Skip to main content

منذ شهور وليبيا تُحضّر للاحتفال بالذكرى الأربعين لانقلاب العقيد معمر القذافي في 1 سبتمبر/أيلول. كان من المفترض أن يكون إفراج إسكتلندا عن عبد الباسط المقرحي ، الشخص الوحيد المُدان على صلة بحادث تفجير لوكربي في عام 1988، ذروة انقلاب القذافي في العلاقات الدولية في عام ترأست ليبيا في بعض منه كل من مجلس الأمن في الأمم المتحدة والجمعية العامة. لكن عودة المقرحي لم تمر بالسلاسة المُخطط لها.

سيف الإسلام القذافي، ابن الزعيم الحالي وخليفته المتوقع، كان بحاجة لإظهار أنه قادر على إعادة المقرحي إلي ليبيا بعد سنوات من الجهود الدبلوماسية الليبية. وكان من المقرر أن يلقي خطابه السنوي على الشباب الليبي  في العشرين من أغسطس/آب. وفيما تراود الكثير من الليبيين مشاعر مختلطة تجاهه، فإنهم يترقبون خطاباته لأنها المناسبات الوحيدة التي تُناقش فيها علناً حقوق الإنسان وسياسات الإصلاح. وعندما  تم إلغاء الخطبة، تساءل البعض إذا كان نفوذه يتراجع.

الإجابة هي لا على ما يبدو. فبدلاً من كلمته في 20 أغسطس/آب، ظهر سيف الإسلام على سلم الطائرة ،التي جلبت المقرحي إلى وطنه. أوضح سيف الإسلام فيما بعد أن إعادة المقرحي كان من المفترض أن تتم بدون ضجة أو مظاهر احتفالية، ولكن الغرب لم يقرأ الموقف  بهذا الشكل. فقد أبدت أسر ضحايا لوكربي غضبها واستنكارها، والولايات المتحدة وبريطانيا  رأت أن الترحيب كان مثيراً للاشمئزاز. لكن واشنطن ولندن أشارتا أيضاً إلى أن عودة المقرحي لن تمس بالعلاقات المتنامية مع ليبيا.

ذكرني رد فعل أسر لوكربي بمظاهرة في بنغازي، ثاني أكبر المدن الليبية، قبل شهرين، في 29 يونيو/حزيران. في تسجيل فيديو عُرض على الإنترنت، شاهدت النساء والرجال ينشدون "نحنا ما نبوش فلوس..نبو قطَّاعين الروس". وهؤلاء هم أسر السجناء البالغ عددهم 1200 الذين قُتلوا قبل 13 عاماً، في 29 يونيو/حزيران 1996، في سجن بوسليم الليبي، الذي يقع تحت سيطرة الأمن الداخلي الليبي. خاطروا باحتمال اعتقالهم وحبسهم بخروجهم إلى شوارع بنغازي في دعوة لإحقاق العدالة.

ولم تكشف السلطات الليبية عن أية معلومات عما حدث في ذلك اليوم. لسنوات سعت هذه الأسر بلا جدوى إلى معرفة مصير وأماكن أقاربها. وأخر مرى يرى فيها هؤلاء الأقارب أزواجهن وأبنائهم وأشقائهم كان لدى القبض عليهم، في الفترة من 1989 إلى 1995، ثم "اختفوا". ومع الإفراج عن سجناء آخرين، أو عن طريق اتصالات غير رسمية ، عرفت بعض الأسر أن أقاربهم في سجن بوسليم. و وتدريجياً، بدأت المعلومات تتسرب.. عن المذبحة.

وحين ذهبت بصحبة زملاء آخرين من هيومن رايتس ووتش إلى ليبيا في أبريل/نيسان، قابلت بعض بعض أعضاء العائلات ، الذين تكبدوا مخاطرة شخصية كبيرة بمقابلتي. وفيما بعد تحدثت إلى رجل ليبي في الولايات المتحدة كان شقيقيه في سجن بوسليم عام 1996. قال لي كيف أنه كل ثلاثة أشهر، منذ اعتقالهم في عام 1995 حتى 2000، وهو العام الذي سُمحت فيه بالزيارة للسجن لأول مرة، كانت أسرته تملأ السيارة بالثياب والطعام وأغطية الفراش وتخرج في رحلة لمدة 12 ساعة من بنغازي إلى السجن في طرابلس. كانت الأسر تترك ما جلبته في أكياس على البوابات وعلى كل كيس اسم السجين صاحبه، على أساس أن الحراس سيُدخلون ما جلبوا.

وقال لي: "طيلة الوقت الذي كنا نترك فيه تلك الحاجيات، بأمل أن أحبابنا بالسجن لا يزالون على قيد الحياة. طيلة هذا الوقت كانوا أمواتاً وكان عسس السجن يأخذون الملابس والأشياء الأخرى لآنفسهم".

بعد سنوات طويلة من الصمت بدأت السلطات الليبية في محاولات لحل قضية بوسليم.

... ولكن توجه السلطات كان نمطياً: عرض التعويض وتجنب مقاضاة المسؤولين عن الجريمة. في ديسمبر/كانون الأول الماضي بدأت السلطات في إصدار شهادات وفاة للأسر وعرضت التعويض المالي   شرط أن تتعهد بعدم رفع دعاوى قضائية، داخلياً أو خارجياً. ويشير هذا إلى وعي المسؤولين بمدى تغلغل نظام العدالة الجنائية الدولية في الوقت الحالي، وهو درس تعلمته ليبيا من لوكربي.

معظم عائلات الضحايا ببنغازي رفضوا التعويض بهذه الشروط ونزلوا للشارع مطالبين السلطات فتح التحقيق ومحاكمة الجناة ومطالبين تسليمهم جثت الضحايا لدفنهم بطريقة كريمة ونشر جميع تفاصيل الجريمة وكيف تم تصفية 1200 سجين.

السؤال هو كيف تتعامل دولة كانت منبوذة من المجتمع الدولي مع انتهاكات الماضي الحقوقية الجسيمة؟ وإلى أي مدى يمكن أن تُقدم الدول التي تربطها علاقات مقربة بليبيا - مثل بريطانيا والولايات المتحدة وإيطاليا - على دعم ليبيا في مسح وإخفاء جرائم الماضي وانتهاكات الحاضر؟ جزء من الإجابة يشمل توخي التعاطف مع ضحايا بوسليم وأسرهم وإنصافهم. على هذه الدول أن تُشجع ليبيا على التصدي للماضي بدلاً من السماح بغفرانه من أجل دولارات النفط.

بالنسبة لأسر المُختفين، فإن "كل مناسبة وكل احتفال يتحول إلى جنازة لأنهم ليسوا معنا"، حسب ما صرح لي مواطن ليبي. بالنسبة للأسر التي أمضت كل هذه السنوات تتلمس الأخبار عن أحبائهم، فلا يمكن أن يحل التعويض محل الحق في المعرفة، والحق في تعويض يشمل إحقاق العدل.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.