(بيروت، 21 مارس/آذار 2012) – قالت هيومن رايتس ووتش في تقرير أصدرته اليوم إن شركاء التطوير الإماراتية والمؤسسات التعليمية والثقافية المشاركة في تطوير جزيرة السعديات قد التزمت بتعهدات هامة للتصدي لمشكلة استغلال العمال الوافدين من جنوب آسيا للعمل في الجزيرة، إلا أن هناك ثغرات مستمرة في تدابير الحماية. يقوم العمال بأعمال بناء وتطوير بقيمة 22 مليار دولار في تلك الجزيرة بالإمارات العربية المتحدة.
تقرير "عودة إلى جزيرة السعادة: تقرير عن التقدم المُحرز على مسار منع انتهاكات حقوق العمال الوافدين في جزيرة السعديات – أبو ظبي" الذي جاء في 85 صفحة ذكر من بين الثغرات استمرار عدم تعويض العمال على ما يدفعونه من رسوم استقدام للعمل، وتسديد هذه الرسوم يستغرق منهم شهوراً وسنوات في العادة، وهو ما يعتبر أكبر عامل يهيئ أوضاع العمل الجبري. كما توصلت هيومن رايتس ووتش إلى وجود مشكلات في عملية العقاب الفعال للمقاولين المخالفين والمتجاوزين للحقوق، ومشكلات في متابعة تنفيذ الوعود الخاصة بعلنية تقارير المراقبة. من المقرر أن تستضيف الجزيرة فروعاً لجامعة نيويورك، ولمتحف اللوفر ولمتحف غوغنهايم، من بين مشروعات بارزة أخرى.
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "لمدة طويلة، أدى العمال الوافدون في الإمارات عملهم في ظروف مسيئة، دون اهتمام يُذكر من جهات الاستثمار العامة أو الخاصة. والآن غيَّر المستثمرون الإماراتيون أخيراً ومعهم شركائهم الدوليين من هذا المنهج في جزيرة السعديات، من أجل البدء في حماية العمال، إلا أن عليهم بذل المزيد من الجهود لوقف الإساءات".
توصلت هيومن رايتس ووتش إلى وجود أوجه تحسن ملحوظة طرأت على الأوضاع منذ تقريرها الأول عن الجزيرة الصادر عام 2009. وتحديداً، لاحظت هيومن رايتس ووتش تنفيذ المؤسسات التعليمية والثقافية وشركاء التطوير الإماراتية لتعهداتها الخاصة بضمان انتظام دفع الأجور للعمال، وتوفير أوقات للراحة وأيام عطلة وتوفير تأمين صحي يدفع ثمنه أصحاب العمل، واستخدام جهات مراقبة مستقلة للتفتيش على انتهاكات حقوق العمال في الجزيرة والكتابة عنها علناً. إلا أن التقرير توصل أيضاً إلى أن الكثير من العمال ما زالوا يدفعون رسوم استقدام للحصول على الوظائف، وهو ما يؤدي بهم في أحيان كثيرة إلى الحصار في أوضاع صعبة سببها الاستدانة.
فضلاً عن ذلك، خلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن المقاولين يقومون بشكل منتظم بمصادرة جوازات سفر العمال ويبدلون عقود العمال بعقود أخرى بامتيازات أقل لدى وصول العمال إلى الإمارات العربية المتحدة. وبينما تعهدت مؤسسات التطوير والمؤسسات الثقافية والتعليمية في جزيرة السعديات بإنهاء هذه الممارسات، وبينما لوحظ أن معدل المشكلات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش في التقرير ليس بسوء ما تم توثيقه في عام 2009؛ إلا أن استمرارية بعض الممارسات السيئة في عدد من الحالات يعكس وجود ثغرات قائمة في تدابير الحماية المكفولة للعمال. الأطراف المستفيدة من هذه المشروعات عليها أن تتقدم بتعهد واضح بتعويض العمال الذين يتبين دفعهم لرسوم استقدام في خرق للسياسات القائمة. كما يتعين على المؤسسات التعليمية والثقافية المشاركة بمشروعات ومؤسسات الاستثمار الإماراتية أن تحقق وتفرض عقوبات فعالة على المقاولين الذين يخالفون السياسات المفروضة لحماية العمال من الإساءات.
