتبه فيهم جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو تطهير عرقي لن يدانوا بهذه التهم في هذه المحاكمات، لأن هذه التهم غير موجودة في قانون العقوبات في إقليم كردستان. ولكن يمكن للقضاة اتهامهم بجرائم كثيرة أخرى بموجب القانون العقوبات بما في ذلك القتل أو الاغتصاب، ما من شأنه مساعدة ضحايا هذه الجرائم بالشعور بتحقيق العدالة.
كما تجري المحاكمات في ظل انتهاكات متفشية لحقوق المتهمين بموجب القانونين الدولي والعراقي. لقد وثّقنا حالات قال فيها مشتبه بانتمائهم إلى داعش إن القوات العراقية احتجزتهم لأشهر وحققت معهم دون وجود محام، وفي بعض الأحيان عذبتهم لانتزاع اعترافهم بانتمائهم فعلا إلى داعش.
تحدثنا مع أكثر من 100 أسرة اعتُقل أبناؤهم وأزواجهم خلال الفحوص الأمنية، ولم يكن لديهم أي فكرة عن مكانهم بعد أشهر من اعتقالهم. في البداية كانت السعادة تغمرهم بالتحرر من داعش. قالت لي امرأة: "أتمنى لو بقينا في الموصل ومتنا بغارة جوية. فهذا أفضل من العيش دون معرفة ما حصل لزوجي". إحدى الزنازين التي عاينّاها، طولها 6 أمتار وعرضها 4 أمتار، كانت تضم 114 سجينا مدة 4 أشهر دون أي منفذ للهواء النقي أو القدرة على مد أرجلهم.
في نفس الوقت، تكلّمنا مع نساء كنّ محتجزات كعبدات جنسيات، بيعت النساء من رجل إلى رجل أكثر من 10 مرات، واغتُصبن مرارا وتكرارا. قالت لنا هؤلاء النساء إن السلطات لا تعير معاناتهن أي اهتمام ولا تقوم بأي شيء لمحاسبة الجناة.
على العراق إظهار أنه يستطيع الانتقال من مرحلة داعش العنيفة إلى الأفضل. وعلى الحكومة إظهار أنها، بعكس المجموعة المتطرفة، تهتم بالضحايا والمساءلة وسيادة القانون. لذلك عليها استخدام القانون لمحاسبة الذين ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بأقصى ما يسمح به القانون في محاكمات تحترم المعايير الدولية الأساسية. وعليها أن تتيح للضحايا الحديث عن معاناتهم.
من أجل محاكمة هذه القضايا كما يجب، على العراق التوقف عن إضاعة الموارد على محاكمة مئات الرجال الذين قدموا خدمات طبية أو ساعدوا داعش عبر ضمان استمرارية شبكة الموصل المائية وشبكة المجارير، وملاحقة مجرمي الحرب بدلا منهم.