ما زال الغموض يكتنف كيف يعتزم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلحاق الهزيمة بالجماعة المنتهكة للحقوق، الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وغيرها من الجماعات السنية التي استولت على قطاعات كبيرة من مساحة العراق.
وفي ظل الأنظمة والقواعد الإعلامية الجديدة التي أصدرتها حكومته، يبقى احتمال اكتشاف الشعب العراقي لهذا الأمر مستبعداً.
إن التوجيهات الجديدة، الصادرة في 18 يونيو/حزيران من جانب هيئة الإعلام الحكومية بحيث تظل سارية "أثناء الحرب على الإرهاب"، تلزم فعلياً وسائل الإعلام المحلية والدولية بالتهليل للحكومة. على سبيل المثال فهي تمنع الإعلام من نقل المعلومات من جانب قوات المتمردين، وتشترط عدم تغطية القوات الحكومية إلا في أبهى صورة.
وكما قال صحفي عراقي، فإن هذه التوجيهات "تحظر على الصحفيين فعلياً تغطية النشاط الحربي، لأن أي شيء تنقله عن الإرهابيين يمكن اعتباره تأييداً لهم".
وقد عرف عن بعض وسائل الإعلام العراقية تبني توجهات طائفية متشددة، ومنها منافذ إعلامية تحرض على العنف دون مواربة. لكن القيود الجديدة تتجاوز بكثير ما يجيزه القانون الدولي. العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يقول إن للحكومات الحق في الحد من بعض الحقوق، بما في ذلك ما يتعلق بالإعلام، لكن فقط عندما يتطلب الموقف ذلك. لابد أن تكون القيود محددة بموجب القانون، وتثبت ضرورتها لحماية هدف مشروع، بشكل متناسب مع حماية هذا الهدف، وأن تخضع للمراجعة القضائية.
المادة الأولى من التوجيهات العراقية تمنع وسائل الإعلام من بث أو نشر المواد "التي تحمل تأويلاً أو تعميماً أو طعناً بحق القوات الأمنية، أو بث معادلات صورية مسيئة لها". وعلى وسائل الإعلام بدلاً من هذا "التركيز على المنجزات الأمنية للقوات المسلحة، وتكرارها خلال ساعات البث اليومي"، مما يشمل "الإشادة بالأعمال البطولية التي يقوم بها منتسبو الأجهزة الأمنية".
وتقول المادة 5 إن بث تصريح من جماعة مسلحة أو مقابلة مع أحد أعضائها ممنوع. كما يحذر المشرف على الإعلام من "البحث عن ’سبق‘ على حساب مصلحة البلاد وتعكير الأمن". ومع ذلك فإن هذا الحظر لا ينطبق في ما يبدو على تصريحات المليشيات الشيعية المسيئة الموالية للحكومة.
ويجب على الإعلام "بث برامج تشيع الحماس والروح القتالية ضد الإرهاب"، مما يعني "الأهازيج الوطنية، وبث لقطات وصور الحشود الجماهيرية وبطولات قواتنا الأمنية". أما التساؤل عما إذا كانت هيئة الإعلام تعتبر الإعدام المزعوم لمساجين من السنة على أيدي قوات الأمن في بعقوبة وتلعفر وأماكن أخرى عملاً بطولياً فما زال يكتنفه الغموض.
حتى الآن لم يتم إغلاق أي منفذ إعلامي استناداً إلى القواعد الجديدة، لكن صحفيين يعملون في وسائل إعلام عراقية مستقلة قالوا إنهم يتعرضون لضغوط من الهيئة ومن مسؤولين حكوميين.
في 24 يونيو/حزيران قامت مصر بحظر قناتين تلفزيونيتين عراقيتين خاصتين، هما البغدادية والرافدين، من النظام الفضائي المصري الرئيسي، النايل سات، بعد تقدم بغداد بشكاوى من محتواهما بحسب بعض التقارير. والرافدين معروفة باتجاهاتها السنية الضارية أحياناً، لكن البغدادية تقدم تغطية استقصائية انتقادية للحكومة ولا يعرف عنها ترويج العنف.
وفي المقابل لم تتخذ السلطات العراقية أي إجراء ضد وسائل إعلام تؤيد الحكومة أو المليشيات الموالية لها، مثل كتائب حزب الله (قناة الاتجاه) أو عصائب أهل الحق (قناة العهد)، رغم أن القناتين على السواء تبثان دعوات للعنف ضد السنة.
ولم تعف وسائل الإعلام الدولية من القيود، ففي 19 يونيو/حزيران قام مسؤول من وزارة النفط، متحدثاً على قناة العراقية التلفزيونية التي تديرها الدولة، بتهديد وكالات الأنباء الدولية لنشر ما زعم أنها معلومات مضللة بشأن القتال بين قوات الحكومة وداعش عند مصفاة النفط في بيجي. كما أفادت قناة العربية ذات التوجه العروبي بتعرضها لضغوط.
إن هذه الخطوات الساعية إلى إسكات الإعلام، علاوة على عدم قانونيتها، ستعرقل الجهود الرامية إلى حل الأزمة السياسية والاقتصادية والأمنية الحادة في العراق، فالتغطية المتوازنة والنقاش المفتوح، بدلاً من التهليل القسري، هما ما يرجح أكثر بكثير أن يساعد البلاد على التراجع عن حافة الهاوية.
فريد آبراهامز مستشار خاص في هيومن رايتس ووتش.