ورغم تعهد المؤسسات المشاركة بالتصدي لمشكلة دفع العمال لرسوم الاستقدام ورغم القوانين الإماراتية التي تحظر على المؤسسات فرض هذه الرسوم، فإن جميع العمال تقريباً الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش أفادوا بدفعهم مبالغ تراوحت بين 900 إلى 3350 دولاراً في بلدانهم التماساً للعمل في الإمارات، وبعضهم وفدوا إلى الإمارات مؤخراً ولم يعملوا إلا في مشروعات بجزيرة السعديات. وفي ظل توفر دخل متواضع وإمكانيات قليلة، فإن العمال كثيراً ما يقترضون بأسعار فائدة عالية لتسديد هذه الرسوم، ثم يمضون شهوراً وسنوات من العمل لتسديد الديون.
ونظراً لاستمرار تفشي ممارسة مطالبة العمال بدفع رسوم الاستقدام؛ يدعو التقرير جميع الأطراف لأن تتعهد بتعويض العمال عن أي رسوم استقدام يتبين أنهم دفعوها أثناء السعي للعمل في الجزيرة.
هذه الجزيرة مسطحة التضاريس في الخليج العربي فيها مقر لجامعة نيويورك ومتاحف ومراكز فنية – كلها من تصميم مؤسسات معمارية عالمية – وكذلك ملاعب غولف وفنادق ومساكن فخمة. يقوم عمال من الهند وباكستان وبنغلاديش ودول أخرى بجنوب آسيا بتشييد البنية التحتية للجزيرة منذ شكّلت إمارة أبو ظبي شركة التطوير والاستثمار السياحي من أجل الإشراف على بعض أجزاء المشروع، في عام 2005. من المقرر افتتاح اللوفر أبو ظبي في عام 2015، وغوغنهايم في 2017. يتولى جهاز الشؤون التنفيذية لأبو ظبي مسؤولية تطوير وإنشاء مقر جامعة نيويورك، المقرر افتتاحها في عام 2014.
انتهى التقرير أيضاً إلى أن العمال أفادوا بنقص المعلومات لديهم، أو حصولهم على معلومات مُضللة، عن شروط وامتيازات وظائفهم، وذلك قبل وفودهم إلى الإمارات، و بالنسبة لبعض العمال الذين لا يعيشون في قرية عمال جزيرة السعديات، فهم يعانون من ظروف إسكان مزدحم غير نظيف من الناحية الصحية. وعلى النقيض مما ذهبت إليه تعهدات مؤسسات التطوير لضمان حيازة العمال لجوازات سفرهم، فهناك عامل واحد فقط من 47 عاملاً أجريت مقابلات معهم ويعملون في الجزيرة، قال إنه محتفظ بجواز سفره.
وأشار التقرير إلى أن تعيين مؤسسات رقابة وتفتيش مستقلة في مطلع عام 2011 من أجل الكشف والكتابة عن انتهاكات حقوق العمال في الجزيرة، يعتبر خطوة هامة وإيجابية. إلا أن جهات التطوير والشركاء الأجانب عليهم بذل المزيد من الجهد لضمان فرض إجراءات محاسبة ملائمة، على حد قول هيومن رايتس ووتش.
وحتى الآن لم تقم شركة التطوير والاستثمار السياحي أو جهاز الشؤون التنفيذية بالكشف علناً عن أي تقارير خاصة بنتائج جهات المراقبة والتفتيش الجديدة التي قامت بتعيينها، أو عن أي خطوات متخذة رداً على نتائج هذه الأطراف، على حد قول هيومن رايتس ووتش. فضلاً عن ذلك، فحتى الآن لم تكشف الشركة أو الجهاز عن المكونات الأساسية لبرامج المراقبة والتفتيش – مكونات من قبيل شروط ومواصفات عمل جهة المراقبة، ومجال المراقبة، ومنهجية البحث – التي قد يظهر منها أن جهات المراقبة والتفتيش موثوقة ومستقلة. وليس من الواضح إذا كانت هناك نية للكشف عن هذه المعلومات.
وقالت سارة ليا ويتسن: "الإقرار بالحاجة لمراقبين مستقلين يعني أن مطوري جزيرة السعديات رفعوا سقف التوقعات على مشروعات التطوير والتنمية الأخرى في المنطقة". وأضافت: "لكن المراقبة وحدها لا تكفي، إذ يتعين على شركة التطوير والاستثمار السياحي وجهاز الشؤون التنفيذية الانتباه، ومعاقبة المقاولين المخالفين، وأن يتم الكشف عن هذه العقوبات علناً".